بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

دفن النفايات النووية

دفن النفايات النووية

جدل علمي متواصل حول طرق دفن النفايات النووية

د. ايمان البشير - باحثة في وزارة البيئة اللبنانية

من الممكن دفن الطاقة الحرارية الناتجة عن النفايات النووية الخطيرة إلى الأبد ودون احتمال عودتها مرة أخرى داخل قشرة الأرض، هذا ما يقوله الجيولوجيون، لكن خبراء إدارة النفايات يحذرون من أن العلوم المتاحة حالياً ليست كافية للتخلص من كميات كبيرة من النفايات النووية

فالنفايات النووية إذا دفنت على عمق خمسة كيلومترات في الصخور الجرانيتية الصلبة قد تولد درجة حرارة تجعل الصخور الجرانيتية تنصهر، وتحيط بالنفايات من كل جانب. وعندما تبرد هذه النفايات القاتلة، تعود الصخور الجرانيتية إلى حالتها الأولى، وهي لا تزال تحيط بالنفايات، كما يقول فيرجوس جيب الباحث بجامعة شيفيلد البريطانية ويضيف جيب أن الجرانيت هو المادة المثالية لاحتواء النفايات النووية، وهو أكثر الصخور مقاومة للتآكل على وجه الأرض، وهناك صخور جرانيتية عمرها يصل إلى نصف مليار عام.

ويشك علماء الجيولوجيا في إمكانية عودة الجرانيت إلى حالته الأولى المقاومة للتآكل إذا برد بسرعة بعد انصهاره، ويقولون إن غالبية صخور الجرانيت تكونت بعد أن بردت على مدى مئات الآلاف من السنين.

الجرانيت

لكن جيب وزميله فيليب اتريل اثبتا في المعمل أن الجرانيت يعود إلى حالته الأصيلة خلال اسابيع بعد تعرضه لضغط يعادل ما يتعرض له على عمق خمسة كيلومترات، هذا الاسلوب الحراري في دفن النفايات يمكن من التخلي عن الحاجة إلى وضعها في خزانات على عمق بضع مئات من الأمتار تحت سطح الأرض.

وتواجه هذه الفرضيات تحديات هندسية كبيرة للتعامل مع الحرارة الكبيرة المتولدة عن النفايات لعدة عقود ومئات السنوات من الإشعاع، وقد رفضت الحكومة البريطانية اقتراحات بإنشاء خزانات للنفايات النووية على أعماق بسيطة، وتمت الموافقة على ذلك في جبل يوكا في صحراء نيفادا الأميركية بموافقة شخصية من الرئيس.

ويقول تشارلز كرتس رئيس اللجنة الاستشارية لإدارة المواد والنفايات المشعة البريطانية أنه لا يمكن أخذ مفهوم جيب على أنه حقيقة ثابتة موثوق فيها، غير أنه لن يكون من الممكن فعل ذلك لأسباب سياسية أيضاً، ويقول إن المخاوف التي تحيط بدفن النفايات النووية تعني أن استمرار الدفن قصير المدى هو البديل الواقعي الوحيد، كما أن تنفيذ مقترحات جيب بشأن دفن النفايات النووية في الجرانيت على أعماق كبيرة مسألة مطلقة للغاية.

الخيار النووي

في أوائل شهر أغسطس الماضي، وعلى وجه التحديد في الفترة الواقعة بين الذكرى السنوية لقصف هيروشيما وذكرى تدمير نجازاكي، عقدت القيادة الاستراتيجية الأميركية مؤتمراً صحافياً حول سبل توسيع نطاق قدرات أميركا النووية  وبحسب ما اوضحته نسخة تم تسريبها من جدول أعمال المؤتمر فإن المشاركين فيه تعين عليهم أن يناقشوا متطلبات أسلحة محدودة الانبعاث النووي، أسلحة خارقة للأرض، أسلحة شديدة الانبعاث النووي وأسلحة وسائط الحاق الهزيمة بالخصم.

وعلى الرغم من الاحتجاجات التي شددت على النقيض، فإن مؤيدي القنابل النووية قد أصروا على أن المقصود منها هو الردع حصراً، حيث أنها مصممة للحيلولة دون وقوع هيروشيما أخرى، غير أن أياً من هذه القنابل لا تعكس منطقاً ردعياً يمكن استيعابه.

اقتراحات جديدة

ويشير الاقتراح الأول المتعلق بـ «أسلحة محدودة الانبعاث الحراري» إلى قنابل من شأنها أن تنفجر في الهواء بقوة ربما تعد أصغر بمئة مرة من القنبلة التي قصفت بها هيروشيما  ويجادل المنظرون القائلون بالردع بأن هذه القنابل التي ستكون قوتها التفجيرية معادلة لحوالي مئة طن من مادة الـ «تي  إن  تي» شديدة الانفجار   من شأنها أن تملأ الهوة الحرجة بين أقل أسلحة الترسانة النووية الراهنة قوة  والتي تعادل قوتها التفجيرية حوالي 300 طن من مادة  " تي  إن  تي " والقنابل التقليدية الأكثر قوة  والتي تعادل قوتها حوالي 10 أطنان من مادة " تي  إن  تي " غير أنه من غير المحتمل إلى حد كبير أن عدداً لم تردعه قنابل تقليدية من زنة عشرة أطنان سيعيد التفكير في موقفه عندما يجابه بسلاح نووي شدته مئة طن.

خارقة للأرض

ولا يبدو الاقتراح الثاني، المتعلق بالأسلحة الخارقة للأرض، معقولاً بصورة أكبر وقد تمحور الكثير من النقاش العام فيما يتعلق بهذه الأسلحة حول الأشكال الصغيرة نسبياً منها، وما إذا كان من الممكن جعلها مجردة من الغبار النووي لم تتحقق هذه الإمكانية  وفي حقيقة الأمر أن الدفاع الأقوى عن مثل هذه القنابل يقتضي جعلها قوية بقدر الإمكان.

ووفقاً لهذا النمط في المجادلة فإن الأسلحة الخارقة للأرض ينبغي أن تصمم لتهدد أهدافاً أكثر غوراً تحت الأرض من الأهداف التي يمكن اصابتها اليوم  وهذه هي أفضل طريقة لردع قادة العدو الذين يختبئون تحت الأرض أو يجعلون مواقع تسهيلاتهم النووية على بعد أقل من مئة ميل من مركز حضري.

الاختيار الثالث

أما الخيار الثالث المتعلق بالأسلحة موسعة الإشعاع فإنه مشهور باسم «القنابل النيترونية» ويدور الجدل حوله كما يجري رفضه منذ ثمانينات القرن الماضي  والغرض من مثل هذه الأسلحة هو قتل الاعداء بالاشعاع وفي الوقت نفسه الحفاظ على البنية الكلية العضوية القريبة منهم.

خلال الحرب البادرة، ذهب انصار القنبلة النيترونية إلى القول ببعض المصداقية أنها ستكون فعالة ضد تجمعات الدروع السوفيتية، التي كانت تعتبر في ذلك الوقت أعظم خطر يتهدد الأمن الغربي  ولكن حتى في ذلك الوقت فإن أعداء هذه القنابل المقترحة ردوا بالقول إن الذخائر التقليدية ذات التصويب الدقيق يمكن أن تؤدي المهمة بشكل أفضل، أما اليوم وقد غدت الاسلحة دقيقة التصويب أكثر نضجاً ولم يعد هناك عدو محتمل تتوافر لديه قدرات مدرعة كبيرة، فلم يعد هناك مبرر مقنع لمثل هذا السلاح الذي يقوم على أساس الردع.

وربما كان الاقتراح الأخير الذي طرحه المؤتمر وهو أسلحة الوسائط التي تلحق الهزيمة بالخصم، من المنظور العسكري، السلاح الأكثر إثارة للاهتمام وستصمم هذه الأسلحة لاختراق المخزونات المتوافرة في التسهيلات من الأسلحة البيولوجية والكيماوية وحرقها، الأمر الذي يمنع انتشار الوسائط القاتلة، لكن الدراسات الحديثة ومن بينها دراسة أنجزها مايكل ماي المدير السابق لمختبر ليفرمور الوطني قد وضعت هذه القدرات المزعومة موضع التساؤل  وفضلاً عن ذلك فإن الأسلحة التقليدية تعد بنتائج مماثلة إن لم تكن أفضل في مجال تحقيق هذا الهدف، بالإضافة إلى ذلك، فإنه من دون معلومات استخبارية دقيقة من النوع الذي يبدو أن الولايات المتحدة كانت تفتقر إليه في العراق، فإن استهداف مثل هذه القنابل سيكون أمراً مستحيلاً  وهي قد تقوم بتدمير مخازن معزولة للأسلحة غير المشروعة ولكنها لن تهدد قط بطريقة معقولة شريحة كبيرة من أي مخزونات للعدو، وهكذا فإنها ستكون غير فعالة كرادع للعدو.

ويواصل أنصار هذه الأسلحة الجديدة التشديد على أنها ستكون للردع فحسب، ولكن كل الأدلة الفنية تشير إلى أنها لن تضيف شيئاً يذكر إلى القرارات القائمة بالفعل في الترسانة الأميركية.

ويفترض أن المشرعين الأميركيين يتصرفون عن نية صادقة في دعم هذه التطويرات، ولكن عليهم أن يعيدوا النظر في مواقفهم قبل أن يجعلوا بلادهم تلتزم ببرامج أسلحة مكلفة لن تفيد كثيراً في الدفاع عنها، وستثير إلى حد كبير نفور اصدقائهم على امتداد العالم.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 62