غازات الوقود الأحفوري
خطوات سريعة نحو كوارث بيئية!
داود سليمان الشراد
تعتبر الطاقة بأنواعها المختلفة من ضرورات استمرار الحياة والوجود للإنسان، وكذلك للكائنات الحية، وهي أيضا عنصرا مهما للصناعة والاقتصاد، ولأساليب الحياة والصحة، وهي تستغل لتوفير الرفاهية للإنسان.
واختلفت مصادر الطاقة التي اعتمدتها المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ، حيث اعتمدت مجتمعات ما قبل الصناعة على مصادر الطاقة المتجددة، وبالتحديد الوقود الأحفوري Fossil Fuel (فحم ونفط وغاز) وخام اليورانيوم، أما المجتمعات المتقدمة فإنها أخذت تعيد النظر بمصادر الطاقة التي تعتمد عليها والقائمة على استغلال الوقود الأحفوري، حيث بدأت تبحث عن بدائل جديدة تعتمد على موارد متجددة لتحل تدريجيا محل أنواع الوقود المركزة، مثل: الطاقة الشمسية وطاقة المد والأمواج وطاقة الحرارة الأرضية وغيرها، ومع ذلك فإن اعتماد المجتمعات التقنية على الوقود الأحفوري كمصدر أساسي للطاقة لن يتوقف قريبا، بل إن الدراسات المستقبلية حتى المتفائلة منها ترى أن استهلاك الطاقة القائم على هذا الوقود سوف يتنامى مستقبلا وخصوصا في البلدان النامية. وخلال ما يزيد على أكثر من نصف قرن مضى، كان ما لا يقل عن ثلثي الطاقة المستغلة يستمد من حرق النفط والغاز، أما الثلث المتبقي من متطلبات الطاقة فإنه يستمد من حرق الفحم. ولاشك أن استخدام الطاقة في العالم قد تنامى بشكل مطرد على مر الزمن مع التوسع في الاقتصاديات الصناعية، ومن المنتظر أن يستمر ذلك النمو السريع لسنوات قادمة.
دور الوقود الأحفوري بالتلوث
ينتج عن حرق الوقود الأحفوري عدد من الملوثات البيئية التي تدمر جو الأرض، وهذه الملوثات منها أول وثاني أكسيد الكربون Co2 وCo، والجسيمات العالقة في الهواء، ثاني أكسيد الكبريت Co2 وأكسيد النيتروجين No بالإضافة إلى أوزون O3 التربوسفير، ويرتبط بعض هذه الملوثات (Co2 و So2 والجسيمات) مباشرة بحرق الوقود الأحفوري، بينما يرتبط البعض الآخر (أوزون التربوسفير) بشكل غير مباشر بحرق الوقود الأحفوري، وفيما يلي موجز لكل ملوث:
* ثاني أكسيد الكربون "Co2"
يعتبر من أخطر وأكبر الملوثات في الغلاف الجوي، وينبعث عند احتراق الأنواع المختلفة من الوقود الأحفوري بمعدلات متفاوتة، وبالنسبة لنفس مستوى استهلاك الطاقة، يطلق حرق النفط كمية من Co2 تعادل 1.5 مرة المنبعثة من حرق الغاز الطبيعي، ولا يقتصر انبعاث غاز Co2 عن حرق الوقود الأحفوري، وإنما تساهم أعمال وصناعات أخرى بنسب من الانبعاث.
وأظهرت الدراسات أن تركيز غاز Co2 قد ازداد بنسبة ٪30 عما كان عليه الحال في عصر ما قبل الثورة الصناعية، وارتبط ذلك النمو بالزيادة في استهلاك الطاقة.
وطبيعة التلوث بغاز Co2 ذات أبعاد دولية وتساهم الدول الصناعية بإحداث هذا التلوث بشكل رئيسي، لأنها تستهلك أكثر من 80% من الطاقة في العالم وساهمت الدول المتقدمة (أوروبا وأمريكا الشمالية) بما نسبته نحو 53% من انبعاثات غاز Co2 العالمية في عام 1995، بينما تساهم باقي أجزاء العالم بالنسبة المتبقية.
* الجسيمات
يحتوي الهواء الملوث على دقائق ناعمة من الغبار الصلب أو القطيرات المتناهية الصغر من السوائل المختلفة، ونظراً لضآلة حجوم هذه الدقائق والقطيرات، فإنها تتحرك وتنتقل بسهولة مع الهواء.
وتنتج هذه المواد المعلقة في الهواء من عمليات التكاثف، أو بفعل عوامل الحك والتآكل، وعن عمليات الطحن، والبخ وغيرها.
وتلوث الهواء بالجسيمات خليط معقد من الجسيمات الضئيلة والكبيرة التي يتباين منشؤها وتركيبها الكيميائي فالجسيمات الأكبر حجما والتي يتراوح نصف قطرها بين نحو 2.5 إلى 100 مايكرون، عادة تشتمل على الدخان والغبار الناتج من العمليات الزراعية والصناعية والإنشاءات والمرور البري، وكذلك لقاح النباتات وغيرها من المصادر الطبيعية. أما الجسيمات الأصغر «تلك التي يقل نصف قطرها عن 2.5 مايكرون» فمصدرها عادة من احتراق الوقود الأحفوري، وتشمل تلك الجزئيات السناج Smut الذي يخرج من عوادم المركبات، والذي كثيرا ما يكون بمختلف الملوثات الكيميائية أو المعادن، ورذاذ الكبريتات والنترات التي تتشكل عندما يتكثف So2 مع أكاسيد النيتروجين في الجو، وأكبر مصدر للجسيمات الدقيقة هو محطات القوى الكهربائية التي تدار بالفحم، لكن عوادم السيارات والديزل تعتبر أيضا من العوامل الأساسية لا سيما على طرق النقل المكتظة.
* ثاني أكسيد الكبريت
ينبعث غاز So2 إلى حد كبير من احتراق الفحم والنفط الذي به نسبة مرتفعة من الكبريت، ووقود الديزل، وينشأ حو ٪80 من غاز So2 أسسا من أكسدة غاز H2S، الذي تطلقه الصناعة في الجو ليتحول إلى غاز So2، بينما يطرح الباقي ويبلغ نحو ٪20 في الجو مباشرة، وذلك إما من خلال احتراق الوقود المحتوي على الكبريت مباشرة (نحو ٪4).
على الرغم من أن تراكيز So2 في الهواء المحيط قد انخفضت في مدن عديدة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، إلا أنها ما زالت مرتفعة في عدد من مدن أوروبا (الشرقية)، وآسيا وأمريكا الجنوبية، حيث لا يزال استخدام الفحم في المنازل أو الصناعات أمرا شائعا مع كثافة حركة مرور المركبات التي تستخدم وقود الديزل.
* أول أكسيد الكربون
ينتج غاز Co عن الاحتراق غير الكامل للكربون أو المواد المحتوية عليه، وانبعاث هذه النواتج إلى الجو مباشرة، كما ينتج هذا الغاز عن حرق الوقود في السيارات والمركبات عموما، وينبعث الغاز بشكل عام من عدة مصادر منها حريق الغابات، تحلل المواد العضوية، حرق النفايات، ومن الثابت أن أكثر من نصف كمية غاز Co الذي يوجد في جو المدن مصدره تراكم عادم السيارات ( 70% )، لذلك نجد أن تركيزه يزداد على الطرق العامة وما جاورها، وهو غاز عديم اللون والرائحة شديد السمية لما له من قدرة على التفاعل السريع مع الهيموجلوبين في الدم، إذ يتحد معه مكونا الكربوكس هيموجلوبين مما يعيق نقل الأكسجين إلى الدم، يسبب الأنيميا الحادة والتلف الذهني والعقلي، ويبلغ تركيز Co في الجو العادي نحو (0.1PPM). وتقدر الكميات التي تطلق إلى الجو من غاز Co من الصناعة، كل عام نحو 250 مليون طن متري، وفي المدن الكبيرة يكون أكثر من ٪95 من غاز Co من صنع الإنسان، ويتناقص تركيزه بعيدا عن المدن نحو 100 مرة فلا يتجاوز (0.1PPM).
*أكاسيد النيتروجين
يشكل النيتروجين عددا من الأكاسيد مع الأكسجين هي: N2oO4, No2O3, No2, No, N2O, N2O5, ولكن أكثر تلك الأكاسيد أهمية وتأثيرا على تلوث الهواء هما أول وثاني أكسيد النيتروجين No, No2 وتنتج أكاسيد النيتروجين من أكسدة المواد النيتروجينية واحتراق الوقود في درجات حرارة عالية جدا للفحم والزيت والغاز والجازولين في مكائن الاحتراق الداخلي (السيارات، المركبات)، ومولدات الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى ما تطلقه مصانع حامض النتريك Nitric Acid ومصانع الحديد والفولاذ ومصانع السماد النيروجيني، كما تتكون أكاسيد النيتروجين المختلفة في الهواء من تفاعلات أول أكسيد النيتروجين (No) الذي يلعب دورا أساسيا في التفاعلات الضوء كيمائية - حيث يتأكسد ويتحول إلى ثاني أكسيد النيتروجين No2 والذي قد يتفاعل مع الهيدروكربونات مع وجود الأشعة الشمسية مكونا الضباب «الضوء كيميائي» ومنها غاز الأوزون- وقد يتفاعل أيضا مع الهيدروكسيل OH مكونا حمض النيتريك مسببا بذلك الأمطار الحمضية، وتبلغ تراكيز أكاسيد No, No2 نحو (1PPM) في المناطق النائية البعيدة عن المدن، ويزداد تركيزها في هواء المدن إلى ما يفوق ذلك كثيرا (IPPM).
وقد ركز الاهتمام بغاز ثاني أكسيد النيتروجين لتأثيره الصحي والبيئي ووضعت له المعايير البيئية- وهو غاز ذو لون مائل للبني محمر وذو رائحة لاذعة ويؤدي التعرض له إلى إصابة الجهاز التنفسي والقلب للإنسان وانخفاض مستوى الرؤية والتأثير على النباتات والأصباغ.
* أوزون التربوسفير
يعتبر أوزون التربوسفير المكون الرئيسي للضباب الدخاني الكيميائي الضوئي الذي يغلف كثيرا من المناطق الحضرية، ولا ينبعث هذا الأوزون مباشرة، لكنه يتشكل حينما تتفاعل أكاسيد النيتروجين الناتجة عن احتراق الوقود مع ما يسمى بالمركبات العضوية الطيارة، مثل البنزين غير المحترق أو مذيبات الطلاء في الجو، ويحفز ضوء الشمس والحرارة تشكيل الأوزون، حتى أن مستويات الأوزون عند الذروة تتشكل عادة في فصل الصيف.
وأصبح تلوث الأوزون واسع الانتشار في مدن عديدة، مع زيادة الانبعاثات من السيارات وهي الصناعات، كما تعاني مدن كثيرة في دول العالم النامي من ارتفاع مستويات الأوزون، على الرغم من أنه لا توجد سوى بيانات رصد محدودة، ويبلغ تركيز الأوزون في مدن كثيرة نحو (0.012PPM).
أثر استهلاك الوقود على البيئة
تساهم الملوثات الناجمة عن استهلاك الوقود الأحفوري، السابقة، في خلق مشاكل بيئية خطيرة ذات أبعاد محلية وإقليمية وعالمية، وهذه المشاكل هي تلوث الهواء والمطر الحامضي والدفيئة (الاحتباس الحراري)، وفيما يلي تعريف موجز لتلك المشاكل:
* تلوث الهواء
أكدت الدراسات أن عدد كبيرا من المواد الملوثة كثيرا ما تتجاوز المستويات التي يفترض أنها مأمونة صحيا، ومن بين العوامل الملوثة التي تفسد هواء المناطق الحضرية، تشكل الجسيمات الدقيقة المعلقة في الهواء، ثاني أكسيد الكبريت So2 وأوزون التربوسفير، أشد المخاطر انتشارا وحدة، ومع ذلك فإن تلوث الهواء بالرصاص يعتبر أيضا مصدر قلق في كثير من المدن، وقد أشارت الدراسات التي أجريت مؤخرا حول تأثير التعرض المزمن لهواء فاسد، إلى أن الجسيمات هي الملوث المسئول أساسا عن تأثير الهواء القذر في المشاكل الصحية الحادة والمميتة، ولاشك أن تلوث الهواء في المناطق الحضرية في البلدان النامية قد ازداد سوءا بسبب نمو السكان والتصنيع وزيادة استخدام المركبات الآلية، وعلى الرغم من مكافحة التلوث، فإن نوعية الهواء في عدد من المدن الكبرى قد اقتربت من المستويات الخطيرة.
* المطر الحامضي
من الأبحاث التي أجريت على المطر والجليد في الأحوال الطبيعية خلال النصف الأول من القرن العشرين، تبين أن بهما حموضة خفيفة، ومرجع هذه الحموضة إلى تفاعل الماء مع غاز Co2 مكونا حامض الكربونيك الخفيف والذي تعادل درجة حموضة 6.5 PH ولا تقل عنها، ولكن خلال النصف الثاني من القرن الماضي وليومنا هذا تبين أن حموضة المطر آخذة بالتزايد تدريجيا (هبوط في قيمة Ph)، وكانت تلك الزيادة ناتجة عن أحماض شديدة مثل حامض الكبريتيك H2SO4 وحامض النتريك وحامض الهيدروكلوريك HCL، والحامضان الأول والثاني يتكونان في الجو من تفاعل غاز SO2 وأكسيد النيتروجين مع الأكسجين والماء.
وحينما ظهر المطر الحامضي في عقد الستينات في القرن الماضي، اعتبر مشكلة بيئية غير مرغوبة، وذلك مع ظهور بحيرات مميتة، وغابات أصابها الضعف والتلف في دول مختلفة، وكانت تلك من أولى المشاكل البيئية المرتبطة دوليا.
وارتبطت ظاهرة المطر الحامضي بشكل أساسي مع التوسع في استخدام الوقود الأحفوري، الذي أدى إلى تنامي تراكيز No2, So2 عن المستويات الطبيعية المقبولة، والتي أدت بدورها إلى تشكل حامض الكبريتيك والنتريك، حيث يساهم الأول بنحو ثلثي حموضة المطر.
ومن المرجح أن يؤدي التوسع الاقتصادي والاعتماد المستمر على الفحم باعتباره الوقود الرئيسي في زيادة المطر الحامضي، ما لم يتخذ إجراء رادع دولي يتجاوز مستويات التحكم الحالية، كما ولا شك أن الضرر الذي سيتعرض له النظم التبيؤي الطبيعي والمحاصيل سيزيد زيادة هائلة.
وتقدم فيما يلي عرضا للأضرار التي يحدثها المطر الحامضي:
أضرار تصيب الأنهار والبحيرات:
الأنهار هي المتضرر الأول ويحدث فيها تغيرات تبيؤية خطيرة، وأدت حموضة المطر مع تيغر المناخ إلى انخفاض في تراكيز الكربون العضوي المذاب في البحيرات، والكربون يمتص الأشعة فوق البنفسجية التي زادت بدورها بسبب تكون ثقب الأوزون، وأسفرت تلك التغيرات مجتمعة عن تغلغل الأشعة فوق البفنسجية بشكل أعمق داخل مياه البحيرات، فارتفعت معدلات الهلاك والأمراض بين الأحياء والنباتات المائية ومن شأن هذا التأثير أن يتضاعف نتيجة الجفاف حينما تتأكد مركبات الكبريت المخزونة في رواسب البحيرة كرد فعل لانخفاض مناسيب المياه، ومن المعروف أن الأسماك حساسة للحموضة، فهي تسممها أو تحدث أضرار بالغة للكائنات الحية التي تتغذى عليها الأسماك، ونتيجة لذلك فإن أسماك المياه العذبة في عدة دول قد انقرضت أو انخفضت أعدادها.
أضرار تصيب النباتات:
للمطر الحامضي تأثير واضح على النباتات وخصوصا الغايات، إلا أن هناك ملاحظات علمية قائمة بشأن دور المطر الحامضي في الإضرار بالغابات، وهذا يعود إلى صعوبة عزل مساهمة المطر الحامضي في ذلك عن دور العوامل الأخرى مثل الجفاف والحرائق والآفات وغيرها التي لها أثرها البعيد على الغابات، ففي كندا مثلا تزيد خسائر الغابات نتيجة الحرائق والحشرات عن حجم الخشب الذي يتم حصده للاستعمال الصناعي، ولذلك فإن مساهمة المطر الحامضي في الإضرار بالغابات موضوع خلافي، وبحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث.
إن الأحماض التي يحملها ماء المطر تزيل العناصر الغذائية من على سطوح أوراق النباتات، وتسرع عملية تآكل غطائها الشمعي الواقي، وتحدث تلفا واضحا عند درجة حموضة أدني من 3.5، كذلك ينخفض معدل إنبات البذور، وتنخفض قرص نجاح النباتات الجديدة.
وفي الإمكان تفادي الأضرار السابقة بدرجة كبيرة إذا ما طبقت التقنيات الحديثة للتحكم في التلوث، مثل أجهزة غسل المداخن، واستخدام وقود متدني الكبريت كبديل، حيثما كان ذلك ممكنا، ففي البلدان الصناعية برهن تنظيم البيئة التي تحد من انبعاث الكبريت، وكذلك قوى السوق الاستهلاكية التي تحبذ التوسع في استخدام الغاز الطبيعي، الذي يحتوي على كمية ضئيلة من الكبريت، على أنها فعالة نسبيا في خفض انبعاثات So2، ولكن حتى هذا النجاح قد لا يكون كافيا في بعض المناطق الحساسة، فقد أظهرت إحدى الدراسات انبعاثات So2 يتعين تخفيضها بمقدار ثلاثة أرباع أخرى إذا ما أريد حماية النظم البيئية في المناطق المصابة.
مما تقدم يبدو أن مشكلة المطر الحامضي في البلدان المتقدمة لا تنتهي بانخفاض انبعاثات So2، كما أن أبعاد هذه المشكلة آخذة في التنامي في البلدان النامية وخصوصا في آسيا، ومع أن هناك تقدما مهما قد أحرز، فالأرجح أن استعادة الغابات لعافيتها سيستغرق عقودا من الزمن والأرجح أن يتزايد تحمض المياه السمطحية في بعض المناطق على الرغم من انخفاض مستويات ترسيب ا لكبريت، وذلك كلما استمر استنفاذ الأوزون وتواصل احتراز المناخ (الاحتباس الحراري).
وفي بداية القرن العشرين تنبأ كل من أربنيوس Arrhenius في السويد وشامبرلين C.Chambrlin في الولايات المتحدة، بتزايد دفء الكرة الأرضية نتيجة لتراكم الغازات الحاجزة للحرارة، لا سيما غاز Co2، ولكن الأبحاث النظامية حول تراكم غاز Co2 في الغلاف الجوي لم تبدأ إلا عام 1958.
الدفيئة Green House
يقصد بالدفيئة أو الاحتباس الحراري ارتفاع متوسط درجة الحرارة الغلاف الجوي نتيجة ارتفاع تراكيز الغازات (غازات الدفيئة) التي تمتص الأشعة تحت الحمراء الحرارية، وتعيق انعكاسها من سطح الأرض إلى الفضاء، وما ينجم عن ذلك من تأثيرات مناخية جلية، وأن غازات الدفيئة حددتها معاهدة كيوتو لعام 1997 وهي غاز Co2 «الغاز الرئيسي للدفيئة»، والميثان CH4 وأكسيد النتروز (N2O) ومركبات الهيدروفلوروكربونات (HFCs) والهيدروكربنات المشبعة بالفلور (PFC5) وسداسي فلوريد الكبريت (SF6).
واستهدفت هذه المعاهدة التاريخية، التي تم التوصل إليها في كيوتو، عاصمة اليابان التاريخية القديمة، غاز Co2 وغازات الدفيئة التي يمكنها حبس الحرارة داخل الغلاف الجوي للأرض، ويفترض أنها المسئولة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، التي يقول علماء كثيرون أنها تخل بالنماذج المناخية للأرض، لكن الولايات المتحدة واستراليا امتنعتا عن التوقيع لأسباب اقتصادية، كما أن بعض الدول النامية كانت خارج إطار الاتفاق مثل الصين والهند.
ويطالب الاتفاق بخفض الغازات المنبعثة من الدول الصناعية بمعدل 5.2% بحلول العام 2012، غير أن العمل بهذه المعاهدة لا يعني بالضرورة ضمان تحقيق أهدافها، فتحقيق هذه الأهداف حتى بالنسبة للدول التي وقعت على اتفاق كيوتو قد يكون صعبا.
تنفس لاهوائي
يعتبر استهلاك الوقود الأحفوري المصدر الأساسي لانبعاث غاز Co2, حيث تتضمن تلك الانبعاثات انبعاثات الاحتراق، ومن عمليات صناعية أخرى، أما غاز الميثان فهو ينبعث من خلال انبعاث الغاز الطبيعي، وباعتباره أحد نواتج التنفس اللاهوائي المعروف بالتعفن Putrefaction، وتتضمن مصادر التنفس اللاهوائي تربة الغابات الرطبة، والأراضي الرطبة والمستنقعات، وغيرها.
وأقر الباحثون، خلال السنوات القليلة الماضية، بأن حمولة الغلاف الجوي من غازات خلاف غاز Co2، أي مثل الميثان CH4 وأكسيد النيتروز N2O ومركبات كلورو فلوريدات الكربون (CFC's) chlorofluorocarnons تتنامى أيضا بمعدل متزايد، فقد بلغت هذه الغازات في منتصف الثمانينات تركيزات جعلت مفعولها المشترك يقارب مفعول غاز Co2.
مصادر الانبعاثات
أما مصادر الانبعاثات المقترنة بالأنشطة البشرية فتشمل: إدارة الثروة المقترنة بزراعة الأرز الرطب، واحتراق الوقود الأحفوري، والكتلة الإحيائية Biomass (التحطيب وقطع أشجار الغابات)، ويفترض حاليا أن مجموع تأثير غاز الميثان CH4 في ظاهرة الاحتباس الحراري، يعادل ثلث فعل غاز Co2، وينبعث أكسيد النيتروز (N2o) بالتحلل الهوائي للمواد العضوية في المحيطات والتربة بواسطة البكتريا، أو باحتراق الوقود الأحفوري، والكتلة الإحيائية، وباستخدام الأسمدة النيتروجينية N.Fertilizer ومن خلال عمليات أخرى، وتسهم المستويات الحالية لأكسيد النتروز بنسبة جزء واحد من 12 جزء من الكمية التي يساهم بها غاز Co2 في ظاهرة الاحتباس الحراري، وتساهم غازات الدفيئة الأخرى إسهاما ضئيلا في فعل الدفيئة.
ملامح التلوث
ويمكن للتغير المناخي أن يؤثر في ملامح تلوث الهواء وذلك بتغيير معدل التفاعلات الكيميائية في الغلاف الجوي التي تشكل الملوثات أو تدمرها، أو بالتأثير في عوامل مثل الرياح وهطول المطر التي تنظم كيفية تراكم الملوثات أو تشتتها، فعلى سبيل المثال، فإن درجات الحرارة المرتفعة تؤدي إلى تشكل ملوثات أوزون التربوسفير- وهو العنصر الأساسي المكون للضباب الداخاني، كما أن ارتفاع درجات الحرارة سوف يؤدي إلى تسريع تبخر السوائل الطيارة مثل البنزين أو المذيبات العضوية، مما يفاقم مشكلة الضباب الدخاني في المناطق الحضرية مرة أخرى، كذلك قد يؤثر التغيرات المناخية في مستويات تلوث الهواء، فإذا زادت الرياح سوف يزيد من التعرض وبالمثل فإنه في المناطق التي يزداد فيها معدل سقوط الأمطار، قد تنخفض أحمال التلوث، إذ أن الأمطار تؤدي إلى تساقط كثير من الملوثات من الجو، كما أن نقص الأمطار من ناحية أخرى، قد يؤدي إلى معدلات ارتفاع التلوث، لأن عدداً أدنى من الملوثات سوف يتبدد في الجو.
وقد رافق التوسع في استهلاك الوقود الأحفوري، زيادة تراكيز بعض الغازات المكونة للغلاف الغازي للأرض، مثل Co2 وغاز الميثان وأكاسيد النيتروجين وغيرها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ارتفع تركيز غاز Co2 من (280PPM) في عصر ما قبل الصناعة إلى نحو (362PPM) عام 1996، وهكذا الحال بالنسبة للغازات الأخرى، أدى ارتفاع تراكيز تلك الغازات إلى ظهور مشاكل بيئية لم تكن معروفة في السابق، وبعض تلك المشاكل ذات أبعاد محلية )تلوث الهواء(، والبعض الآخر ذات أبعاد دولية )المر الحامضي أو الدفيئة(، ولعل المشكلة البيئية الأخطر هي الاحترار العالمي وما يتوقع أن يصاحبها من تغير في مناخ الأرض وفي بيئتها، وما يخلفه من تغيرات تبيؤية خطيرة.
والواقع أن إجماعا عالميا على حجم هذه المشكلة، فالأنظمة الطبيعية المحتضرة، وزيادة كثافة وقوة وتكرار موجات الحرارة، والجفاف، والعواصف والأعاصير والكوارث المناخية الأخرى فضلا عن دمار المحاصيل وندرة المياه العذبة، كلها على الأرجح نتيجة للزيادة غير المسبوقة في تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وهو ما يهدد حياة عشرات الملايين من البشر بالمجاعات، ومئات الملايين بالملاريا، وملايين بمخاطر الفيضانات ومئات الملايين بالمخاطر المتزايدة لنقص المياه.
كارثة بيئية
ولاشك أن كوكبنا يسير بخطى متسارعة نحو كارثة بيئية هائلة، وتشير أحدث التقديرات إلى أن زيادة نسبة غازات الاحتباس الحراري سترفع درجات الحرارة عالميا من 3 إلى 9 درجات سيليزية خلال السنوات المائة المقبلة، بما يعنيه ذلك من خفاء بحر الجليد المحيط بالقطب الشمالي في فصل الصيف، وسيؤدي ذوبان الثلوج إلى امتصاص الأرض والمحيطات للمزيد من أشعة الشمس وبالتالي المزيد من الارتفاع في درجة حرارة الكوكب، كما أن ذوبان الأنهار الجليدية وجريانها نحو المحيط سيؤدي بدوره إلى تدفق المزيد من المياه العذبة إلى المحيطات، وهو ما قد يعني رفع المستوى الكوني لسطح البحر، بما يعنيه ذلك من غمر المزيد من اليابسة بالمياه واختفاء العديد من الجزر، وربما إلى إبطاء الدورة المائية للمحيطات التي تنقل الحرارة من المناطق الاستوائية إلى القطبين، وبالتالي إحداث خلل في المناخ الإقليمي والكوني، ومن المرجح أن يؤدي المزيد من الاحتباس الحراري من التربة والنباتات والكائنات الحية.
وسيقع العبء الأكبر من تلك المخاطر على عاتق البلدان النامية والأكثر فقرا، خاصة في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وجنوبي آسيا، وأجزاء من جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، وبالنسبة لمناطق بأكملها ولبلدان مثل الدول الجزرية الصغيرة، تصبح القضية حياة أو موت، ولكي ندرك تهديد التغير المناخي، علينا نفكر في مصير أكثر من مائة مليون إنسان معظمهم يعيشون في مجتمعات فقيرة في بلدان نامية، يعيشون على أراض لا ترتفع عن سطح البحر سوى متر واحد.
اجماع جديد
هناك إجماع جديد في الأوساط العالمية والسياسية حول الحد المسموح به للاحتباس الحراري في العالم والذي يتجاوز 2 درجة فوق المستويات ما قبل الصناعية يمكن أن تتفادى التغير المناخي الخطير.
وبالإمكان بلوغ هذا المستوى فقط من خلال تخفيضات رئيسية طويلة للانبعاثات من الغازات الضارة والتي يمكن تحقيقها من خلال الاستخدام الأكبر للطاقة المتجددة وزيادة كفاءة وفعالية الطاقة واستخدام أنواع من الوقود الحراري أكثر نظافة.
وأخيرا فإننا بحاجة إلى استبدال الوقود الأحفوري بموارد الوقود الحيوي- مثل الأخشاب الموردة من الغابات المدارة إدارة مسؤولة- كما نخفض انبعاثات الكربون وينبغي زيادة استعمال الخشب في المنتجات الأكثر تعميرا لإبعاد خطر إطلاق الكربون المحتجز إلى الأجواء لأطول فترات ممكنة من الوقت.
كما يجب الاهتمام بالمحافظة على الغابات إذ أنها تحتجز تريلبيون طن من الكربون، وهي بذلك تكون منقذا لكوكبنا الأرض.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 114