رحلة في عالم الطيور العربية
أحمد بن محارب الظفيري لـ : " بيئتنا " : الطيور تحفظ التوازن البيئي وتحمينا من انتشار الحشرات
ريهام محمد
عندما نتجول في البيئة العربية من بوابة التراث لابد أن نتوقف عند طيور جزيرة العرب الرائعة شكلا ومضمونا والتي ارتبطت بشكل وثيق بالتراث العربي الأصيل بكل حكاياته وأمثاله الشيقة وأشعاره أيضا بل أن صفات الطيور العربية المتفاوتة في القوة دفعت سكان الجزيرة من البادية إلى إطلاق أسمائها على أبنائهم من الذكور والإناث.
عالم الطيور
«بيئتنا» حاولت تسليط الضوء على طيور شبه جزيرة العرب بشكل عام والكويت بشكل خاص من خلال التجول في ذاكرة مؤرخ كويتي جهبذ كرس حياته لخدمة التراث والتاريخ العربي وعشق بيئة العرب بكافة تفاصيلها فكان خير مدون وحافظ لأجمل وأروع ما تضمنته من كائنات حية وظواهر طبيعية وأماكن هو الباحث في التراث والتاريخ أحمد بن محارب الظفيري حيث أبحر في عالم الطيور العربية الرائع وانتقى أشهر أنواعها وأكثرها ارتباطا بتراث وتاريخ العرب ولكن قبل أن نبدأ معه رحلة الرصد والتدوين للطيور العربية بين الظفيري أن للطيور فوائد كثيرة نعرف كثير منها ونجهل كثير منها أيضا فهي إضافة إلى كونها مخلوق من مخلوقات الله أمرنا سبحانه وتعالى بالرفق به وتركها لحالها مع ضرورة التفكر في خلقها وفي كيفية طيرانها في الهواء فهي جزء مهم من منظومة التوازن البيئي فهي تنظم أعداد الحشرات للمعدل الطبيعي وتنقرها وتتغذى عليها بدلا من أن تغطى وجه الأرض وتؤذينا وتساهم في تغذية النباتات بالسماد وتساهم في تلقيح الكثير من الأشجار المثمرة التي تعتبر بدورها غذاء للحيوان والإنسان وهي كذلك غذاء للإنسان والحيوان والطيور الأخرى وأكثر من ذلك هي منظر جميل يسر النفس بمظهره وصوته الشجي فقد تغنى الكثير من الشعراء بأصوات الطيور وهديل الحمام.
سماء الطيور
استذكر المؤرخ الظفيري أجمل مناظر الطيور في شبه جزيرة العرب حيث قال: (أتذكر في سنوات شبابي كيف كنت أرمق بنظري أسراب الطيور الرائعة وهي تجوب سماء الصحراء ذهابا وإيابا في تناغم تام وفي مجموعات منظمة، ومسمى سرب عربي فصيح ويستخدم للتعبير عن مجاميع الظباء والطيور، وفي الخمسينات والستينات كانت سماء الكويت تزخر بالطيور الجميلة من مختلف الأشكال والأنواع ولكن وبكل أسف اختفت هذه المناظر وأصبحت نادرة بعد أن تطورت الحياة وأصبح هناك السيارة والبندقية وآلات الصيد الحديثة التي تستخدم من قبل بعض الشباب الغير مسئولين بهدف التخريب غير المبرر والصيد الجائر. والكويت وجزيرة العرب بكل بلدانها يعيبها عدم وجود قوانين تحمي الحياة الفطرية.)
مناطق جاذبة
وتابع حديثه: (أذكر في سنوات مضت أن الكويت كانت تحوي مناطق جاذبة للطيور في هجراتها المختلفة من هذه المناطق المعروفة منطقة الصبية التي كانت مجمع للطيور في مواسم الهجرة ومن الطيور التي كانت تمر بها طيور القطا وهي نوعان بطوق وآخر من غير طوق ويوجد من القطا نوع صياح نقول باللغة العامية المحلية انه يعاعي ويصيح وامرؤ القيس رصد في أشعار غزله بليلى جمال طيور القطا عندما قال:
أذهن أقساط كرجل الدبا أو كقطا كاظمة الناهلي
ومن طيور جزيرة العرب أيضا طير الفري كما يسميه حاضرة الخليج أما باديته فيسمونه مريعي، وهناك أيضا العقاب الذي يضرب به المثل كان نقول فلان امنع من عقاب الجو لقوته وكبر حجمه لدرجة أن الصقر إذا رآه هرب والصيادين المحترفين لا يطلقون صقور صيدهم إذا راوا في السماء عقاب. ومن طيور العرب الجميلة الزرزور والعصفور وكنا نشاهدها دائما ولازلنا وليس كالسابق في فصل الربيع والعصفور مفرد وجمعه عصافير وهو يشبه الزرزور بالحجم لكن العصفور يميل لونه إلى الصفرة ومن الألفاظ التي يطلقها العرب على ألوان الصفار معصفر وأصفر أما الزرزور فهو بحجم العصفور لكن لونه رمادي ويشترك الاثنان في إطلاق أصوات جميلة تشرح الصدر وتريح الأعصاب.)
طيور محلية
وأشار الظفيري إلى أن بيئة الخليج العربي تتضمن 35 نوعا من الطيور المحلية التي تستوطنه كما تجذب إليها ما يزيد عن 280نوعا من الطيور المهاجرة التي تجده ملاذا آمنا للراحة والتزود بالغذاء والطاقة أثناء رحلة الهجرة ومنها ما يستهوي البقاء ليقضي فصل الشتاء ومن ثم يعود إلى موطنه ليكمل دورة حياته لكن انتشار الصيد الجائر قلل وخفف كثيرا من أعداد الطيور المهاجرة التي تسلك سبيل شبه جزيرة العرب والخليج حيث عدلت الكثير من الأنواع ساعتها البيولوجية وغيرت اتجاهاتها وتمنى المؤرخ الظفيري أن تكون محمية الشيخ صباح سببا في عودة هجرات الطيور إلى سابق عهدها.
وواصل الظفيري حديثه عن الطيور العربية حيث قال: (على جانبي الخليج في البيئة الصحراوية يرى الناظر طيور البلبل أبيض الخد بأصواتها الميزة إلى جانب طيور القمارى المغردة وكذلك القنابر والأبلق والجليل والحبارى والقطا والجوارح كالصقور والعقبان والنسور والعديد من العصفوريات الصغيرة وإذا انتقلنا إلى بيئة الأراضي الرطبة مثل البرك والمستنقعات أو السبخات سنرى طيور البط ودجاج الماء والعديد من الهازجات وتضم هذه السبخات أيضا أنواعا عديدة من الطيور الخواضة على رأسها طائر النحام الجميل الذي يرى في أسراب تصول وتجول بحثا عن الغذاء)
طائر الحباري
وتوقف الظفيري عند طائر الحبارى والذي ورد ذكره في التراث العربي بأكثر من شكل وطريقة حي قال: (ذكر المعلوف في كتابه معجم الحيوان أن الحبارى طائر من طيور البر بعظم الدجاجة لا طويلة الرجلين ولا قصيرتهما طويلة العنق والذنب تعرف بهذا الاسم في جميع البلاد العربية، وطائر الحبارى بصورة عامة معروف انه طائر خجول جدا ولا يرغب في العيش قرب التجمعات البشرية ويفضل الابتعاد قرد استطاعته عن الإنسان ومعظم المناطق التي تلجا إليها الحبارى أن لم تكن كلها إنما هي أراضي صحراوية أو شبه صحراوية وتتغذى في هذه المناطق على البراعم النضرة والأزهار في الشجيرات الصحراوية كما تتغذى الحبارى على الجراد والنمل والخنافس والحشرات، والحبارى تصاد ولاتصيد وهي من أكثر الطيور حيلة في تحصيل الرزق ومع ذلك تموت جوعا لهذا السبب وقالوا في الأمثال أكمد من الحبارى وكل شيء يحب ولده حتى الحبارى وخصت بالذكر لأنه يضرب بها المثل في الحمق فهي على حمقها تحب ولدها فتطعمه وتعلمه الطيران كغيرها من الحيوان، وقالوا: أسلح من الحبارى لحالة الخوف، والحبرج ذكر الحبرى واليحبور ولدها وقيل اليحبور من طير الماء، والحبرج هو الحبارى ويطلق على الذكر والأنثى ويجمع حباريات.)
الغراب العربي
واسترسل الظفيري في حديثه عن الطيور العربية وارتباطها بالتراث حيث تحدث عن الغراب في التراث العربي وقال: (سمي الغراب غرابا لسواد لونه قوله تعالى وغرابيب سود وهما لفظان لمعنى واحد، وجمع الغراب غرابين وغربان، وللغراب أساطيره في الزمن القديم فقد كان عند الحرانيين رمزا من رموز الشمس وهو دليل عبد المطلب على موضع زمزم وهو من طيور الجنة وليس من المستبعد أن يكون العرب القدماء قدسوه وهذا يعني أنه أشبه بالكاهن والدليل فهو يحمل رسالة من وراء حجب الغيب ولكن هذا الواقع الأسطوري الجميل لم يبق على حاله ولم يظهر في الشعر الجاهلي، ولكن الذي ظهر في الشعر هو الواقع الاجتماعي الذي يغذيه ذلك التراث الأسطوري فتشاءموا به وتطيروا منه لذا اشتقوا منه اسم الغربة والاغتراب والغريب وقالوا في اسمه الغين غدر وغرور وغم وغرة وغول وهي كلها مهلكة والراء من ردع والألف من الألم والباء من بلوى وبؤس وبوار وأطلقوا عليه غراب البين لأنه بان عن نوح عليه السلام لما وجهه لينظر إلى الماء فذهب ولم يرجع ولأنه كان لايعتري منازلهم إلا إذا بانوا فسموه (غراب البين) ومن الأمثال التي ذكرت الغراب (لا افعل كذا حتى يشيب الغراب) أي لا افعل ذلك أبدا لان الغراب لايشيب أبدا وقالوا أيضا (الغراب أعرف بالتمر) وذلك لان الغراب لايأخذ إلا الأجود ولذلك يقال أيضا (وجد تمرة الغراب) إذا وجد شيئا نفيسا.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 100