بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

النفايات الخطرة

النفايات الخطرة

التجريم الدولي لنقل النفايات الخطرة أو الاتجار بها

النفايات الخطرة شبح قادم من الدول الصناعية

د. رضا عبدالحكيم رضوان

تعرف منظمة الصحة العالمية النفايات بأنها «كل المخلفات الناجمة عن نشاط بشري وتلحق الضرر بالبيئة والصحة العامة بشكل مباشر أو غير مباشر».

النفايات الخطرة تتكون من مواد كيميائية، وتشمل المذيبات ومواد الطلاء والمعادن الثقيلة والأحماض والنفايات الطبية. ولنتبين حجم خطورة هذا النوع من النفايات يكفي أن نعلم مثلاً أن الإنتاج العالمي من النفايات الخطرة يقارب 338 مليون طن سنوياً، منها 275 مليون طن تنتجها الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ويصل توليد النفايات الخطرة في سنغافورة إلى 28 ألف طن في السنة، وفي ماليزيا إلى 417 ألف طن سنوياً، وفي تايلاند إلى 22 ألف طن سنوياً.

مشكلة نقل النفايات الخطرة

نهر زانسكار في الهند احد مواقع ردم النفايات في العالم الثالثفي أوائل الثمانينات من القرن الماضي سلط الضوء في أوروبا والولايات المتحدة على مشكلة نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، إذ لم يعد خافياً أن هناك شركات غريبة عاملة في مجال التخزين للنفايات السامة تستغل فقر بعض دول العالم فتعتقد معها صفقات مشبوهة، وبمقتضى هذه الاتفاقيات تستقبل الدول الفقيرة النفايات مقابل ترضية مالية متواضعة وبذلك يتم التخلص من هذه النفايات بنقلها عبر الحدود في بلد المنشأ. ولدى البشرية الآن أدلة دامغة على أن دولاً في العالم الثالث صارت مقابر للنفايات الخطرة القادمة من الدول الصناعية.

من هذه الأدلة.. الفضيحة التي تورطت فيها شركات إيطالية وبريطانية وألمانية وأوروبية أخرى وذلك عندما قامت بتفريغ شحنات من النفايات الخطرة في نيجيريا، وقد بلغ الأمر بالشركة الإيطالية التي تصدرت العملية نيابة عن الشركات الأخرى أن زورت أوراقا فيها حقيقة هذه النفايات التي بلغت نحو 3000 طن معبأة في علب صفيح رقيق، وضمنها مواد مسرطنة وأخرى مشعة، وأفرغت الشركة الإيطالية حمولتها السامة في إحدى المزارع في قرية كوكو الساحلية بعد ترضية مالية متواضعة لصاحب المزرعة، ولم تحاول الشركة حتى مجرد دفن هذه النفايات السامة تحت التربية بل تركتها عرضة للأمطار والرطوبة وعبث صغار القرية، وكانت المنازل لا تبعد عن مزرعة السموم هذه إلا عشرات الأمتار، وقد ساهمت الصحف النيجيرية في الكشف عن هذه الفضيحة؛ فتدخلت الحكومة النيجيرية وطلبت من الشركة الإيطالية سحب نفاياتها من أراضيها.

هذا مثال فقط من أمثلة كثيرة يتداولها الإعلام بين الفينة والأخرى، وكلها تدور حول فضائح طمر النفايات الخطرة المنقولة من الدول الصناعية إلى الدول الفقيرة.

عبور النفايات

عموماً يمكن القول بأنه في المتوسط تعبر الحدود الأوروبية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي شحنة من النفايات الخطرة كل خمس دقائق، أي إنه توجد 100 ألف عملية نقل من هذا النوع في بلدان المنظمة في أوروبا في السنة الواحدة، وعلى وجه الإجمال فإن حجم النفايات الخطرة التي عبرت حدود بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في أوروبا تراوح بين 2 و 2.5 مليون في عام 1988. كما تشير الأرقام المتاحة لأمريكا الشمالية إلى 230 ألف طن من النفايات الخطرة تم تصديرها وأن 9000 عملية عبور في السنة ذاتها قد تمت. وقد حدثت أيضاً عمليات نقل قانونية للنفايات الخطرة بين البلدان الأعضاء في المنظمة والبلدان غير الأعضاء، وكانت تنقل سنوياً كمية تراوح بين 200 ألف و 300 ألف طن من النفايات الخطرة من بلدان الاتحاد الأوروبي إلى بلدان أوروبا الشرقية، كما صدرت بلدان أمريكا الشمالية نفايات خطرة إلى البلدان النامية، وترسل أوروبا نحو 120 ألف طن تقريباً من هذه النفايات الخطرة إلى العالم الثالث كل عام.

اعتمدت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في عام 1985 عدداً من المبادئ للتحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، وتجسدت هذه المبادئ في قانون الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الذي صادقت علىه المنظمة في عام 1988، والذي وضع قائمة أساسية بالنفايات الخطرة والنفايات الأخرى التي ينبغي التحكم فيها أثناء عمليات النقل عبر الحدود. ومع تشديد الضوابط على عمليات نقل النفايات الخطرة والتخلص منها في البلدان الصناعية زادت العمليات غير القانونية لطمر هذه النفايات والاتجار فيها، وكانت المسألة موضع القلق الخاص هي الصفقات غير القانونية.

حظر نقل النفايات الخطرة

أودعت دولة الكويت صك تصديقها على الحظر الدولي المفروض على نقل النفايات الخطرة عبر الحدود من بلدان الشمال الغني إلى بلدان الجنوب الفقير، ومن دول الغرب الصناعي إلى دول الشرق غير الصناعية، ومن بلدان العالم المتقدم إلى بلدان العالم النامي، وبمعني أدق من الدول المدرجة في الملحق السابع- المرفق باتفاقية بازل لعام 1989 بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود- إلى الدول الأخرى غير المدرجة في الملحق السابع - في 12 مايو 2006. وعملا بأحكام المادة 17 من اتفاقية بازل، فإنه بهذا التصديق يكتمل عدد التصديقات اللازمة لدخول هذا الحظر حيز التنفيذ ومن ثم يصبح ملزما قانونا.

تم إبرام اتفاقية بازل لعام 1989، بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، كرد فعل عالمي سريع لقيام الدول المتقدمة بالتخلص من نفاياتها الخطرة في إقليم الدول النامية، مما هدد بحدوث كارثة بيئية خطيرة.

على الصعيد الوطني: قامت غالبية الدول النامية باستخدام حقها السيادي في إصدار تشريعات وطنية تقرر بمقتضاها حظر دخول النفايات الخطرة إلى المناطق التي تخضع لولايتها القضائية.

وعلى الصعيد الإقليمي: تم إبرام العديد من الاتفاقات الدولية الإقليمية التي تحظر تصدير النفايات الخطرة إلى الدول النامية، ومن أمثلتها:اتفاقية لومي الرابعة لعام 1989 (المادة 39) بين الدول الإفريقية ودول الباسيفيك ودول الكاريبي، والاتحاد الأوروبي، واتفاقية باماكو لعام 1991 بشأن حظر استيراد النفايات الخطرة إلى داخل إفريقيا، واتفاق أمريكا الوسطى لعام 1992 بشأن نقل النفايات الخطرة عبر الحدود واتفاقية وايجاني لعام 1995 بشأن حظر استيراد النفايات الخطرة. وبروتوكول أزمير لعام 1996 بشأن منع تلوث البحر المتوسط الناتج عن نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، وبروتوكول اتفاقية الكويت الإقليمية للتعاون بشأن حماية البيئة البحرية من التلوث، والمعتمد بتاريخ 17 مارس 1988، وبذلك، صوت المجتمع الدولي ضد التجارة الحرة في النفايات الخطرة أو غيرها من النفايات الأخرى.

وعلى الصعيد العالمي: فقد مهد الحظر الوطني والإقليمي المفروض على تصدير النفايات الخطرة إلى الدول النامية، سواء أكان لغرض التخلص النهائي منها أو لإعادة تدويرها، السبيل لتحقيق رغبة الدول النامية في فرض حظر عالمي على عمليات نقل النفايات الخطرة من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، خاصة أن هذا النقل لا يتفق مع الإدارة السليمة بيئياً للنفايات الخطرة لافتقار الدول الأخيرة للقدرات التكنولوجية والقانونية للتعامل مع النفايات الخطرة بطريقة سليمة بيئياً، وذلك بتفعيل أحكام الفقرة السابعة من المادة (15) من اتفاقية بازل التي عهدت إلى مؤتمر الأطراف بتقييم فاعلىة الاتفاقية وينظر ـ إذا لزم الأمر ـ في فرض حظر كامل أو جزئي على عمليات نقل النفايات الخطرة والنفايات الأخرى عبر الحدود، فمنذ الاجتماع الأول لمؤتمر الأطراف لعام 1992، حتى الاجتماع السابع لمؤتمر الأطراف لعام 2004، تجرى محاولات جادة من الدول النامية لوضع المادة «15/7» من الاتفاقية موضع التطبيق، وذلك بفرض حظر كامل على كل عمليات نقل النفايات الخطرة والنفايات الأخرى عبر الحدود، والقضاء على كل محاولات الدول الصناعية وجماعات الضغط التي تحول دون وضع الحظر موضع التنفيذ.

الالتزام بخطر نقل النفايات الخطرة

يفرض الالتزام الدولي بحظر نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، ولا سيما من الدول المتقدمة إلى الدول النامية واجبين أساسيين هما: وضع التشريعات والقواعد الوطنية التي تكفل منع تصدير واستيراد النفايات الخطرة، والتعاون دولياً لتفعيل هذا الالتزام وهذا الالتزام يقع على عاتق كافة أطراف اتفاقية بازل لعام 1989، كما يسرى في مواجهة السفن والطائرات غير الحكومية بما فيها المملوكة لأشخاص طبيعيين أو اعتباريين التي تحمل أعلام الدول الأطراف أو تكون مسجلة فيها، كما تلتزم الدول الأطراف بوضع القواعد والتدابير المناسبة كي تتصرف تلك السفن والطائرات على نحو لا يخل بأحكام الالتزام الدولي بحماية البيئة وحظر نقل النفايات الخطرة عبر الحدود.

والتزام الدول الأطراف في اتفاقية بازل لعام 1989 بحظر نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، ولا سيما إلى الدول النامية، خاصة بعد دخول هذا الحظر حيز التنفيذ، أمر يتفق مع ما هو مسلم به في نطاق القانون الدولي بخصوص القوة الملزمة للمعاهدات، أي التقيد بما تضمنه نصوصها من أحكام ومراعاة تنفيذها نصا وروحاً بإخلاص وحسن نية.

ويرى شراح القانون الدولي أن هذه الأحكام الملزمة لا تقتصر فقط على الدول الأطراف في اتفاقية بازل، وإنما تمتد لتشمل الدول الغير، وذلك استناداً لاعتبارين مهمين:

الاعتبار الأول: الدليل المستمد من الطبيعة القانونية للاتفاقية: فهذه الاتفاقية هي أوسع اتفاقية دولية في التاريخ المعاصر ـ باستثناء الاتفاقيات المنشئة لمنظمات دولية ـ حيث إن عدد الدول الأطراف في اتفاقية بازل قد وصل في 22 مايو 2006 إلى 168 دولة أطراف، وثلاث دول موقعة هي أفغانستان وهايتي والولايات المتحدة الأمريكية، ونظراً إلى القبول بهذه الاتفاقية على نطاق واسع فإنها قد أصبحت مصدراً مهما للقانون البيئي الدولي. وتأتي أهميتها العظمى ليس فقط في الحشد الكبير من الدول التي وقعتها، وإنما في أهمية الموضوع الذي عالجته باعتباره يمس أعضاء المجتمع الدولي في جملته.

الاعتبار الثاني: الدليل المستمد من طبيعة الالتزام في حد ذاته: إن الالتزام الدولي بحماية البيئة والمحافظة علىها من التلوث، خاصة الناتج عن التخلص من النفايات الخطرة والنفايات الأخرى في أقاليم الدول النامية لم يكن من ابتداع الاتفاقية وإنما هو التزام خلقه في الواقع العرف الدولي، حيث تواترت الممارسات الدولية الاتفاقية وغير الاتفاقية ذات الصلة على النص على الالتزام بحظر نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، ولا سيما من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، والالتزام بحماية الصحة البشرية والبيئة من التلوث أيا كان مصدره، واتخاذ كافة الاحتياطات كي لا يترتب على الأنشطة التي تمارس في نطاق المناطق التي تخضع للولاية القضائية للدولة، أي أضرار ببيئة الدول الأخرى.

نقل النفايات الخطرة جريمة دولية بيئية

تم تنظيم كثير من الأنشطة التي يمكن أن تسبب آثارا ضارة خارج حدود الولاية الإقليمية عن طريق الاتفاقيات أو المعاهدات الدولية، وتشمل هذه الأنشطة: استعمال المواد النووية والأنشطة

الصناعية ونقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، وما إلى ذلك من ممارسات يمكن أن تضر بصحة الإنسان والبيئة.

ويمكن تقسيم الأضرار التي تسببها الأنشطة التي تقع خارج الولاية الإقليمية للدولة الفاعلة أو سيطرتها إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى : وتشتمل على الأضرار التي تعتبر طفيفة بوجه عام، وينتظر أن تتغاضى عنها الدول دون تعويض.

الفئة الثانية : وتشتمل على الأضرار التي لا ينتظر التغاضي عنها ما لم توافق الدولة المتضررة أو مقابل دفع تعويض.

الفئة الثالثة : وتتألف من الأضرار المدمرة التي لا ينتظر، بوجه عام، التغاضي عنها على الإطلاق. وعادة يكون من اليسير تحديد الأنشطة التي تؤدي إلى الفئة الثالثة من فئات الأضرار، لأن

تلك الأنشطة تكون محظورة في المعتاد لاعتبارات تتعلق بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين وحماية الصحة البشرية والبيئة.

فنظراً للمخاطر التي تتعرض لها الصحة البشرية والبيئة الإنسانية بفعل ما واكب الثورة الصناعية والعلمية من سلبيات أصبح من المسلم به أن قواعد القانون الدولي المعنية بحماية الصحة البشرية والبيئة تشكل قواعد آمرة في نظر الجماعة الدولية كلها التي يجب على أطرافها الأخذ بها وتنفيذها لما فيه حماية الإنسان وسلامية بيئته، خاصة أن الالتزامات المترتبة على هذه القواعد تستهدف حماية مصالح الجماعة الدولية كلها، وهي مصالح لها من الحيوية ما يجعل كافة أفراد هذه الجماعة أن تعتبر أي انتهاك جسيم لهذه الالتزامات، حتما، فعلا غير مشروع دولياً وبمثابة جريمة دولية.

وتطبيقاً لأحكام والتزامات اتفاقية بازل، يعتبر أي نقل عبر الحدود لنفايات خطرة أو لنفايات أخرى بالمخالفة لأحكام اتفاقية بازل ـ أو بالمخالفة للاتفاقيات الإقليمية ذات الصلة، التي جاءت غالبية أحكامها على غرار اتفاقية بازل ـ اتجارا غير مشروع بالنفايات الخطرة والنفايات الأخرى، وهو فعل إجرامي معاقب علىه قانوناً بمقتضى التشريعات الوطنية للأطراف، فضلاً عن إلزامه بالتعويض عن الضرار الناشئة عن الاتجار غير المشروع.

ويعتبر تجريم الاتجار غير المشروع بالنفايات الخطرة والنفايات الأخرى، وتوفير التعويض الكافي والفوري عن الضرر الناجم عن نقل النفايات الخطرة والنفايات الأخرى والتخلص منها عبر الحدود، بما في ذلك الضرر الناجم عن الاتجار غير المشروع بها، من أهم الضمانات التي تكفل الوفاء بالالتزامات الدولية المتعلقة بنقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، وبصفة خاصة الالتزام بحظر نقل النفايات الخطرة من الدول المتقدمة إلى الدول النامية.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 94