منتج صديق للبيئة وللأوزون
أرض الشاي: السياحة السيريلانكية إلى مزارع النفط الذهبي
عنود القبندي
مشروب يومي يلطف النهار ويدفئ الليل في هذه الأيام الباردة، تعددت ألوانه واختلف مذاقه على حسب اختيار الشخص، هناك من يشربه بسكر أو بدونه، ومنهم من يشربه بالحليب وأيضا بدونه، وبعض الشعوب تضيف عليه الزعفران أو النعناع أو الحبق «الهيل» وهناك من يضيف إليه الملح والفلفل. أنا عنود القبندي أدعوكم إلى فنجان شاي لا يخلو من نكهة وتاريخ وسياحة.
الشاي من المشروبات اليومية التي يتناولها مختلف شعوب العالم، فهو مشروب رخيص يتصدر قائمة المشروبات الساخنة في العالم. ولقد بدأت حكاية الشاي بالصدفة وذلك في الالفية الرابعة قبل الميلاد، وأول شخص تذوقه هو الامبراطور الصيني «شن توانج»، فهذا الاكتشاف أسر الامبراطور خاصة الورقة الخضراء للشاي التي كانت تستخدم في صبغ الأقمشة والتي حينما سقطت في الماء بدلت لونه من الأبيض إلى الذهبي، فحين تذوقه استساغ طعمه، وفي نهاية اليوم اكتشف أن لهذا المشروب تأثيرا سحريا، حيث مده بالسعادة والنشاط، ولعل هذا الاكتشاف الصيني حمل معه الاسم أيضا، إذ أن الشاي مأخوذ من اللغة الصينية فهو يسمى «شا».
إذا كان للصينيين الفضل في اكتشاف الشاي فإن لليابانيين الفضل في أناقة تقديمه، فقد كان الشاي في اليابان حكرا على الامبراطور والعائلة المالكة، لكن مع بداية القرن الثاني عشر انتشر تحضير الشاي. في اليابان هناك طقوس لتحضير الشاي والتي تأتي على أربع قواعد وهي: التناغم، الاحترام، النقاء، السكون. فمثلا تكون حركة ذراع من يقدم الشاي مستقيمة بما يوحي بالاحترام في حضرة الشاي، ويكون ملء أكواب الشاي بأسلوب فريد كأن يملأ القدح الأول إلى الربع والثاني إلى النصف والثالث إلى ثلاثة أرباع، ثم يعاد ملء القدح الأول والثاني والثالث. وتتميز هذه الطريقة بالتناغم بحيث يكون الشاي في الأكواب بلون واحد وتركيز واحد.
الشاي السيلاني
انتشرت زراعة الشاي في العديد من الدول، فهو يتطلب طقسا دافئا وهواء رطبا وأمطارا غزيرة وتربة خصبة خفيفة. بدأت زراعته في موطنه الأصلي شرق آسيا كالصين مرورا بالهند وسيريلانكا وأندونيسيا. حيث بدأ الشاي يحتل مركز المحصول الرئيسي في سيريلانكا في السبعينيات من القرن التاسع عشر. بعد أن كان البن يحتل الصدارة في الستينيات من القرن ذاته، ولم يكن أي مزارع سريلانكي يبدي أي اهتمام بزراعة الشاي. إلا أن رجلاً اسكتلندياً يدعى «جيمس تايلور» قدم إلى سيلان سنة 1852 وعمل في إحدى أكبر مزارع إنتاج البن، كان المسئول الرئيسي عن تغيير الخارطة الزراعية وتحوليها من زراعة البن إلى زراعة الشاي. وقد كان جيمس مزارعاً متعلماً وقد كرس كل وقته للتفاني في عمله. لقد تعاون جيمس مع الحدائق الملكية النباتية في مدينة بيرادينيا في سيريلانكا حيث حصل منها على بذور الشاي الأولى ليقوم بالتجارب الزراعية عليها.
وقد أصبحت مزارع لوليكونديرا التي تبلغ مساحتها 19 آكراً (الأكر هي وحدة حجم لقياس مساحة الأرض الزراعية ويقابله في العربية الفدان أي ما يعادل 43560 قدم مربع) والتي استغلها تايلور لزراعة الشاي لتحقيق الربح التجاري، مثالاً مستقبلياً يحتذى عن زراعة وصناعة الشاي في سيريلانكا. بدأ تايلور تجربته باللجوء إلى عدة أساليب في معالجة أوراق الشاي. حيث جعل من كوخه المصنوع من القش مصنعاً لمعالجة أوراق الشاي حيث يتم لف الأوراق على طاولات ومن ثم يتم تحميصها في أفران فخارية وقودها الفحم.
محاصيل البن
في عام 186، انتشر وباء يصيب الأوراق بتدمير محصول البن في الجزيرة مما دفع ملاك المزارع للبحث عن محاصيل بديلة عن البن. وقد كانت عملية الانتقال من زراعة البن إلى زراعة الشاي عملية سهلة نوعاً ما بسبب امتلاك الجزيرة للمزارعين ذوي الخبرة والنظام الزراعي الفعال. وقد شهدت صناعة الشاي السيلاني توسعاً متسارع الوتيرة بين سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر، حيث جذبت صفقات جيدة مع شركات بريطانية كبيرة قامت بالاستحواذ على عدد من المزارع الكبيرة. وقد زادت مساحة الأرض المخصصة لزراعة الشاي من 400 هكتار سنة 1875 لتصبح 120.000 هكتار بحلول عام 1900. أما في الوقت الحاضر، فتغطي أوراق الشاي مساحة قدرها 220.000 هكتار من المناطق الجبلية والسهول الجنوبية في الجزيرة.
قام تايلور بالاستقرار في لوليكونديرا وتوفي بعد ذلك بأربعين عاماً. وقد كانت كلمات «جون فيلد»، المفوض السامي السابق لبريطانيا العظمى في سيريلانكا، هي خير ما قيل في موروث جيمس تايلور، حيث كتب: «يمكن القول بأن جهد عدد ضئيل من الأفراد قد ساهم في رسم الامتداد الطبيعي لهذا البلد. حيث تدين التلال الخضراء في هذا البلد بجمالها الذي تبدو عليه الآن للإلهام الذي قدمه جيمس تايلور، الرجل الذي أسس زراعة الشاي في سيريلانكا».
«النفط» السيريلانكي
ارتباط سيلان بالشاي أو الشاي بسيلان أصبح في أذهان الكثيرين ارتباطا عضويا رغم أنها رابع منتج للشاي في العالم بعد الصين والهند وكينيا تأتي سيريلانكا في المركز الرابع التي تستحوذ على نصيب الأسد من الشاي المورد لعالمنا العربي. لقد أصبح الشاي جزءا لا يتجزء من أجسامنا ليس في سيريلانكا مجرد زراعة بل أصبح صناعة سياحية أقيمت له في سيريلانكا المقاهي التي تحكي لعشاق الشاي من الميلاد حتى يسكن إلى جوار الفؤاد.
الورقة المنتعشة الخضراء قد تصلح للعرض على صناديق الشاي لكنها لا تصلح لشربه لذلك فإن تتبيل الأوراق هي الخطوة الأولى، عندما تقطف أوراق الشاي الخضراء من المزرعة يوضع في أحواض مكشوفة لمدة 12 ساعة لعملية التنشيف ومن ثم توضع أوراق الشاي الذابلة في آلة خاصة تطحن لمدة 20 دقيقة ثم يوضع في منخل لفصل الأوراق الناعمة عن الخشنة ومن ثم تؤخذ مرة أخرى الأوراق الخشنة لتوضع في الآلة ليطحن مرة آخرى ومن ثم ينخل مرة أخرى وهكذا، بعدها تتم عملية التخمير لمدة ساعتين ونصف الساعة لضمان تقوية النكهة فيه ثم يأخذ لوضع في فرن التحميص لمدة 21 دقيقة ثم يخرج من فرن التحميص وبعدها يكون الشاي جاهزا وتتخذ أوراق الشاي اللون النحاسي الأحمر. بعدها تتم عملية فرز الشاي على حسب الحجم شاي في شكل أوراق، شاي مكسر وهو سريع التحضير أو أكياس شاي جاهزة وأخير الشاي الناعم المسحوق.
تعتبر التغييرات المناخية التي يسببها الارتفاع أمراً بالغ الأهمية. حيث أن تصنيف الشاي إلى ثلاثة أنواع رئيسية – محصول المنطقة المنخفضة (من مستوى سطح البحر حتى ارتفاع 600 متر)، محصول المنطقة المتوسطة (من ارتفاع 600 متر إلى 1200 متر)، محصول المنطقة المرتفعة (من ارتفاع 1200 متر وما فوق) هو تصنيف يعتمد على الارتفاع لكنه ذو صلة وثيقة باختلاف نوعية الشاي. حيث يكون التباين كبيراً بين محاصيل المناطق المنخفضة ومحاصيل المناطق المرتفعة.
شاي صديق للأوزون
وصل الشاي السريلانكي لمعلم هام آخر في تاريخه على مدى 143 سنة من خلال الحصول على مكانة «الشاي صديق الأوزون» من برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP. إن منتجات الشاي الصديق للبيئة والإخلاقي تحصل على قوة دافعة في أنحاء العالم. وبالتالي أعطت منزلة الشاي صديق الأوزون فائدة تنافسية للشاي السيلاني حيث يمكن تسويقه في أنحاء العام كمنتج صديق للبيئة. تم الطلب من كافة الدول، ضمن اتفاقية مونتريال الدولية 1987، التخلي عن مرحلة استخدام ميتيل بروميد MeBr في الإنتاج الزراعي في العم 2015. يتم تنفيذ المشروع من خلال برنامج الأمم المتحدة للبيئة. إن مادة ميتيل بروميد هي مادة مستنزفة بشكل كبير لطبقة الأوزون تستخدم في مكافحة الحشرات الضارة في الزراعة، تخزين المنتجات، التخزين، عمليات الحجر الصحي وما قبل الشحن. إن استنزاف طبقة الأوزون مؤذي للكائن البشري، المحاصيل الزراعية والمخلوقات الحية الأخرى.
نفذت سيريلانكا ضمن اتفاقية مونتريال الدولية مشروعين للاستغناء عن استخدام مادة ميتيل بروميد في عمليات غير الحجر الصحي وعمليات ما قبل الشحن. لقد كان تنفيذ مشروع حول قطاع الشاي من قبل الوحدة الوطنية للأوزون في وزارة البيئة بمساعدة معهد أبحاث الشاي في سيريلانكا ناجحا في إيجاد واعتماد تقنيات صديقة للبيئة دون استخدام ميتيل بروميد في زراعة الشاي. لقد تم إنجاز المشروع في العام 2007 حيث تم منح سيريلانكا جائزة منفذي اتفاقية مونتريال الدولية اعترافا بالعمل المنجز خلال الفترة 1987 – 2007. إن سيريلانكا هي البلد الأول المنتجة للشاي التي تحصل على مكانة الشاي صديق الأوزون.
لقد صمم مجلس إدارة سيريلانكا للشاي شعارا جديدا للشاي السيلاني النقي صديق الأوزون والذي سوف يستخدم على كافة علب الشاي السيلاني النقي اعتبارا من شهر يناير من العام القادم. تم تسجيل الشعار في سيريلانكا كعلامة ترخيص وأنواع الشاي المزروع والمنتج في سيريلانكا دون استخدام ميتيل بروميد هي فقط التي سيحق لها استخدام الشعار الجديد. إن شعار الشاي السيلاني النقي صديق الأوزون هو ملك لمجلس إدارة سيريلانكا للشاي وأولئك الراغبون في استخدام الشعار عليهم التقدم لمجلس إدارة سيريلانكا للشاي للحصول على حقوق الامتياز. يسمح لعبوات البيع بالتجزئة الحاوية للشاي السيلاني النقي أن تستخدم علامة الترخيص. لا يسمح للشاي السيلاني المخلوط/ والممزوج بشاي من مصادر أخرى أن يستخدم شعار الشاي صديق الأوزون.
مزارع سياحية
* باتت مزارع الشاي في جزيرة سيريلانكا من المعالم السياحية التي يحرص السائحين على زيارتها خاصة وأن كأس الشاي الساخن يعد المشروب المفضل للكثيرين حول العالم، وأراضي سيريلانكا الخضراء المرتفعة بزراعة أفضل أنواع الشاي في العالم، تنعش الجسم والروح أيضاً.
* بدأ في عام 1867 «جيمس تايلور» أحد المزارعين الاسكتلنديين، إعادة زراعة الشاي في مزارع القهوة المنتهية في مستعمرة سيلون البريطانية. وقد امتدت مزرعة الشاي التجريبية بمساحة 7.69 فدان في «لوليكوندرا»، بالقرب من عاصمة التل في كاندي، لتغطي مساحة إجمالية تقترب من 221.000 فدان اليوم.
* تغيرت طبيعة صناعة الشاي في سيريلانكا (تغير اسم سيلون إلى سيريلانكا مع تطبيق المؤسسة الجمهورية في عام 1972) قليلا عما كانت عليه إبان الحكم البريطاني وقامت بإدارة المزارع. وواصل أبناء العمل المهنيين من جنوب الهند نفس المهنة التي قام بها أجدادهم منذ 150 عاما، بالرغم من إحلال الماكينات الأحدث مكان الماكينات القديمة، إلا أن المصانع لم يطرأ عليها سوى بعض التغييرات الطفيفة.
* من أهم عناصر الجذب لزوار مناطق الزراعة في سيريلانكا هو فندق مصنع الشاي، وهو مصنع شاي منذ العصور البريطانية تم تحويله إلى فندق عصري. وباستخدام الماكينات الأصلية، يعيد الزمن بطريقة فريدة ليرجع بالزوار إلى الأيام الأولية لصناعة الشاي، غير أن ذلك يكون في مناخ من الرفاهية والراحة.
* تحتل سيريلانكا المركز الثاني كأكبر مصدر للشاي في العالم - بقيمة تزيد على 3.67 مليار درهم (1 مليار دولار) في 2007. وقد كان سكان تاميل الهنود الذي يزيد عددهم على 1.2 مليون نسمة، هم قوام صناعة الشاي في الدولة. وغالبا ما يتم شراء حبوب الشاي الأسود عالية الجودة بأسعار مرتفعة بواسطة شركات خلط الشاي في الدول المتعددة لغرض الخلط، إضافة القيمة إلى حبوب الشاي الأقل جودة والمتوفرة بسعر أرخص.
* لن تكتمل زيارة «دولة الشاي» في سيريلانكا بدون الاستمتاع بجمال الطبيعة في باقي أرجاء الدولة مثل شلالات المياه الساحرة، حدائق التوابل، محميات الطيور والحيوانات البرية، رحلات الأدغال الاستوائية، الشواطئ الذهبية والإقامة الفاخرة صديقة البيئة.
المصدر: مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 146