اضطراب المناخ يدفع بالنباتات إلى الهجرة
مناي التقي
النبات الأخضر مخلوق لغيره يختزن طاقة الشمس ويعيد توازن الهواء ويحفظ التربة من الانجراف ويوفر بيئة مريحة لا يشقى فيها إنسان ولا حيوان فكيف إذا اطرب المناخ فارتفعت حرارة الهواء درجات ؟ فهل بوسع الإنسان أن يحيط باتجاه حركة النباتات في القرن القادم.
المناخات تعدد أو تعاقب
تنوعت المناخات تنوعا كبيرا وتوزعت بين طرفي خط الاستواء شمالا وجنوبا وما يحدث من تبدل مناخي في الشمال يكن عكسه في الجنوب إذ تسود القارات في النصف الشمالي ويسود النصف الجنوبي المحيطات فلو كانت المناخات جميعها مناخا واحد لفسد شكل الأرض في المجموعة الشمسية ونتج عن هذا الفساد تبدلا نوعيا في شتى أغلفة الأرض.
لن يسود المناخ الاستوائي سطح الارض إلا إذا كانت الشمس عمودية ولن يسود المناخ المداري أو المتوسطى او المعتدل او القاري أو الموسمي أو الصحراوي إ إذا تبدل شكل الأرض واتخذ هذا الشكل وضعا محددا من أشعة الشمس وتتبدل أغلفة الأرض مع تبدل شكلها ويصعب على الإنسان المخلوق في أحسن تقويم أن يرى الأرض وأغلفتها تتبدل بين مناخ يتقدم وأخر يتأخر.
قد لا يصبر ذلك المخلوق العاقل على مناخ واحد لأن الحياة في المناخ الواحد تفقد الإنسان ميزة التنوع وتجعله يقلب وجهه في السماء راجيا زوال المناخ الواحد وعودة المناخات إلى الأرض وقد تعود المناخات مناخا او قد تعود جميعا ففي الحالة الأولى يحصل التعاقب المناخي عندئذ يشهد الإنسان تعاقبا في أشكال الأرض ويشهد أيضا عجزا في متابعة هذا التعاقب كلما جاء مناخ رحل إنسان وحل محله إنسان جديد لأن النظام المناخي الجديد يطوي الغلاف الحيوي وينشر غلافا جديدا.
تفرز عودة المناخات جميعا شكلا ثابتا للأرض وحركة مستقرة لها وتباينا في الغلاف الحيوي بكل ما حوى من إنسان ونبات وحيوان كان النبات أخضر ثم تزين بالأزهار ثم تنوع فانتشرت الأنواع ما بين خطوط العرض في الشمال والجنوب وما خلق النبات عبثا فهو مخلوق لغيره من الكائنات يختزن طاقة الشمس في مركبات ولن تقوم حياة الإنسان بدونها كذلك بقية الكائنات يعيد النبات توازنه إلى الهواء الجوي فيسحب منه مازاد من غاز ثاني أوكسيد الفحم وينشر فيه ما نقص من غاز الأوكسجين ويحفظ التربة فتتجرف بفعل الهطل العاصف وتتجدد المياه في صهاريج الأرض.
ظهر النبات قبل الإنسان فشكل مستعمرات من نوع واحد أو أكثر وتبدل شكل المستعمرة النباتية مع تبدل معدل الهطل ومتوسط درجة الحرارة السنوية وقد تكون نسبة تبخر نتج إلى الهطل السنوي أكثر أثرا في تبدل شكل المستعمرات النباتية التي تنبت في خطوط عرض الأرض المختلفة.
مناخات ومستعمرات نباتية
لم يترك كوكب الأرض لعبث المناخات تعددا أو تعاقبا بل خص الكوكب فلك يسبح فيه وخص بغلاف جوي يقنن طاقة المس فإن اختل ميزان الطاقة في غلاف الجو تذبذبت مناخات الكوكب نحو التسخين أو نحو التبريد.
تعرف مناخات الكوكب الأرضي بأشكال مختلفة من المستعمرات النباتية ففي لمناخ الصحراوي يندر الهطل فينتظم وتجود فيه نباتات حولية سريعة النمو حيث تزهر وتنضج بسرعة بعد الهطل النادر كما تجود فيه نباتات معمرة متكيفة مع الجفاف ويتميز المناخ الصحراوي desert بشتاء حار نسبيا (شمال أفريقيا) أو متوسط البرودة (شمال كاليفورنيا) أو شديد البرودة (تركستان الشرقية) وينتشر المناخ الصحراوي في المناخات الاستوائية (ساحل البيرو) والمدارية (صحراء عدن) إلا أن صحراوية الاستواء أو المدار ينتظم فيها الهطل فإن طالت فترة الجفاف عرفت بالبوادي (أوكرانيا – منغوليا) أو بالبراري أو بالبامبا pampa (أمريكة الجنوبية) ويسود فيها النجليات الجفافية من أجناس مختلفة stipa, festuca, kocleria ذات جذور نامية جدا تسمح لها بالبحث عن الماء في أعماق التربة.
وتحل الأنواع الشجرية الضخمة والعريضة والمستديمة الأوراق المسرفة للماء محل النباتات العشبية في المناخ الذي يتميز بدرجات حرارة ثابتة وبرطوبة جوية عالية ويهطل غزير (أفريقيا المدارية) وتتوزع النباتات على شكل طابق متعددة في الغابة المدارية المطيرة foretpluvieuse وتتساقط أوراق الأشجار في الغابة المعتدلة المطيرة foret tempere pluvieuse (أوروبا – أمريكا الشمالية) ويسود فيها أنواع من النسديان quercus sp والزان fagus sp والقبقب وأن التنوع الشديد للأشجار في غابات أمريكا الشمالية يمنح الطبيعة جمالا خاصا في فصل الخريف حيث تتلون أوراق كل نوع شجري بلون خاص به يتراوح بين الأصفر والاحمر بينما تنتشر الأشجار مستديمة الأوراق في المناخ المتوسطي مثل الصنوبر الحلبي pinus help والصنوبر البروتي cedrus brtia والأرز اللبناني cupressus semp والسنديان العادي quercus caniprincs أما السنديان العرزي q.cerris والسنديان البلوطي q.infectoria فهي أشجار متساقطة الأوراق تحتل طوابق رطبة وباردة في الغابة المتوسطة .
وتشكل أشجار المخروطيات مثل الصنوبر pinus –sp والتنوب picea sp واللاديكس ladx –sp والشوح abies – sp وغابة التايفا taiga ذات المناخ البارد جدا والشتاء الطويل وتقع جنوب التوندار toundra التي تصادف ي المناطق القطبية وتعرف بالنطاق التبتي الموجود فيما بعد الحد الطبيعي للأشجار إذ يتكون النبت الطبيعي من شجيرات قزمة Betula nana وبعض أنواع الفصيلة المجرمية Ericaceae مختلطة مع مسطحات مع الطورب الطحلبية في الجزء الجنوبي من التوندارا أما في الجزء المشالي فتظهر مسطحات طحلبية واشنية وتنعدم الشجريات.
مثلث توزع المستعمرات النباتية منخايا
تعتبر المستعمرة النباتية مؤشرا مناخيا وأن المناخ بحكم سلوك وشكل المستعمرة فالهطل يوفر الرطوبة في التربة والجو الحرارة تتدخل في فيزيولوجيا التمثيل الضوئي والتنفس والنمو والنتح وما شابه وكان الأمريكي هولدريدح L.R Holdlridge ينظر إلى المستعمرات النباتية بكافة أشكالها المتدهورة والمتطورة من خلال مثلث تساوت فيه الأضلاع حمل الضلع الأيسر تبخر نتح الهطل السنوي وأن قيم هذه النسبة تزداد من 0.25إلى 0.16 وتمتد المناخات الصحراوية على طول هذا الضلع من المناطق الباردة القطبية polaine إلى المناطق المدارية (8000مم) مرورا بالمناطق الباردة المعتدلة Tempenc froid (4000مم) وبقع على امتداد هذا الضلع الصحراء القطبية والتوندرا المطير وكذلك مختلف أشكال الغابات المطيرة المعتدلة والمتوسطية والمدارية ويضم هذا الضلع ماجالات الحرارة الحيوية مقدرة بالدرجة المثوية أما الضلع القاعدة فيضم قيم التقاطع بين معدلات الهطل السنوية ونسبة تبخر نتج الهطل السنوي وتتدرج المستعمات النباتية من المناخات الصحراوية إلى البوادي steppe فالغابات الجافة والغابات نصف الرطبة والرطبة ثم الغابات المطيرة.
لقد أظهر هولدريدج عام 1967 العلاقة بين أشكال المستعمرات النباتية والمناخ وأن التبدل المحتمل في بعض العناصر الرئيسية مثل الحرارة نتيجة لفعل غازات الدفيئة بصحبه تبدل واسع في مجالات المستعمرات النباتية بأشكالها الجافة والرطبة والمطيرة.
* غازات الدفيئة تسخن الو وتدفع بالنباتات إلى الهجرة
من الإنسان المعاصر غلاف الجو فأحدث في تركيبه الغازي تغييرا فاضطرب تركيب غلاف الجو الغازي واضطرب معه ميزان الطاقة وتمثل الاضطراب بارتفاع نسب بعض الغازات القادرة على امتصاص الأشعة الحرارية في طبقة الجور الأسفل ويتصدر غاز ثاني أكسيد الفحم (الكربون) الدور الرئيسي في تسخين الجو من بين غازات الدفيئة الأخرى مثل أوزون 03 طبقة الجو الأسفل ومركبات الفلوركلور كربون CFCS وأكاسيد الأزونات N20 والميثاق وماء طبقة الجو المتطبقة STRATOSPHERE ولقد اختلف توزع مساهمتا غازات الدفيئة في التسخين الجوي خلال السنوات العشر الأخيرة (1980 -1990) عن توزع مساهمتها خلال القرون الثلاثة الأخيرة (1765 – 1990) ويعزي ذلك الاختلاف إلى مختلف أنشطة الإنسان المعاصر في الزراعة والصناعة والتجارة المحمولة برا وجا وبحرا.
لقد ارتفع تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون من 315 جزءا في المليون حجما عام 1958م بداية عصر الصناعة إلى 335 جزءا في المليون حجما عام 1990 وأن نسبة الزيادة كانت بحدود 25% ومن المحتمل أن تتضاعف نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في القرن القادم بسبب التقدم الصناعي وتبدل تركيب الغلاف الحيوي ولا سيما شكل المستعمرات النباتية عندئذ يمكن أن ترتفع حرارة الهوا الجوي على سطح الكوكب الأرضي من 1.5 م إلى 4.5م حسب التقديرات المختلفة ويصحب هذا الارتفاع في درجة الحرارة تبدلا أخر في التوزيع الجغرافي للمستعمرات على سطح الكوكب المتبدل.
لا ريب أن اختلال الطاقة في الآلة الجوية هو السبب في تذبذب المناخات على سطح الأرض ويصحب ذلك توزع مختلف لأشكال المستعمرات النباتية فلقد تمكن الباحثان الأمريكيان ينرلاند وليمانس عام 1991 بعد دارسة مخطط هولدريدج ومقارنة نتائجه جغرافيا من توزيع المستعمرات النباتية على سطح الكوكب الأرضي أولا ومن ثم إعادة التوزيع نتيجة ارتفاع درجة الحرارة ثانيا.
إن أثر ارتفاع حرارة الهواء الجوي المرتقب يمتد إلى المحاصيل الزراعية إذ أن كل نوع من المحاصيل الزراعية يتطلب كمية من الحرارة المتراكمة فوق العتبة الدنيا للحرارة التي تدفع بالنبات إلى النمو ومن ثم الإزهار فالنضج ويعبر عن كمية الحرارة بالدرجة المئوية في اليوم فنوع البطاطا المبكر يتطلب 250 درجة مئوية /اليوم فوق عتبة الحرارة الدنيا اللازمة للنمو وقدرها 2م ويتطلب نبات الرز 545درجة مئوية/ اليوم فوق عتبة الحرارة الدنيا اللازمة للنمو وقدرها أم وإن نبات الذرة الصفراء يتقدم 150كم شمال حدود زراعته في أوروبا الغربية لكل ارتفاع في درجة الحرارة قدرة درجة واحدة مئوية.
قد لا تتأثر ترب المناخات الباردة نتيجة ارتفاع درجة حرارة الهواء الجوي إذ أن نشاط الكائنات الحية المجهرية المنحربة للمادة العضوية المتراكمة فوق ترب المناخات الباردة سوف يزداد بارتفاع الحرارة وبالتالي سوف تفقد تلك الترب خصوبتها وقدرتها على تخزين الماء وليس بوسع الإنسان ولا الإنسانية أن تحدد مدى التدهور في الغلاف الترابي واتجاه هجرة الغلاف الحيوي فكيف لو ارتفعت درجة الحرارة درجات معدودات أو تبدل الغلاف الجوي.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 20