استثمارات هائلة في كثير من الدول
مرادم النفايات .. موارد معطلة في الخليج العربي
عنود القبندي
أصبحت النفايات الصلبة في الدول المتقدمة تدر مئات الملايين من الدولارات للمستثمرين فيها، بينما ما زالت النفايات في دول الخليج تنتظر من يستثمر فيها. فهناك فرص استثمارية ضخمة في النفايات خاصة أن المدن الخليجية تنتج كميات هائلة من النفايات العضوية الصلبة، مثل بقايا الأطعمة ومخلفات المطاعم والمطابخ، والتي تكفي لإنتاج كميات كافية من الغاز لتوليد الكهرباء وتسيير عدد كبير من المصانع وإنارة آلاف البيوت، أو التسخين في المعامل والمنشآت.
والآن حصل تطور جديد، حيث يمكن استخدام الغاز كوقود للسيارات على شكل غاز مسال. إلا أنه من المؤسف لم يتم استغلال هذا المصدر الحيوي حتى الآن، رغم أن دراسات جدوى هذه المشاريع تشير إلى نجاح هذه المشاريع في أنحاء العالم كافة، حيث يحصل المستثمر على عائد مجز في الوقت الذي يقدم فيه للمجتمع فوائد جمة. فإنتاج الغاز من النفايات لا يحقق عائداً مجزيا للمستثمر فقط، وإنما يسهم في تنظيف البيئة، ويسهم في تخفيف انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ويمنع الحرائق والانفجارات في مرادم النفايات، التي تسمى أحيانا «مكبات».
بولتون رود
على سبيل المثال في مدينة أتلانتا في الولايات المتحدة الامريكية في مردم نفايات «بولتون رود» عندما تذهب إليه لن تجد شيئاً يدل على أنك متواجد في مكب للنفايات، فكل ما هناك هضبة خضراء في أسفلها مكاتب وأماها سيارات. لكن هناك يجب عليك أن ترتدي سترة خضراء فسفورية لأنها مطلب قانوني طالما أنتم متواجدون على ارض المكب.
تحلل النفايات
تمنع الدول المتقدمة حرق النفايات لأن الحرق مـــلـــــوث للبيـــــــئة، لذلـــك فإنه يتــــــم طمـــــر النفايات وتغطيتها بالتراب في مكبات )مرادم( خاصة، ثم تتم زراعة الحشيش فوق التراب عند امتلاء المكب. ينتج عن تحلل النفايات المطمورة وغياب الأكسجين انبعاث عدة غازات أهمها وأخطرها هو غاز الميثان، والذي ينتج عن تحلل المواد العضوية. ويعد غاز الميثان من أخطر الغازات المنبعثة، حيث إن أثره البيئي أخطر أكثر بـ 20 مرة من غازات الكربون، ويمكن أن ينبعث بسهولة من المكبات من خلال الشقوق والتصدعات في التربة، مسبباً حرائق وانفجارات، وهو ما يفسر صعوبة السيطرة على الحرائق في مرادم النفايات. كما أن اختلاف الضغط داخل المكب المغلق قد يؤدي إلى انفجارات مدمرة كما حدث في لوسوكو في بريطانيا في عام 1986 أو انهيارات أرضية وحرائق في الكويت في عام 1997، وكانت النيران قد اندلعت من شقوق أرضية في منطقة القرين في الكويت بعد تسرب الغاز من مردم قديم مساحته 1 كم مربع وعمقه يراوح بين 5 و25م.
ورغم إغلاق المردم في عام 1985، إلا أنه تم بناء حي سكني فوق أجزاء منه ابتداء من عام 1989.
استخراج الغاز
ونظرا للروائح الكريهة والانهيارات الأرضية والحريق، قامت الحكومة باستخدام عدة حلول، كان آخرها استخراج الغاز من المردم وربطه بمحطة حرق الغاز. ولكن لأن المردم لم يكن مجهزا أصلا لأن يكون مردماً، حيث كان أرضا مشاعة يقوم كل من هب ودب بالتخلص من النفايات فيها، فإن استخراج الغاز خلّف فراغاً في المردم، الأمر الذي أدى إلى انهيارات أرضية وتصدعات في سطح الأرض.
إن دفن النفايات من دون إيجاد نظام لسحب غاز الميثان منها يؤدي إلى انفجارات وحرائق وحوداث مأساوية، كما أن زراعة الأشجار فوق المكب تسهم في زيادة التلوث وتسهم في زيادة انبعاث الغازات المسببة للانبعاث الحراري، لذلك فإن القانون الأمريكي يمنع زراعة الأشجار على سطح المكبات خوفاً من أن تسهم جذورها في تسرب الميثان إلى الهواء. في الوقت نفسه يمكن أن يؤدي احتباس الميثان إلى انفجار المكب نفسه، أو إلى تلوث المياه الجوفية.
لذلك فإن القانون الأمريكي يجبر شركات النفايات على حفر آبار في مكبات النفايات لاستخراج الغاز وحرقه أو بيعه.
تصميم المرادم
تحكم تصميم مرادم النفايات في الدول المتقدمة قوانين صارمة بهدف حماية البيئة وتلافي تلوث المياه الجوفية والهواء، عادة ما تكون مرادم النفايات وديان ضخمة يتم تحويلها مع مرور الزمن إلى جبال بعد ملئها بالنفايات. وعادة ما يستغرق ملء المكب نحو 30 عاماً يتم بعدها إغلاقه إلى الأبد.
يمكن تصور مردم النفايات ككرة القدم الأمريكية البيضاوية الشكل بداخلها غرفة مستطيلة الشكل مقسمة إلى عدة خلايا توضع فيها النفايات. يتم إعداد أرض المردم عن طريق وضع طبقتين من الطين والرمل المرصوص يبلغ سمكها نحو متر تقريباً، ثم يتم تغطيتها بنوع من البلاستيك غير القابل للتحلل، ومقاوم للحرارة التي تنتج عن تحلل المواد العضوية.
كما يتم لحم قطع البلاستيك ببعضها لمنع تسرب المياه منها. يتم تثقيب الطبقة البلاستيكية في مناطق معينة وذلك للسماح بالمياه بالتسرب عبرها إلى الطبقة الطينية، ومن ثم إلى أنابيب مثقبة تحت الطبقة الطينية. ثم يتم نقل المياه المجموعة عبر أنابيب أو شاحنات إلى محطات خاصة لمعالجتها بهدف التخلص من المواد السامة فيها.
امتلاء المردم
وعند امتلاء المردم بالنفايات، يتم بناء سطح المردم على غرار الطريقة التي بنيت بها قاعدته، حيث يغلف بطبقة بلاستيكية، ثم بطبقيتن رملية وطينية. بعد ذلك يتم إضافة تربة لزراعة الحشيش فيها. ولمنع تسرب المياه والغازات من أطراف المكب عند التقاء الطبقة الأرضية مع الطبقة العلوية المغلفة للمكب يتم استخدام عوازل ترابية بسماكة كبيرة. ويجبر القانون الأمريكي شركات جمع النفايات على زرع أنواع معينة من الحشائش وقصها باستمرار، حتى بعد إغلاق المكب، حتى لا تكبر وتخترق جذورها الطبقة العازلة للمردم.
يتكون كل مردم من عدة “خلايا” يتم ملؤها مع الزمن. ويستغرق تجهيز كل خلية فترة تراوح بين ثلاثة أشهر وعام كامل باستثمارات ضخمة قد تتجاوز مئات الملايين من الدولارات. إن نجاح القطاع الخاص في الولايات المتحدة في تجميع النفايات والتخلص منها رغم الاستثمارات الهائلة يوضح حجم العائد الذي تحصل عليه شركات جمع النفايات.
القانون الأمريكي
يجبر القانون الأمريكي شركات جمع النفايات على حفر آبار في مرادم النفايات بعد مرور عامين على طمر هذه النفايات لجمع الغازات الناتجة عن تحلل النفايات.
عادة ما تستمر مرادم النفايات في إنتاج الغاز لمدة عقدين إلى ثلاثة عقود حيث تعتمد كمية الغاز المستخرج على عوامل عدة منها نوعية النفايات ونسبة المياه ومدى رطوبة الجو .هناك اعتقاد عام بأن النفايات العضوية في الخليج لكل فرد، خاصة نفايات الأطعمة المولدة لغاز الميثان بعد تحللها، هي الأعلى في العالم.
تقوم الشركات بحفر الآبار وتجهيزها بشكل مشابه لما يتم في صناعة النفط، إلا أن الفارق الأساسي هو أنه في صناعة النفط يتم ضخ المياه في البئر لسحب الغاز بينما يتم في مردم النفايات سحب المياه لتسهيل انسياب الغاز إلى سطح الأرض. وتشكل المياه عائقاً، حيث إنه قد ينتج عن الحرارة والضغط وجود تكتلات مائية ضخمة تمنع الغاز من الخروج. ولكي يتم سحب أكبر كمية ممكنة من الغاز، يتم حفر آبار عمودية كل 20 مترا تقريباً، ثم توضع فيها أنابيب مثقبة على أعماق مختلفة لجمع الغاز، كما يتم قياس كمية الغاز الصادرة وحرارة الغاز عند فوهة كل بئر. ويتم ربط فوهات الآبار ببعضها، حيث يتم جمع كل الغاز في أنبوب واحد يخرج من المكب إما إلى المحرقة وإما إلى منشأة مهمتها تنقية الغاز من الكبريت وأكسيد الكربون والماء وشوائب أخرى ثم توصيله إلى المصانع والمنشآت التي تحتاج إليه، لذلك يعد موقع المردم مهما جداً بالنسبة لتسويق الغاز وسعره.
استخدامات الغاز
تستخدم عشرات الشركات في الولايات المتحدة الغاز من النفايات إما للحصول على الحرارة مباشرة من حرقه وإما من خلال تحويله إلى كهرباء. والملاحظ أن أغلبية الشركات هي من الشركات الكبرى، خاصة من شركات السيارات مثل بي إم دبليو ورولزرويس وفورد وديملر كرايزلر، إضافة إلى شركات مشهورة مثل هنيويل، أونز كورنينج، إس سي جونسون، سونوكو. ولعل أشهر المستخدمين لهذا النوع من الغاز هو وكالة ناسا. إضافة إلى ذلك فإن هناك عديدا من المصانع والمنشآت الصغيرة التي تستخدم الغاز من النفايات.
ففي مكب «بولتون رود» تم توصيل الغاز إلى مصنع الأسمنت المجاور حتى تم إغلاق المصنع منذ نحو ثلاثة أعوام، الأمر الذي أجبر شركة ويست منجمينت على العودة إلى حرق الغاز. لكن هناك مباحثات بين الشركة وشركة الكهرباء المحلية التي تقع في الطرف المقابل من الطريق العام كي يتم استخدام الغاز محل الفحم في توليد الكهرباء.
مكب «باين بلف»
في مكب «باين بلّف» فإنه وقع عقداً مع شركة وسيطة تقوم بتجميع الغاز وتنقيته ثم تبيعه إلى شركة مصنعة لأطعمة ومأكولات القطط والكلاب. وقد أشار المسئولون في كل من الشركات الثلاث أن الجميع سعداء بهذه الطريقة من التعامل لأنها تحقق أرباحاً لشركة النفايات والشركة الوسيطة، في الوقت الذي تحقق فيه الشركة المستهلكة وفورات كبيرة مقارنة بخيارات الطاقة الأخرى.حيث تم تحويل الغاز المستخرج من المرادم إلى غاز مسال واستخدامه وقودا في سيارات نقل القمامة التي تسير بالغاز المسال.
وفي ولاية كاليفورنيا يوجد مصنعان يقومان بتحويل الغاز المستخرج من المكبات إلى غاز مسال، تم افتتاح أحدهما في الفترة الأخيرة، حيث بدأت شركة ويست منجمنت، وهي من كبرى شركات جمع القمامة في العالم، باستخدام الغاز المسال المنتج من غاز مستخرج من مكب للنفايات بالقرب من مدينة ليفرمور في 300 شاحنة من شاحناتها التي تستخدم في نقل الزبالة. ويتم تحويل الغاز إلى غاز مسال في مصنع بالقرب من المكب تملكه شركة ليند نورث أمريكا، تبلغ طاقته الإنتاجية 13 ألف جالون من الغاز المسال في اليوم.
ويعد هذا المصنع الأكبر من نوعه في العالم. ويعد الغاز المسال المستخدم في السيارات التي تستخدم هذا النوع من الوقود من أنظف أنواع الوقود في العالم. للتوضيح فقط، الحديث هنا عن سيارات تسير بالغاز المسال، وليس بالغاز، وبينهما فرق كبير.
تحويل النفايات
يوجد نحو 400 مردم في الولايات المتحدة يتم فيها تحويل النفايات إلى غاز. وكانت شركة ويست منجمينت قد أعلنت في نهاية عام 2007 أنها بالتعاون مع ثلاث هيئات أخرى منها شركة الكهرباء في المنطقة سيطورون مردم نفايات «لايف أووك» المغلق (مغلق هنا تعني أن المردم لم يعد يستقبل أي نفايات) كي ينتج 1.4 مليار قدم مكعبة في السنة واستخدامها في تدفئة نحو 20 ألف بيت أي أننا نصل إلى خلاصة تقول أن النفايات التي يتخلص منها الناس لم تعد عديمة القيمة.
وسيتم بيع الغاز لعدد من الشركات المسّوقة التي ستبيعه للمستهلكين في ولايات عدة، حيث يتوقع أن يستمر المردم في إنتاج الغاز لمدة 18 إلى 20 سنة. وقد تم ملء المردم بالنفايات على مدى 19 سنة وتم إغلاقه في عام 2004. سينتج عن بيع الغاز تخفيض تكلفة إدارة هذا المكب المغلق، والتي تصل إلى نحو 750 ألف دولار سنوياً.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 127