جولة مع الأسباب .. والتداعيات .. والحلول
التغير المناخي : هؤلاء يهددون أرضكم!
عنود القبندي
ذكر العلماء والباحثون أن العالم في حالة تسخين دائم وسريع للأرض يفوق كل التوقعات، وهذا في حد ذاته سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة، كما نشاهد ونسمع عن قمم جليدية تذوب، أعاصير فتاكة، شعوب تعاني من الجفاف في أراض تصحرت: الصور، التي تضع حقيقة التغير المناخي أمام أعيننا، لا تدعو للتفاؤل. لكن هناك مشاريع تهدف للتصدي لهذه المخاطر التي تهدد أرضنا بين لحظة وأخرى، فلا بد أن نضع أمام أعيننا طرق حماية الغابات وهي في حد ذاتها حماية للمناخ ويعد تدميرها بمثابة قنبلة موقوتة لما لها من أثر بالغ على صحة المناخ، بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة من الأشجار على مستوى العالم لما تملكه من قدرة فائقة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون الموجود في الجو بالإضافة إلى ضرورة حماية الشواطئ والاستفادة من جميع الطاقات على مستوى العالم.
الغابات الشمالية الباردة
إن قسما كبيرا من غابات وادي بيكين تعد جزءاً مما يطلق عليه «الغابات الشمالية الباردة»، والمعروفة أيضاً «بالغابات المخروطية» نظراً لكونها مغطاة بأوراق إبرية دائمة الخضرة، مثل أشجار الصنوبر والشربين والبتولا. والغابات الشمالية الباردة تمثل أكثر من ثلث مساحة الغابات في العالم، وتشكل حزاماً أخضر يمتد شمال خط الاستواء بين خطي العرض 40 و70. وتقع 60 % من هذه الغابات في روسيا، لكن طبقا لتقديرات المنظمة الروسية غير الحكومية «نادي الغابات الروسي»، المعنية بحماية الغابات، فإن المساحة التي تتمتع بالحماية الكافية لا تتجاوز 3 % من مجمل مساحة هذه الغابات في روسيا. هذا الوضع دفع «شبكة حماية الغابات الشمالية الباردة» إلى تقديم الدعم لمنظمات حماية البيئة الروسية بشكل خاص وللشعوب الأصلية في جهودهم لمكافحة القطع الجائر لتلك الغابات. وكما جاء تقرير حديث فإن «منطقة الغابات الشمالية الباردة تمثل منطقة هامة من الناحية البيئية، ونظرا إلى حساسية تلك الغابات وكبر مساحتها فيمكن لها أن تؤثر على المناخ بشكل كبير».
تدمير غابات الصنوبر
لكن غابات الصنوبر في كندا والدول الاسكندينافية أيضا مهددة بأخطار القطع الجائر والاستغلال المتزايد لتلك الغابات وتنشط منظمة غرين بيس «Greenpeace» منذ سنوات في شمال كندا وفنلندا لوقف أو للحد على الأقل من القطع الجائر للغابات. وقد زادت هذه الظاهرة بشكل حاد في هذين البلدين نسبة للحاجة المتزايدة للأخشاب في قطاع صناعة الورق. ولا تعتبر حماية غابات الصنوبر ضرورية نظرا إلى قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون فحسب، بل كذلك إلى القدرة العالية التي تتمتع بها هذه الأشجار في مقاومة التبعات الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض وبحسب نتائج دراسة أجراها علماء كنديون بتكليف من منظمة غرين بيس «Greenpeace» فإن القطع الجائر يستهدف الأشجار القوية في تلك الغابات بوجه خاص. ويأتي على رأس المشاكل أيضا ذوبان الأرضية الجليدية حيث تنمو معظم الغابات الشوكية، إذ إن هناك تلك الأرضية المتجمدة تخزن في باطنها كميات كبيرة من الغازات الدفيئة، ويؤدي ذوبانها إلى تصاعد الغازات الضارة وعلى رأسها غاز الميثان إلى الجو.
ويمكن الحيلولة دون ذلك بالحفاظ على الغابات وحمايتها، وعلى العكس من ذلك فإن تدميرها يكون «بمثابة قنبلة زمنية موقوتة لما لذلك من أثر بالغ الضرر على صحة المناخ».
أشجار القرم
تعرضت أشجار القرم وهي السدود الحية للقطع الجائر خلال العقود الماضية، ونسبة إلى فائدتها الكبيرة للنظام البيئي فإن إعادة غرسها من جديد كما هو الحال في الفلبين، من شأنه حماية الشواطئ وتوفير بيئة ملائمة لإعادة الثروة السمكية.
تعتبر المناطق الساحلية ذات قيمة عالية للغلاف الحيوي على الكرة الأرضية لكنها كذلك الأشد حساسية كما اتضح بجلاء بعد وقوع كارثة تسونامي عام 2004.
والتغير المناخي يتسبب في ارتفاع منسوب مياه البحر، الأمر الذي يترتب عليه زيادة وقوع الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ مثل الأعاصير. وتعد الشواطئ وسكانها الأكثر تأثرا بظاهرة التغير المناخي، وهذا ينطبق بشكل خاص في حالة تعرض الغابات في تلك الشواطئ للقطع الجائر، فهذا الغطاء النباتي هو هنا بمثابة السد الطبيعي الذي يحجز مياه البحر.
غابات المانغروف
وتتمتع أشجار المنغروف بخاصية مميزة للغاية وهي القدرة على خفض نسبة الغازات الدفيئة، فكل هكتار من تلك الأشجار يمتلك القدرة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو بكمية تصل إلى طن ونصف الطن خلال العام وتعمل المستعلقات المثبتة في الجذور على تخزين حوالي 700 طن إضافية في العام كما أن غابات المنغروف توفر بالإضافة إلى هذا بيئة آمنة لتكاثر الأسماك والقواقع والسرطانات المائية.
وتعد أشجار المنغروف بجانب الشعب المرجانية والغابات المطرية، من أكثر النظم البيئية المفيدة في العالم لكن غابات المنغروف مهددة بالانقراض بشكل أكبر من الغابات المطرية، وهي تختفي بسرعة تعادل ضعفي السرعة التي تختفي بها الغابات المطرية، وهذا يرجع إلى عدم وجود المساحة الكافية بسبب إنشاء مشاريع.
ونظرا للأهمية الاقتصادية والبيئية لغابات المنغروف، يتم في الوقت الراهن إعادة غرسها في مناطق متعددة بدرجة تركيز تختلف من مكان لآخر، كما هو الحال في إندونيسيا وتايلاند والهند وفيتنام والبرازيل والبربادوس والفلبين ويقدم كل من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة دعما ماليا يصل إلى الملايين لمشاريع تعمل في هذا الاتجاه وفي الفلبين تدعم الوكالة الألمانية للتعاون التقني(GTZ) برامج متخصصة في مجالي الحماية والتوعية البيئية.
السدود الكبيرة
يعد مشروع «محطة لا إسبيرنسا الكهرومائية» في هندوراس، نموذجاً مثالياً لاستغلال الطاقة المائية بشكل ناجح في توليد الكهرباء وتتم في هذا المشروع الاستفادة من حائط السد القديم مع استغلال الحد الأدنى من الأرض، والنتيجة الإيجابية تظهر من خلال توليد الكهرباء بشكل ثابت عن هذا الطريق ولذا تم ترشيح المشروع الذي أسسه رجل الأعمال الكندي «رون تورنر» للجائزة العالمية للطاقة النظيفة وبعد اعتماد اتفاقية حماية المناخ في «كيوتو» عام 1997، كانت هذه المنشأة هي أول مشروع في العالم، يسمح له ببيع شهادات خاصة به لتخفيض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون.
لكن العديد من مشاريع السدود الكبيرة تتحول إلى كارثة تمس الجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا على خلفية تأثيرها الكبير على الطبيعة والمجتمع ولا يعتبر سد «ساردار ساروفار» في الهند، أو سد «الأخاديد الثلاثة» في الصين، تطورا فيما يتعلق بحماية المناخ، بل تجسيدا حيا لتدمير البيئة وعدم احترام حقوق الإنسان بالإضافة إلى أن مثل هذه السدود تمثل إشكالية كبيرة، لاسيما عندما تغمر مياه البحيرات التي تتشكل عادة خلف السدود الغابات، فالنباتات المتحللة تصبح على مدى السنين مصدرا لتصاعد كميات كبيرة من غاز الميثان، وهو غاز يشكل ضررا أكبر على المناخ مقارنة بغاز ثاني أكسيد الكربون وبالرغم من هذا لا يزال تشييد السدود الكبيرة مستمرا في الهند والصين وأمريكا الجنوبية.
قفزة إفريقية
الطاقة الشمسية النظيفة من الصحراء يمكن أن تغني على المدى الطويل عن محطات توليد الكهرباء من الفحم والمنشآت النووية الخطرة المضرة بصحة المناخ وهذا يعتبر فرصة كبيرة لاسيما بالنسبة لأفريقيا الغنية بالشمس.
إذا ما جاء ذكر إفريقيا فإن الحديث يدور غالبا عن نقص الغذاء والتعليم والرفاه الاجتماعي ومع ذلك هناك شيء واحد تملك منه هذه القارة ما يكفي، ألا وهو أشعة الشمس ومن هنا يمكن للطاقة الشمسية تحقيق قفزة هائلة لإفريقيا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي ويتفق على هذا التقييم العلماء وناشطوا حماية البيئة والعاملين في مجال التنمية.
مجال الطاقة الشمسية
لكن العائق الرئيسي لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في أفريقيا، يتمثل، وفقا للخبراء، في ارتفاع تكلفة تركيب أنظمة الطاقة الشمسية ولا فرق بين ما إذا كانت تلك النظم كهربائية أو ضوئية أو كانت نظما لمحطات توليد الطاقة الحرارية لأن الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية، يتطلب توفير السيولة المادية بشكل فوري وعلى دفعة واحدة، وهذا أمر مكلف حتى وإن وضعنا في الاعتبار «أن الكهرباء المولدة عن هذا الطريق مجانية تقريبا أي أنها ليس لها تكاليف تذكر» وفي المقابل يكلف الكيروسين أو الديزل الضار بصحة المناخ، أكثر من ذلك بكثير، لكن التكاليف موزعة على مبالغ صغيرة، الأمر الذي يقود الدول الفقيرة في المقام الأول إلى تفضيل هذا الشكل من الطاقة المضر بصحة البيئة.
غاز وبترول
في الوقت الحالي هناك في مصر والمغرب وليبيا وبلدان أخرى في شمال أفريقيا، محطات غاز وبترول حديثة، توفر الكهرباء لهذه البلدان وبينما لا تعتبر محطات توليد الطاقة الحرارية الشمسية أو النظم الكهربائية الضوئية بالمقارنة معها معقدة من الناحية التقنية.
وإن التحول من محطات الطاقة الضارة بالمناخ إلى محطات الطاقة الشمسية سيمثل فائدة للمناخ على النطاق العالمي، فمحطات توليد الطاقة الحرارية الشمسية، المقرر إنشاؤها ضمن إطار مشروع Desertec في الصحراء سيقلل حتى عام 2050 من انبعاث 4.7 طنا من غاز ثاني أكسيد الكربون الضار بصحة المناخ وهذه الكمية تعادل ستة أضعاف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في ألمانيا.
الطاقة المائية
الطاقة المائية صديقة للبيئة، لكن توليد الكهرباء بواسطة المياه مثير للجدل، سواء تم في المشاريع الكبرى في الدول النامية، أو مشروعات أصغر كما في القرى الألمانية، لكن هناك أمثلة تثبت أن الاستخدام الأمثل ممكن.
بدأ الإنسان بالاستفادة من الطاقة المائية منذ أكثر من ألفي عام، إذ يمكن بواسطتها تشغيل الطواحين والمصانع وورش الحدادة والمناشير واليوم يتم توليد الكهرباء بشكل أساسي من الطاقة المائية، وتبلغ نسبة الطاقة الكهربائية المكتسبة بهذا الطريق 15 % من الإنتاج العالمي، وذلك يفوق نسبة الطاقة الكهربائية المكتسبة من الطاقة النووية أما مصادر الطاقة المتجـددة الأخرى فهي تمثل في الوقت الراهن 4 % فقط.
وللمياه إمكانيات تفوق ذلك بكثير، فكل ميغا واط من الكهرباء المولدة من الطاقة المائية، يساهم في الحيلولة دون زيادة نسبة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالمناخ وتشير دراسات متخصصة إلى أن المحطات الكهرومائية قادرة على تغطية الاحتياج العالمي من الكهرباء، إلا أن هذا لن يتحقق لأن النظر إلى المياه بوصفها طاقة متجددة، ينبغي أن يدرس بحسب اختلاف الوضع من حالة إلى أخرى وهذا ينطبق بشكل خاص على مشاريع السدود الكبيرة.
«الحرارية الأرضية»
يمكن تشبيه كوكب الأرض بفرن ساخن، إذ إن حرارة 99 % من مساحة هذا الكوكب تتجاوز 1000° مئوية ومن الممكن استغلال هذه الحرارة الأرضية في توليد الكهرباء بشكل صديق للبيئة، تستفيد منها الدول الفقيرة أيضا.
عرف قدماء الرومان جيدا فائدة الينابيع الحارة الغنية بالكبريت، وقام أثرياء العصر القديم ببناء حمامات حرارية بالقرب منها لأغراض الاستجمام وفطن أحفادهم أيضاً إلى إمكانية الاستفادة من تلك الحرارة الكامنة في باطن الأرض، فتم إنشاء أول محطة للطاقة الحرارية الأرضية في إيطاليا عام 1913، ليفتح بذلك الطريق لتوليد الكهرباء من مصدر جديد.
واليوم تلجأ كثير من البلدان إلى هذه التقنية، ويكون الأمر أسهل في المناطق حيث تنشط البراكين وحيث تكون القشرة الأرضية رقيقة وعند الحفر في الأرض إلى عمق يصل إلى عدة كيلومترات، فإن البخار الساخن يصعد إلى السطح بدرجة حرارة تتجاوز 200° مئوية، ويمكن بسهولة تحويل هذا البخار الساخن إلى طاقة كهربائية بواسطة محطات خاصة، كما هو الحال على سبيل المثال في نيوزلندا والفلبين والساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية.
طاقة نظيفة
ولا يعتبر المناخ الحار بالضرورة شرطاً للاستفادة من الحرارة الأرضية، إذ أن ذلك ممكن حتى في البلدان الباردة، كالسويد التي تحتل الصدارة في تدفئة المباني باستخدام مضخات للهواء الحار وهناك يتم توليد طاقة من حرارة الأرض، حيث تحفر حفراً في الأرض يصل عمقها إلى 400م، ثم يتم إدخال مبادلات حرارية أسطوانية بتلك الحفر لنقل الهواء الساخن من الأعماق إلى سطح الأرض. ويعتقد الخبراء أن احتياج العالم من الكهرباء يمكن من الناحية النظرية تغطيته بشكل مستمر عبر استغلال الطاقة الحرارية الأرضية وذلك يحوي فوائد بيئية متعددة، فهذا الشكل من أشكال الطاقة نظيف بدرجة 100 % ولهذا تقدم الحكومات في كثير من البلدان الأوروبية الدعم لمشاريع الطاقة الحرارية الأرضية، وهذا الدعم ضروري بشكل خاص في منطقة أوروبا الوسطى، إذ لا بد من الحفر إلى أعماق بعيدة للوصول إلى درجات حرارة عالية تسمح بتوليد الكهرباء.
ايسلندا الدافئة
في ايسلندا تغطي الطاقة المولدة من الحرارة الأرضية نصف حاجة البلاد من الطاقة، كما يولد خمس احتياج الجزيرة من الكهرباء من محطات توليد كهرباء تعتمد على الطاقة الحرارية الأرضية، بل وكان انخفاض التكاليف المادية لذلك المصدر دافعا إلى القيام بتدفئة الشوارع في العاصمة ريكيافيك خلال فصل الشتاء بالاعتماد على طاقة الأرض الحرارية.
الأمل في الكهرباء
وشأنها شأن أيسلندا، فإن أراضي إندونيسيا تتكون من جزر بركانية، وهذا يوفر من الناحية الجيولوجية شرطا مناسبا للاستفادة من الطاقة الحرارية الأرضية بهدف توليد الكهرباء ولكن حوالي نصف عدد السكان في هذا البلد محرومون من إمدادات الكهرباء، كما أن انقطاع التيار الكهربائي يمثل ظاهرة تحدث بشكل متكرر والحرارة الأرضية تفتح آفاقا جديدة أمام الدول الفقيرة بشكل خاص وفي سبيل خفض تكاليف التيار الكهربائي وجعله في متناول جميع سكان البلاد، إلا أن تكاليف توليد الكهرباء في إندونيسيا من الفحم الحجري مازالت أقل بالمقارنة مع الطاقة الحرارية الأرضية. وإن الطاقة الحرارية الأرضية يمكن أن تساهم في حل مشاكل نقص إمدادات الكهرباء بشكل مؤثر ومن أهم مميزات الطاقة الحرارية الأرضية مقارنة بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، تتمثل في إمكانية الاعتماد عليها بشكل ثابت لعدم تأثرها بتقلبات المناخ، كما ستنخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في أندونيسيا إلى 230 ألف طن من خلال توليد الكهرباء في محطة الطاقة الحرارية الأرضية في محافظة آتشيي.
الطاقة في كينيا
إن الصفائح التكتونية تسبح في الحمم البركانية السائلة تحت قشرة الأرض، وهذه المناطق مهددة بشكل كبير بانفجار البراكين فيها، إلا أن هذه المناطق بالذات توفر الشروط المثلى للاستفادة من الطاقة الحرارية الأرضية وهذا ينطبق على كينيا التي يمر عبرها أخدود الوادي العظيم في شرق إفريقيا ويعتمد هذا البلد بشكل كبير على الطاقة المائية، لكن البحث جار بشدة عن مصادر بديلة للطاقة بالنظر إلى فترات الجفاف الطويلة التي تسود كينيا وتطرح الحرارة الأرضية هنا كأكثر البدائل الملائمة، وتوجد حتى الآن في كينيا ثماني محطات للطاقة الحرارية الأرضية، من بينها محطة «أولكاريا» في حديقة هيلز غيت الوطنية شمالي غرب العاصمة نيروبي.
وبالرغم من أن الطاقة الحرارية الأرضية أكثر ملائمة للمستقبل لكونها مصدرا نظيفا للطاقة، إلا أنها لا تخلو على الجانب الآخر من المخاطر، منها مثلا أن تلعب عمليات الحفر دورا محفزا لحدوث الزلازل خصوصا في المناطق الجغرافية الحساسة.
أضرار احتراق الغابات
لا يوجد نظام بيئي يتمتع بقدرة عالية على امتصاص ثاني أكسيد الكربون مثل الغابات الخثية، لكن القطع الجائر يشكل تهديدا لها خاصة في إندونيسيا ولكن تغيير الدول الصناعية لسياستها وتقديم الحوافز المالية يمكن أن يوقف هذا التهديد وعمد الناس في ناطحات السحاب في العاصمة الإندونيسية جاكرتا إلى ارتداء أقنعة للتنفس، ففي يوليو من عام 1997 تحول لون السماء إلى الأسود، بعد أن غطت إندونيسيا وماليزيا سحابة دخان ضخمة وهذه السحابة السوداء نتجت عن الحرائق التي خرجت عن السيطرة في تلك الفترة الجافة من العام، ووصل مدى سحابة الدخان حتى أستراليا، ولم تنقشع بشكل كامل إلا بعد مرور عام وبلغت مساحة الأراضي التي أتت عليها النيران عشرة ملايين هكتار، وهذا يعادل ضعفي مساحة سويسرا.
إن معظم الأراضي المحترقة كانت مغطاة بالغابات الخثية، ومن المعروف أنه لا يوجد نظام بيئي يفوق الأراضي الخثية في امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وهذه الخاصية ترجع إلى أن الخث، أو فحم المستنقعات، هو المرحلة التي تسبق الكربون، وفي هذه المرحلة تكون درجة التحلل النباتي في التربة قد وصلت إلى درجة متقدمة، أكثر من تلك التي تكون عليها التربة حيث تنمو الغابات المطيرة عادة ولذا فإن كمية ثاني أكسيد الكربون التي تخزنها الغابات الخثية، تزيد خمسين ضعفا بالمقارنة مع الغابات الاستوائية لكن المعلومات التي يعرفها الباحثون حول الغابات الخثية تقف عند هذا الحد، إذ أن الكثير حول هذا النوع من الغابات لم يكشف عنه النقاب بعد. وإن كان العلماء يعرفون أن الغابات الخثية تتلاشى بسرعة كبيرة كما هو الحال على ضفتي نهر الأمازون وفي حوض نهر الكونغو، وفي جنوب شرق آسيا وهناك تنمو الأشجار على طبقات خثية يبلغ عمرها مئات الآلاف من السنين، ويبلغ سمك هذه الطبقات 20م وهي على درجة عالية من الرطوبة. ولقطع الأخشاب من هذه الغابات لا بد من تجفيف المياه أولا وفي حالة تعرض الغابات للقطع أو للحريق، تبقى الأرض الخثية معرضة لأشعة الشمس، مما يؤدي إلى تحللها، ويتسبب هذا في تصاعد كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل يفوق كمية الغاز المتصاعدة عند حرق الأشجار.
بلد الغابات الخثية
توجد نصف مساحة الغابات الخثية في العالم حيث تزيد مساحة الحقول سنوياً بمعدل 500 ألف هكتار، ولهذا الغرض يتم قطع الغابات الخثية بشكل متزايد وقد تعرضت الأنواع الأخرى من الغابات منذ وقت طويل للقطع الجائر لزراعة أشجار زيت النخيل، ولم يبق الآن أمام مصنعي زيت النخيل سوى قطع الغابات الخثية.
يذكر أن حجم غاز ثاني أكسيد الكربون المختزن في تربة الغابات الخثية يبلغ 50 مليار طن بسبب حرائق سابقة، وإذا ما تعرضت نصف هذه الغابات فقط للحرق، فستتسبب عملية تحلل تلك الأرض الغنية بالكربون، في تسرب أكثر من 90 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون. وتدرك الحكومة الإندونيسية هذه المخاطر، لذا فهي تدعم إجراء عدد من الدراسات لتداركها وتوضح أحدث تلك الدراسات، أن نصف نسبة انبعاث الغازات الدفيئة في إندونيسيا، ترجع إلى تحويل الغابات الخثية إلى حقول زراعية. وهناك وسائل بسيطة لتحقيق ذلك المطلب في رأيهم، ومنها اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع وقوع الحرائق والحد من انتشارها في رقعة واسعة، ومعالجة الجفاف في الغابات الخثية من خلال الري بالماء، وأخيرا تطبيق القوانين التي سنت لحماية تلك الغابات وإذا ما تحقق كل هذا فيمكن تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالغابات الخثية إلى ثلاثة أرباع، بحسب الدراسة نفسها.
الخث
مواد نباتية متحللة تراكمت على مدى فترات طويلة في أماكن رطبة تعرف باسم مستنقعات أو حقول الخث وبصفى عامة أولى مراحل تكوين الفحم الحجري.
ويتكون الخث في شكل طبقات، تحتوي العلوية الفاتحة اللون منها بقايا النباتات والأعشاب والحزازيات التي تموت وتتعفن في المياه الحمضية الضحلة. ويبدأ تحولها إلى خث من جراء الضغط الواقع عليها من المياه والنباتات الأخرى، وتتكون طبقاتها السفلى من الماء بمعدل 90 % وتكون أشبه بالطين. ويحصد معظم محصول الخث بالآلات التي تقوم بعزقه وتقطيعه وخلطه وتجهيزه في كتل منتظمة تنشر على الأرض لتجف وفي بعض المناطق يجفف يدويا.
انقاذ الغابات
إن إنقاذ الغابات الخثية لن يصبح ممكناً سوى عندما يتم الاستغناء عن زيت النخيل وعندما ينهار الطلب على زيت النخيل، سيتغير أسلوب التفكير لدى المنتجين ولكن لا يزال زيت النخيل جزءا من إستراتيجية الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة المتجددة وإذا لم تتغير سياسة دعم استهلاك زيت النخيل بهدف حماية البيئة، فنحن نجد أنفسنا أمام تناقض صارخ». إلا أن الإشارات الدالة على فرص حدوث تحول في مجال إنتاج زيت النخيل لا تبدو مشجعة في مجملها، إذ تعتزم إندونيسيا مضاعفة إنتاجها خلال السنوات العشر القادمة.
الأقمار الصناعية
من الممكن الاستعانة بالأقمار الصناعية للتعرف على حالات القطع الجائر بشكل أفضل، كما يمكن أيضا زيادة الضغط باتجاه تنفيذ العقوبة على مثل هذا العمل عن طريق تكوين هيئة مختصة بحماية الغابات الخثية. كذلك من الممكن تطبيق آلية «تقليل الانبعاثات النابعة من إزالة الغابات» التي تعرف اختصارا بـREDD أو(Deforestation and Degradation Reducing Emissions From)، وهذه الآلية من المفترض أن تصبح مستقبلا جزءاً من اتفاقية المناخ العالمية. ويتمثل الهدف منها في تشجيع مالكي أراضي الغابات المطيرة على الحفاظ على الأشجار وعدم قطعها، عبر مكافأة مادية تدفع لهم في حال الالتزام بذلك وقد أعلن عدد من منتجي زيت النخيل استعدادهم للتوقف عن قطع الغابات وتحويلها إلى حقول، في حال حصولهم على مقابل مادي.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 125