بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

التربة السوداء

التربة السوداء

فتحت الطريق للعلماء لتخصيب الأرض

التربة السوداء .. صناعة خضراء لإطعام الشعوب نفسها بنفسها

ترجمة عن ناشيونال جيوغرافيك

في أحد أيام سبتمبر الدافئة تجمع المزارعون في العرض السنوي الذي تقيمه مزرعة «ويسكونسن» التقنية حول آلات التجميع وماكينات الحزم وآلات القطع والعزق وتسوية الأرض والجرارات بجميع أنواعها وبينهم تتلألأ نجوم العرض وآلات الحصاد هذه الآلات تتلون بألوان زاهية على شكل ألعاب نارية يبلغ وزن كل آلة من هذه الآلات 15 طناً، ويبتسم المزارعون وهم يرون الآلات تخترق حقول الذرة بصوتها الذي يشبه صوت الرعد لكن مالا يعلمونه هو أن هذه الآلات قد تدمر مصدر رزقهم على المدى البعيد لأن التربة السطحية في دول الغرب الأوسط تعتبر من أحسن أنواع التربة الصالحة للزراعة في العالم لأنها تتكون من كتل متغايرة في الخواص يفصل بينها فقاعات هوائية، وهذه الآلات الضخمة والثقيلة مثل آلات الحصاد تهرس التربة الرطبة وتحولها إلى لوح لا يمكن اختراقه في عملية تسمى الكبس، والجذور لا يمكنها اختراق التربة المكبوسة وكذلك الماء لا يمكن أن تتشربه هذه التربة ويجف فوقها مما يؤدي إلى حدوث تعرية ويحدث هذا الكبس في عمق التربة، ولهذا نجد أن شركات الآلات الزراعية يستخدمون القمر الصناعي لأن مشكلة الكبس تبقى إحدى المشكلات الخطيرة التي تواجه الزراعة في العالم النامي، وأيضا نجد أن الدول الغنية تواجه نفس المشكلة في الزراعة.

وتعتبر مشكلة الكبس جزء صغيرا فقط من تركيب فسيفسائي مكون من مشاكل منفصلة تؤثر على التربة في جميع أنحاء الأرض.

وفي العالم النامي على سبيل المثال هناك مساحات شاسعة صالحة للزراعة فسدت بسبب التعرية والتصحر الناتجين عن الأنشطة الإنسانية مما يؤثر مباشرة على حياة 250 مليون شخص، وكشفت أول دراسة قام بها العلماء في هولندا عن سوء استخدام التربة عام 1991 وأن الجنس البشري أفسد أكثر من 7.5 مليون ميل مربع من الأراضي أي أن ما يعادل حجم الولايات المتحدة وكندا مجتمعين يتأثر بالنفايات الإنسانية بسرعة رهيبة، ونصل هنا إلى الربط بين نقص الغذاء في العالم ونقص كمية التربة وجودتها، مما يؤدي إلى حدوث أعمال شغب في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبحلول عام 2030 سوف يبلغ عدد سكان الأرض 8.3 مليار نسمة لإطعامهم طبقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، وقد يحتاج المزارعون إلى زيادة نسبة القمح المزروع بمقدار 30 % من الكمية التي يتم إنتاجها حالياً ويقدر خبراء العقم البشري أن حاجة الإنسان تزداد من التربة لكن إفساده لها يصبح أسرع من ذي قبل.

انحلال التربة

يتفق الباحثون والمزارعون العاديون في جميع أنحاء العالم على أن التربة الفاسدة يمكن أن يتم استصلاحها، ويقول أحدهم إن تعويض التربة الفاسدة يعتبر فرصة لمحاربة الجوع بجانب حل مشكلات ندرة المياه والاحتباس الحراري، ويؤمن بعض الباحثين بإمكانية إبطاء حدوث الاحتباس الحراري عن طريق استخدام مخازن الكربون الضخمة من أجل إصلاح التربة الفاسدة في العالم من جديد، ويقول أحدهم أيضا أن تشارك الاستقرار السياسي مع الجودة البيئية والجوع والفقر في نفس الجذور، وعلى المدى البعيد سوف يكون حل جميع المشكلات هو استعادة التربة لأنها أساس جميع الموارد.

هضبة اللوس

هضبة اللوس بعد الزراعة

ومثال على ذلك هضبة اللوس، على مر العصور نقلت رياح الصحاري إلى الغرب حيث كانت تحمل الرمال إلى وسط الصين وغطى هذا الغبار الإقليم بأكوام ضخمة من الطمي أو اللوس كما يسميه علماء الجيولوجيا بعضها يصل عمقه إلى مئات الأقدام، وتبلغ مساحة هضبة اللوس مجموع مساحات فرنسا وبلجيكا وهولندا، وقد كان النهر الأصفر على مر القرون يغسل أكوام الطمي في عملية طبيعية تحولت بفضل طريقة «دزهاي» إلى أسوأ مشكلة لتعرية التربة في العالم، وبعد أن دمرت الفيضانات «دزهاي» عام 1963، رفضت الأمانة العامة للحزب الشيوعي في القرية مساعدة الدولة ووعدت بأنها ستخلق قرية منتجة من جديد، زادت محاصيل دزهاي بعد ذلك زيادة رهيبة مما دفع بكين لإرسال مراقبين ليتعلموا كيفية نقل طريقة دزهاي إلى بقية المناطق، ورأى هؤلاء المراقبون فلاحين يستخدمون المجراف بمهارة من أجل تسوية تلال اللوس من الأعلى للأسفل وفي وقت فراغهم يقرؤون كتاب «ماو زيدونج» الأحمر الصغير المليء بالأمثال الثورية. تأثر ماو بحماسهم الشديد فجمع الآلاف من ممثلي القرى للذهاب للمستعمرة وقد كان تشانغ من بينهم، وكان الشعور الديني يعم الرحلة حيث تتجول مجموعة واحدة لمدة أسبوعين من أجل مشاهدة الزوائد الملتهبة التي أصابت أيدي عمال دزهاي، وأهم ما تعلمه تشانغ هناك هو أن الصين تحتاجه لاستغلال كل قطعة أرض من أجل زراعة الحبوب، وقد فسرت الشعارات التي طالما انتشرت في الصين المؤمنة بأفكار ماو: أزل التلال واملأ الأخاديد وسو الأرض ودمر الغابات واغز الأرض القاحلة!

ولكن للأسف كان التأثير الحقيقي لهذه العملية هو خلق دورة شديدة الضرر في البيئة الصينية لفترة طويلة وأن جدران ممرات زويتو ليست إلا طمي متجمع، ومن الطبيعي أن يتفكك باستمرار، مما دفع تشانغ إلى تقويتها في كل مرة تنهار فيها. حتى في حالة عدم تآكل الممرات.

تعمل الأمطار على جرف العناصر الغذائية والعضوية من التربة، وكل هذا أدى إلى نقص المحاصيل مرة أخرى بعد أن زادت في البداية، ولحل هذه المشكلة، أقبل المزارعون مرة أخرى على تمهيد ممرات جديدة دمرتها السيول مرة أخرى.

والنتائج كانت رهيبة مما أدى إلى نقص المحاصيل الناتجة عن سوء التربة إلى هجر أعداد ضخمة من المزارعين، وقد ساهم ذلك بدوره في تقليل عدد سكان زويتو إلى النصف، وتلك الخسائر كانت أحد أضخم خسائر العمالة البشرية في التاريخ، لقد اضطر الملايين إلى العمل ليلاً ونهاراً في مشروعات يمكن لطفل صغير أن يدرك أنها غباءات فجة، فكيف يمكن أن يكون قطع الأشجار وزراعة الحبوب على المنحدرات فكرة جيدة؟.

وبدأت الجمهورية الشعبية في تنفيذ بعض الخطط لوقف إزالة الغابات وحل هذه المشكلة، وأصدرت بكين عام 1981 أمرا بأن يزرع كل مواطن قادر جسدياً فوق 11 سنة ’من ثلاثة لخمسة أشجار كل عام في أي مكان مناسب، كما بدأت بكين أيضاً أكبر برنامج بيئي في العالم تقريباً، وهو مشروع الشلالات الثلاثة: وهو عبارة عن زراعة شريط من الأشجار يمتد لمسافة 2800 ميل وينتشر في الشمال والشمال الشرقي والشمال الغربي وكذلك على حدود هضبة اللوس، ومن المقرر أن يكتمل هذا الحائط الأخضر عام 2050 حيث من المفترض أن يقلل من التصحر والعواصف الترابية، ولقد كان هدف دزهاي بالتأكيد هدفا طموح، لكن هذه الجهود لم تكن موجهة توجيهاً مباشراً لحل مشكلة انحلال التربة التي تعد جزءا من تراث دزهاي، ومواجهة هذا الأمر مواجهة مباشرةً ليس من الحكمة السياسية، حيث يجب حل الموضوع دون الاعتراف بأخطاء ماو، ولم تبدأ بكين في عمل خطة جديدة سوى العقد الماضي حيث استبدلت طريقة دزهاي بما يسمى طريقة جاويكسيجو، ( أخدود جاويكسي ) يقع في غرب دزهاي على الجانب الآخر من النهر الأصفر؛ ويعيش سكانها البالغ عددهم 522 في (Yaodong) في كهوف محفورة على طريقة عشش طائر الخطاف في منحدرات حادة حول القرية، وبدأ المزارعون عام 1953 بالخروج من جاويكسيجو وقاموا بمجهودات بطولية لتسوية جبل كامل وليس مجرد تلال حيث قامواً بتقسيمه إلى مائة شريحة ليصبح مثل كعكة الزفاف المزينة بحقول الدخن والذرة البيضاء، وكالعادة تم زرع المحاصيل حتى تقوم الشمس بتحميص التربة والمطر بجرفها في الممرات القاحلة، وقد بنت القرية سدودا ترابية عبر الأخاديد بهدف إنشاء حقول جديدة مليئة بالطمي وذلك من أجل منع تآكل اللوس (الراسب الطفالي)، ولم تكفي النباتات القليلة لحجز المياه، وكانت السدود تنهار في كل موسم مطر، وأضاف أن المزارعين أدركوا أخيراً أن عليهم حماية النظام البيئي، أي حماية التربة.

طريقة حماية التربة

واليوم تعود الكثير من الممرات إلى طبيعتها، وطبقاً للنظام الذي يسمى «ثلاثة - ثلاثة» فقد قام المزارعون بإعادة زرع ثلث الأرض الأكثر انحداراً وبالتالي الأكثر قابلية للتعرية بالأعشاب والأشجار لتكون عائقا طبيعيا للتعرية، وأما الثلث الثاني فزرعوا فيه بساتين الفاكهة لتكون سهلة الحصاد، ووحددوا الثلث الثالث في الأراضي المليئة بالأخاديد والتي ساهمت عمليات التعرية السابقة في ملئها وزرعوا فيها جميع المحاصيل بكثافة كبيرة. ويقول جيانغ ليانجبلاو مدير قرية جاويكسيجو، لقد استطاع المزارعون عن طريق تركيز استخدام الأسمدة المحدودة لديهم في هذا الثلث فقط زيادة المحاصيل بدرجة تكفي لتعويض الأرض التي تمت التضحية بها.

وأعلنت بكين عام 1999 أنها ستنشر نظام جاويكسيجو في هضبة اللوس، وطبقاً لبرنامج تحويل الأرض المنحدرة أنه يجب على المزارعين تحويل حقولهم الأكثر انحداراً إلى أراضي عشبية أو بساتين فاكهة أو غابات مقابل تعويضهم عن طريق دفعات حبوب سنوية ومبلغ صغير لمدة 8 سنوات وبحلول عام 2010 ستكون مساحة أكبر من 82.000 ميل مربع مغطاة باللون الأخضر وأغلب هذه المساحة في هضبة اللوس.

واشتكى بعض المزارعين في هضبة اللوس من أن اللوز الذي طلبت الحكومة منهم زرع أشجاره قد غمر السوق، وتذمر آخرون من أن المسئولين المحليين يسرقون الإعانات التي تصرفها بكين للمزارعين طبقاً للخطة الموضوعة ولم يعرف الكثير من المزارعين سبب إيقافهم عن زرع نبات الدخن أو حتى لم يفهموا معنى كلمة «تعرية»، إضافةً إلى أن الكثير، إن لم يكن معظم المزارعين لم ينفذوا أوامر بكين واستمروا في زراعة المنحدرات، وكان أحدهم يجرف نبات اللفت من حقل شديد الانحدار بحيث يقف عليه بصعوبة شديدة، وفي كل مرة كان ينزع أحد النباتات، وكانت موجة صغيرة من التراب تتدحرج لتغطي قدمه، وأثناء فترة معينة في السبعينيات كانت كلمة «ساحل» هي كلمة السر التي تعبر عن الجوع والفقر والإهدار البيئي، ويشير اسم «الساحل» واقعياً إلى المنطقة شبه القاحلة التي تقع بين الصحراء الكبرى والغابات الرطبة في أفريقيا الوسطى، ولم يكن الساحل آهلاً بالسكان حتى الخمسينيات لكن تعداد سكانه زاد فيما بعد مما دفعهم إلى زراعة الإقليم بكثافة، وظلت المشكلات غير ظاهرة لفترة طويلة بسبب هطول الأمطار غير الاعتيادي لكن الجفاف انتشر فيما بعد، ووصلت المشكلات والأحوال السيئة إلى ذروتها مرتين مرة في أوائل السبعينات والثانية والأكثر خطورة في أوائل الثمانينيات وقد امتد تأثير هذه المشكلات من موريتانيا في المحيط الأطلنطي إلى تشاد في وسط أفريقيا، ومات إثر هذه الظروف التي أدت إلى حدوث مجاعة أكثر من 100000 رجل وامرأة وطفل وربما أكثر.

تأثير العوامل الجوية

آلات الحصاد أفسدت التربة في دول الغرب

ولم يتفق العلماء على سبب تحول الساحل نفسه من سافانا إلى أرض قاحلة، ومن أمثلة الأسباب المقترحة هي التغيرات العشوائية في درجات حرارة سطح البحر، والتلوث الهوائي الذي أدى إلى تكوين سحب في وقت غير مناسب وإزالة المزارعين لطبقة التربة الصالحة للزراعة مما أدى إلى تصحر الأرض ظاهرياً وأخيراً بالتأكيد الاحتباس الحراري، والسبب الآن لا يهم فالنتيجة واضحة المنطقة تصاب بأيام شديدة الحر ورياح قاسية وقد تحول ترابها إلى كتل تشبه الأحجار لا يمكن أن تخترقها جذور النباتات أو مياه الأمطار، وطلب أحد المزارعين مرة غرس خلة في حقله مما يعطي إحساساً باختراق الإسفلت.

واتجه الكثير من جماعات المساعدة العالمية إلى الساحل بعد أن أصابه الجفاف ولا يزال للكثير من هذه الجماعات هناك والآن إشارات كثيرة في نيامي عاصمة النيجر المجاورة تشير إلى وجود برنامج جديد ترعاه الأمم المتحدة أو إحدى الحكومات الغربية أو منظمة خيرية خاصة، ومن أكبر المشاريع التي تمت هناك، مشروع «كيتا» الذي أقامته الحكومة الإيطالية منذ 24 عام في منطقة النيجر الجبلية الوسطى، وكان المشروع يهدف إلى تطوير الصحة البيئية والاقتصادية والاجتماعية في 1876 ميلا من الأرض الوعرة القاحلة ويعيش فيها الآن 230.000 نسمة، وشق المهندسون الزراعيون الإيطاليون طرقا تمتد لمسافة 194 ميلا وسط المنحدرات وحفروا 684 بئرا في الأرض الحجرية وبنوا 52 مدرسة قروية وزرعوا أكثر من 18 مليون شجرة، وإضافةً إلى ذلك نحت العمال 41 سدا في التلال من أجل حفظ مياه الأمطار الصيفية باستخدام الجرافات والجرارات.

تعتبر ميزانية مشروع كيتا كبيرة جداً، حيث تبلغ 100 مليون دولار ونصيب الفرد من الدخل في النيجر يقل عن 800 دولار سنوياً وهو مقدار قليل حتى بالنسبة للمناطق الأخرى في الساحل، ويؤيد مناصرو مشروع كيتا قائلين إن تكاليف المشروع لم تتعد ثلثي ثمن الطائرة المقاتلة F-22 ولكن المشكلة هي أن الساحل واسع جداً والنيجر ليست إلا آلاف الأميال منه، وإذا كانت منطقة صغيرة مثل هذه تحتاج إلى هذه المبالغ الضخمة، وطبقاً للطرق التي اتبعها مشروع كيتا فإن نقاد المشروع يرون أن الجهود المبذولة لاستعادة التربة في مثل هذه الأراضي الجافة غير مجدية ومن الأفضل الاتجاه إلى الأراضي الأكثر قابلية للإصلاح، ولا يتفق كريس ريج الجغرافي بجامعة فيرجي (جامعة مجانية) بأمستردام، مع هذا الرأي، ولقد عمل كريس مع زملائه الساحليين لمدة تزيد عن 30 عاما وعرف من خلالها أن المزارعين أنفسهم عملوا على استصلاح الصحراء في مناطق واسعة، ويقول كريس «إنها واحدة من أعظم قصص النجاح البيئية، وتعتبر نموذج يجب على العالم كله اتباعه» ومع ذلك لم ينتبه أحد على الإطلاق لمثل هذا الإصلاح، وإذا كانت التربة بشكل عام تسبب الحملقة، فإن تربة أفريقيا تسبب أضعاف أضعاف الحملقة.

الزراعة في النيجر في بركينافاسو

استصلاح التربة ومعالجتها

وعاصر ماتيو ويدراوغو هذا الإصلاح في بوركينا منذ البداية، وجمع ويدراوغو المزارعين في منطقته وبدأ عام 1981 في إرشادهم لتجريب بعض الطرق من أجل استعادة التربة، وبعض هذه الطرق تعلمها ويدراوغو في المدرسة، ومن أحد الطرق المتبعة كان يعمل cordons pierreux صفا طويلا من الحجارة التي يبلغ كل منها حجم قبضة اليد تقريباً، وعمل هذا الإطار الحجري على إعاقة مياه الأمطار المتجهة إلى التربة الساحلية القاسية لفترة تكفي لترشحها ليسقط الطمي المعلق للأسفل مع بعض البذور التي تنمو في هذه البيئة الغنية، ويصبح خط الحجارة خطا من النباتات التي تعوق المياه أكثر فأكثر ومع نمو المزيد من البذور على الجانب المعاكس للتيار، يتم بعد ذلك استبدال العشب بأشجار وشجيرات، مما يغني التربة أكثر ويحسنها عن طريق أوراق الأشجار المتساقطة، وبهذه الطريقة يمكن لصف الحجارة أن ينقذ حقلا بأكمله في بضع سنوات فقط.

وعمل ويدراوغو قليلاً مع ياكوبا ساوادوغو، مزارع مبتكر ذي عقلية مستقلة أراد أن يقيم في مزرعته مع زوجاته الثلاث وأطفاله الواحد والثلاثين، ويقول ساوادوغو: «نحن نعيش هنا منذ أجداد أجداد أجدادنا»، واتبع ساوادوغو أيضاً طريقة صفوف الحجارة في حقله، لكنه في موسم الجفاف قام بحفر آلاف الحفر بعمق القدم zaï، كما يسمونها وهي طريقة تعلمها من آبائه، ووضع ساوادوغو سمادا في كل حفرة من هذه الحفر مما جذب النمل الأبيض الذي هضم هذه المواد العضوية فأصبحت عناصرها الغذائية أكثر فائدة للنباتات، والأهم من ذلك عمل النمل الأبيض على حفر أنفاق داخل التربة وعند هطول الأمطار تسربت المياه من خلال هذه الفتحات والأنفاق، وزرع ساوداوغو شجرة في كل حفرة، فكما يقول: «لا توجد تربة بدون أشجار»، ونمت الأشجار في أكثر الحفر التي كانت فيها التربة لينة ورطبة، وحجارة بعد حجارة وحفرة بعد حفرة، حول ساوداغو 50 فدانا من الأرض القاحلة إلى أكبر غابة خاصة تمتد لمئات الأميال، وأيضا النيجر المجاورة تشهد نجاحا أكبر، فلقد استطاع المزارعون المحليون بدون أي مساعدة أو توجيه من الحكومات أو وكالات المساعدة أن يعيدوا زرع 19.000 ميل مربع من الأرض باستخدام معاولهم وجرافاتهم.

تأثر البيئة

إن النظام الاقتصادي بجانب النظام البيئي ساعد على نجاح النيجر، ففي التسعينيات وزعت حكومة النيجر بعض الأراضي بالطريقة الشمولية التقليدية وبدأت تترك للقرويين حرية التحكم في أراضيهم وقد شجع ذلك المزارعين على الاستثمار في أراضيهم دون الخوف من فقدانها بالقوة، ولجأ المزارعون إلى بعض الطرق مثل الحفر (zaï) وصفوف الحجارة لإصلاح الأرض وقد حصنهم ذلك من التأثر بالتقلبات المناخية حتى في أصعب فترات الجفاف، ويقول لاروانو إن النيجريين «لن يتأثروا تأثيراً سلبياً كما حدث عام 1973 أو 1984» ولم تنتعش بوركينا فاسو كما انتعشت النيجر والسبب الوحيد لذلك واضح من قصة ساوداغو، ولقد سيطر القرويون في النيجر على أراضيهم بينما لا يزال أصحاب الأراضي الصغيرة في بوركينا يستأجرون الأرض وعادةً بدون ثمن من مالكي الأرض الأساسيين الذين يستطيعون الاستيلاء على الأرض وبيعها في نهاية أي عقد.

التربة السوداء

ويوجد التراب الأسود فقط في المناطق المأهولة بالسكان مما يدل على أنه من صنع الإنسان ويصل تاريخه إلى ما قبل وصول الأوروبيين، وهذا التراب غني جداً بالمعادن الضرورية مثل الفسفور والكالسيوم والزنك والمنجنيز والتي يندر وجودها في تراب المناطق الاستوائية، ولكن أهم وأعجب عنصر هو الفحم الموجود بكميات ضخمة والذي يعطي التراب لونه الأسود ولا أحد يعرف على وجه الدقة مصدر هذا الفحم؛ هل مزجه الهنود متعمدين بالتربة أم هل كانوا يلقون البقايا المنزلية للتخلص منها دون أي هدف، أم أن التراب الأسود مصنوع أساساً من الفحم ليتم استخدامه في الزراعة ولكن الشيء الواضح هو أن هذا التراب أصبح مصدرا أساسيا لحياة مستوطنات كاملة، حيث كان هناك منذ آلاف السنين صراع بين جماعتين من الهنود على السيطرة على التراب الأسود.

تأثير الفحم

يعتبر الفحم الذي ينتج عن حرق النباتات والنفايات في درجة حرارة منخفضة عنصرا أساسيا في التراب الأسود، وفي مارس قاد أحد العلماء فريقا بحثيا كشف أن مجرد إضافة الفحم المتفتت والدخان المكثف للتربة الاستوائية السيئة ينتج عنه «زيادة مضاعفة» في الميكروبات التي تهيئ النظام البيئي تحت الأرض لتصبح التربة خصبة، وتفقد التربة الاستوائية الميكروبات عندما تستخدم للزراعة، ولكن يبدو أن الفحم في التراب الأسود يشكل موطنا للميكروبات، فكأنه تربة صناعية ممزوجة بالتربة الأصلية وهذا جزئياً لأن العناصر الغذائية تكون مرتبطة بالفحم ولا تتم إزالتها من التربة، وقد كشفت اختبارات أخرى قام بها فريق برازيلي أمريكي عام 2006 أن التراب الأسود يحتوي على مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكائنات الميكروبية مقارنةً بالتربة الاستوائية العادية، أي أنها أكثر حيوية.

الثورة السوداء

يمكن أن تساعد الثورة السوداء أيضاً على مقاومة الإحتباس الحراري، ويمثل ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الزراعة أكثر من ثُمن الغازات الدفيئة التي ينتجها الإنسان. وينتج هذا الغاز عن طريق الكشف عن مواد عضوية مدفونة بعد حراثة التربة حراثة قوية، ورأى أحد العلماء أن صنع التراب الأسود في جميع أنحاء العالم سوف يستهلك الكثير من الفحم الغني بالكربون. وبالتالي سوف يعادل الكربون المنطلق من التربة في الغلاف الجوي وطبقاً لما قاله لويليام آي. وودز، الجغرافي وعالم التربة في جامعة كنساس، يحتوي التراب الأسود الغني بالفحم على 10 – 20 مرة قدر الكربون الموجود في التربة الاستوائية العادية، ويمكن دفن هذا الكربون تحت سطح الأرض في أعماق كبيرة، ويقول وودز أن الحسابات التقريبية تكشف ان «كمية الكربون التي توضع في التربة غير ثابتة». وقد قدر يوهانس ليمان، عالم التربة بجامعة كرونيل، في «Nature» كمية البقايا التي يتم تحويلها إلى فحم، مثل بقايا الإدارة التجارية للغابات والحقول المُراحة والمحاصيل السنوية، وقال إنها يمكن أن تعوض ثلث انبعاثات الوقود الحفري في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أكد ليمان واثنان من زملائه أنه يمكن معادلة استخدام الجنس البشري للوقود الحفري بواسطة تخزين الكربون في (terra preta nova).

وإن تحقيق مثل هذه الآمال ليس سهلاً فالتعرف على الكائنات الحية التي يحتوي عليها التراب الأسود أمر صعب جداً، كما أنه لا توجد معلومات أكيدة عن كمية الكربون الذي يمكن تخزينه في التربة، حيث تقترح بعض الدراسات أنها كمية محددة، وبصرف النظر عن كل ذلك يعتقد وودز أن فرص التعويض التي يطرحها الموضوع جيدة جداً ويقول: «العالم كله سوف يسمع الكثير عن التراب الأسود (terra preta)».

ويقول أحد الخبراء إن انخفاض نسبة المحاصيل نتيجة للكبس يكلف مزارعي الغرب الأوسط في أمريكا 100 مليون دولار من عائداتهم كل عام.

 مشكلة الكبس بالجرارات مشكلة خطيرة تواجهها الزراعة

تأثير الكبس

ونصل في النهاية إلى إن السبب الجوهري الذي يجعل الكبس يؤثر باستمرار على الأمم الغنية هو نفس السبب الذي يجعل صور انحلال التربة الأخرى تؤثر على الأمم الفقيرة، أي أن المؤسسات السياسية والاقتصادية لا توجه اهتمامها للتربة، فالمسئولون الصينيون الذين يكافئون المزارعين على زراعة الأشجار دون الاهتمام ببقائها حية أو هلاكها لا يختلفون كثيراً عن مزارعي الغرب الأوسط الذين لا يزالون يستخدمون آلات الحصاد الضخمة لأنهم لا يستطيعون توفير المال الكافي للعمالة اللازمة لتشغيل الآلات الصغيرة.

وكانت هناك علامات على الحراثة التي تمت بآله يجرها حصان بجانب الطريق الزراعي ذي التربة المكبوسة في مزرعة ويسكونسن، وكانت آثار سكة المحراث المقوسة واضحة على التربة الرطبة الداكنة اللامعة التربة السطحية المثالية في الغرب الأوسط.

وببساطة شديدة لا بد أن نوجه اهتمامنا بالتربة ولا نعاملها على أنها مجرد غبار.

سافر سومبرويك في بداية عمله كعالم تربة في الخمسينيات إلى منطقة الأمازون حيث تفاجأ بوجود مناطق بها تربة غنية وخصبة على عكس ما يعرفه كل دارس للاكولوجيا 101 بأن تربة غابات الأمازون المطيرة فقيرة وهشة، ونجد إن قطع رؤوس الأشجار لإفساح المجال للأراضي الزراعية، قد يعرض الأرض إلى الأمطار الغزيرة والشمس القاسية حيث يعملان على إزالة العناصر المعدنية والغذائية من التربة وتحويل ما يتبقى إلى ما يشبه القرميد وهي «صحراء رطبة» كما تسمى هذه المنطقة المدمرة أحياناً. ويقول علماء البيئة أن تدمير الأرض بهذه الطريقة جعل الزراعة على نطاق واسع أمراً مستحيلا في المناطق الاستوائية ورغم ذلك لفت نظر سومبرويك مساحات كبيرة مغطاة بالتربة «do preta» (الأرض الهندية السوداء) متناثرة على طول نهر الأمازون وهذه المساحات تصل في خصوبتها ولونها الداكن إلى درجة الأرض التي خصبها أجداد سومبرويك ويمكنها أن تكون أساسا قويا لزراعة الأرض التي لم يكن من المحتمل زراعتها، وقد تضمن كتاب سومبـرويك (Amazon Soils) لعام 1966 أول دراسة قوية للتـربة الــسوداء (terra preta) قد تفتح للعلماء الطريق لتخصيب الأرض وبالتالي تساعد أكثر شعوب العالم فقراً على إطعام نفسها بنفسها.

أهمية التراب الأسود

التراب الأسود لم يتأثر من تعرضه لقرون للشمس وللأمطار الاستوائية بعكس أنواع التراب الاستوائية الأخرى، والتراب الأسود مرن جداً، وقد قام العلماء بتجربة زراعة أنواع محاصيل جديدة في نسخة مطابقة للتراب الأسود، ويحاولون الآن تجربة التربة في زراعة الموز وغيره من المحاصيل الاستوائية. وتساءل العلماء عن ما إذا كان بإمكان المزارعين في العصر الحديث صناعة التراب الأسود الخاص بهم أو (terra preta nova) كما سموه. لقد ساعدت الثورة الخضراء على تحسين محاصيل العالم النامي تحسيناً كبيراً، وكذلك يمكن للتراب الأسود أن يطلق ثورة جديدة تمتد في المناطق ذات التربة الجدباء من جنوب شرق آسيا إلى أفريقيا، وتسمى «الثورة السوداء» كما أطلقت عليها المجلة العلمية Nature.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 124