الضب ... أسطورة أهل البادية
م. خلود المرزوق
الضب .. حيوان داكن اللون .. يشبه إلى حد كبير حيوانات ما قبل التاريخ .. فهو في هيئة ديناصور مصغر ذو ذيل شوكي يشبه عصا الصولجان.. يعتبر من أكبر الزواحف في الكويت فهو من المخلوقات شديدة القدم ذات رؤوس غريبة تشبه السلحفاة، يتميز بجسمه القوى البدين وطوله الذي يصل حتى 80سم وجلده ذات نتوءات بارزة، وعلى الرغم أن مظهره يخيف إلا أنه لا يشكل أي خطورة.
الناس في تعاملهم مع الضب ألوان ومذاهب.. فالبعض يأكله، والبعض لا يطيق مجرد رؤيته، وآخرون ينسجون حوله الحكايات والأساطير منها ما هو صحيح وواقعي ومنها ما هو قريب من أسطورة التنين، فيقول أهل البادية أن عملية ذبح الضب غير سهلة فهو يمكن ينزل بعد الذبح ليلة كاملة كما يتحرك عندما تلسعه النار يميناً ويساراً نه يتحرك عندما تلسعه النار يميناً.
رغم موته مما يجعلهم يردون أن الضب غالباً ما يكون مسكوناً بالجن وعندما يتعرض الضب إلى أي تهديد أو يشعر بالخطر يقوم بنفخ جسمه متخذاً شكل البالون ويفتح فمه الأحمر الكبير ويصدر فحيحاً يشبه الإطار المثقوب منذراً بالخطر، ويحاول الدفاع عن نفسه بالضرب بذيله الشوكي الطويل كالسوط، وما هذه العملية إلا خداع قد تفيد مع ثعلب عديم الخبرة أو حمل فضولي ثم يركض بأقصى سرعة ليختفي في أول جحر يصادفه كما أنه يستطيع العض وعلى الرغم من أن عضته مؤلمة للغاية إلا أنها غير سامة.
هـواية صيـد الضبـان
يقال للمفرد ضب وللجمع ضبان ونجد أهل البادية مولعين بهواية صيد الضبان وأكل لحومها فنجد بعضهم يبحثون عنها ويلقون المشقة عندما تتوسط الشمس في كبد السماء مستغلين معرفتهم بطباع الضب ألا وهي النسيان وعدم الهداية لمكان الجحر، حيث يضرب أصل البادية به المثل في الحيرة، فنجده لا يحفر جحره إلا عند صخرة أو شجيرة لئلا يضل طريقه ولا يبتعد عنه فيجد الصياد نفسه مجبراً على التحرك بسرعة حتى يصل إلى الضب قبل دخوله الجحر وإذا تمكن من ذلك فإن الصياد سيضطر لإخراجه بسرعة بأي وسيلة بالماء أو بالحفر، وأكثر الطرق فتكاً بالضبان هي الصيد بالبنادق، كما للأطفال نصيب في هواية صيد الضبان الصغيرة حيث يطلق اسم الحسل على الابن الصغير للضب الذي لا يزيد طوله عن 15 سم فنجد الصبية يضعون الحسل في جيوبهم والذهاب به إلى أصدقائهم واللعب معه بهدف التسلية، ومن الجدير بالذكر أن حالة الضب لا تستقيم في الأسر، حيث يرفض الطعام أو يموت، ولهذا يفضل تركه في حاله.
تكيـف الضـب مع البيئـة الصحراويـة
يعمر الضب أكثر من الإنسان، حيث أن من أعاجيبه وغرائبه طول عمره الذي يصل إلى 100 عام فهو يشارك الحيات في هذه الميزة فعلى الرغم من صعوبة المعيشة في الصحراء الحارة إلا أننا نجد الضب يتكيف بالمعيشة فيها، فنجده يستوطن السهول المنبسطة ذات التربة الصلبة حيث يحفر جحوراً متعرجة قد تمتد سطحياً إلى ثلاثة أمتار وإلى عمق مترين تحت سطح التربة وهو يستخدم في ذلك أظافره القوية ويأخذ الجحر من الداخل شكل الهرم بغرض توزيع درجة الحرارة، فعندما تشتد في زاوية يذهب للأخرى، وهكذا يتحرك داخل جحره مع حركة الشمس في السماء كما يتميز جحر الضب بالساتر الترابي الذي يبنيه حوله حماية من السيل.
ويبدأ الضب يومه في الصباح الباكر يراقب الشمس وهي ترشح من خلال ذرات الرمال وكأن الأمر لا يعينه بشيء، ينعم بها وهو من الحيوانات التي يمكن رؤيتها في أشد أوقات النهار حرارة فنراه يبدل لونه، حيث يساعده ذلك على تنظيم درجة حرارة جسمه فيبدأ نهاره بتلوين جسمه باللون الرمادي الغامق أو الأسود ليساعده ذلك على احتمال الحرارة مع ازدياد حرارة الشمس يتحول لونه إلى لون أكثر شحوباً كما يعكس بعض الحرارة وفي منتصف النهار يصبح لونه فضياً لامعاً مائلاً إلى الصفرة وقد ترى تلك الحيوانات متكئة على إحدى الشجيرات كي تبعد أجسامها عن سطح الرمال المحرقة ويجنح الضب إلى البيات الشتوي حيث يذهب في سبات عميق خلال الشهور الشديد البرودة (ديسمبر ويناير) لأنه من ذوات الدم المتغير.
غــذاء الضــب
تعتبر الضبان حيوانات نباتية تأكل أنواعاً كثيرة ومختلفة من النباتات وتفضل أكل النباتات المعمرة دائمة التواجد على مدار العام مثل نبات البورك العشبي ذو الزهور الأرجوانية والفاجونيا وهي شجيرة شوكية ذات زهور بنفسجية اللون، وكذلك نبتة الأرتميزيا إحدى نباتات الكويت النادرة، وهي ذات أوراق صغيرة ورائحة عطرية وزهور صفراء. كما يأكل الضب أيضاً الأعشاب ويفضل شجيرة الزيجوفل المالحة ذات السيقان السميكة والأوراق شديدة الملوحة التي تسمى بلبل، ميرم، أو غسول ولكنه يأكل زهورها وبراعمها وبذورها فقط وقد نجده يأكل بعض الحشرات مثل الجراد ومن الجدير بالذكر أن الضب لا يشرب ماء فهو يكتفي بالنسيم العليل والهواء الطلق.
التكاثر عن الضب
يقال للذكر ضب وللأنثى ضبة ويتم تزاوج الضبان في فصل الربيع خلال شهري أبريل ومايو، وتضع الضبة 30 إلى 40 بيضة بيضاء اللون تشبه في الشكل والحجم حبات التمر الصغيرة أو بيض الحمامة بحجمها ولونها وإذا أرادت الضبة أن يفقس بيضها حفرت في الأرض حفرة ورمت فيها البيض وطمرت عليها التراب وتراقب الحفرة أربعين يوماً ليفقس وتخرج الصغار ضعيفة البصر فتقوى بصرها من خلال التحديث في الشمس وقد لاحظ أهل البادية أنه عندما يفقس البيض تعود الأم لتأكل الجميع فيما عدا ثلاثة تحملهم على ظهرهم حتى يصبحوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم، لذلك يقول البدو "أعق من ضب" وتكون الصغار كاملة النضوج وإن كانت صغيرة في الحجم، حيث تنبت للضب سن منذ خروجه من البيضة وينمو جسمه مع كبر عمره، كما تكون الصغار ذات خطوط من اللونين الأسود والأصفر.
أنواع الضبان
يوجد في الجزيرة العربية ستة أنواع من الضبان ويعتبر المصطلح علي تسميته علمياً بالضب المصري هو اكثر انتشاراً وهو النوع المشهور ويؤكل في بعض المناطق إلا أن هناك خمسة أنواع أخحري مثل ضب توماس في عمان وضب بنتي لفي اليمن وكذلك ينتشر علي ساحل البحر الأحمر ثلاثة انواع من ضب فلبي والمزخرف والمبقع وكل هذه الأنواع الخمسة صغيرة في الحجم مقارنة بالضب المصري.
علاقة الضب بالعقرب
يوجد بين الضبان والعقارب مودة لذلك يؤويها في حجرة لتلسع المتحرش بها إذا أدخل يده لصيده لذا فعلي من يريد أن يصيد ضبا أن يحترس من ضيوفه في الحجر فتبد أن الضب والعقرب يعيشان بطريقة التعايش السلمي.
وقد صرح الباحث العلمي في شؤون الصحراء في معهد الكويت الدكتور عبد الله الحداد لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) أنه عندما تم وضع الضب والعقرب في إناء زجاجي واحد ومراقبتها لساعات طويلة لم يلدغ العقرب الضب وعندما تمت تدفئة الإناء بمصدر ضوئي ليكون الضب والعقرب في قمة النشاط والهيجان بحيث يتحرك الضب والعقرب بحيوية وعلي لارغم من ضيق المكان إلا أن العقرب لم يلدغ الضب وعندما جاءت الفكرة بحقن الضب بسم العقرب وبالتجديد في عضلة الفخذ وبجرعة كافية لقتل أرنب لوحظ أن هذه الجرعة لم تحدث تأثيرا في الضب وعند مضاعفة الجرعة مرة ومرتين لم يتأثر وفي الزيادة الثالثة كانت الجرعة تكفي لقتل أربعة أرنب وهي بحجم 4 ملغم ولكن التأثير الذي لوحظ هو تشنج مؤقت في عضلة الفخذ اليت تم الحقن فيها وهذا طبيعي جدا ولكن سرعان ما عادت الفخذ إلي طبيعتها وفي أقل من نصف ساعة وعاد إلي نشاطه الطبيعي.
وهذا يؤكد ما كان يقوم الأجداد من أخذ شحمه الضب المتواجدة في ظهره والاحتفاظ بها واستخدامها لعلاج الإصابات بلدغة العقرب أو أي حشرة سامة بوضع قطعة صغيرة مكان الإصابة وفركها وتركها فترة من الزمن حتى يتشافي المصاب.
علاقة الضب مع الورل
يعتبر الورل أحد الزواحف الأخرى المتواجدة في صحراء الكويت ويطلق عليها أسم مراقب الصحراء وتعتبر العدو التقليدي للضب فالورل آكل للحوم فنجده يتغذي علي الثعابين والطيور والقوارض وطبقا لشهادة البدو فإن الورل يمكنه أن يهزم عدوه الضب في ثلاث من مجموع أربع معارك من معاركهم الضاربة والتي تشبة المصادمات بين وحشين من وحوش قبل التاريخ ويمتلك الورل أسنانا يستطيع بها تسدسد عضات أكثر إيلاما من تلك التي يحدثها الضب ويقول البدو أن عضة الورل مسمة لا محالة ويعتبر الورل أكثر ندرة من الضب لذا فإنه رؤيته في الصحراء نسبة إلي الضب.
الوضع الحالي للضب
مازال بعض الكويتين يمارسون هواية صيد الضبان في الصحراء وبعض الصبية يقتنون الحسل نوع من التسلية كما نجد الضب في سوق الحمام يتراوح سعره ما بين سبعة وعشرة دنانير تبعا لحجمه لأسباب عدة منها أن طعمه الذ وهو قريب من طعم السمك كما انه سريع النضج ونأمل أن لا ينقرض هذا الحيوان الذي يعتبر وجوده إثراء للحياة الفطرية في دولة الكويت خاصة وأن معدل الإنقراض في العالم تجاوز الحد الطبيعي بمعدل الف مرة وأن الكويت تعد إحدى الدول التي لحقها التدهور الخطير في هذا المجال والذي ساهم في دمار البيئة الفطرية حيث أن هناك 22 نوعا من الحيوانات الثديية انقرضت تماما من البيئة الكويتية خاصة الغزلان والتعالب وقد يعود ذلك غلي الصيد الجائز والانتهاك المستمر لحقوق هذه الحيوانات ونأمل أن توقف هذه الانتهاكات وتحظي باهتمام المسؤوليبن في البلاد مع وضع العقوبات الصارمة لها.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 46