ذات تأثير تراكمي على البيئة
الجزيرة الحرارية... بين التغيرات الحرارية وتخطيط المدن
أمل جاسم عبدالله
تتكون ما تسمى بالجزيرة الحرارية نتيجة للتغيرات المناخية المحلية التي يسببها الإنسان من خلال التغييرات التي يجريها على سطح الأرض التي تنشيء عليها المدينة. إن بناية واحدة يمكن أن تولد مناخا محليا مختلفا عما كان عليه في ذات الموقع قبل إنشاء البناية، حيث أن الجدران والأرضيات المبلطة تخزن الحرارة التي تستقبلها أثناء النهار وتقوم بإشعاعها بعد غروب الشمس إلى الجو المحيط.
تعتمد الجزيرة الحرارية التي تولدها المدينة بصورة مباشرة على المساحة الكلية المغطاه بالمواد ذات القابلية الكبيرة على امتصاص الحرارة وخزنها مثل الإسفلت والكونكريت والحجر ومعظم هذه المواد لا تتميز بقابلية انعكاسية جيدة أي أن نسبة ما تعكسه من الأشعة الحرارية قليل نسبيا.
إضافة كميات كبيرة من المواد غير العاكسة مع وجود المباني والمساحات المبلطة في المدينة تعتبر ذات تأثير تراكمي على البيئة الحرارية، تنخفض نسبة الأشعة المنعكسة من الإشعاع الكلي الساقط نتيجة للتغيرات الحاصلة في السطح بعد إنشاء المدينة، وإن هذا الانخفاض في الانعكاسية له تأثير فوري على درجة حرارة السطح.
عوامل فيزيائية
ضغط التربة تحت الطرق والساحات لزيادة قوة التحمل يؤدي إلى زيادة سعة التربة التخزينية للحرارة بدرجة كبيرة، إضافة إلى إزالة الغطاء النباتي وضغط المواد السطحية وإضافة سطوح صلبة يغير بدرجة كبيرة من التوازن بين الماء والتبخر لأجواء المدينة، وصرف المياه بسرعة إلى خارج المنطقة يترك أسطح جافة وقوية وذات انعكاسية منخفضة وسعة حرارية عالية، هذه التغيرات في العوامل الفيزيائية شائعة وكثيرة في الجزيرة الحرارية في المدينة، إضافة إلى الزيادات المباشرة في الحرارة ضمن المباني والهياكل العامة نتيجة للاحتراق والإنارة واستخدام المكائن.
تسبب عمليات الإشعاع الحراري في الجزيرة الحرارية تباينات حرارية تزداد وضوحا في ما بعد الظهر وخلال الليل، فالبنايات ذات الطوابق المتعددة والمحاطة بالساحات المبلطة تخزن الحرارة التي اكتسبتها خلال ساعات النهار وتصبح أدفأ بمقدار (5-15) درجة مئوية من الأراضي الزراعية المحيطة والمناطق الأخرى الخالية من العمران بعد الظهر بقليل، والأراضي الزراعية والخالية من المباني تبرد بسرعة في ساعات مبكرة من المساء في حين تشتت المناطق المبنية الحرارة المخزونة فيها ببطء. إن أقصى فرق في درجة الحرارة بين المساحات المبنية وبين المناطق الزراعية والخالية من العمران يكون بعد ساعتين أو ثلاث ساعات من غروب الشمس، وفي المدن الكبيرة يستمر هذا الفرق الكبير خلال الليل بحيث أن درجة الحرارة في الصباح والتي هي أقل درجة خلال اليوم لا تزال أعلى من درجة حرارة المناطق المحيطة ذات الغطاء النباتي.
معظم الحرارة التي يتم إضافتها إلى محيط المدن نتيجة الإستعمال المتزايد للطاقة مثل التدفئة والإنارة والتكييف والأجهزة الكهربائية الأخرى.
الكثافة السكانية
إن نمو الجزيرة الحرارية يتوقف على الكثافة السكانية وكثافة البناء والمحيط المجاور، حيث أشارت دراسة أجريت على كولومبيا وماريلاند سنة 1981م إلى أنه في سنة 1968م عندما كان عدد سكانها 1000نسمة كان أقصى فرق في درجات الحرارة هو درجة مئوية واحدة ومع تأسيس مركز عمل بمساحات واسعة قفز الفرق إلى ثلاث درجات مئوية وفي عام 1974م إزداد عدد السكان إلى 20 ألف نسمة أصبح الفرق في درجات الحرارة 7 درجات مئوية.
الفروقات في درجات الحرارة تزداد عند حافة منطقة البناء وخصوصا درجات الحرارة الليلية عند الحدود الفاصلة بين المناطق السكنية والريفية حيث يصل إلى أربع درجات مئوية لكل كيلومتر.
ثاني أكسيد الكربون، مركبات الكبريت، مركبات النيتروجين، الهيدروكربونات والهباب (دقائق الغبار وحبوب اللقاح والشوائب الأخرى) هي المواد الخمسة المصنفة كملوثات للهواء، إن تركيز تلوث الهواء يتأثر بعدد السكان والعلاقة بين مصادر التلوث بعضها البعض والظروف الجوية.
يتأثر مقدار الإشعاع الشمسي بالمواد الملوثة الموجودة بالجو بصورة كبيرة، فالمناطق السكنية يصلها إشعاع شمسي أقل من المناطق الريفية المحيطة بها، حيث يقدر في المدن الصناعية فقدان الأشعة الشمسية بما يعادل 10-20 % من الكمية الكلية.
انسيابية الرياح
وجود الجزيرة الحرارية في المدينة يعمل على تشويه انسيابية الرياح حول وفوق المدينة، عندما يكون السطح حارا ثم الانخفاض والهبوط الحاد في درجة الحرارة والتموجات والعقبات الموجودة على السطح نتيجة المباني والهياكل التي تشكل المدينة تسبب تغييرا ثلاثي الأبعاد في تيارات الهواء التي تمر بالمدينة، وهذه العوامل تغير من سرعة الرياح في الاتجاه الأفقي والعامودي والجانبي، من خصائص التشويه في أشكال التيارات الهوائية هو ميل الهواء للانسيابية حول المدينة أكثر من المرور داخلها أو خلالها.
أما بالنسبة للرطوبة في المناطق السكنية فهي أقل من المناطق الريفية المحيطة بها، وتكون هذه الصورة أوضح خلال ساعات النهار. يعزى الانخفاض بالرطوبة في المدن إلى اتساع المساحات غير النفاذة للرطوبة وحمل مياه الأمطار بسرعة خارج المدينة بواسطة شبكات وقنوات الصرف قبل تبخرها أو تنفذها في التربة.
بينت بعض الدراسات انخفاضا بالرطوبة مقداره 4% وقد استنتج أن نصف هذه النسبة من الانخفاض هو نتيجة درجات الحرارة المرتفعة للجزيرة الحرارية والنصف الآخر بسبب قلة الغطاء النباتي داخل المدينة.
وكثافة الغيوم أيضا أو وجودها من عدم وجودها يتأثر بزيادة الحمل الحراري للجزيرة الحرارية للمدينة، حيث أن تأثير الجزيرة الحرارية للمدينة يتسبب في تكوين غيوم تراكمية في سماء المدينة خلال فصل الصيف.
أما الأمطار فهي تتعزز وتزداد نتيجة الحمل الحراري الناتج من الجزيرة الحرارية وزيادة تكثف الأبخرة والغازات الهيدروكربونية من الوقود المحترق، حيث يتجاوز هذا التأثير حدود المدينة بمسافة تصل إلى 50كم باتجاه الرياح خارج المدينة، والاضطراب المتزايد بفعل التأثير المعرقل لمباني المدينة على حركة الرياح خلالها سوف يزيد من التساقط ويعمل على تعجيلة من الغيوم أو العمليات التي على وشك أن تكون أمطارا.
فعاليات صناعية
التأثير الديناميكي الحراري للجزيرة الحرارية والتأثير المعرقل الناجم عن مباني المدينة لحركة الرياح هما أكثر وأعظم من تأثير تلوث الجو داخل المدينة على كمية التساقط عليها، من ناحية أخرى فإن الفعاليات الصناعية داخل المدينة تغير من كمية الغيوم والتساقط الذي يحدث في داخل ومحيط المدينة، حيث أوضحت بعض الدراسات بأن كميات التساقط هي أكثر خلال أيام الأسبوع مما هي عليه في نهاية الأسبوع وأيام العطل.
عند تخطيط وتصميم المدن يجب التأكد من ضمان تأمين أقصى ما يمكن من الأمور التالية :
- زيادة المساحات المفتوحة لضمان حركة هواء معتدلة
- نشر المساحات المزروعة في أرجاء المدن.
- زيادة عدد المسطحات المائية المفتوحة والجداول والقنوات الخاصة بالمياه السطحية الجارية داخل وحول المدينة.
- الحد من تلوث الهواء من خلال السيطرة على مصادر التلوث.
- العمل على جعل حركة الهواء معتدلة في أكثر الأوقات من خلال الحرص على تنسيق ارتفاعات المباني وأشكالها واتجاهاتها ومواقع بعضها بالنسبة للبعض الآخر.
- الاستعمال الواسع للغطاء النباتي لترشيح الملوثات من الهواء.
- استعمال البدائل الجديدة الممكنة في عمليات النقل والمواصلات داخل المدن والإستعاضة بها عن الوسائل المسببة للتلوث.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 99