الكويت والقرم ( المانجروف )
رابحة سعد
لاشك أن نبات القرم Mangroves كان فيما مضى قضية هامشية لا تثير القلق ولا تذب انتباه العالم ولا اهتمام المئولين أو حتى المواطن العادي. ولكن بات الآن بما لا يدع مجالا للشك أن قضية اختفاء العديد من فصائل نبات القرم من القضايا البيئية المهمة التي بدأت تنادي بها جميع المنظمات البيئية في الدول الأجنبية والعربية على حد سواء وذلك بعد أن بدأ العالم يدرك أهمية هذا النبات والدور الكبير الذي يلعبه في حماية البيئة البحرية من التلوث وقدرته الفائقة على حماية السواحل من عملية النحت بواسطة الأمواج والرياح القوية ومن ظاهرة المد والجزر التي تلعب دورا في تآكل التربة.
كذلك فإن نبات القرم يساهم في إنتاج الأخشاب والغذاء للكثير من الطيور والثدييات التي تأخذه موطنا لها للتكاثر وبالتالي إثراء البيئة بالكائنات الحية وتوازن السلسلة الغذائية.
ما هو القرم؟
القرم (Mangrove) عبارة عن نبات يعيش في مجتمعات تتوزع في البيئات الساحلية المالحة وفي مصبات مياه الأنهار مواقع تداخل المياه العذبة بالمياه المالحة وكذلك النمو في التربة الطينية اللاهوائية (An Aerobic). ولنبات القرم القدرة على الحياة في مياه الخليج العربي ذات الملوحة العالية، وكان نبات القرم بالسابق ينمو في منطقة جون الكويت وجزيرة بوبيان وذلك لتوفر العوامل البيئية المناسبة لنموه وهي:
1- درجة الملوحة في هذه المناطق تفوق 85%.
2- التيارات البحرية في تلك المناطق هادئة جدا.
3- توفر نوعية التربة الطينية المناسبة لنموه في هذه المناطق والتي انتقلت وترسبت بواسطة التيارات البحرية من مياه شط العرب الغنية بالمواد العضوية.
وبذلك نلاحظ أن نبات القرم (المانجروف) يعتبر من النباتات الساحلية التي لها القدرة على النمو في سواحل دولة الكويت وتوفير بيئة هامة لتكاثر ونمو مجموعة كبيرة من الكائنات الحية مثل: البكتيريا، الفطريات، الأسماك، الروبيان، الثدييات والطيور، كما أن له القدرة الفائقة على إنتاج وإمداد البيئة المحيطة به بكميات كبيرة من الأكسجين النقي تفوق نظائره من الأشجار العادية.
ورغم الأهمية الكبيرة لنبات القرم ودوره في حماية البيئة إلا أنه تعرض لعوامل سلبية كثيرة وظروف ساهمت في إضعاف الغطاء الخضري وإنقراض العديد من فصائله في دولة الكويت، وتمثلت هذه العوامل في (الملوثات البحرية – النفايات – التوسعات العمرانية – الأنشطة الترويحية وإنشاء المدن الساحلية).
أسباب الانقراض
دعونا نقول إنه انتهى عصر غابات نبات القرم في منطقة الخليج العربي ودولة الكويت تقريبا منذ منتصف القرن الأخير لعام 1700 ميلادي وذلك للأسباب التالية:
1- الاستتراف البشري وذلك عن طريق استهلاك الأخشاب في صناعة السفن الشراعية القديمة المستخدمة للأغراض التجارية والغوص على اللؤلؤ إلى جانب استخدام الأخشاب في التدفئة.
2- التفاوت في سقوط الأمطار ودرجات الحرارة العالية التي تميز منطقة الخليج العربي كان له دور كبير في التأثير على نمو البراعم الصغيرة وتدميرها.
3- الرعي الجائر، حيث كانت الإبل تتغذى على القرم وتستهلكه بشكل كبير وتفضله لما يميز أوراقه وامتلائها بالملوحة العالية.
فوائد نبات القرم
1- يحد من عملية نحت التربة كما ذكرنا سابقا، وذلك بفضل تماسك جذوره وتشعبها في التربة، الأمر الذي يؤدي إلى تماسكها وعدم انجرافها بواسطة الأمواج.
2- عامل مهم له القدرة على القضاء وإزالة الملوثات السائلة من المياه وحماية البيئة البحرية التي تنمو بها الطحالب.
3- يحسن من إنتاجية وجودة المياه المحيطة ويساعد على نمو أنواع مختلفة من الشعاب المرجانية الأمر الذي يساعد في تحسين البيئة للأسماك والهوائم البحرية.
4- يستخدم نبات القرم كقيمة اقتصادية (غذاء لكثير من الكائنات الحية، وقود).
5- تستخدم أوراق نبات القرم استخدامات طبية ولها أيضا استخدامات كيميائية.
6- تعتبر بيئة نبات القرم بيئة مناسبة لتكاثر العديد من الأسماك البحرية والهوائم المائية، واكتشف مؤخرا أن سمك الزبيدي والروبيان تتكاثر بكثرة في منطقة نمو نبات القرم إلى جانب تكاثر الحلزونيات، القواقع البحرية، القنافذ البحرية السلطعونات وتطاط الطين (أبو جلمبو).
7- وهو بيئة مناسبة لتكاثر الطيور الموسمية والمهاجررة.
إعادة زراعته
وهنا في الكويت سيتمكن أبناؤنا والأجيال القادمة إن شاء الله من رؤية نباتات القرم كأشجار طبيعية تنمو على الساحل والتمتع بلونها الأخضر الجميل والاستفادة من الأكسجين النقي الذي تمده للبيئة. حيث استطاع معهد الكويت للأبحاث العلمية وهو أول مؤسسة استطاعت معالجة مشكلة انقراض نبات القرم وإعادته للحياة مرة أخرى وظهوره على سطح أرضنا الحبيبة.
حيث بدأ كتجربة فصيلة واحدة تسمى AVIE-CENINIA MARINA وتمت تسميتها (ابن سينا) نسبة للعالم الإسلامي الشهير، حيث قاموا بجلب بذوره من النبات الأم والذي يتواجد في الدول الخليجية التالية (البحرين، قطر، الإمارات) وهي من الفصائل التي كانت تنمو في منطقة الخليج العربي بالسابق، وتمت عملية الزراعة بنجاح وظهور البراعم الصغيرة بعد مرور 3 سنوات من الدراسة المخبرية وبطريقة علمية تكنولوجية دقيقة وتحت ظروف مناخية مناسبة.
وبعد ذلك تم نقل البراعم وزراعتها في منطقة الساحل داخل المعهد ومراقبة مدى قدرتها على التكيف مع البيئة الجديدة دون أية تدخلات بشرية.
وبعد مرور 5 سنوات من متابعة النمو المزروع وصل ارتفاعه إلى الطول الطبيعي للنبات الأم في دولة البحرين، وبعد ذلك انتقلت الزراعة خارج سور المعهد، وتم تطبيق عملية الزراعة في منطقة جون الكويت وخليج الصليبخات المنطقة الأم التي كانت تنمو بها في السابق، وأثبت معهد الكويت للأبحاث العلمية بأن ها النبات يستطيع العيش مرة أخرى في الكويت وستكون هناك القدرة بإذن الله تعالى على إعادة ما تم انقراضه منذ مئات السنين.
التوصيات
بقليل من الجهد الكثير من الدراسة نستطيع نحن أيضا هنا في الهيئة العامة للبيئة زراعة فصائل أخرى لها القابلية للعيش بمياهنا وإنجاز ما سبقنا به الآخرون وذلك عن طريق:
1- تعزيز التعاون مع النظمات الإقليمية الدولية للاستفادة من الخبرات الفنية والإمكانات المتوفرة لديها.
2- تأهيل الكوادر الفنية المتخصصة للقيام بعملية دراسة نبات القرم عن طريق عقد دورات تدريبية لرفع مستوى الكوادر الفنية.
3- تحديد وتحديث مصادر المعلومات البيئية الخاصة بأنواع الفصائل الأخرى.
4- استخدام نظام المعلومات الجغرافية (GIS) والاستشعار عن بعد وذلك لتكوين قاعدة بيانات متكاملة للبيئة والأماكن التي سوف يتم زراعة ونمو نبات القرم مستقبلا.
الخاتمة
علينا أن نعيد النظر في كيفية التعامل مع البيئة والاهتمام بالمشاكل الناتجة عن التنمية ويجب أن نسعى إلى التخطيط السليم المبني على أسس علمية لإعادة بناء ما دمرته الأيادي البشرية سواء كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 6