أجداد الكويتيون والبيئة
م. خلود المرزوق
كان أجدادنا الكويتيون قبل ظهور النفط يعتمدون في اقتصادهم على الغوص والتجارة كما كانوا يعتمدون في غذائهم على ما توفره لهم أرضهم الصحراوية من خيرات لارتباطها في السلسلة الغذائية فكانت النباتات والأعشاب الصحراوية هي غذاء الخراف والأغنام والماعز والإبل والتي كانت مصدرا لغذائهم فكانوا يأكلون لحومها ويشربون ألبانها كما كانت بعض النباتات الصحراوية مصدرا مهما للطهي والتدفئة لذلك كانوا حريصين كل الحرص على تتبع مواسم الامطار وتتبع حركة النجوم والكواكب وكانوا ملمين في علوم الفلك فقد قسموا أيام السنة إلى مواسم وفصول وأهمها موسم الأمطار وفصل الشتاء والربيع.
موسم الامطار
يبدأ موسم الأمطار في الكويت من 15 أكتوبر ويستمر لمدة خمسين يوما إلى 5 ديسمبر من كل عام وتسمى الأربعون يوما الأولى من موسم الأ/طار "الوسم" والعشرة أيام الأخيرة تسمى "فلابد الوسم" وكمية الأمطار في "الوسم" تحدد كمية الأعشاب وتنوعها في البيئة الصحراوية وإذا سقطت الأمطار في "فلابد الوسم" فإن الأرض تنبت كل ما ينبت من العشب إلا الفقع "الكمأة" والذي يبشر بظهرو أوله بعد سبعين يوما من سقوط الأمطار في "الوسم" وكلما كثرت الأمطار وغزرت كلما كثر الفتح وارتوى وكبر حجمه.
فصل الشتاء
بعد "الوسم" تدخل المربعانية وهي بداية فصل الشتاء تبدأ في 5 ديسمبر وتستمر أربعين يوما وتنتهي في 15 يناير وتقسم إلى ثلاثة عقود ومدة كل عقد ثلاثة عشر يوما وثلث اليوم العقد الأول هو "إكليل" والعقد الثاني "قلب" وكان الكويتيون قديما يقولون في القلب جاء الشتاء كالكلب والعقد الثالث هو "شولة" ويقال ترد البرد من أوله.
يدخل الشبط "بعد المربعانية " ويبدأ من 15 يناير وتستمر لمدة ستة وعشرين يوما وثلثي اليوم وتنتهي في 9 فبراير ويقسم إلى عقدين "التعايم" ويقال بردها يوقظ النايم والعقد الأخر هو " البلدة" ويقال البلدة تقول للبرد أهدأ اهدأ ومدة كل عقد ثلاثة عشر يوما وثلث اليوم يدخل برد الأزيرق لمدة خمسة أيام من 25 يناير إلى 30 يناير وفيها تشتد البرودة وفي 1 فبراير يدخل "أول جريان الماء في العودة".
يدخل "العقارب" ويبدأ من 10 فبراير ولمدة اثنين وخمسين يوما إلى 2 إبريل وتم تقسيمها إلى أربعة عقود يستغرق كل عقد ثلاثة عشر يوما العقد الأول هو "سعد الذابح" ويقال فيه يحمي أهله الكلب النابح ويبدأ من 10 فبراير وينتهي في 23 فبراير معلنا نهاية فصل الشتاء وبداية فصل الربيع.
فصل الربيع
يبدأ العقد الثاني من "العقارب" في 23 فبراير وهو "سعد بولع" ويقال فيه الشتاء طلع ويان في الأرض اللمع ثم يأتي "سعد السعود" ويقال فيه أخضر كل عود وكره في الشمس القعود وأخيرا "سعد الإخبية" ويقال فيه تخلي الناس الأبنية وذلك من الحرارة داخل المباني يدخل موسم "الحسوم وبرد العجوز"في 10 مارس وتستمر ثمانية أيام وتسبقها "بياع الخبل عباته" ويعتبر نهاية شهر مارس هو أخر نسمات الربيع وفي 11 إبريل يبدأ بلبس الثياب الرقيقة.
استعداد أجدادنا الكويتيين لموسم الأمطار
تأثر أجدادنا الكويتيون بالأمطار التي تسقط في أيام محدودة من فصل الشتاء ففي أوائل القرن العشرين وقبل النفط كانوا يستعدون للأمطار ويجمعون المياه المتساقطة ليستخدموها للشرب كان يوجد في أكثر المنازل برك للمياه في وسط الفناء كما كانوا يحرصون على بناء اسقف المنازل بطريقة مستوية وماثلة ويوضع على طرفها المائل مجرى من المعدن يصنعه الحدادون يسمى المرزام ويمتد إلى خزان او إلى البركة وكانوا يغسلون الأسقف والمجاري من الأتربة قبل موسم الأمطار كما كان البعض يضع قطة قماش كبيرة بيضاء اللون ونظيفة تسمى (الشتر) مثل قماش شراع السفن في فناء المنزل (الحوش) فوق البركة بحيث تكون مربوطة الأطراف في زوايا الفناء ويتم ثقبها مباشرة فوق البركة أو الخزان ويربط في الثقب ثقل من الحديد أو الرصاص ليسحب القماش إلى الاسفل حت تسهل عملية تجميع مياه الأمطار.
كانت اسقف المنازل تبني من جذوع النخيل ثم تغطي بالبوري أو الحصير ثم توضع عليه طبقتان من الطين بينهما طبقة من الرماد (وهو ناتج حرق الأعشاب أو الفحم المستخدم للطهي أو للتدفئة في ذلك الوقت ويجمعه الحمارون من المنازل) لتمتص الرطوبة وتمنع تسرب المياه إلى الغرف في مواسم الأمطار.
كان بعض الناس يستخدم الجندل عوضا عن جذوع النخيل في بناء أسقف منازلهم والجندل عبارة عن سيقان خشبية سوداء اللون لأشجار تنبت على سواحل الأنهار في بعض الدول في أفريقيا مثل كينيا وتترانيا وتسمى (سمبرانغا) وتبلغ أطوالها من 4 إلى 5 أمتار كان الكويتيون في السابق يطلقون على الأنواع الجيدة منه اسم "جندل أبو طبر" وذلك لسماكته وصلابته حيث يستخدم الطبر في تقطيعه طوليا والطبر هو عبارة عن الفأس أما النوع العادي منه فيقطع طوليا باستخدام المنشار وكانت تستخدم السفن الشراعية (آل بغلة) لنقله من السواحل الشرقية لأفريقيا أو من منطقة صور الساحلية في عمان وكانوا يجمعون كل عشرين قطعة ويربطونها معا ويطلقون عليها اسم (كورية ) ومن السفن الشراعية المشهورة في ذلك الوقت بنقل الجندل بغلة بن جار الله بغلة بن عيسى ،بغلة بن قطامي ، بغلة بن رضوان.
أثير الأمطار على البيئة البرية في الكويت
تسبب غزارة الأمطار في بعض السنوات إلى تجمع المياه في حفر بعض الساحات في البلد في ذلك الوقت خاصة في المناطق التي تكون الطبقة السطحية منها طينية تسمى الصبخة وهناك بعض الصبخات المشهورة مثل (أصبخة بن سبت، أصبخة الفلاح ، اصبخة الدهلة) في منطقة القبلة كما يوجد غيرهم في منطقة شرق والمرقاب كما كانت مياه الأمطار تتجمع في الصحراء مكونة تقع مائية خاصة في المناطق التي تكون الطبقة التحت سطحية غير منفذة للمياه وتسمى (الثميلة) فيقوم البدو بالحفر والشرب منها وسقى الجمال والأغنام.
كما كانت غزارة الأمطار تكون السيول التي كانت تشق لها مجاري دائمة تتجه إلى البح وفي بعض الأوقات تسقط الأمطار في المناطق البعيدة عن الساحل فيسمع الناس القريبون من مجرى السيل وبالقرب من الساحل صوت جريان المياه وذلك قبل وصولها إلى البحر وكانوا يطلقون على الصوت اسم (الدرو) ومع مرور الزمن وتقدم العمران بعد ظهور النفط تم هدم تلك المجاري الطبيعية وإقامة الشوارع وعمل شبكة لصف مياه الأمطار إلى البحر.
الكويتيون يحافظون على البيئة بالفطرة
كان أجدادنا الكويتيون في الماضي يحافظون على البيئة البرية بالفطرة دون دراسة لارتباطهم المباشر بها وحاجتهم الماسة لخيراتها وحرصا منهم على ثرواتها فقد كان البدو في أوائل القرن العشرين يقطعون الأعشاب بطريقة تسمى (القفاف) وهي قطع الجزء العلوي من الشجيرات باستخدام أداة حادة تاركين الجذر لينمو أغصانا جديدة مرة أخرى في المواسم القادمة وقد كانوا يبيعون تلك الأعشاب في ساحة الصفاة بأسعار رخيصة بلغت بيزة أو بيزتين للكودة بينما كانت النعجة في ذلك الوقت تبلغ خمسة روبيات هي تعادل 350 فلسا في يومنا هذا وقد كان الأهالي يشترون الأعشاب ويستخدمونه علفا لحيواناتهم ويخزنونه في إحدى غرف المنازل وفي يومنا هذا نشاهد البعض يعمدون إلى تقطيع النباتات مثل نبات العرفج من جذوره كما يعمد البعض على إتلاف البيئة البرية بوضع المخيمات في أماكن مختلفة من البر في الكويت واستعمال الدرجات والسيارات في جميع أنحاء منطقة المخيم وعدم الاكتفاء في السير في طرق محددة.
كان الكويتيون قديما يستخدمون السعف والكرب وجذوع النخيل للطهي والتدفئة وكانوا يجلبونه من البصرة كما كانوا يستخدمون الفحم ويجلبونه من الهند عبر السفن الشراعية كما كانوا يستخدمون نبات الحمض (ويسمى الرفث) وهو يشبه نبات الهرم في الشكل إلا أنه يتميز برائحته الطيبة واستمرار اشتماله لمدة طويلة كما أن جذوره تصبح كالجمر ولا ينتج عنه غازات ضارة وقد كان الغواصون بعد انتهاء موسم الغوص يذهبون إلى السواحل الشمالية لدولة الكويت عند منطقة كاظمة حيث ينمو نبات الحمض بوفرة ويجمعونه في سفنهم ويحضرونه إلى أهاليهم كما كان الكويتيون يستفيدون من الرماد الناتج عن عمليات حرق الفحم والكرب وجذوع النخيل وغيرها والمستخدمة للتدفئة والطهي وذلك بتجميعه واستخدامه كمادة أولية لبناء أسقف المنازل لقدرتها على امتصاص الرطوبة كما كان البدو يرعون الأغنام في البر وذلك بالانتقال من منطقة إلى أخرى بهدف عدم جرد المنطقة من الأعشاب ويتركون لها فرصة لتنمو كما كان روث الحيوانات عبارة عن سماد طبيعي للأرض وحوافر الماشية تنبش الأرض وتقلب التربة لدخول الهواء والضوء.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 7