الكلور والمياه .. كيف نشرب مياها صالحة؟
أمل جاسم عبدالله
يرجع اهتمام الإنسان بنوعية الماء الذي يشربه إلى أكثر من خمسة آلاف عام. ونظرا للمعرفة البسيطة في تلك العصور بالأمراض ومسبباتها فقد كان الاهتمام ينحصر على لون المياه وطعمها ورائحتها فقط. وقد استخدمت لهذا الغرض خلال فترات زمنية متباعدة وبشكل محدود بعض عمليات المعالجة مثل الغليان والترشيح والترسيب وإضافة بعض الأملاح. وفي القرنين الثامن والتاسع عشر الميلادي بذلت الكثير من المحاولات الجادة في دول أوروبا وروسيا للنهوض بتنقية معالجة المياه، حيث أنشئت لأول مرة في التاريخ محطات لمعالجة المياه على مستوى المدن. حوالي ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية تغطيه المياه، ولكن أقل من %1 فقط من هذه الكمية صالحة للشرب، وتحتاج إلى معالجة قبل إستخدامها بشكل آمن.
أوائل المحطات
في عام 1807م أنشئت محطة لمعالجة المياه في مدينة جلاسكو الأسكتلندية، وتعد هذه المحطة من أوائل المحطات في العالم وكانت تعالج فيها المياه بطريقة الترشيح ثم تنقل إلى المستهلكين عبر شبكة أنابيب خاصة. وتعد هذه الخطوة تطور تقني في تلك الفترة على الرغم من أن الاهتمام في ذلك الوقت كان منصب على نواحي اللون والطعم والرائحة، أو ما يسمى بالقابلية، وكانت المعالجة باستخدام المرشحات الرملية هي المظهر السائد في تلك المحطات حتى بداية القرن العشرين. وعند اكتشاف العلاقة بين مياه الشرب وبعض الأمراض السائدة، حدث تطور سريع في مجال تقنيات معالجة المياه، حيث أضيفت العديد من العمليات التي تهدف بشكل عام إلى الوصول بالمياه لدرجة عالية من النقاء، بحيث تكون خالية من العكر وعديمة اللون والطعم والرائحة ومأمونة من النواحي الكيميائية والحيوية.
وقد بادرت هيئة الأمم المتحدة بالعمل على إصدار معايير صحية لمواصفات مياه الشرب، وذلك من خلال إحدى منظماتها المتخصصة وهي منظمة الصحة العالمية، التي أصدرت العديد من الإصدارات التي تحتوي على مواصفات مياه الشرب والمعايير الصحية التي يجب ألا تقل مياه الشرب عنها. وللوصول لهذه المعايير كان لابد من تعريض مياه الشرب للعديد من المراحل للوصول إلى أقصى درجة من النقاء. حيث تمر المياه بعدة مراحل منها: مرحلة فصل الرمال والمواد العالقة من الماء، ثم مرحلة الترويب والتخثير، ثم مرحلة الترسيب وتليها مرحلـة الترشيح الرملي، وتنتهــي العملية بإضافة الكلـور أو عمليــة الكلورة )الجدول اللاحق يبين الخصائص الطبيعية للماء النقي(.
مدينة أورليانز الأمريكية تأخذ ماءها من نهر المسيسبي الملوث، وبالتالي تضطر إلى إستخدام جرعات أكبر من الكلور للتعقيم مما أوجد بحدود 63 مركب إضافي مسبب للسرطان في مياه المدينة، وذلك ينتج عند اتحاد الكلور مع الميثانول وغيره من المواد.
غاز سام
الكلور غاز سام لونه أخضر مائل للإصفرار إذا كان تركيزه عاليا، وعديم اللون إذا كان تركيزه منخفضا. غير قابل للاشتعال وأثقل من الهواء بمرتين ونصـف، له رائحة نفاذة. يوجد على شكل مركب سائل )هايبوكلورايت الصوديوم( أو بودرة تضاف إلى الماء بالنسبة المرغوبة. من أبرز خصائص غاز الكلور حبه للهيدروجين، فكلما واتته الفرصة اتحد بالهيدروجين لتكوين غاز حمض الهيدروكلوريك. وإذا خلطت كميتان متساويتان من الكلور والهيدروجين في الظلام ثم أخرج الخليط إلى ضوء الشمس يحدث انفجار عنيف جدا.
تعقيم المياه
أستخدم الكلـــور لتعقيم ميــاه الشرب لأكثر من 100 سنة، وذلك لقــدرته الكبـيرة عــــلى تعقيـــم ميـاه الشرب. تقتل الكلورة البكتيريا الممرضـة والمسببة للأمــــراض، بما فــي ذلك البكتيريا المسببة لأمراض التيفويد والكـوليرا والديسنتاريا. ما يقلق المختصين من الكلور هو المواد الناتجة مــن تفاعل الكلور مع المواد العضوية والمعـروفةـ باسم الهيدروكربونات المكلورة أو التـرايهــالـومـيثانات
(Trihalomethanes) واختصــــــــارا تعرف بـ(THMs). معظم هذه المواد تتكون في مياه الشرب عندما يتفاعل الكلور مع المواد الطبيعية مثل بقايا الأشجـار المتحللة والمواد الحيوانية وهي ومواد أخرى تنتج من الكلــورة لها علاقة مثبتة ببعض أمراض السرطان خصوصا في الكلى والمثانة، وهي شائعة أكثر من غيرها على الرغم من الفــوارق بين مدينة وأخرى.
عندما يضاف الكلور إلى الماء يتفاعل أولا مع الحديد والمنجنيز وكبريتيد الهيدروجين التي ربما تكون متواجدة في المياه. الكلور المتبقي دون تفاعل، يتفاعل مع أي مواد عضوية بما في ذلك البكتيريا الموجودة في الماء لضمان بقاء الماء محميا على امتداد الشبكة، يتم إضافة كلور زائد بمقدار 5.0 جزء بالمليون، وفي الشبكات الكبيرة يضاف الكلور مرة أخرى في مواقع متفرقة من الشبكة. عندما ينتهي الكلور من تفاعله مع جميع المواد المعدنية والعضوية، يتبقى جزء منه في مياه الشرب، وهو ما يحس به الناس في منازلهم عن طريق الرائحة والطعم، والذي يعتادون عليه مع الوقت. وفي عام 1970م تم اكتشاف أن المواد الناتجة من تفاعل الكلور مع المواد العضوية الموجودة في الماء تسبب مشاكل صحية خطيرة منها السرطان.
معظم الناس يفترضون أن الرائحة النفاذة المنبعثة من حوض السباحة سببها الكلور، إلا أن واقع الأمر أنها ناجمة عن تلك العوامل أو المخلفات التي تتكون عندما يقوم الكلور بأكسدة المواد العضوية.
غاز الكلور
يستعمل عدد كبير من دول العالم غاز الكلور على شكله السائل في كلورة ماء الشرب وذلك لفعاليته في إبادة معظم الجراثيم، وتسمح القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية بوجـــــود الكلور في ماء الشرب بنسبة 1.45 ملجم ولا تزيد عن 3 ملجم في كل متر مكعب. ويعــزي العلماء التأثير المطهر للكلــور ضد الجراثيم إلى كلورة البروتينات في الأنظمة الأنزيمية فيها بواسطة حمض هيبوكلـورس غير المتأين. يقل النشاط المبيد للكلور في معظم مركباته عند رقم الحموضــة )PH( في اللإتجاه القلوي )أكثر من 7 ( ويكون نشاط محاليله أكبر عند رقم حموضة يتراوح بين 4 و7 عن الوسط القلوي، ويكون ثبات الكلور في محاليله أكبر في البيئة القلوية. تعمد بعض دول العالم أحيانا إلى رفع نسبة الكلور في ماء الشرب عن الحد المسموح به صحيا اعتقادا بفائدته في زيادة تأثيراته المطهرة والوقائية ضد انتشار الأوبئة والأمراض دون إدراك مخاطر ذلك على الإنسان.
للكلور أربعة أدوار رئيسية عند إستعماله لمعالجة مياه الشرب هي:
- إزالة المواد غير المرغوبة في المياه بواسطة الأكسدة.
- حماية متواصلة للمياه في شبكات التوزيع.
- تعقيم فعال في حال حصول تلوث طاريء.
- مراقبة مستمرة لتلوث المياه من خلال مراقبة مدى استهلاك الكلور.
الاستخدام اليومي
التعرض للكلور أثناء دش الاستحمام أكبر وأخطر من شرب نفس الماء، لأنه عندما نشرب الماء فإنه يأخذ طريقه إلى الجهاز الهضمي ومن ثم إلى الجهاز الإخراجي وفي نهاية المطاف جزء منه فقط يذهب للدورة الدموية. أما أثناء الاستحمام، فالماء الساخن يفتح مسام البشرة وبالتالي يأخذ الكلور والملوثات الأخرى طريقها إلى الجسم من خلال الجلد. وتكمن المشكلة الأخطر في استنشاق المواد الخطرة أثناء الاستحمام، حيث يشكل الماء الساخن بخارا محملا بالكلور سهل الاستنشاق، ويكون محملا بمواد مسرطنة. أكد بروفيسور في كيمياء المياه بجامعة بيتسبرج الأمريكية أن التعرض للمواد الكيميائية المتبخرة أثناء الاستحمام يفوق مائة ضعف أثر شرب نفس الماء. ووجد باحثون في جامعة بوسطن الأمريكية أن الجسم يمتص أضعاف المواد الكيميائية الطيارة أثناء الاستحمام من خلال الرئة والبشرة مقارنة بأثر شرب مياه مكلورة بنفس كمية الكلور.
حفظ الماء لمدة 48 ساعة في الثلاجة، أي تبريده لمدة يومين، يقلل بنسبة %30 من مادة THMs، في حين أن غلي الماء أولا ثم تبريده لمدة يومين يقلل بنسبة %87 من وجود هذة المادة الضارة.
كلور المسابح
أثبت علماء بريطانيون تفاعل الكلور بشكل كبير مع المواد العضوية الموجودة في الماء مما ينتج عنه بعض المركبات الخطيرة على الإنسان مثل مركب تراي هالوميثين والذي يزيد تركيزه في مياه المسابح التي يرش ويستخدم فيها الكلور بشكل كبير حيث لا تخلو المسابح من بعض المواد العضوية مثل الشعر والجلد والعرق. ويتضاعف الخطر بسبب هذه المركبات عند دخولها إلى الجسم عن طريق ابتلاع ماء المسبح بطريق الخطأ. كما أن درجة الحرارة المتوفرة في المسابح خصوصا المغلقة منها تزيد من هذه التفاعلات، ويتسبب ذلك في إطلاق أبخرة غير محسوسة تتسرب إلى الرئتين وتلحق أضرار بالغة بهما. وقد توصل الباحث البلجيكي د.برنارد إلى هذه الصلة من خلال تشخيصة لبروتين معين يستقر بكميات كبيرة في أنسجة رئة السابح الدائم. وبين د.برنارد أن هذا البروتين عثر عليه بتركيز عال أيضا في رئات الأطفال الذين يكتفون بالجلوس على حافة حوض السباحة وليس فقط السباحون الدائمون. وقد أصدرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، ومن مجموعة أبحاث السلامة المائية بعض الإرشادات للسباحين وهي:
- التأكد من نظافة الماء وخلوها من الروائح.
- التأكد من فحص التركيب الكيميائي للماء، وبصفة خاصة في نهاية الأسبوع، بما في ذلك مستويات الكلور والهيدروجين.
- التأكد من خضوع الحوض للفحص والتفتيش من قبل السلطات الصحية المختصة، على أن يتم الفحص من قبل شخص متخصص.
- ينصح أطباء الأطفال الآباء بالتقليل قدر الإمكان من تعريض أبنائهم للأحواض التي ترتفع فيها معدلات الكلور وبصفة خاصة الأحواض الداخلية التي لا توجد بها تهوية كافية.
- ضرورة الاستحمام أولا قبل السباحة لمنع تكون الكلورامينات المسببة للسرطان، والاستحمام من شأنه تقليل الحاجة إلى الكلور بمقدار النصف كما يقول بعض الكيميائيين المختصين في أحواض السباحة.
في دراسة نشرت في شهر يونيو 2007م بمجلة طب الأطفال بدياتركس، اكتشف علماء أن الأطفال الذين دأبوا على مزاولة رياضة السباحة بصفة منتظمة كانوا أكثر عرضة للإصابة بالربو وتلف خلايا الرئة. وقد أفاد الباحث الفرد بيرناند الذي قاد فريق البحث مع جامعة لوفين الكاثوليكية في بروكسل أن أسباب إصابة الأطفال هو حساسية رئاتهم التي لا تزال قيد النمو.
مخاطر الكلور
يعتبر الكلور مسئولا عن بعض أو كل المشكلات التالية:
- الجهاز التنفسي: استنشاق بخار الكلور أثناء الاستحمام يزيد من مشكلات الربو والحساسية والجيوب الأنفية، والتعرض قصير المدى لهذه الظروف قد يسبب إدماع العينين، الكحة، البلغم، إدماء الأنف، وآلام الصدر. أما التعرض بشكل أكبر فربما يسبب تجمع السوائل في الرئة، والتهاب الرئة والالتهاب الشعبي وقصر النفس.
- السرطان: يتحد الكلور في الماء مع بعض الملوثات العضوية لينتج عن ذلك ما يعرف بمواد الكلوروفورم وهي مادة مسرطنة، لهذا عرف سبب علاقة الإستحمام بماء مكلور بأخطار سرطان المثانة والمستقيم. يقول الدكتور لانس دلاس من وكالة حماية البيئة الأمريكية بأن الاستحمام هو المسئول الرئيسي عن ارتفاع نسبة الكلوروفورم في السواد الأعظم من المنازل التي تستعمل ماء مكلور.
- مشكلات البشرة والشعر: إن الاستحمام والاغتسال بماء مكلور يقود عادة إلى إحمرار الجلد وفروة الرأس خصوصا عند الأشخاص المعرضون أكثر من غيرهم لمسائل الحساسية. حيث أن الكلور يرتبط بالبروتين في الشعر ويدمره مما يجعله جافا، وبنفس السياق فإن الإستحمام بماء مكلور يجعل البشرة وفروة الرأس جافتين، ويزيد مشاكل القشرة، ويؤثر بشكل سلبي على صبغة الشعر، ويمكن أيضا أن يسبب حكة البشرة والعينين.
- التعرض للمواد المؤكسدة: المواد المؤكسدة هي جزيئات أكسجين غير مستقرة تتحد مع المواد الأخرى لتشكل موادا خطرة، والمواد المؤكسدة تقلل مستوى الأكسجين في الخلايا، وهذا ما يسبب بعض أمراض السرطان والقلب. الكلور في الماء هو أهم مصدر للمواد المؤكسدة.
- تأثر الأسنان: التعرض المطول لماء مكلور عن طريق الشرب أو السباحة يمكن أن يقود إلى تأثر الأسنان وضعفها. وقد اتخذت وكالة حماية البيئة الأمريكية عدة تدابير وأنظمة جديدة في عام 1980م، حيث فرضت على المدن تخفيض نسبة مواد الترايهالوميثانات بحيث لا تتعدى 100 جزء / مليون. يقول الدكتور روبرت هاريس )عالم في البيئة وأحد ثلاثة أعضاء في المجلس الإستشاري للبيت الأبيض( بأن هذه القيم المخفضة من الترايهالوميثانات تعني فقط البداية، ولا تقدم الضمانات الكافية للسلامة ويجب دعمها.
البكتيريا المسماه كربتوسبوريديوم وكذلك الجيارديا لها القدرة على مقاومة الكلور.
بديل وتعقيم
- التعقيم بالأوزون: نصحت مراكز الأبحاث والدراسات العالمية بضرورة استخدام الأوزون رغم غلاء ثمنه بديلا عن الكلور في تعقيم المياه. ومن المعروف أن الأوزون أسرع 3200 مرة من الكلور في قتل البكتيريا والفيروسات ودون أي آثار جانبية. وقد عرف العالم الأوزون والعلاج بالأوزون لأول مرة في عام 1870م وذلك في ألمانيا على يد العالم ليندر، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ظهرت مئات الأبحاث العلمية في هذا المجال. وقد نال العالم الألماني جائزة نوبل في الطب عام 1931م ثم مرة أخرى عام 1944م عن أبحاثه في مجال استخدامات الأوزون. وهناك حاليا الكثير من مشاريع تنقية وتعقيم مياه الشرب بواسطة الأوزون، كما يستعمل الأوزون في تعقيم مياه حمامات السباحة في العديد من الدول، وأيضا يستخدم في معالجة مياه الصرف الصحي.
تجدر هنا الإشارة إلى أنه ينبغي التقييد التام بالنسب المحددة من غاز الأوزون، حيث تبين أن زيادة تركيز غاز الأوزون في المياه ينجم عنه تفاعلات كيميائية جانبية مع بعض المركبات الأخرى مما يكون كل من الفورمالدهيد والأسيتالدهيد في الماء.
- التعقيم بالأشعة فوق البنفسجية والأمواج فوق الصوتية والليزر: تعتبر هذه الطرق هي الأكثر تقدما والأحدث والأكثر أمنا بسبب عدم احتوائها على مواد كيميائية للتعقيم، وقد أثبتت الأشعة فوق البنفسجية قدرة مميزة على القضاء على معظم الملوثات البيولوجية الموجودة في المياه.
أفادت دراسات ميدانية أن الاستحمام في المسبح بماء مكلور يجعل البشرة تمتص الكلور خلال 10 دقائق وهذا يفوق أثر الكلور الناتج من شرب 8 كاسات من الماء.
الكلور عالميا
- أشارت دراسة أسبانية إلى أن السباحة في الأحواض المغلقة التي تستخدم الكلور كمادة مطهرة ليست بأمر صحي. ركزت الدراسة على الآثار السامة المحتملة على المستوى الجيني للسباحين، وكان باحثون من مركز الأبحاث الوبائية البيئية )كريال( ومن معهد الأبحاث التابع لمستشفى دل مار )إيميم( قد درسوا العلاقة بين المواد الكيميائية الناجمة عن عملية تطهير مياه الأحواض والآثار المحولة التي تحدث تحولات دائمة في الحمض النووي لدى السباحين. وأشار مركز كريال في بيان له إلى أن آثار سامة على المستوى الجيني لوحظت لدى 49 بالغا لا يعانون من أية مشاكل صحية، كانوا قد سبحوا خلال 40 دقيقة في حوض مغلق معالج بالكلور. وتم تسجيل زيادة في مستوى مؤشرين للسمية الجينية لدى هؤلاء السباحين، ويصنف أحد هذين المؤشرين على إمكانية إصابة أشخاص أصحاء بالسرطان.
- في عام 2007 احتشد جمع غفير قوامه 35 ألف من محبي رياضة السباحة ومشجعيها مع كبار نجوم السباحة بمن فيهم البطل الأولمبي مايكل بيتش للمشاركة في البطولة الوطنية الأمريكية للسباحة، والتي أقيمت في أنديانا بوليس، وذلك لأن رائحة الكلور النفاذة المنبعثة من حوض السباحة تسببت في إصابة السباحين بمشاكل في التنفس واحمرار العينين والصداع، حيث انسحب بعضهم من حلبة المنافسة ريثما يتم علاج مشكلة التهوية في حوض السباحة.
- في هولندا يختلف الوضع، في تقرير لإذاعة هولندا العالمية ذكر فيه أن شركات المياه الهولندية تنوي إضافة الكلور لمياه الشرب، وذلك لأن هذه الخطوة هي الطريقة الوحيدة للتعامل بفعالية مع البكتيريا المسببة لمرض ليجيونير وهو مرض رئوي، تنتج عنه حمى. وتعتبر إضافة الكلور إلى المياه من الحرمات في هولندا. فالهولنديون يفخرون بشدة بمياه شربهم النقية، ذات الطعم العذب، الخالية من الكلور. قدرت أناليس فان برونسفايك أستاذة تكنولوجيا الصحة في جامعة ايندهوفن، بأن ثمانمئة شخص يموتون كل عام بسبب هذا المرض، وهو تقدير يزيد على ما ترده الإحصائيات الرسمية. وعن كيفية توصل فان برونسفايك لهذا الرقم تقول: «يمكنك النظر إلى الرقم من خلال البلدان المحيطة بهولندا، قبل وبعد إضافة الكلور، وبعدها يمكنك تقدير الموقف الحقيقي في هولندا. فهنا في هولندا لا نعرف شيئا عن الحالات الضمنية، التي تقف خلف موت الناس بسبب مرض التهاب الرئة». إنه مجرد سؤال منذ أن أعتبر مرض التهاب الرئة بالإضافة إلى ليجونير أكثر الأمراض ذات الصلة بالمياه الملوثة يموت منها الناس. وعن عدم استساغة الكثير من الناس لطعم الكلور في الماء، أفادت فان برونسفايك أن هذه الأيام يستخدم نوع آخر من الكلور، وهو مزيج من غاز الكلور والمونوكلورين، وهذه المركب لا يترك طعم في الماء. يتفق المعهد الوطني الهولندي للصحة العامة والبيئة مع الدعوة إلى إضافة الكلور لمياه الشرب ولكن ليس على كل البلاد، يقول جيم فان ستينبيرخن، رئيس قسم السيطرة على الأمراض التي تسببها الملوثات بالمعهد، أن إضافة الكلور تكزن للمستشفيات، ودور النقاهة والتمريض، ومراكز العناية الصحية، حيث يقيم أناس لديهم قابلية للتأثر بهذه البكتيريا. ويمكن إضافة الكلور للمياه على حدة، عند دخول المياه من الشبكة العامة إلى هذه المباني.
لماذا ومتى؟
مشكلة تلوث المياه من المشاكل الأزلية، حيث مات الكثير خلال العشرينات والثلاثينات من الكلوليرا وحمى التيفويد والديسنتاريا الأميبية التي تسببها مياه الشرب الملوثة. وعندما أستخدم الكلور لتعقيم مياه الشرب أعتبرت هذه الخطوة من أهم التطورات في معالجة المياه في القرن العشرين الميلادي.
في عام 1890م بدأت الكلورة للمياه وذلك للقضاء على بعض مسببات الأمراض. استخدم الكلور لتعقيم مياه الشرب على نطاق واسع أول مرة عام 1908م في مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية، وفعلا قضى على الأمراض الموجودة في الماء مثل الكوليرا والتيفويد، كانت الوفيات قبل استخدام الكلور تعادل وفاة واحدة لكل 1000 شخص بسبب التيفويد وحده. بفضل هذا الاكتشاف تم القضاء على هذه الأمراض وباستخدام هذه الطريقة في التعقيم مع فلترة المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي وصلت البشرية إلى تطورات مذهلة في نوعية مياه الشرب والحفاظ على البيئة. والآن تصل نسبة مياه الشرب المعقمة باستخدام الكلور حول العالم إلى 98%. وتفيد الأبحاث عن ارتفاع الإصابة بمرض السرطان بنسبة 44% بين من يستخدم ماء معقم بالكلور عن من يستخدم غير ذلك، ويقول رئيس مجلس الجودة البيئية بأمريكا: هناك دليل متزايد على علاقة سرطان القولون والمثانة والمستقيم بإستهلاك ماء مكلور.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 136