النفايات المنزلية
عبد الوهاب السيد
عند الحديث عن النفايات، فلابد من التوقف عند النفايات المنزلية تحديداً والحديث عنها بشكل مفصل لأنها مسؤولية كل فرد وناتجة عن كل إنسان سواء في المجتمعات النامية أو المتقدمة على العكس من باقي أنواع النفايات (كالصناعية والخطرة على سبيل المثال)، خاصة وأن هناك الكثير ممن يجهلون خطورة وأضرار هذا النوع من النفايات والتي لو أهملت وتركت معرضة للهواء لنمت عليها جيوش من البكتريا والحشرات ولتعفنت المواد العضوية الموجودة فيها، مما يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة والأمراض الخطيرة، وخاصة أن هذه النفايات تتكاثر يوماً بعد يوم بكميات هائلة مع تزايد عدد السكان.
وقد يكون الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت من أكبر الدلائل على خطورة النفايات المنزلية، فقد كانت النفايات المنزلية، فقد كانت النفايات تجمع ثم ترمي في العراء خلال فترة الاحتلال لغياب البلدية المسئولة عن التخلص من النفايات المنزلية، مما أدى إلى انتشار الكثير من الروائح الكريهة وانتشار الحشرات والفئران بصورة لا تصدق.
وفي هذه الدراسة المبسطة، سيتم شرح طرق التخلص ومعالجة النفايات المنزلية المتبعة في معظم دول العالم مع مراعاة ذكر مزايا وعيوب كل طريقة، كما أننا سنراعي التركيز على دولة الكويت بشكل خاص، حيث إن هذا الموضوع لا يزال في أطواره الأولى في الكويت وفي دولة العالم الثالث بشكل عام والدول العربية بشكل خاص.
وأخيراً وليس آخراً يجب التذكير بأن القصد من هذه الدراسة ليس التقليل من خطورة النفايات الأخرى والتي قد يكون الكثير منها أخطر على البيئة من النفايات المنزلية، وإنما القصد هو توعية الناس إلى خطورة النفايات المنزلية على البيئة.
ما النفايات المنزلية؟
النفايات المنزلية أو البديلة أو (القمامة) كما تعرف عند عامة الناس هي أشياء ليس لها قيمة أو استخدام، ولكن بقاؤها في البيئة يشمل أخطاراً جسيمة على جميع الكائنات الحية من إنسان ونبات البشرية المختلفة بالمنازل والمطاعم والمجمعات السكنية والتجارية، وهي ذات تركيبة معقدة وغير متجانسة من الناحية الفيزيائية أو الكيميائية، كما أنها عادة ما تكون سهلة التحلل مع وجود مواد أخرى صعبة التحلل؛ لذا يجب التخلص منها حتى لا تتسبب في تلوث البيئة وتعرض المجتمع لأخطار صحية لا تحمد عقباها.
وتختلف النفايات المنزلية في المكونات والكمية من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر بل ومن منزل إلى آخر، وهذا الاختلاف يعتمد على عدة عوامل، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
1- الكثافة السكانية للمنطقة أو المدينة.
2- المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأفراد.
3- درجة الوعي البيئي في المجتمع.
وتضم المخلفات المنزلية مخلفات المطابخ، الشقق، الفنادق، المحلات التجارية، ومطاعم المستشفيات والمنازل، وتعتبر مشكلة النفايات المنزلية من أكبر المشكلات التي تواجه العالم؛ لأنها في تزايد مستمر يتسبب في التلوث البيئي للمياه والبر، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية، وأثر ذلك في النهاية على جميع الكائنات الحية، وتتميز جميع المجتمعات تقريباً خصوصاً تلك التي تتميز بارتفاع الدخل القومي للفرد بزيادة الاستهلاك، ويصاحب هذه الزيادة في الاستهلاك زيادة حجم النفايات والتي ينبغي التخلص منها كل يوم، وخصوصاً في المدن الكبيرة المزدحمة بالسكان.
أنواع النفايات المنزلية ومكوناتها
بالنسبة لأنواع النفايات المنزلية ومكوناتها، فهي:
1- كناسة المساكن من ورق وخرق وقطع زجاج ومعادن... الخ، وهي تعتبر من المواد غير القابلة للتحلل.
2- فضلات الأسواق والسلخانات وهي من أخطر أنواع النفايات، خاصة في فصل الصيف بسبب التحلل.
3- المأكولات التالفة ومعظمها قابل للتحلل.
4- مخلفات المطابع من المنازل والمدارس والفنادق.
جمع النفايات المنزلية
تستلزم عملية تجميع النفايات توعية بأهمية وقاية البيئة من أضرار المخلفات، وكذلك بالفوائد الصحية والنفسية والجمالية التي ستعود إليهم إذا تعاونوا على تسهيل عملية الجمع، ولابد من الإشارة إلى أن مظهر جامعي النفايات وانتظامهم يؤثر على تعاون الناس معهم، ويجب أن تكون أجورهم مجزية لجذب عناصر جيدة للعمل في هذا المجال كما هو الحال في الدول المتقدمة، كاليابان والولايات المتحدة الأمريكية، أما بالنسبة لكيفية جمع النفايات فهي كالتالي:
أ) تجمع النفايات من المساكن أو المحلات أو المنشآت في أوعية خاصة، ولابد من أن تتوفر الشروط التالية في هذه الأوعية:
1- أن تكون الأوعية من المعدن.
2- أن تكون اسطوانية الشكل حتى لا يكون بها أركان تحفظ بعض النفايات عند تفريغها، ولتكون سهلة التنظيف.
3- أن يكون لها غطاء محكم ليمنع وصول الحشرات إلى المحتويات.
4- أن يتسع حجمها لكميات النفايات المختلفة لأربع وعشرين ساعة على الأقل.
ب) يفضل لف النفايات في أكياس قبل وضعها في الوعاء الخاص، وذلك لضمان عدم تأثرها أو وصول الحشرات إليها، ولا يجوز جمع النفايات وتركه على صورة أكوام أمام المساكن.
ج) قد تستعمل صناديق كبيرة توضع في الطرقات لتلقي فيها نفايات المساكن والحملات، ولكنها قد تكوم صدراً لأضرار صحية، فقد تلقي القمامة خارجها.
د) كنس الشوارع بعد رشها رشاً خفيفاً ليقل تطاير الغبار، ويستعان ببعض السلال الصغيرة على أعمدة النور أو غيرها لتلقي بها الأوراق المهملة أو غيرها مما يساعد على نظافة الطرقات.
حقائق وأرقام عن النفايات المنزلية
تؤكد الأرقام أن الدول الأوروبية تخلف 124 ألف طن من النفايات المنزلية، تحملها يومياً 22 ناقلة بحرية إلى جزيرة (سنتين) لدفنها، وهي المكان المخصص لدفن القمامة منذ عام 1948م، وقد أصبحت تلال القمامة سلسلة من الجبال تنافس في ارتفاعها أعلى القمم. أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تخلف ما يزيد عن 133 ألف طن يومياً أي ما يكفي لتغطية ألف ملعب لكرة القدم بارتفاع ثلاثين طابقاً، وفي كندا وبين عامي 1980 و 1985، ارتفعت نسبة توليد النفايات الصلبة إلى 27% وفي اليابان لم ترتفع نسبة النفايات المنزلية منذ عام 1980 إلى الآن، ولو كان هناك ارتفاع فإنه طفيف جداً، وذلك يعود إلى إعادة تدوير 26 و 39% من نفاياتها (سنتحدث عن تدوير النفايات بشيء من التفصيل لاحقاً)، وحرق 430 53% من باقي النفايات، وبسبب التوعية البيئية بين الناس، وفي مصر يصل معدل النفايات الناتجة من الفرد الواحد إلى 0,81 كجم/ يوم، أما بالنسبة لدولة الكويت والمصنعة مع باقي دول الخليج ضمن الدول الغنية حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، فمعدل إنتاج الفرد من النفايات يبلغ 1,4كجم/ يوم. أي أن حجم النفايات المنزلية اليومية يبلغ 2530 طن تقريباً أي 2483364 طن تقريباً في السنة، وفي عام 2020 سيبلغ الحجم اليومي لهذه النفايات 4550 طن تقريباً.
نقل النفايات المنزلية
تجمع النفايات المنزلية مرتين يومياً، وخاصة في فصل الصيف، ويتم نقلها بواسطة عربات خاصة يشترط أن تكون مصفحة من الداخل حتى يسهل تنظيفها، وبحيث لا توجد بها زوايا حادة تتراكم بها النفايات فتتعفن، وتكون ذات غطاء محكم يمنع تسرب النفايات أثناء سير السيارة، ويتم غسلها يوماً مع تطهيرها بمسحوق قاتل الحشرات.
أما بالنسبة لدولة الكويت وخلال الخمسين عاماً الماضية، بدأت تتطور طرق جمع ونقل النفايات من حيث حجم العمالة وامتداد خدمات بلدية الكويت وإيجاد الحلول الأفضل لجمع ونقل النفايات المنزلية، فقد عممت البلدية أكياس النايلون التي توفرها الجمعيات التعاونية للأهالي لوضع النفايات فيها، ومن ثم يقوم عمال البلدية بجمع ونقل النفايات في عربات خاصة بها، ولكن مع مرور الزمن وازدياد عدد السكان بدأت البلدية تواجه مشكلة ازدياد كمية النفايات مما دعا إلى الطلب من بعض الشركات المحلية والأهلية لتقوم بجزء من مهمة جمع ونقل النفايات المنزلية، وقد روعي التنويع في المعدات والآليات لنقل النفايات المنزلية من المصدر إلى موقع الردم، إلا أنه لوحظ أن كل ما يتم إنجازه وتطويره لم يصل حتى الآن للصورة المطلوبة، ومع الأسف لم تتطور طرق التخلص من هذه النفايات ولم يتم إيجاد طرق للاستفادة منها عدا بعض المحاولات القليلة، ويقوم عمال النظافة التابعون لبلدية الكويت بجمع ونقل النفايات المنزلية إلى مناطق غير مأهولة بالسكان، ومن ثم ردمها، وسوف نتحدث بشيء من التفصيل عن ذلك لاحقاً.
أساليب التخلص من النفايات المنزلية
1) إلقاء المخلفات الصلبة في البحار:
يتم هذا في المدن الساحلية، ويراعي في هذه الحالة إلقاء القمامة على مسافة مناسبة داخل البحر (5 أميال)مع انتقاء أماكن لا يكون فيها التيار عالياً، بحيث يعود بالنفايات إلى الشاطئ ثانية، وهذه الطريقة رخيصة التكاليف، ولكنها لا تعتبر طريقة مثالية للتخلص من النفايات، فبعض هذه المخلفات قد يطفو فوق سطح الماء (حتى لو اتخذت الاحتياطات اللازمة لمنع ذلك)، وقد تدفع الرياح والأمواج بالمخلفات لتصل إلى السواحل والشواطئ، وبذلك تصل هذه النفايات مرة أخرى إلى الشواطئ فتتلوث هذه الشواطئ، وقد يتغطى قاع البحر بأشكال مختلفة من هذه النفايات. كما أن ذلك سيؤدي دون شك إلى الإخلال بالنظام البيئي المتوازن ويسبب كثيراً من الأضرار للكائنات الحية التي تعيش في هذه المياه.
2) إلقاء النفايات في العراء:
وهي أرخص الأساليب للتخلص من النفايات المنزلية وأخرها على الإطلاق، ومع الأسف فإنها تمارس على نطاق واسع في بعض الدول العربية منها اليمن على سبيل المثال، ومن مخاطر هذه الطريقة:
أ - اجتذاب أعداد كبيرة من الفئران نتيجة لتكديس النفايات.
ب - انتشار الروائح الكريهة.
ج - انتشار الغازات الخطيرة.
د - اندلاع الحرائق في أماكن تجمع النفايات بسبب انبعاث غاز الميثان الذي يساعد على الاشتعال والذي ينتج عن تحلل المواد العضوية في النفايات المنزلية.
هـ - تلوث الهواء بسبب اندلاع الحرائق التي يسببها غاز الميثان.
و - انتشار الأمراض.
3) ردم المخلفات في باطن الأرض:
يتم استخدام القمامة في ردم الأراضي المنخفضة أو البرك أو المستنقعات، وتكتفي الكثير من الدول بردم مخلفاتها في باطن الأرض، في حفر خاصة في أماكن بعيدة خارج نطاق العمران للمدينة، ثم تمر عليها جرارات خاصة لضغطها في أقل حيز ممكن، ثم تغطي بالتراب ويسوي بعد ذلك سطح التربة، ومع أن هناك الكثير من الاشتراطات والمعايير التي تجعل عملية الردم مناسبة إلى حد ما من الناحية البيئية للتخلص من النفايات المنزلية، إلا أن هذه الطريقة لها عدة عيوب، منها:
أ) الأرض في المناطق التي تدفن فيها المخلفات تصبح لينة ولا يمكن استخدامها بعد ذلك في البناء أو في إقامة المنشآت لأنها لن تتحمل هذه الضغوط الكبيرة، ولكن قد يمكن استخدامها
في بعض الأغراض الأخرى، كتحويلها لحدائق عامة.
ب) عند سقوط الأمطار فوق سطح التربة التي تغطى تلك الحفر، فإن مياه الأمطار قد تتغلغل في التربة السطحية، وتصل إلى ما تحتها من مخلفات ونفايات مطمورة، مما قد يؤدي إلى
استخلاص بعض المواد الخطرة من هذه النفايات، فتنقلها مياه الأمطار إلى المياه الجوفية ومنها المجاري المائية، مما يتسبب في تلويث المياه الجوفية ومياه الأنهار والبحيرات.
ج) قد ينتج عنها انبعاث الغازات الخطرة (كثاني أكسيد الكربون والميثان).
د) نقل هذه المخلفات مكلف كثيراً؛ لأن هناك الكثير من المدن لا يوجد بالقرب منها أماكن مناسبة للردم.. فتنقل هذه المخلفات إلى أماكن مناسبة للردم.
وتتبع هذه الطريقة في الكويت ولكن بأسلوب عشوائي ودون إتباع سوى أقل القليل من الاشتراطات البيئية من حيث اختبار المواقع وفقاً للدراسات البيئية أو تصميمها أو حتى إدارتها، وذلك
سيؤدي إلى الكثير من الأضرار البيئية.
4) الردم الصحي
وتعتبر هذه الطريقة أقدم الطرق المتعبة للتخلص من النفايات المنزلية إلا أنها ومع تقدم البشرية ومعرفة الأضرار الناجمة من الردم العشوائي أصبحت تخضع لشروط بيئية يستطيع الإنسان من خلالها استغلال مواقع الردم المغلقة.
وتتلخص هذه الطريقة بعمل خندق في الأرض المنخفضة على شكل حائطين من الطوب بارتفاع 8 أقدام وبسعة مناسبة وتلقي به القمامة. كما أن هناك بعض الاشتراطات الواجب توافرها عند اختيار موقع الردم الصحي وهي كالتالي:
* وضع لوحة عند مدخل الموقع توضح أوقات التسليم ونوع النفايات التي تدخل إلى الموقع وأرقام هواتف الطوارئ.
* ميزان للسيارات لغرض معرفة وزن النفايات التي تحملها.
* وضع هواتف عند الموقع للاستعمال عند الطوارئ.
* التصريف الصحيح للمواد السطحية بإعطاء ميل مناسب للسطح.
* تفادي تلوث المياه الجوفية.
* اختيار الآلات اللازمة لفرش النفايات.
* طرق سهلة للوصول إلى موقع الدفان.
* إحاطة الموقع بسياج تطاير الأوراق.
* توفير المواقف والورش الميكانيكية لصيانة المعدات.
* الإشراف الدائم على تنزيل النفايات عند الموقع والإشراف على ردمها من قبل أشخاص مختصين.
* التغطية اليومية للنفايات.
* مكافحة انتشار الحشرات والقوارض.
* مكافحة الغبار برش المياه.
* توفير المعدات اللازمة لمنع الحرائق وعدم حرق النفايات عند الموقع.
* تقديم تقارير شهرية ويومية لمعرفة سير العمل وتطبيق خطة لعمل.
ومن الممكن تحويل الأرض بعد ذلك إلى حديقة عامة أو منتزه، وتعتبر أكثر الطرق اقتصادية وأرخصها بشكل عام غلا أنها تتطلب مساحات كبيرة من الأراضي.
5) الإلقاء في المجاري العامة
ويتم هذا بطحن القمامة بأجهزة خاصة، ولكن هذه الطريقة لها عدة عيوب، منها زيادة العبء على عمليات المجاري بالمدينة.
6) الاختــزال
وهذه الطريقة ناجحة إلى حد كبير في المدن الكبيرة، وتعمل على استخلاص الدهون بالمذيبات الخاصة، وقد يتم الاختزال عن طريق تخفيف القمامة أو طبخها.
7) إطعام الخنازير
وهذه الطريقة تنتشر في المجتمعات الغريبة، وهي عبارة عن عملية فصل للأجزاء التي يمكن للخنازير أن تأكلها ومن ثم إلقاؤها للخنازير.
8) التسميـد
وتعتبر هذه الطريقة بيولوجية وليست كيميائية كما قد يظن الكثيرون، تستغل فيها البكتيريا وغيرها من الكائنات الحية من أجل تحييد النفايات القذرة وتحويلها إلى أسمدة صالحة للإنتاج الزراعي، وتأخذ هذه العملية عدة أسابيع وتبدأ بعملية فصل للنفايات غير القابلة للتخمر مثل البلاستيك والمعادن عن النفايات المنزلية.
ومن ثم تبدأ عملية سحق المواد سحقًا جيدًا بطرق متعددة وتوضع في مكان مشبع بالهواء مع إضافة كميات من الماء، ويتم بعد ذلك خلطها وتقليبها حتى يتم التجانس بينها، وهذه الطريقة تساعد على تكاثر الميكروبات العضوية التي بدورها تساعد على تخمير المواد العضوية الموجودة في النفايات المنزلية، وتتم عملية مراقبة درجة الحرارة حتى تصل إلى المستوى المرغوب فيه للقضاء على الجراثيم.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 85