بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

الفقع

قصة .. أم سعود مع الفقع

خلود المرزوق

بيئة الكويت القديمة ذات وجهين، وجه بحري وآخر بري، وكلا الوجهين غنيان بمخلوقات الله الحية، وغير الحية، وحديثنا في هذا المقال ينصب على الوجه البري أو الصحراوي للبيئة الكويتية، وما يحتويه من نعم ومخلوقات ونباتات أنعم الله بها علينا، ويمكن تحديداً الحديث عما تتميز به صحاري الكويت من نباتات وبالأخص أحد مصادر الغذاء الموسمية ألا وهو الفقع نبات الكمأة.

يصفه البعض بفاكهة الصحراء ويسميه آخرون نبات الرعد لارتباطه بهطول الأمطار، واعتبره القدماء هدية من السماء تصل إليهم مع الأمطار، ومن الجدير بالذكر بأن الفقع ارتبط تاريخه بدولة الكويت، وأصبح الاهتمام به صفة يتوارثها الأجيال ويعتبر من السمات المميزة للبيئة الكويتية حتى إنه كان وسيلة جذب لبعض العناصر الأجنبية التي جعلت من موسم الفقع أبواباً تكتب بها في مذكراتها ومن هذه العناصر الأجنبية.

السيدة/ فيوليت ديكسون زوجة الكولونيل هارون ديكسون المعتمد السياسي البريطاني في الكويت من سنة 1929- 1936 والشخصية السياسية المعروفة في البحرين والمملكة العربية السعودية والكويت والبادية وتعرف باسم أم سعود نسبة إلى ولدها سعود الذي أسمته بهذا الاسم العربي الذي يرتبط بالدرجة الأولى بأسرة آل سعود، الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية لما يرتبط زوجها بعلاقات طيبة مع الملك عبد العزيز آل سعود.

البحث عن الفقع

نجد أم سعود التي أقامت في الكويت حتى بعد تقاعد زوجها الكولونيل ديكسون عن العمل كمعتمد لدى بريطانيا عام 1936 لبلوغه سن التقاعد، وحتى وفاته سنة 1959 ظلت تعيش في الكويت، وفي نفس سكنها القديم معززة مكرمة لدى الجميع، ألفت أم سعود كتاباً قيماً، وهو بعنوان "أربعون عاماً في الكويت" منذ وصولها إلى الكويت مع زوجها 1929 إلى 1969، ولو أنها تأخرت في طبع كتابها عشر سنوات لكان اسمه نصف قرن في الكويت من 1929 إلى 1979. يعطي هذا الكتاب صورة طبيعية عن الكويت، وعن البادية والبيئة الطبيعية فيها، وقد اشتمل هذا الكتاب ذكرياتها عن موسع الفقع، فقد تحدثت في آخر كتابها عن قصة رحلاتها في صحراء الكويت بحثاً عن الفقع فقالت التالي: وإنني لأختتم قصص رحلاتي السعيدة الكثيرة في الصحراء برواية أخيرة عن حملة جمع نبات الكمأة (الفقع) خلال عشر سنوات من الرحلات إلى أعماق الصحراء، كما في كل عام نأمل أن تكون أمطار أكتوبر وأوائل نوفمبر كافية لإعادة ظهور نبات الكمأة الصحراوي.

فهذه الفطريات الصالحة للأكل تظهر فقط بكميات وفيرة عندما تكون أمطار الخريف غزيرة، وفي خريف عام 1967 كان المطر غزيراً بلغت كثافته الإجمالي حوالي عشر بوصات.

وفي فبراير 1968 نمى إلى علمنا أن الكمأة قد طرحت في السوق فعلاً وتباع،ولما سمعت هذا الخبر قررت الخروج إلى الصحراء والبحث عن هذا النبات بنفسي.

وبعد الاستفسار من أصدقائي البدو عن الموقع الذي توجد فيه الكمأ انطلقنا ذات صباح إلى منطقة (دبدبة) غير بعيدة عن الحدود الجنوبية للمنطقة المحايدة، وهذه المنطقة بلغت مساحتها تقريباً حوالي عشرة أميال مربعة لا تنمو فيها أي شجيرات، ولكن بعد سقوط المطر تنبت فيها نباتات وحشائش سنوية بشكل واسع. وعندما وصلنا وجدنا هناك خياما كثيرة، وكان الجو قارص البرودة، وحيث لم يكن هناك حطب لإشعال النار اضطررنا إلى جمعه بالسيارة من مكان بعيد.

ثـــروة

والفقع أو الكمأة ينمو بين نباتات تعرف باسم (رقراق)، وكانت هذه النباتات الصغيرة وفيرة جداً، وإن لم تكن قد أزهت بعد، وفي جولتنا الأولى للبحث عن الفقع اكتشف ناصر الذي كان له عينا صقر، على الفور فقعاً أبيض كبيراً يسمى (زبيدي) واستخرج فيما بعد كثيراً من الفقع الصغير داكن اللون، وقد كان البرد قارصاً فبقيت مرتديه معطفي ذا الأطراف المصنوعة من جلد الخروف طيلة النهار، وفي اليوم الرابع عدنا إلى المدينة بعشرين كيلو جراماً من الفقع تساوي أكثر من مائة وعشرين جنيهاً إسترلينياً حسب سعر السوق في ذلك الوقت. فقد كان سعر الفقع مرتفعاً نظراً لطيب مذاقه.

وبعد ثلاثة أسابيع عدنا إلى دبدبة عندما أصبح الجو أكثر دفئاً ووجدنا زهور الصحراء قد تفتحت، وكانت هناك بقع مكسوة باللون الأصفر الذهبي بينما كسيت أماكن أخرى بزهور الليحاء العطرية الخضراء وزهور أرجوانية اللون، وقد ظهر في المنطقة المزيد من خيام البدو الذين ما إن رأوا سيارتنا حتى هرعوا إلينا حاملين ما جمعوا من الفقع ويتوقون لبيعه.

عرفت (أم سعود) مواسم الفقع ومواقعه وكيفية الاستدلال عليه وأنواعه. كما عرفت أن هطول المطر الغزير في فصل الخريج يجعل الفقع يظهر بكثرة في الصحراء في فصل الشتاء، وكانت تجد المتعة عند خروجها إلى الصحراء، والتنقل بين أحضانها ومواصلة زياراتها للبدو والاستمتاع بكرم الضيافة في خيامهم السوداء، وقد اعتبرت نفسها محظوظة لصداقتهم على الرغم من أنها ليست من جنسيتهم أو دينهم، وقد ختمت كتابه مذكراتها بالجملة التالية:

لقد ممكني إخلاص أصدقائي الكويتيين من البقاء في الكويت بعد أن ترملت، وهكذا لا أزال أعيش في نفس المنزل الذي أسكنه منذ وطئت قدماي أرض الكويت لأول مرة في راحة ووسط بيئة مألوفة، وخارج جدران منزلي وباحثة كبرت الكويت الحديثة وسادها النشاط والصخب، ولكن وراء ذلك أيضاً يكمن هدوء الصحراء، ولا تزال الصحراء تنادي.

وقد أكد الباحثون في وقتنا الحالي ما ذكرته السيدة (أم سعود) حول الفقع، وأنه يمكن الاستدلال على موقعه من النباتات الفطرية والأعشاب البرية والنباتات الحولية بما فيها (الرقروق) أو (الرقراق) الذي يصاحب دائماً ظهوره الكمأة.

وقد شهت الكويت أفضل مواسم الفقع عام 1978 حين بلغ معدل الأمطار 181 ملليمتر في حين بلغ في العام الذي تلاه 82 ملليمتر فقط.

ثم شح ظهور الكمأة خلال فترة الثمانينيات التي شهدت جفافاً شديداً للتربة وتزامن مع ارتفاع شديد في درجات الحرارة كما كان الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990 أثراً سلبياً في البيئة الصحراوية، بالإضافة إلى عدم وعي هواة جمع الفقع بأن الفقع مهدد بالنقراض، وأن من واجبهم أن يتيحوا لهذه النباتات الظهور مرة أخرى، وأن لا يفرطوا في جمعها في كل موسم ويتحكموا في رغبتهم في جمع الفقع، وذلك نظراً لحاجة التربة الصحراوية إلى راحة قد تستمر عدة مواسم لكي تفسح المجال للنباتات الحولية للنمو مرة أخرى.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 41