الماء عصب الحياة مصدر رفاهية الشعوب
نيبال نخال
إن الماء النظيف أساسي للحياة، ويجب ألا يحرم أحد، وبالذات الأطفال، من هذا المكون الأساسي للوجود، وصدق الله جلت قدرته عندما قال في محكم تنزيله "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، فبالمياه نحن نمنح الحياة لكل شيء.
بالرغم من أن الأسباب الحقيقية للفقر الشديد لثلث سكان العالم عديدة ومعقدة، فعلى الأقل ثمة شيء واحد مؤكد، أن الفقر ونقص المياه النظيفة يسيران يداً بيد. ويظهر التاريخ أن مصدراً يعتمد عليه من المياه النظيفة يحرر القرى الفقيرة من الاقتصاديات العرجاء، ويسمح للسكان بشغل الوظائف، وزراعة الطعام، وإقامة مشروعات وشركات، والإسهام بوجه عام في حياة مجتمعاتهم كما أن العائلات من مصادر المياه التي يعول عليها يمكنها توفير المال الذي يمكن أن يتفق في العبادات الصحية على الأدوية والعلاجات للتخلص من أعراض الأمراض ذات الصلة بالمياه.
وتخليص الناس من الأعباء الجسدية والعاطفية للمرض يمكنهم من تركيز جهودهم على التعليم، الاقتصاد، التخطيط الأسري، والنمو الشخصي. إن الماء النظيف يعطي الناس الأمل، ويمنحهم الفرصة لكي يكونوا جزءاً من تغيير إيجابي في مجتمعاتهم.
ففي الدول النامية، أو دول العالم الثالث عامة، فإن عبء تأمين الماء النظيف يمكن أن يكون وظيفة تستغرق الوقت بأكمله، ومع أنها مشكلة يشارك جميع أفراد العائلة في حلها، إلا أن عبء العمل الأكبر على النساء والأطفال في العائلة. فهذا يعني ألا يحضر الأطفال إلى المدرسة، وألا تتوفر الفرصة للنساء للبحث عن عمل، أو القيام بأية مهام أخرى تسهم في رفاهية الأسرة، وحتى الأطفال الذين يتوفر لديهم الوقت للالتحاق بالمدرسة غالباً ما يعانون من المرض الشديد الذي يحرمهم من المواظبة على الدرس لأنهم يشربون مياهها ملوثة.
وحيث يتم توفر مصدر مياه نظيفة محلية، إن الأمهات في المجتمعات يمكنهن تركيز طاقتهن على تعليم أنفسهن وأطفالهن، والاهتمام ببيوتهن، وإقامة أعمال صغيرة، أو المشاركة في برامج تنمية اجتماعية.
إن تقليص معدلات المرض والوفيات في المجتمعات التي تعاني من عدم وجود مصادر مياه نظيفة دائمة. قد أثبت بأنه يحدث أثراً مفيداً على النمو السكاني. فعادة فإن الوالدين في أفقر المجتمعات ينجبان عدداً كبيراً من الأطفال جراء الارتفاع الكبير في عدد وفيات الأطفال، والحاجة للمساعدة الجسمانية في الأعمال العائلية الروتينية، وغياب التعليم لدى النساء فيما يتعلق بحقوقهن وخيارات التحكم في النسل. إن الأمراض المتولدة عن المياه مسئولة عما يزيد على 10 ملايين وفاة كل عام، ونصف هؤلاء هم من الأطفال، وفي المجتمعات التي تعتمد على دعم إسهام أعضاء العائلة. فإن هذا يترجم ليس فقط إلى خسارة عائلية. بل خسارة مرتبطة بالبقاء الاقتصادي.
إن تحسين الوصول إلى المياه النظيفة، يقلل حجم الوقت والطاقة المستخدمين من أجل تأمين المياه، وعدد الأطفال المطلوبين للمساعدة في هذا العمل الروتيني، وهذه الفوائد، بالإضافة إلى زيادة فرص التعليم وتحسن الوضع الاقتصادي. تعزي إلى توفر المياه النظيفة، وتظهر الأرقام تعاظم التداخل بين الفرص التعليمية والاقتصادية، ومعدلات المواليد الأقل والأكثر استقراراً. كما أن ندرة الماء النظيف تزيد من احتمالات استخدامه كسلاح سياسي، وسوف يصبح بدون شك عامل تقرير الصراعات التي ستنشب في العالمين النامي والصناعي، ويقول المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية بواشنطن خلال السنوات الأولى من القرن الجديد، يمكن أن يخلق الضغط على مصادر المياه جو إثارة غير مسبوق، وكتب توماس هومر ديكسون من جامعة تورنتو يقول: إن النقص في توفر المياه النظيفة يفاقم الفقر والمرض، ويدفع لهجرات كبيرة داخلية للسكان ويضعف السلطة الأخلاقية للمنطقة التي تعاني من النقص، والقدرة على الحكم، وبمرور الوقت فإن هذه الضغوط يمكن أن تمزق التركيبة الاجتماعية لأي مجتمع فقير، وأن تحدث اضطراباً وعنفاً شعبين مزمنين.
ويقول جون بيود أور الحاصل على جائزة نوبل للسلام. لن ينعم العالم بالسلام مادامت هناك نسبة كبيرة من السكان تفتقر إلى ضروريات الحياة وتعتقد أن تغيير النظام السياسي والاقتصادي سيجعلها متوفرة. إن السلام العالمي يجب أن يستند إلى الوفرة العالية.
استنزاف الثروات
وبالرغم من أن مجموعة من الشركات الأجنبية العامة في مجال تنقية واستخراج المياه من باطن الأرض تعمل في الكثير من دول العالم الثالث، إلا أن هذه الشركات ومع الأسف كان همها الأول هو الربح واستنزاف الثروات المائية الشحيحة أصلاً، دون وضع أي اعتبار للتنمية الوطنية، وبرامج التوعية حول أفضل السبل لاستغلال الثروة المائية وتقنين استخدامها، وتنفيذ مشروعات بنية تحتية وابتعاث طلاب للتخصص في العلوم المائية.
ولكن في الدول الغربية التي تهتم بمصادر المياه وتنميتها، فإن الشركات لا تركز على الجانب الربحي فقط بل إنها تشارك في عملية تنمية وتحسين المصادر المائية والاستغلال الأمثل للحياة البيئية، وتقيم مشروعات بني تحتية وتشغل سكان المناطق التي تقيم فيها مصانعها، وتقدم إسهامات كثيرة.
ففي استراليا قامت إحدى الشركات بافتتاح مركز للتعليم الخلوي، بعد أن بدأت في تعليم طلاب المدارس من مختلف المستويات برامج حول أهمية المياه والحفاظ علها، والمصادر التي تأتي منها وسبل استغلالها، وهذا المركز وظيفته إطلاع سكان المنطقة التي أقيم على أرضها، كيف يتم إيصال المياه إلى مدينتهم، وكيف تعالج بعد الاستخدام. كما أنه يشركهم في الأبحاث المائية والمشروعات الخاصة بمناطقهم.
وهكذا فإن المدارس والمجموعات المختلفة في المجتمع التي تزور وتشارك في ناشطات المركز لا تغادره إلا بعد أن تكون قد كسبت المزيد من المعرفة حول الأهمية الحيوية للمياه في حياتنا اليومية وبيئتنا، وهذه خطوة إيجابية وفاعلية جعلت هذه الشركة في مقدمة الشركات التي تستثمر في مجال مياه الشرب.
وفي أمريكا أقامت إحدى شركات مياه الشرب مركزاً للأبحاث المائية في جامعة سيسيناتي بهدف إجراء الاختبارات المستمرة على المياه وتحسين نوعيتها، وضمان حسن توزيعها تحقيقاً للربح وحفاظاً على المستوى الصحي للزبائن، وخدمة للتنمية في المنطقة.
وثمة مركز قدم برنامجاً للراغبين في التدريب تكنولوجيا المياه وحدد مجموعة من المعايير والأهداف يجب على المتدرب تحقيقها حتى يضمن النجاح، وتشمل عملية التقييم المشاركة الفاعلة للمتدرب في عملية استخراج وتنقية المياه، وتعزيز تعليمه، ومراقبة تقدم المتعلم، وتوفير معلومات استرجاعية حول تقدم المتدرب، وربما يأخذ التقييم شكل الأداء بالتجربة، الامتحانات الشفهية أو المكتوبة، التقارير، أو إكمال مشروع.
وفي الولايات المتحدة تشغل بعض شركات المياه الأنظمة البلدية من خلال إقامة شراكة بين القطاعين العام والخاص، والتحالفات الإستراتيجية، أو إبرام اتفاقيات عقود مقالات.
وأهم ما يميز هذا النظام أنه يمكن البلديات من الاستفادة من مصدر خارجي لإدارة وتشغيل أنظمة مياهها ومياها العادمة. كما أن المجتمعات تستفيد من خلال الاحتفاظ بملكية أصولها، مع كسب إدارة ناجحة بأقل تكلفة لجميع الأنظمة المائية.
ففي ولاية أتلانتا الأمريكية أقامت إحدى الشركات مصنعاً ضمن لأهالي الولاية توفير 400 مليون دولار على شكل أموال زائدة كانت تنفق على مشروعات المياه، كما ضمنت الشركة عمل 479 موظفاً في البلدية بنفس مستوى أجورهم والمزايا التي يتمتعون بها.
كما قامت الشركة وبالتعاون مع سلطات الولاية بتقديم المساعدة التي تخدم التنمية الاقتصادية وجهود التدريب، حيث عرضت الشركة بالإضافة إلى إسهاماتها ف ي خدمة البرامج القائمة، المساعدة المالية من أجل تطوير المشروعات، وخلق حوافز للموظفين، وإعادة موضعة للعمال والفنيين بما يخدم مصلحة العمل في جميع المرافق، كما ساعدت في وضع تسهيلات لنظام جبي الضرائب حتى تعطي الفرصة لصغار الشركات والمستثمرين لتوسيع نطاق أعمالهم.
كما تعاونت الشركة مع جامعة كلارك أتلانتا لزيادة الفرص من أجل البحث العلمي وجهود التدريب، وهذه الشراكة ستضمن إتاحة فرص التدريب لمواطني أتلانتا فقط. كما ستشجع على إنشاء معهد أمريكا الشمالية لتطوير مصادر المياه، برامج لتأهيل الأطباء في الأمراض الباطنة ذات الصلة بالمياه، وتسمية جائزة علمية باسمها، والبدء في برنامج على المستوى القومي بعنوان برنامج العلماء الصغار.
تشجيع المنافسة
وطالبت البلدية بمشاركة محددة لأصحاب الأعمال الصغيرة كجزء من متطلبات المنافسة، وبناء عليه تحالفت الشركة مع شركة أخرى محلية في أتلانتا للهندسة والتصميم بنسبة 65 إلى 35 مقسمة بين الشركتين، يضاف إلى هذا أن الشركة التزمت بتحقيق مشاركة بنسبة 70 في المائة لأصحاب المشاريع والمصالح المحلية الصغيرة، ويجعل زيادة حصة الشركة الهندسية المحلية إلى 50 في المائة هدفاً مستقبلياً.
تقع مدينة أفالون المنتجع السياحي المشهور على جزيرة كتالينا قبالة شاطئ لوس أنجلوس، وفي عام 1985 وبعد كفاح من أجل تجاوز مشاكل النقص في المياه اخترت المدينة إحدى شركات القطاع الخاص العاملة في هذا المجال لتوفير إدارة مؤقتة لمصنع المياه المعبأة والتي تصل عن طريق الصنابير، والإشراف على برنامج التدريب على التشغيل، وخدمات تنظيف وتعقيم المياه، وفي عام 1988 تم توقيع عقد دائم مع الشركة وتوسيع نطاق نشاطها بحيث يشمل صيانة الشبكة ومعالجة المياه العادة وتشغيل أنظمة التوزيع.
ولتنفيذ التحول الهادئ للقطاع الخاص عرضت الشركة وظائف في المصنع على كل سكان المنطقة الراغبين في العمل لديها، وهكذا أسهمت في خلق فرص عمل جديدة وفي تطوير المنطقة.
وفي جاري بولاية أنديانا تعمل إحدى الشركات في خدمة مجتمع قوامه 120 ألف مواطن في جاري والمجتمعات المحيطة، وأول ما قامت به الشركة هو وضع برنامج لاستقطاب العاملين المحليين وتوفير مزايا قياسية، كما أنه توفر للموظفين المشاركة في صندوق للتقاعد على مستوى الولاية.
وتسهم الشركة في تطوير المجتمع، من خلال تبنيها لبرنامج دراسي يستضيف حوالي 18 دارساً من المتدربين خلال فصل الصيف الذين يطورون مهارات عمل محددة ويتدربون على آداب المهنة. وأسفرت برامج التدريب التي تطبقها الشركة عن وجود عدد كبير من الطلاب الذين يسعون إلى تعليم ما بعد التخرج وإلى تحسين مستوياتهم العلمية، ومعدلات حضورهم، ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فقد حرصت إحدى الشركات على أن تكون جزءاً من المجتمع الذي تعمل فيه وتخدمه، وأن تتجاوز إسهاماتها توفير المياه النظيفة والخدمات، فالشركة تعرض على زبائنها مجموعة من البرامج البعيدة عن متناول أيديهم والبرامج التعليمية مثل القيام برحلات إلى مصانع معالجة المياه، وبرامج بعث مستجمعات المياه من جديد. كما تدعم الشركة الكثير من النشاطات المجتمعية من ضمنها مهرجان سانت آن الإيطالي، أحد مهرجانات مدينة هوبوكن الصيفية.
وفي ولاية آنديانا بولس الأمريكية أقيمت علاقة شراكة ناجحة بين القطاعين العام والخاص، وقلت مظالم نقابة العمال بنسبة 98 في المائة. كما أن مندوبي الشركة الجديدة أصبحوا يدعون للحديث حول نجاح مشروعهم فيما يزيد على 70 منتدى على مستوى الولايات، والقومي، والدولي.
ويشغل المشروع ما يزيد على 322 من سكان المنطقة في مختلف المرافق، ومنهم من تم تدريبهم وفق برامج عالية الحرفية ليكونوا نموذجاً للموظف المبدع، الملم بأحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا صناعة المياه، وفي إدارة المصانع، وتشغيلها، وبناء عليه فإن الحوادث في مختلف المرافق قد انخفضت بمعدل 85 في المائة، وقد خدمت الشركة الجديدة المجتمع المحيط، فالعقود الضخمة التي كانت تبرم سابقاً فتتت إلى عقود صغيرة مع دفعات فورية.
وهذا مكن الشركات المحلية الأصغر حجماً من المشاركة في المشروع الجديد. كما أن ما يزيد على 20 في المائة من بضائع مشروع أنديانبولس وخدماته قد تم تأمينها عن طريق شركات تملكها نساء أو أقليات، وهذا يزيد بمعدل الضعفين عن النسبة التي كان العقد قد حددها هدفاً ينبغي التوجه نحو تحقيقه.
كما توفر الشراكة الفرص التعليمية والوظيفية للطلاب في مدرسة أرلينجتون العليا. كما شرعت الشركة في برنامج تطوير مهني على مستوى المدرسة.
وتشارك الشركة أيضاً في النشاطات المجتمع الأخرى مع المجموعات المدنية والبيئية مل مجموعة أصدقاء النهر الأبيض، ومعهد أنديانا البيئي، وغيرها.
كما تشارك في رعاية فريق لسباق السيارات، وبعد أن كان أنصار البيئة وزعماء النقابات من المعارضين لتحويل إدارة هذا المرفق المهم إلى القطاع الخاص. أصبحوا الآن من بين أقوى المؤيدين للمشروع الأمر الذي دعا عمدة المدينة للقول: من الواضح أن دافعي الضرائب هم الذين فازوا، فالأجور ارتفعت، والشكاوى انخفضت ونوعية المياه لم تكن في ويم من الأيام أفضل مما هي عليه الآن، وقل هذا أقل بنسبة 40 في المائة عما كانت تنفقه المدينة سابقاً، وفي إحدى المدن الأمريكية لم يقتصر نشاط الشركة المائية على تحسين نوعية لمياه والخدمة بل امتد ليغطي عدة نشاطات اجتماعية، حيث أسهمت في رعايتها لكل شيء بداً من حملات التبرع بالدم، وانتهاء بمساعدة مدارس المدينة على إدخال تكنولوجيا الكمبيوتر إلى الفصول الدراسية، وكان أفضل تعليق قيل في هذا الترتيب، قول أحدهم. إن العقد المبرم مع هذه الشركة يمثل أفضل العاملين، فهو يحافظ على ملكية البلدية للأصول، ويزيد في الوقت نفسه من خبرة النصاعة الخاصة.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 50