التأثيرات النفسية للعواصف الترابية على الشباب
توتر .. غضب .. إحباط .. يأس .. خمول
سميرة المذكوري
تعتبر العواصف الترابية من أهم الظواهر الطبيعية في دولة الكويت التي يمكن ملاحظتها بسهولة، حيث تهب رياح من الجهة الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية مسببة وجود أتربة في الهواء لفترة طويلة.
وتعرف العواصف الترابية في الكويت باسم محلي يعرب (بالطوز) وتحتوي رواسب تلك العواصف على حبيبات معدنية تتدرج في حجمها من الرمل إلى الطين، وغالباً ما تتعلق حبيبات الطين في الهواء، وتظل لفترة طويلة اعتماداً على أن يكون سطح الأرض جامداً، وعدم سقوط أمطار.
ولقد تبين أن الأتربة المعلقة تحتوي على عديد من العناصر الأساسية والنادرة وعادة ما تكون تلك العناصر من النوع السام وخصوصاً عند زيادتها عن الحدود التي لا يتحملها جسم الإنسان، ولذلك تسبب العواصف الترابية في دولة الكويت كثيراً من الأمراض مثل أمراض الحساسية والأمراض الجلدية والتهاب العيون. كما أنها تسبب كثيراً من الأمراض النفسية كالإزعاج والاكتئاب والقلق وبعض الاضطرابات النفسية وغيرها، هذا بالإضافة إلى ضعف الرؤية، وتلف المزروعات علاوة على ضياع المظهر الجمالي للمرافق العامة.
وهذه الظاهرة الطبيعية تعتبر إحدى الظاهرات الرئيسية التي تتعرض لها البيئة الكويتية وخاصة في فصل الصيف الحار، حيث يحتوي الهواء على الغبار والجسيمات المختلفة التي تتضمن معادن وعناصر ثقيلة وتكون موجودة بصورة مستمرة مما يؤثر على الجوانب الفسيولوجية والاجتماعية والصحية للإنسان في دولة الكويت.
العواصف الترابية في دولة الكويت
تعتبر العواصف الترابية من الظواهر المميزة لمناخ الكويت ولكي تتفهم تلك الظاهرة جيداً لابد من التعرف على مكونات الغلاف الجوي، قبل الخوض في الحديث عن العواصف الترابية.
يعتبر الهواء خليطاً من عدة غازات ليست متفاعلة كيميائياً مع بعضها وإنما هي خليط فيزيائي لمجمعة من الغازات لكل منها خصائصه التي ينفرد بها ومن الجدير بالذكر أن الهوا النقي الجاف والممثل للجزء الأدنى من الغلاف الجوي والمعروف بالتربوسفير يتركب من الغازات التالية:-
أ) حوالي 78% من الحجم من غاز النيتروجين.
ب) حوالي 21% من الحجم من غاز الأكسجين.
ج) 0.03% من الحجم من غاز الأورغون.
بالإضافة إلى حوالي 0.03 من الحجم غاز ثاني أكسيد الكربون، أي أن 99,99% من حجم الهواء يتكون من الغازات المذكورة أعلاه. أما عن نسبة 0,01% الباقية فتتمثل في مجموعة من الغازات الأخرى وهي النيون، الهاليوم، الأوزون، الكريبتون، الأكسينون، الميثان.. فضلاً عن وجود بعض دقيقات الأتربة المعلقة في الهواء.
إن أي كائن حي بصفة عامة والإنسان بصفة خاصة لا يستطيع الاستغناء عن الهواء ولو لفترة بسيطة جداً، حيث أنه يحتاج إلى كمية كبيرة نسبياً من الهواء لنتنفسه فهو يتنفس بمعدل حوالي (22000 مرة في اليوم الواحد)، في الظروف العادية (16 مرة في الدقيقة) ويزيد مرات التنفس في حالة بذل مزيد من المجهود ويحتاج الإنسان عادة إلى كمية من الهواء تصل إلى حوالي (15000 لتر في اليوم).
تلوث الهواء الجوي
ولكن لابد من القول إن كميات كثيرة وكبيرة من المواد الغريبة التي يرجع مصدرها إلى الأرض والإنسان معاً تؤدي إلى تلوث الهواء الجوي وتنتج على سبيل المثال وليس الحصر من احتراق الوقود وحبوب اللقاح وأتربة مصانع الأسمنت والطابوق وبعض المبيدات الحشرية ومخلفات المصانع وبعضها مواد دقيقة منشؤها طبيعي، متمثلة في الغازات البركانية والأتربة المصدرة من معادن وصخور الأرض من خلال عمليات التجوية، وكذلك الأتربة الناتجة من المناجم والمحاجر والرواسب المغطاة الصحاري والوديان، حيث يتم نقل تلك الأتربة بالرياح وذلك خلال العواصف الترابية التي تحوي كثيراً من الملوثات الكيميائية التي تكون محمولة أو معلقة فترة من الزمن في الهواء الجوي حتى يتيسر لها السقوط في حالة هطول الأمطار أو قلة سرعة الرياح لترسيب حمولتها، وقد يضاف إليها أيضاً بعض المصادر الطبيعية الأخرى التي تلوث الهواء الجوي أيضاً مثل الأتربة الكونية القادمة من الشهب المحترقة في الجو.
فمن الواضح أن العواصف الترابية تلعب دوراً مهماً في نقل كميات وفيرة من الملوثات عن طريق الأتربة المحمولة بالرياح من منقطة المصدر إلى مناطق دول أخرى بعيدة عنها.
وتعتبر المناطق الجافة والأراضي القاحلة الجرداء مصدراً خصباً من مصادر الغبار والعواصف الترابية التي تثيرها وتحركها الرياح فتحملها على شكل غبار أو أتربة متصاعدة، وبعض هذه الأتربة تترسب بسبب ثقلها بعد أن تكون انتقلت وعبرت مسافات طويلة بالرياح، وتؤدي إلى حجب الرؤية في كثير من الأحيان، ومن الواجب ذكره أن حبيبات الغبار تضر بالجهاز التنفسي عندما يستنشقه الإنسان ولكنه يتخلص منها على حسب حجمها وتركيباتها، حيث يحجز الجزء الأكبر منها في الأنف ليطرده بعد ذلك الإنسان مع الزفير، إلا أن الحبيبات المتناهية الصغر فتستنشق لتصل إلى الرئتين، وتعتبر تلك العواصف الترابية من سمات مناخ دولة الكويت حيث لابد من مشاهدتها العديد من الممرات في كل عام خصوصاً في فصل الصيف خلال شهر مايو ويونيو ويوليو وأغسطس.
الطــوز
وتتعرض الكويت لهبوب العواصف الترابية التي ترتفع معها ذرات الرمال إلى حوالي 3000 – 6000 قدم، وهذه تعرف محلياً باسم (الطوز) حيث تسود هذه الظاهرة في فصل الصيف عندما يكون المنحدر البارومتري شديد الانحدار فوق الصحراء، وتتميز هذه العواصف الترابية الصيفية بانخفاض نسبة الرطوبة في الهواء وارتفاع نسبة التبخر إلى درجات عليا، بالإضافة إلى زيادة سرعة الرياح وتحدث غالباً في ساعات النهار، وتكون في قوتها عندما يكون اتجاه الرياح الآتية من الشمال الغربي.
وتبدأ العواصف الترابية أو الرملية عادة بهواء حار، كما أنها قد تحجب قرش الشمس ثم تأتي العاصفة مع بلوغ الرياح سرعة مقدارها 20 ميلاً في الساعة أو أكثر، وقد تصل سرعتها إلى 40- 50 ميلاً في الساعة وهذا نادر كما تتوقف كمية الرياح المتصاعدة على عمق المنخفض الجوي فوق المنطقة.
والعواصف الترابية تعتبر من الظواهر المناخية الرئيسية في الأقاليم الجافة وشبه الحافة فطبيعة سطح هذه الأقاليم قليلة الأمطار وتعتقد الغطاء النباتي كما توجد مواد ترابية ورملية ناعمة ومفككة وجافة على سطح الأرض، وذلك في وجود إشعاع شمسي قوي ورياح شديد، وقد تكون هذه العواصف الترابية مستمدة من البيئة المحلية أو معقولة بواسطة الرياح من مناطق أخرى بعيدة.
وموقع الكويت في الجهة الشمالية الغربية من الخليج العربي جعلها تقع في مواجهة الرياح الشمالية العربية السائدة والمحملة بالأتربة والغبار من خارج البلاد أيضاً، وغالباً ما تكون من جنوب العراق بالإضافة إلى أن أرض الكويت نفسها متمثلة بشكل أساسي بجزأين كبيرين من الرمال الزاحفة أحدهما يقع في الجهة الشمالية الغربية عبر الحدود الكويتية العراقية، والآخر عند الحدود الشمالية في منطقة تسمى القشعانية، ويعتبر هذان الحزامان من أهم المصادر الرئيسية التي تسبب الطوز والغيار للبلاد، ويبلغ متوسط الغبار بدولة الكويت 27% من الوقت أثناء النهار في الأشهر مايو ويونيو ويوليو وهي من أكثر شهور السنة غباراً وتحدث العواصف الترابية خلال أربع فترات رئيسية وهي كالتالي من 9 حتى 12 يونيو، والثانية ما بين 17و 24 يونيو. أما الفقرة الثالثة فمن الأول وحتى 17 يوليو.
ونضيف هنا أن العواصف الترابية الرملية من أشد وأخطر الظاهرات المناخية بسبب شدة الرياح التي تتجاوز 20 عقدة، حيث يقل بسببها مدى الرؤية الأفقية خلال كيلو متر واحد وتؤدي أيضاً إلى تعديل المواصلات سواء النقل البري، البحري، الجوي.
وأيضاً تتسبب في زحف الرمال وردم الطرق والى تلويث الهواء الجوي وعلاوة على ذلك فإن الرياح المحملة بالأتربة تعمل على خدش أغشية العين إلى جانب تجفيف الجلد وعليه يمكن القول أن العواصف الرملية الترابية لها آثار خطرة على صحة الإنسان.
ويؤدي إلى كثير من المشاكل والآثار البيئية الخطرة، بالإضافة إلى الكثير من الأمراض الصحية للإنسان مثل أمراض الحساسية، التهابات العين والجلد، كما أنها تتسبب في كثير من الأمراض النفسية كالإزعاج والاكتئاب والقلق والاضطرابات وغيرها، وعلاوة على كل ذلك فهي تدمر الأراضي الزراعية وتضيع المظهر الجمالي للمدينة والمرافقة العامة وتؤدي إلى تآكل المنشآت.
الأنواع المختلفة للظواهر الترابية
أ) الأتربة المتصاعدة أو الغبار: هي عبارة عن جزئيات الغبار المرتفعة الدقيقة التي ترتفع من سطح الأرض بسبب نشاط الرياح في أي وقت أثناء النهار والليل أو بسبب نشاط التيارات الصاعدة أثناء النهار، ويصل الغبار الصاعد إلى مستوى من 1000م فوق سطح الأرض إلى مستوى 3000م في بعض الأحيان، وأما الرمال المتصاعدة فإنها تختلف عن الأتربة أو الغبار حيث أن حجم حباتها كبير نسبياً. فكما هو معروف أن قطر حبيبات الغبار عادة لا يزيد 0.05 من الملليمتر. أما قطر حبات الرمال المتصاعدة فقد يصل إلى أكثر من ميلليمتر ومما يجب توضيحه أن العاصفة الواحدة تحمل معها أحجاماً مختلفة من الرمال والأتربة المختلطة ببعضها ولكن عند صعودها إلى الأعلى فإن الرمال لا ترتفع غالباً أكثر من 20 متراً في الجو، والقول هنا أن السرعة المطلوبة والمعتادة التي يجب أن تبلغها الرياح كي تتمكن من رفع الرمال هي 22 ميلاً في الساعة على الأقل.
وتظل جزئيات الغبار أحياناً عالقة بالجو لعدة أيام ولكن حبات الرمل سرعان ما تترسب بمجرد هدوء الرياح وقد تدفع الرياح الحبات الرملية الثقيلة أمامها على السطح دون أن ترفعها وهذه العملية تسمى (بالزحف)، وأيضاً تعمل الرياح على رفع حبات الرمل ولكنها لا تستطيع أن تبقيها معلقة في الهواء لمدة طويلة، فتدفعها في هذه الحالة إلى الأمام وتسعى بالقفز أي تقفز الحية إلى أعلى.
ب) الدوامات الترابية: هي عبارة عن دوامات هوائية صغيرة سريعة الحركة يكثر حدوثها في مناطق الصحراء وتنشط في فترة شروق الشمس وهي تثور فجأة وتنطلق بسرعة ثم تختفي فجأة كما ظهرت بسرعة وقلما ترتفع إلى أكثر من بضع عشرات من الأمتار.
ج) العواصف الترابية: هي عبارة عن رياح نشطة وشديدة محملة بكميات من الأتربة تكفي لخفض مدى الرؤية إلى 1000 متراً أو أقل فإذا ما انخفضت الرؤية إلى 200م فإن العاصفة توصف بأنها شديدة وعنيفة وتنعدم معها الرؤية وتختفي بسببها الشمس، ويصل ارتفاع غبارها إلى أكثر من ألف متر فوق سطح الأرض، وفي كثير من العواصف الترابية يكون لون الجو ترابياً بميل إلى اللون الأصفر أو البني أو الرمادي على حسب لون الأتربة التي تحملها الرياح، وكما قلنا سابقاً من الممكن أن تكون هذه الأتربة قادمة من خار البلاد أو من داخلها، والغبار كثيراً ما يتعلق في الجو لعدة أيام بعد انتهاء العاصفة أيضاً.
د) العواصف الرملية: أهم ما يميزها عن العاصفة الترابية كبر حجم حبيباتها وأنها لا ترتفع إلى مستويات عليا كثيراً، ولا تتعلق في الهواء الجوي لمدة طويلة، ولابد أن تكون سرعة الرياح التي تثيرها أكبر من سرعة الرياح التي تثير الأتربة، ونظراً لسرعة الرياح وكبر حبات الرمال وتجمعها في الطبقة الهوائية التي تجاور سطح الأرض فإن العواصف الرملية تؤدي عادة إلى خسائر مادية، وكثيراً ما ترهق وتؤذي المسافرين وخاصة عبر الصحراء بسبب كثرة الرمال والتي تتضمن أساساً معدن الكوارتز ذا الصلادة المرتفعة والذي يتسبب في حدوث تلفيات عديدة سواء أكان ذلك في المنشآت أو المزروعات أو السيارات أو الأجسام البشرية بفعل وتأثير عمليات الخدش القوية.
ه) السـديم: ذرات دقيقة جداً من الغبار والدخان أو الأملاح متناهية في الصغر، تغطي السماء لوناً ماثلاً للبياض خاصة عند الأفق، والرياح في مثل هذه الحالة هادئة وخفيفة السرعة والرؤية قد تصل إلى 5 كم أو أكثر.
مظاهر العواصف الترابية
يكثر حدوث العواصف الترابية (الطوز) في أشهر الصيف وخصوصاً شهري يونيو ويوليو بسبب سيادة الرياح الشمالية الغربية القوية ويليها أشهر الربيع. أما أقلها فهو الخريف وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، وعموماً فإننا نشاهد أن 70% من العواصف الترابية تحدث في الأشهر الخمسة التي تبدأ من شهر مارس وتنتهي بيوليو، ويستأثر يونيو ويوليو وحدهما بنسبة 34,4% من المجموع الكلي، وذلك بسبب الجفاف الشديد لسطح التربة وتفككها وقوة الرياح وشدة الانحدار للغضط الجوي، الذي يحدث عادة بسبب التأثير المزدوج المرتفع الجوي النسبي فوق شرق البحر الأبيض المتوسط من جهة والمنخفض الموسمي فوق شمال غرب الهند من جهة أخرى وتظهر شدة انحدار نسبة التغير في الضغط الجوي عادة خلال 4 فترات تقريباً وتستغرق كل واحة منها مدة تتراوح بين 3 و 7 أيام، وتؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في سرعة الرياح الشمالية الغربية لتتراوح بين نشطة قوية مصحوبة بسحب كثيفة من الغبار الذي يؤدي إلى خفض مدى الرؤية خاصة وقت الظهيرة.
وتبلغ العواصف الترابية (الطوز) ذروتها وشدتها أثناء النهار وبالذات في وسط النهار عندما تصل درجات الحرارة إلى قمتها وتبلغ العاصفة الترابية أدناها أثناء الليل وانخفاض درجات الحرارة، وبعد شروف الشمس بتزايد نشاط الأتربة الصاعدة، وغذا ما كانت الظروف مساعدة على تكون العاصفة الترابة فإنها تتكون تدريجياً حتى يكتمل نموها بعد الظهر في الوقت نفسه الذي تصل فيه درجة الحرارة إلى نهايتها العظمى، ومع اكتمال العاصفة الترابية تؤدي إلى هبوط درجة الحرارة بشكل ملحوظ حيث أنها تحجب أشعة الشمس الساقطة.
ومن خلال النظر بالإحصائيات المتوافرة لدى الأرصاد الجوية- مطار الكويت لوحظ أن حدوث العواصف الترابية الواسعة الانتشار غالباً خلال أربع فترات رئيسية وهي كالتالي:-
أ) الفترة من 8 يونيو إلى 18 يونيو.
ب) الفترة من 15 إلى 30 يونيو.
ج) الفترة من 7 إلى 17 يوليو.
وتستغرق كل فترة من فترات الطوز 4 إلى 7 أيام تقريباً تكون فيها الرياح الشمالية الغربية نشطة إلى قوية خلال فترة النهار فتقوم بحمل الأتربة والرمال، حيث يتناقص مدى الرؤية الأفقية إلى أقل من 1000م وقد يهبط إلى أقل من (500م) وقد يستمر وضع الطقس المغبر مدة تصل إلى ستة أيام ثم تهدأ سرعة الرياح الشمالية الغربية وتصفو السماء ويبقى الطقس جيداً لمدة أيام قليلة تصل تقريباً إلى خمسة أيام فقط ثم ما تلبث أن تعود الرياح الشمالية الغربية تشتد مرة أخرى مثيرة للعواصف الترابية لعدة أيام أخرى، وهكذا حتى منتصف شهر أغسطس، والسبب يرجع في نشاط الرياح الشمالية الغربية إلى ارتفاع الضغط الجوي فوق تركيا وشرق البحر الأبيض المتوسط على هيئة كتلة باردة تهب خلف المنخفض الجوي الذي يكون مساره خلال الصيف شمال تركيا ويؤدي ذلك بالطبع إلى زيادة تدرج الضغط بالنسبة للمنخفض الموسمي الأمر الذي ينتج عنه زيادة كبيرة في سرعة الرياح الشمالية الغربية بل واعتدال الحرارة في أحيان أخرى.
أما في فصل الربيع وخصوصاً شهري أبريل ومايو فتزداد العواصف الترابية وتنشط بسبب عدم الاستقرار، ويرجع ذلك إلى أن الضغوط المرتفعة الموسمية الشتوية تكون أثنائها أخذة في التفكك وتكون مكانها ضغطاً منخفضاً بسبب تزايد درجات الحرارة، ومن ثم يؤدي إلى حدوث حالات عدم الاستقرار وتكوين ضغوط منخفضة ربيعية على شبه الجزيرة العربية وتتحرك الضغوط إلى الكويت مع جفاف سطح للأرض وتفكك مكونات التربة لجفافها فتؤدي إلى ظهور العواصف الترابية، وتكون بالعادة مصحوبة بالعواصف الرعدية، وفي أواخر شهر مايو تحدث العواصف الترابية غالباً بسبب نشاط الرياح الشمالية الغربية التي تنتج عن منخفض الهند الموسمي النشط الذي قد يبدأ نشاطها وتظهر آثاره بسرعة عن المعتاد وهو شهر يونيو ويبلغ متوسط عدد العواصف الترابية خلال الشهر ثلاثة أو أربعة أيام تقريباً خلال الربيع. أما متوسط العواصف الترابية المتصاعدة فيصل إلى حوالي خمسة أو ستة أيام في حين يتراوح تكرار حدوث الغبار المعلق من 11 يومياً في مارس وأبريل إلى 14 يوماً في شهر مايو.
وفي شهر أغسطس تكون نهاية ظاهرة العواصف الترابية وتنشأ غالباً في هذا الشهر بسبب تسخين سطح الأرض ونشاط التيارات الصاعدة، وتكون هذه العواصف الترابية مصحوبة بالعادة بسحب كثيفة وعواصف رعدية مطيرة والسبب يعود إلى حمولتها من الرطوبة، ويلاحظ أن شهر سبتمبر وبقية الأشهر الخريفية يقل فيها حدوث العواصف الترابية والسبب يعود إلى مراكز الضغط المنخفضة الموسمية الصيفية التي تكون أثناءها آخذة في الضعف فيؤدي إلى اعتدال انحدار الضغط الجودي واعتدال سرعات الرياح. وفي شهر نوفمبر يبدأ موسم المنخفضات الشتوية وبدايتها تكون ضعيفة، ولكنها تزداد قوتها كلما جاء وتقدم الشتاء فتقوى هذه المنخفضات وتساعد على توافر ظروف إثارة الأتربة والعواصف الترابية؛ لأنه يزيد من نشاط الرياح وحركتها.
وتكون العواصف الترابية الشتوية مصحوبة بارتفاع أو انخفاض درجة الحرارة على حسب الرياح المثيرة لها، فالعواصف الترابية التي تثيرها الرياح الجنوبية الشرقية أقل نشاطاً من عواصف الرياح الشمالية الغربية بسبب برودتها فتؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار عند ملامستها سطح البلاد الدافئ، ومرورها على مساحات صحراوية شاسعة قبل وصولها إلى البلاد حاملة كميات كبيرة من الأتربة، علاوة على ذلك فإنها عادة ما تكون رياحاً نشطة بسبب انحدار الضغط الجوي بين الضغط المرتفع وراء المداري في شمال الكويت من ناحية والضغط المنخفض من المحيط الهندي من ناحية أخرى، ويبلغ متوسط عدد العواصف الترابية خلال الشهر واحداً أو اثنين في فصل الشتاء.
وخلاصة القول هنا إن الرياح الشمالية الغربية تشكل 43% من مجموع الرياح خلال العام وترتفع إلى 63% خلال فصل الصيف بينما تنخفض إلى 31% خلال فصل الربيع، وأما بالنسبة للرياح الجنوبية الشرقية فهي تشكل 19% فق من مجموع الرياح خلال العام.
وبحكم موقع دولة الكويت في الزاوية الشمالية الغربية من الخليج فإن سواحلها تتعرض لرياح محلية بسبب اختلاف التسخين بين البحر واليابسة وتعرف هذه باسم (نسيم البحر ونسيم البر)، ففي النهار أثناء فصل الصيف تهب هذه الرياح من البحر إلى اليابسة (وتسمى نسيم البحر)، ويحدث العكس في الليل حيث يتحرك الهواء من البر إلى البحر وتسمى (نسيم البر) وفي حالة نشاط الرياح تختفي هذه الظاهرة تماماً.
التغيرات النفسية
وللتعرف عن قرب على المتغيرات النفسية التي تطرأ على الشباب من الجنسين خلال تعرضهم للعواصف الترابية ومكوناتها في محافظة العاصمة في دورة الكويت وتحديد أهم العناصر الثقيلة والسامة التي تحتويها رواسب هذه العواصف تم عمل دراسة على عينة ممثلة من الشباب الكويتي شملت 124 شاباً، 168 شابة من المعرضين للعواصف الترابية وموزعين على 16 موقعاً رئيسياً لمناطق رئيسياً لمناطق محافظة العاصمة، كما تم تجميع عينات الأتربة وعددها 32 من عاصفتين ترابيتين تعرضت لهما البلاد خلال شهري مايو ويونيو.
أهم الآثار النفسية التي شعر بها الشباب المعرضون للعواصف الترابية كشفت الدراسة عن وجود تأثير سلبي للعواصف الترابية على الإناث بنسبة 88% والذكور بنسبة 97% حيث:
- اتفق أفراد عينة الدراسة من الجنسين على تأثير العواصف الترابية على الناحية الجسمية بظهور الأعراض الآتية: (الشعور بالآلام الجسمية، الشعور بالخمول، احمرار العين، الإصابة بالحساسية، الشعور بالتعب).
- وجد تأثير العواصف الترابية على الناحية العقلية للذكور أكبر من تأثيرها على الإناث.
- اتفق أفراد عينة الدراسة من الجنسين على تأثير العواصف الترابية على الحالة النفسية مسببة التوتر والنرفزة، شدة الانفعال، الشعور بالغضب، الشعور باليأس والإحباط.
- اتفق أفراد عينة الدراسة من الجنسين على تأثير العواصف الترابية على الناحية الحركية مسببة الأعراض التالية (قلة النشاط، ضعف القدرة على الحركة، الشعور بالكسل والخمول)، في حين اختلفت الإناث عن الذكور فيما يلي (ضعف سرعة الحركة، الإحساس بعدم الاتزان الحركي).
وكشفت الدراسة عن وجود علاقة ارتباط جوهرية ودالة عند مستوى ثقة 99% بين الانعصاب (الإجهاد) البيئي والتعرض لتركيزات العناصر الثقيلة وهي (الرصاص، الزئبق، الكروم، النيكل، الفاناديوم، الزنك، الكويلت، النحاس، الكادميوم، الحديد وأخيراً عنصر السليكا)، المكونة للعواصف الترابية بمعنى أنه كلما زادت التركيزات زادت الاضطرابات، وتؤيد النظريات البيئية ما توصلت إليه الدراسة من تأثير التلوث البيئي بتركيزات العناصر الثقيلة على السمات النفسية، حيث توضح نظرية الانعصاب البيئي أن مثيرات البيئة مثل الضوضاء والحرارة والازدحام والتلوث ما هي إلا ضغوط تهدد الشخص، ويكون الانعصاب هو رد الفعل لهذه المثيرات حيث يشمل رد الفعل مكونات انفعالية وفسيولوجية وسلوكية، وهذا الانفعال يزيد عندما يعجز الفرد عن إشباع حاجاته،
فالقلق عبارة عن حالة من التوتر الدائم بسبب: درجة الحرارة العالية، الضوضاء والازدحام، التلوث، فيشعر الفرد بالضيق والملل والشعور بالخوف وعدم الأمان، وهذا ما وجدناه على أفراد عينة الدراسة من الجنسين حيث إنهم سيئو التوافق بسبب خوفهم وقلقهم لتلوث الهواء الجوي بالغبار وما تحمله من معادن وعناصر سامة وعدم استطاعة أفراد العينة الهروب أو التخلص من تلك الظاهرة الطبيعية؛ لأنها خارجة عن إرادتهم فاستمرار تلوث الهواء بالغبار يجعلهم يشعرون بنوع من التوتر والخوف وعدم القدرة على المقاومة لتجنب هذا المثير الخارجي.
وتوصلت الدراسة إلى وجود علاقة ارتباط جوهرية عند مستوى ثقة 99% بين أفراد عينة الدراسة من الجنسين الذكور والإناث والمعرضين للعناصر الثقيلة (الرصاص، الزئبق، الكروم، النيكل، الفاناديوم، الزنك، الكوبلت، النحاس، الكادميوم، الحديد، السيليكا) المكونة للعواصف الترابية، حيث توجد علاقة ارتباط بين الاكتئاب والتعرض للعناصر الثقيلة المكونة للعواصف الترابية في الكويت، بمعنى أنه كلما زادت التركيزات زادت الاضطرابات.
فالاكتئاب اتجاه انفعالي مرض يشعر الإنسان باليأس ويصاحبه انخفاض عام في النشاط الجسدي والنفسي ومن الممكن أن يرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة تركيزات المعادن والعناصر الثقيلة المذكورة أعلاه داخل الجسم التي تؤدي إلى حالة من عدم التوازن النفسي والفسيولوجي فيدركها الفرد، وبالتالي تؤثر على أدائه النفسي والاجتماعي، مع ظهور بعض الأعراض في الجانبين كاضطرابات في النوم، فقدان الشهية، الإمساك، خمول ذهني وغيرها، فتلوث الهواء الجوي بالغبار يحدث نوعاً /ن عدم السرور والكآبة والضيق والتشاؤم.
وبالنسبة للاتزان الانفعالي فقد توصلت الدراسة إلى أن هناك فروقاً جوهرية دالة عند مستوى ثقة 99% لأفراد عينة الدراسة من الجنسين ذكوراً وإناثاً المعرضين للعاصفة الترابية أي توجد علاقة ارتباط بين ضعف الاتزان الانفعالي، والتعرض لتركيزات العناصر الثقيلة وهي كالتالي (الرصاص، الزئبق، الكروم، النيكل، الفاناديوم، الزنك، الكوبلت، النحاس، الكادميوم، الحديد وأخيراً عنصر السليكا) المكونة للعواصف الترابية بمعنى أنه كلما زادت التركيزات زادت الاضطرابات.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 50