بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

الجمرة الخبيثة

الجمرة الخبيثة

الجمرة الخبيثة تكوي العالم

د. طلال العازمي

الجمرة الخبيثة، ما هي هذه المادة، ومن يصنعها، وما الغاية العلمية منها؟ هل هي سلاح إرهابي أو إرهابي مضاد!

عن هذه التساؤلات يحاول المؤلفان د. محمد قبيسي، وعدنان الدرويش الإجابة في كتابهما "الجمرة الخبيثة تكوني العالم"، وقد بدأ الكاتبان بالتساؤل، هل "الانثراكس" أو "الجمرة الخبيثة"، جولة ثانية من حرب الإرهاب؟ فتكون بذلك سلاحاً بيولوجيا، أو أنها وهم يلامس بعض الحقيقة بشكل محدود، ويستخدم أداة لبث الخوف في العالم واستغلاله في التوسع في الحملات العسكرية، بذرائع أمنية للوصول إلى أهداف وغايات سياسية واقتصادية، ويعيد الكاتبان بداية التجارب على الجمرة الخبيثة إلى عام 1934 وخلال شهر فبراير من ذلك العام، حيث بدأت بريطانيا أبحاثها لامتلاك ترسانة بيولوجية، وقد أجرت أول التجارب في جزيرة غرينادا على الساحل الغربي لاستكلندا، وذلك على الحيوانات، وتوصل الباحثون إلى أن الجمرة الخبيثة تشكل سلاحاً مدمراً للبيئة والبشر بحيث تحول مدنا آهلة إلى مناطق غير قابلة للحياة لأجيال عدة.

وتعد الجمرة الخبيثة من الأحياء الدقيقة، تم عزلها من البيئة على يد العالم سي جي دافيان في العام 1963، واستطاع بعدها العالم الألماني روبرت كوخ في العام 1876 توليد وإكثار هذه الأحياء، وقد طور العالم الفرنسي لقاحاً مضاداً لها في عام 1881.

البكتيريا العضوية

والجمرة الخبيثة بكتيريا عصوية الشكل لديها القدرة على إصابة الإنسان بمرض التهابي قاتل، وتنقل هذه البكتريا بين الحيوانات ذات الدم الحار كالأبقار والخراف والكلاب عن طريق عصيات حية تتحصن داخل جزئيات صغيرة يبلغ حجمها من 1 إلى 15 مليون ميكرون "الميكرون واحد من مليون من المتر" وهذه الجزئيات قادرة على مقاومة الحرارة وعلى التكاثر كلما ساعدتها العوامل المحيطة، ويمكن أن نتقل إلى عمال المراعي الذين يتعاملون مع الصوف أو الجلود عن طريق جروح الجلد، وانتقال العدوى لا يتطلب سوى عدة ساعات في حين يتأخر ظهور الأعراض مدة خمسة أيام تقريباً، حيث يظهر بداية طفح أحمر جلدي سرعان ما يتحول إلى بثور ويصاحب ذلك ألم قوى إضافة إلى أعراض الصداع أو الحمى أو القيء أو الغثيان أحياناً، ويعالج مرض الجمرة الخبيثة الجلدي بسهولة بالمضادات الحيوية.

كما يصاب الإنسان بمرض الجمرة الخبيثة في رئيته عن طريق استنشاق الجراثيم، وبعد أيام تظهر أعراض تشبه الأنفلونزا، وعندها يكون الوقت قد تأخر لعلاج الحالة مما يجعل هذا الشكل من المرض مخيفاً إذ غالباً ما يموت هؤلاء الأشخاص الذين يصابون بالجمرة الخبيثة عن طريق الاستنشاق، أما الحالة الثالثة للإصابة فهي عن طريق الجهاز الهضمي بعد أن يتناول الشخص لحوماً مصابة بالمرض ويتسبب المرض عندها باضطرابات معوية ونزيف، وقد ينتشر في دم المريض مما يؤدي إلى موته، لكن هذا النوع من الإصابة نادر الحدوث وقد أكد العلماء أن مرض الجمرة الخبيثة غير معد، ولا يمكن أن ينتقل من إنسان إلى آخر، ويعتقد الخبراء إن إنتاج كميات كبيرة من الجمرة الخبيثة يحتاج إلى مختبرات ذات تقنيات عالمية وتطور كبير. كما يتطلب معدات متنوعة وكثيرة، وقبل سنوات كان الحصول على الجرثومة سهلاً إذ أن شركات عدة تعمل على إنتاجها وبيعها للمختبرات في أي مكان في العالم. لغايات علمية وطبية، وفي عام 1993 صدر عن مكتب التقييم التكنولوجي التابع للكونغرس الأمريكي، تقرير ورد فيه أن نشر مائة كيلوا غرام من جرثومة الجمرة الخبيثة في أجواء واشنطن مثلاً، قد يؤدي إلى إصابات مميتة حدها الأقصى يصل إلى ثلاثة ملايين نسمة، وقد أثار هذا التقرير الخوف لدى الناس وفتح المجال أمام المجرمين لاستغلال عامل الخوف للقيام بعمليات احتيال ونصب في جميع أنحاء أمريكا، وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 واكتشاف العديد من الرسائل التي تحمل الجمرة الخبيثة اتجهت أصابع الاتهام إلى أسامة بن لادن، وأطلقت وسائل الإعلام الأمريكية نظريتها حول اعتبار كل ما جرى منذ 11 سبتمبر 2001 حلقات من حرب الإرهاب ضد العالم المتمدن، وأن الأنثراكس هو الوجه الآخر لعملية 11 سبتمبر، وعلى أثر ذلك أعلنت حالة التأهب في الولايات المتحدة وبريطانيا لمواجهة هذه الهجمة الجرثومية، حيث وقعت إصابات في أمريكا وأدت إلى وفاة عدد من الأشخاص، كما وصلت رسائل تحمل مسحوقاً أبيض إلى معظم المؤسسات الحكومية الأمريكية والوزارات خاصة الكونغرس ومبنى وزارة الخارجية، كما انتقلت الحمى إلى عدد من الدول الأوروبية التي أعلنت عن تلقي العديد من الرسائل التي تحمل مسحوقاً أبيض ولكن مصدر هذه الرسائل كان الولايات المتحدة.. هذا إلى جانب آلاف البلاغات في الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن تسلم رسائل تحتوي على مسحوق أبيض، حتى أن هلع الجمرة الخبيثة وصل إلى الشرق الأوسط وتحديداً إلى إسرائيل. وقد أعلن رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "إف بي آي" روبرت مولر عن مكافأة بقيمة مليون دولار لكل من يدلي بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض على مرسلي الرسائل التي تحتوي على الجمرة الخبيثة، وقد أفقدت الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام الأمريكية عن خطر انتشار الإحساس بالأمن، ويقول الأطباء النفسيون أن خطر تفشي جرثومة هذا المرض يزيد الضغوط التي ينوء الأمريكيون تحت وطأتها منذ هجمات 11 سبتمبر.

وقد كشفت مصادر حكومية أمريكية النقاب عن أن العلماء الأمريكيين العاملين في حقل داجوي للتجارب في ولاية يوتاه، قد أنتجوا على مدى السنوات العشر الماضية كميات صغيرة من الجمرة الخبيثة المطورة كسلاح جرثومي، وظهر أن هذه الجمرة متطابقة مع دقائق مسحوق الجمرة الخبيثة الذي عثر عليه في الرسائل البريدية التي أدت إلى موت عدد من الأشخاص الأمريكيين، وعلى الرغم من ترديد وسائل الإعلام العالمية والأمريكية بشكل خاص أن مصدر الجمرة الخبيثة أسامة بن لادن أو العراق إلا أن التحاليل أكدت أن النسخة المكتشفة من الجمرة الخبيثة هي من النوع نفسه الذي استخدمته الولايات المتحدة عام 1960 أو قريبة جداً منه، وهذا ما كشفته مجلة نيو ساينتست، كما أثبتت التحاليل التي أجراها العلماء الأمريكيكون أن أمريكا وروسيا فقط بإمكانهما تصنيع النوع المكتشف من الجمرة الخبيثة، كما انتهت تقارير "اف بي آي" و"سي آي إيه" إلى أن العملية هي إبداع إرهابي أمريكي داخلي ولا علاقة للعرب أو المسلمين بها، من جانبهم ذكر خبراء أمريكيون أن المجموعات النازية الجديدة أو العنصرية أو الميليشيات المحلية في الولايات المتحدة الأمريكية قد تكون وراء الهجمات بالجمرة الخبيثة.

وقد أعلن مكتب منظمة غرين بيس- السلام الأخضر- في ألمانيا استناداً إلى مصادر أمريكية أن علام جراثيم أمريكي كبير هو على الأرجح مرسل الجمرة الخبيثة التي أسفرت عن وفاة عدة أشخاص أمريكيين، وأضافت أن العالم هو عضو في البرنامج الأمريكي للأبحاث حول الأسلحة البيولوجية، وأن واشنطن لا تريد كشف هويته أو المختبر الذي يعمل فيه.

المصل الواقي

ملابس واقية للوقابة من الجرثومةهل توصل الباحثون إلى مصل واق من الجمرة الخبيثة؟

يقول الباحثون أن الأسلوب الجديد لصنع مصل واق يستخدم أجزاء من الحمض النووي للجرثومة، ويمكن مزجها مع حمض نووي لأنواع أخرى من الجراثيم لصنع نوع من الأمصال المقاومة لأي إرهاب بيولوجي، وأضافوا أنه لابد من أخذ جرعات عدة من الأمصال قبل الوصول إلى مناعة تامة من المرض. أما الباحثون النمساويون قد كشوفا مادة مطهرة كفيلة بقتل عصيات الجمرة الخبيثة خلال ثوان مما قد يحدث ثورة في جهود مكافحة هذا المرض، وقال أحد الأطباء العاملين في مختبر الميكروبيولوجيا في فيينا أن هذه المادة تعمل لدى رشها كمظهر يقتل الجرثومة وأنهالاً تترك آثاراً جانبية.

وتعود أول عملية معروفة لاستخدام أسلحة كيميائية على نطاق واسع إلى 22-4-1915 عندما استخدمت الجيوش الألمانية هذه الأسلحة لمهاجمة الخنادق الفرنسية عن قرب إيريس في بلجيكا وفق ما ذكرته منظمة الصحة العالمية، كما استخدمت الجيوش الألمانية في الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 غاز الكلورين، وذلك في محاولة للخروج من جمود الخنادق والتغلب على مشكلة نقاد الذخائر بسبب الحصار البحري الذي فرضته القوات الحليفة، فعمد الجيش الألماني إلى نشر 180 طناً من غاز الكلورين المعبأ في 5730 حاوية مضغوطة في الجو باتجاه خطوط العدو، وقد قتل في هذه العملة 15 ألف جندي فرنسي وجزائري وكندي وفق تقرير منظمة الصحة العالمية، وفي عام 1917 استخدمت ألمانيا غاز الخردل، وتوالت استخدامات الأسلحة الكيماوية من قبل الكثير من الدول خلال الحروب. وقد بلغت حصيلة إصابات الحرب العالمية الأولى من الأسلحة الكيماوية حوالي 800 ألف إصابة كان نصيب القوات السوفيتية منها 275 ألف إصابة، وتوزع العدد الباقي على القوات الفرنسية والبريطانية والألمانية والأمريكية، وقد دون الكاتبان في نهاية كتابهما عدة اتفاقيات وقرارات دولية مثل برتوكول عام 1925 لحظر استعمال المواد الكيميائية، وإعلان مؤتمر باريس حول حظر الأسلحة الكيماوية، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 حول مكافحة الإرهاب.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 55