لإطعام صغارها وللاستفادة من مصادر الغذاء
الطيور تقطع المسافة بين الأرض والقمر في ستة أشهر
د. فادية سليمان حسن
على امتداد ستة أشهر من كل عام تخوض طيور المخاض الصغيرة للغاية رحلة رهيبة بأعداد هائلة تقطع خلالها مسافات شاسعة تقترب أحياناً من المسافة بين الأرض والقمر وإنطلاقاً من منطقة بروم في استراليا وهي المنطقة التي تحتوي على أكبر أعداد هذا الطائر في العالم، يشرع عدد كبير من طائر المخوض يصل إلى 750 ألف طائر في هجرة سنوية.
تقطع خلالها هذه الطيور آلاف الأميال كي تصل إلى مبتغاها في سيبيريا للتكاثر، وقبل أن تشرع هذه الطيور من القيام بهذه الهجرة الشاقة فإنها تستمتع خلال الأشهر الستة الأخرى من العام بالمناخ الدافئ والشمس الساطعة ووفرة الطعام الموجود على الأرض الطينية المسطحة في منطقة بروم والشواطئ المحيطة بها في غربي استراليا، حيث تحتوي المناطقة على أكبر تشكيلة متنوعة من فصائل هذا الطائر الذي لا ينم حجمه الصغير عن تلك القدرة الهائلة التي تؤهله للقيام بمثل هذه الرحلة الشاقة. فحوالي 70 فصيلة مختلفة من فصائل هذه الطيور تعيش في تلك المنطقة، 50 منها تنتمي للفصائل والسلالات المهاجرة التي تقتات على الحيوانات اللافقارية الصلبة والرخوة وهي الحيوانات التي تشكل المصدر الأساسي لتغذية هذه الطيور. وعندما يقترب شهر مارس من كل عام تأخذ هذه الطيور في الاستعداد للرحلة المنتظرة من أجل الوصول إلى مواطن تكاثرها في سيبيريا واستعداداً لهذه الرحلة فإن الطيور تتزود بكميات كبيرة من الطعام حيث يمكن للطائر الواحد منها أن يأكل حوالي 40 ألف حيوان لافقاري في اليوم الواحد.
علم دائم ورحلة أسطورية
ويلجأ الطائر الواحد إلى الأكل لمدة ثماني ساعات في اليوم ثم يميل إلى النوم لمدة 4 ساعات أخرى ليلاً ونهاراً بشكل متعاقب، وذلك حتى يمكن للدهون أن تشكل ما بين 50 و 100 في المئة من الوزن الكلي لجسم الطائر حيث يركز الطائر على التزود بهذه الدهون من أجل أن تعينه على القيام بهذه الرحلة الشاق. وبقدوم شهري ابريل ومايو، عندما تتحسن الظروف المناخية، تستعد هذه الطيور بشكل أكثر جدية للاقلاع في رحلتها الاسطورية وتبدأ الطيور بالطيران لمدة ثلاثة أيام وليال دفعة واحدة لتقطع حوالي 1500 كيلو متر كل يوم، الأمر الذي يعرضها لفقد الوزن الذي دأبت على اكتسابه خلال الفترة السابقة للهجرة.
واثناء طريقها نحو مقصدها، تتوقف هذه الطيور في مناطق معينة في كل من اليابان والصين أو روسيا في طريقها نحو الشمال من أجل الراحة والتزود بالمؤونة التي تعينها على مواصلة الرحلة الأمر الذي يؤدي إلى تضاعف وزنها مرة أخرى ثم فقدانه عندما تواصل الرحلة بعد كل توقف وتصل بعد ذلك تلك الطيور بعد هذه الرحلة المضنية إلى سيبيريا في اوائل شهر يونيو بعد أن تكون قد قطعت أكثر من 12 ألف كيلو متر وفي سيبيريا تقضي هذه الطيور شهري يونيو ويوليو في وضع بيضها.
مجاز طيران شرق آسيا
ويطلق على المسار الذي تتخذه تلك الطيور اسم مجاز طيران شرق آسيا» وتساعد الاتفاقيات المبرمة بين كل من استراليا واليابان والصين على حماية تلك الطيور عندما تأخذ في عبور الحدود الدولية لكل دولة منها، في حين تجري حالياً مناقشات مع دول أخرى لحماية هذا المسار.
ومن أجل أن يتوصلوا إلى فهم افضل لأنماط هذه الهجرة وضمان ألا تتعرض المناطق التي تتوقف خلالها تلك الطيور اثناء هجرتها لأي ضرر أو دمار يؤثر سلباً على قدرة هذه المخلوقات الضعيفة على مواصلة رحلتها المقدسة مما قد يهدد بقاءها يلجأ مسؤولو بعض المنظمات والمحميات مثل مرصد طيور بروم برصتد هذه الطيور ووضع علامات وإشارات معنية عليها وذلك حتى يمكنهم قياس وحساب بعض الأشياء مثل طول الرحلة وعمر الطائر في حال أن يتعرض الطائر إلى محاولة صيد أخرى اثناء مسار رحلته. يقول كلايف مينتون، وهو مهندس متقاعد له خبرة طويلة في عالم الطيور، إن "المعلومات التي يتم جمعها عن تلك الطيور لا تحمل أهمية علمية وحسب، فهي مهمة أيضاً للقيام بأشياء أخرى عدة مثل تحديد مواقع توقف هذه الطيور أثناء هجرتها وما تتطلبه عملية تطوير هذه المواقع حتى تناسب الإقامة المؤقتة للطيور بها ويوضح مينتون في هذا الصدد أنه قضى الجزء الأكبر من الـ 40 عاماً الماضية في دراسة عادات الطيور الشاطئية وسلوكها اثناء الهجرة".
سر الرحلة إلى سيبيريا
أما السبب الذي يدفع تلك الطيور صغيرة الحجم إلى بذل كل ذلك الجهد من أجل الوصول إلى منطقة مثل سيبيريا وهي المنطقة التي لا تتميز بهامش تفوق على مناطق العالم الأخرى فيما يتعلق بقدرتها على توفير الجو الملائم لإقامة مثل تلك الطيور هذا السبب هو أنه في الوقت الذي تقل فيه فترة الصيف بشكل كبير في منطقة الدائرة القطبية فإن هناك أعداداً هائلة من الناموس والحشرات الطائرة المشابهة تحيط بكل منطقة تتجمع فيها مياه في سيبيريا وفي الوقت الذي لا تقدر فيه صغار هذه الطيور لدى خروجها من البيض على وضع منقارها الضعيف في الأرض لأكل اللافقاريات.
فإن هذا الناموس يصبح الوجبة الرئيسية لهذه الصغار حيث أن الطائر الصغير لا يحتاج في هذه المنطقة سوى الطعام والذي يتكون من هذه المخلوقات الدقيقة الموجودة في سيبيريا بصورة مكثفة
ويعلق مينتون على هذا الأمر بقوله هذه الطيور تقوم بتحقيق اقصى استفادة ممكنة من الموارد الغذائية في العالم، ووجدت أن الأمر بالفعل يستحق تلك الرحلة المضنية للوصول إلى مصادر غذائية يمكن أن تستفيد منها صغارها
وبحلول شهر اكتوبر تصل الطيور مرة أخرى إلى موطنها في استراليا حيث تكون صغار الطيور قد كبرت بالشكل الكافي الذي يسمح لها بأن تطعم نفسها بشكل مستقل حتى تصل إلى مرحلة البلوغ التي تقوم خلالها على معاودة رحلتها ثانية إلى سيبيريا لإيجاد جيل جديد من الطيور.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 64