الغذاء الآمن والغذاء الناقل للمرض
كيف نحمي أنفسنا من الأمراض المنقولة؟
د. هاني منصور المزيدي - معهد الكويت للأبحاث العلمية
قبل الإجابة على هذا السؤال دعني أيها القارئ الكريم أعرض لك تعريفاً علمياً لمصطلحين اثنين: الغذاء الآمن والغذاء الحامل للمرض. فيعرف الغذاء الآمن بأنه ذلك الغذاء الذي عند إعداده أو تناوله لا يسبب أذى للمستهلك بناء على الاستعمال الذي حدد له "هل هو للرضيع، للمريض، للفرد السليم؟".
ويعرف الغذاء الحامل للمرض بأنه الغذاء الذي ينتج عن تناوله حدوث مرض "تسمم أو عدوى".
ومجرد وجود احتمال بأن الغذاء الموجود على مائدة الطعام قد يسبب مرض لمتناوليه أمر مزعج. وهناك عدة خطوات يمكن أن نحمي أنفسنا وأفراد الأسرة وضيوفنا من تلك الأمراض وذلك عند توفر المعرفة وبإتباع قواعد ومفاهيم أساسية تتعلق بسلامة الغذاء.
تبدأ مرحلة الحماية من الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء منذ اللحظات الأولى لرحلتنا في الأسواق المركزية وذلك باتباع القواعد الأساسية التالية:
أ- ضع الأغذية النيئة "لحوم، دجاج، أسماك" مغلفة ومعزولة للتقليل من أو منع تلوث الأغذية الأخرى خاصة تلك التي تستهلك دون طهو. فإذا كانت تلك الأغذية غير مغلفة جيداً، فإنه قد ينفصل منها السائل الملوث بالبكتيريا ويسقط على الأغذية في عربة التسوق.
ب- انقل الأغذية المبردة أو المثلجة إلى البيت بأسرع وقت ممكن وضعها في الثلاجة أو في وحدة التجميد. وفي فصل الشتاء، ضع الأكياس المحتوية على الأغذية في صندوق السيارة. أما في فصل الصيف، فيفضل وضع تلك الأكياس في الجزء المكيف من السيارة بدلاً من الصندوق وذلك بسبب ارتفاع درجة الحرارة.
وحتى في المدد القصيرة، فالجو الدافئ للسيارة أو المكتب يسمح بتضاعف أعداد البكتيريا لمستويات خطرة. ويمكن حفظ اللحوم، الدجاج، والأسماك الطازجة بحد أقصى ثلاثة أيام في الثلاجة. وإذا لم تكن معدة للاستهلاك في تلك المدة، يجب حفظها في وحدة التجميد.
ج- احفظ فوراً بالتبريد الأغذية المكتوب عليها "احفظها مبردة " ولا تشتري منتجات مكتوب عليها "احفظها مبردة" إذا لم تكن محفوظة بطريقة مناسبة في الثلاجة.
د- لا تشتر أي منتج غذائي جاهز للأكل إذا كانت مادة التعبئة ممزقة أو بها ثقب.
هـ- لا تشتر معلبات غذائية منتفخة.
و- اجعل الأغذية سريعة التلف مثل الدجاج، والأسماك، واللحوم الطازجة آخر ما تتسوق من السلع الغذائية. وحاول أن تمنع سقوط السوائل المنفصلة من هذه اللحوم على المنتجات الأخرى.
ز- بلغ عن أية مشكلة تتعلق بالعبوة، أو المنتج، أو التخزين، أو صحة ونظافة المنتج الغذائي لمدير السوق المركزي أو الجهات الرقابية الحكومية.
ح- تجنب شراء السلع المثلجة إذا لم تعط الشعور عند اللمس بأنها مثلجة، أو إذا وجدت فيها بعض علامات التسيح.
ط- قبل شراء لحوم طازجة مغلفة، حاول شراء تلك المنتجات من الجزء العميق من الثلاجة ذلك أن الأغذية المعروضة أمام المستهلكين قد تخضع للتبادل الحراري مع أجسادهم وبالتالي قد تتعرض لدرجات عالية من الحرارة، وتحسس رائحتها بأنفك، فإذا أعطت رائحة غير مقبولة لا تشتريها وبلغ عنها.
ي- عند الوصول إلى المنزل، ضع الأغذية سريعة التلف مباشرة في الثلاجة أو في وحدة التجميد.
ك- تجنب شراء بيض يحمل قاذورات أو به كسور، ويفضل شراء بيض مخزن عند درجة حرارة التبريد "4م".
* هل هناك أنواع من الأغذية أكثر عرضة لنقل الأمراض عن غيرها؟
لا بد أن تعرف أخي القارئ أنه أي غذاء يمكن أن يتعرض للتلوث إذا تم مداولته بطريقة غير سليمة. ولكن ارتبطت الأغذية الغنية بالبروتينات مثل اللحوم، والدواجن، والأسماك، والأطعمة البحرية بأمراض وبائية تنتقل عن طريقها لأن الأغذية الغنية بالبروتينات تميل لأن تكون ذات مصدر حيواني. لذا، الميكروبات ذات المصدر الحيواني "كالسالمونيلا، والكوليفورم" هي عادتاً ما تتواجد في الأغذية ذات الأصل الحيواني.
وتحتاج البكتريا دائماً إلى وسط رطب كمتطلب لبقائها وتكاثرها. لذا تنمو تلك الميكروبات في الأغذية ذات محتوى مائي عالي. وقد تحتاج البكتريا لنموها إلى كميات متفاوتة من الهواء "أكسجين"، أو لا تنمو بوجود الأكسجين أو تكون اختيارية "أي تنمو بوجود أو بغياب الأكسجين". لذا، تحفظ بعض الأغذية تحت تفريغ هوائي "الأغذية المعلبة ". وتفضل البكتريا النمو في وسط متوازن إلى خفيف الحموضة "تركيز أيون الهيدروجين pH" لذا، لا تنمو البكتريا في وسط غذائي يحتوي على الخل. وتلعب الحرارة دوراً مهماً في توفير ظروف ملائمة للنمو والتكاثر البكتيري وبصفة عامة ينصح بتخزين الغذاء خارج الحيز الحراري الخطر "5م – 60م".
* ما هي شدة وأعراض الأمراض الناشئة من تناول غذاء حامل للمرض؟
هناك عدة متغيرات تؤثر على شدة الأمراض المنقولة عن طريق الأغذية الحاملة للمرض. فكل من السن، والحالة الصحية العامة، ومدى تلوث الغذاء والكمية التي تم تناولها هي بعض من تلك المتغيرات. وأكثر أعراض تلك الأمراض هي: إسهال، صداع، تقيؤ، آلام في البطن، وجفاف، وفي حالات يمكن ظهور إسهال دموي. ولكن ليس بالضرورة أن تحدث كل هذه الأعراض مرة واحدة. ويمكن أن يحدث للأفراد المصنفون تحت التصنيف "مُعرضون للمخاطرة " مرض شديد جداً وقد ينتهي بهم المطاف إلى الوفاة بسبب تناولهم أغذية حاملة للمرض بسبب ضعف قدرة جهازهم المناعي للمقاومة.
وفي حالات نادرة يمكن ظهور أعراض خلال نصف ساعة من تناول غذاء ملوث حامل للمرض، ولكن في العادة تظهر تلك الأعراض خلال أيام أو أسابيع وتستمر لمدة يوم أو يومين وقد يكون مسبب المرض معاند فتستمر تلك الأعراض لمدة أسبوع أو عشرة أيام. وللأصحاء، فالأمراض الناشئة من الأغذية الحاملة للمرض طبيعتها لا تدوم ولا تهدد حياتهم، ولكن قد تكون شديدة بالنسبة لصغار وكبار السن، وأفراد يعانون من أمراض أو حالات معينة "مثل: أمراض الكبد، ومشاكل في المعدة، والسرطان، ومرض عوز المناعة المكتسبة ".
وعندما تكون الأعراض شديدة فيجب مراجعة الطبيب أو اللجوء إلى طلب مساعدة طارئة وهذا مهم خاصة بالنسبة للفئة من الأفراد المصنفون تحت التصنيف "مُعرضون للمخاطرة ". وفي الحالات الخفيفة يمكن للأفراد شرب كمية كبير من الماء لتعويض السوائل المفقودة من التقيؤ أو الإسهال.
* هل يمكن أن يحدث خطأ في الحكم على أعراض أمراض غذاء حاملة للمرض بأعراض الأنفلونزا أو نزلة برد؟
نعم، دائماً تُعبر الأمراض الناشئة عن تناول غذاء حامل للمرض عن نفسها بأعراض الأنفلونزا كالصداع، أو التقيؤ، أو الإسهال، أو الجفاف، أو الحمى. وكثير من الناس قد لا يعرفون أن السبب قد يكون نتيجة تناولهم بكتريا أو جرثومة مصدرها الغذاء. ولكن الأطباء والخبراء في مجال تشخيص الأمراض خاصة عندما يكون المرض معوي دائماً يربطون أسباب تلك الأمراض بتناول غذاء حامل للمرض. وعادة لا يربط عامة الناس مسبب تلك الأمراض بالغذاء وذلك لأن بداية أعراض تلك الأمراض تظهر بعد يومين من تناول غذاء ملوث.
* ما أهم الميكروبات التي ارتبطت بالأمراض المنقولة عن طريق الغذاء؟
تتلوث الأغذية بكثير من الأحياء الدقيقة. ولا يعتبر التلوث ضاراً بصحة الإنسان إذا كانت هذه الأحياء غير ضارة. وقد يكون الغذاء ملوثاً بميكروبات ضارة ومع ذلك قد لا تطرأ عليه أية تغييرات محسوسة تدل على تلوثه فلا يتغير طعمه أو لونه أو رائحته أو قوامه، ولكن إذا تناوله الإنسان حدث له الضرر. وبناء على ذلك يجب عدم اتخاذ المظاهر الحسية للغذاء دليلاً على أن الغذاء ملوث أو خطر على صحة الإنسان. ويعد تحديد نوع الكائنات الحية الدقيقة في الغذاء سبيلاً لمعرفة مسببات التلوث. وتتنوع مسببات المرض في الغذاء بين بكتيريا وفيروسات وطفيليات وبروتينات. وفيما يلي بعض من أهم أنواع البكتريا والتي شاع ضررها الصحي على الإنسان.
أ- إيشريشيا كولاي "Escherichia coli": ويختصر اسمها بالإي كولاي "E.coli" وتسمى أيضا ببكتيريا القولون الغائطية. وهى أحد سلالات بكتيريا القولون "Coliforms". وتستخدم سلالات معينة من بكتيريا الإيشريشيا كولاي وبكتيريا القولون "Coliforms" كمؤشر للدلالة على وجود بكتيريا مرضية أو على عدم صحة ونظافة المنتج الغذائي.
وتنتقل هذه البكتيريا عن طريق تناول غذاء ملوث بالبكتيريا غير مطهو بشكل جيد. وغالبا اللحم غير المطهو بشكل جيد "خاصة اللحم المفروم " والحليب غير المبستر والفواكه والخضروات الملوثة بروث ملوث بالبكتيريا، أو بشكل خاص بالمكونات البرازية. كما تتم العدوى بشكل مباشر عن طريق الملامسة والمخالطة اليومية من شخص لآخر في المنزل والحضانات ودور الرعاية النهارية. ويمكن أن تتم العدوى بشكل بسيط أو نادر عن طريق الماء الملوث، حيث حدثت فاشية صغيرة عند الاستحمام في بحيرة مكتظة بالناس، وأخرى عن طريق شرب ماء ملوث بمياه المجاري.
ويمكن التحكم بهذه البكتيريا عن طريق طهو المنتجات الغذائية خاصة ذات الأصل الحيواني بشكل جيد، ومنع حالات إعادة التلوث، وتخزين الغذاء على درجة حرارة التبريد "أقل من 4م".
ب- سالمونيلا كوليرا سويس وإنتيريتيديس "Salmonella cholerasuis & S. enteritidis ": من السلالات المسببة للمرض المعدي السالمونيلوسيز "Salmonellosis". وتصيب هذه البكتيريا المنتجات الغذائية الغنية بالبروتين ذات الأصل الحيواني كاللحوم لاسيما لحوم البقر والدواجن والحليب الطازج غير المبستر ومنتجات الألبان وقشور ومنتجات البيض، والأسماك الصدفية. ويشكل وجود بكتيريا السالمونيلا خطرا كبيرا على صحة الإنسان والتي غالبا ما تبدأ أعراض الإصابة بها بإسهال وألم شديد في البطن، وحمى، وغثيان وتقيؤ، وصداع في الرأس. وتحتاج هذه البكتيريا حتى تظهر تلك الأعراض إلى فترة حضانة من 5 إلى 72 ساعة "عادة 12-36 ساعة " بعد التعرض بها. ويعتبر الجهاز المعوي للحيوانات خاصة الدواجن والماشية والقوارض البيئة الطبيعية لتواجد هذه البكتيريا. وعادة ما تصاب المنتجات الغذائية وقت تحضيرها في المطابخ ببكتيريا السالمونيلا بسبب تلوثها بمنتجات لحوم غير مطهوة أو بأطعمة تؤكل نيئة. وتندر إصابة الخضراوات والفواكه ببكتيريا السالمونيلا، ولكن يمكن أن تصاب الخضراوات بالعدوى بهذه البكتيريا عند ملامستها لمخلفات حيوانية، أو مياه الري الملوثة. ويمكن التحكم بهذه البكتيريا عن طريق اتباع الممارسات السليمة في إعداد الغذاء والتي من بينها طهو الأغذية ذات الأصل الحيواني كلياً، وتبريد الطعام بسرعة، مع غسل اليدين جيدا بالماء والصابون قبل إعداد الطعام ومنع فرص إعادة التلوث.
ج- كلوستريديام بوتشولاينام "Clostridium botulinum": من السلالات المنتجة للسموم والمسببة لمرض البوتشوليزم "Botulism". وهى من السلالات اللاهوائية تفرز سموما شديدة الفاعلية لها تأثير على الجهاز العصبي، تسبب دواراً ودوخة، وقلة الوضوح في الرؤية وصعوبة في النطق وشلل عند الأطفال. وقد تؤدي بعض الحالات إلى الوفاة خلال 20إلى 36 ساعة من حدوث العدوى خاصة عند الأطفال الصغار والبالغين المصابين بمشاكل معوية خاصة تؤدي إلى تكاثر البكتيريا ومرضى نقص المناعة. وتحتاج هذه البكتيريا حتى تظهر تلك الأعراض إلى فترة حضانة من ساعتين إلى 6 أيام "عادة 12-36 ساعة " بعد تناول طعام ملوث بالبكتيريا. وتعتبر سموم البوتشولاينام من أقوى السموم التي تنتجها الطبيعة. ويعتبر هذا الميكروب مستقرا في الأوساط الحمضية ولا ينمو على الأغذية ذات وسط حمضي بتركيز أيون هيدروجين "pH" أقل من "4.5 ". ولكن يمكن أن ينمو على أغذية ذات وسط حمضي قليل الحموضة، وذات تركيز أيون هيدروجين يعادل "4.5 " أو أكثر. وبناء على مقدرة نمو هذه البكتيريا في الوسط الحمضي فقد قسمت الأغذية إلى أغذية حمضية وأخرى قليلة الحموضة. والحد الفاصل هو تركيز أيون الهيدروجين "4.5".
وتعتبر التربة، ورواسب الماء، والجهاز المعوي للحيوانات والأسماك وعسل النحل البيئة الطبيعية لهذه البكتيريا. وعادة ما يرتبط وجود هذا النوع من البكتيريا بالأغذية المعلبة قليلة الحموضة، لاسيما التعليب المنزلي للغذاء المحضر والمحفوظ بطريقة غير سليمة تحفز إنتاج السموم، كما في اللحوم والأسماك والسمك المدخن والمخللات، والخضراوات. ويرتبط وجود هذه البكتيريا أيضاً برداءة الطهو أو الحفظ الملحي أو الحمضي للمنتج الغذائي والتي لم تدرأ عنه الجراثيم فتنمو. ويمكن التخلص من جراثيم البكتيريا بتسخين المنتج الغذائي أثناء تصنيعه إلى درجة حرارة عالية تكفل تدميرها.
د- كلوستريديام بيرفرنجينز Clostridium perfringens: من السلالات المنتجة للسموم والمسببة للمرض المعدي كلوستريديوم بيرفرينجينز جاسترو إنتيريتيز "Clostridium Perfringens Gastroenteritis". وهي بكتيريا لا هوائية، تصيب الأغذية الغنية بالبروتينات مثل الوجبات الغذائية التي تحتوي على منتجات اللحوم والدواجن. وعادة ما تكون الأغذية المعرضة للإصابة بهذا النوع من البكتيريا قد أعدت قبل يوم أو يومين قبل الاستهلاك وخزنت عند درجة حرارة الغرفة "درجة حرارة الحيز الخطر " أو أغذية لم يتم طهوها بدرجة حرارة كافية. ويعود تأثير هذه البكتيريا الضار على صحة الإنسان إلى تكوينها مواد سامة وذلك من الغطاء الخارجي لجراثيم بكتيريا الكلوستريديام بيرفرنجينز. ويبدأ تأثير سموم هذه البكتيريا بعد 8-24 ساعة "عادة 12 ساعة " من تناول الإنسان للغذاء الملوث وتكون الأعراض عبارة عن آلام مفاجئة بالبطن مع إسهال وغثيان. ويمكن مكافحة هذه البكتيريا عن طريق تخزين الغذاء عند درجة حرارة التبريد "أقل من 4ْم"، والاحتفاظ بالغذاء ساخناً لحين استهلاكه عند درجة حرارة أعلى من 60ْم، مع إعادة تسخين متبقيات الغذاء عند درجة حرارة 74ْم قبل الاستهلاك.
هـ- سـتـــافـلـــوكــوكــــاس أوريــــوس "Staphylococcus aureus": من السلالات المنتجة للسموم والمسببة لمرض ستافلوكوكال إنتوكسيكيشن "Staphylococcal Intoxication". وتبدأ أعراض الإصابة بهذه البكتيريا تبدأ بشكل فجائي وعنيف بغثيان وتقيؤ، وآلام في البطن عادة لا يسبب المرض اسهالا حيث تصيب الجزء العلوي من الجهاز الهضمي ولا تستمر العلة لأكثر من يوم أو إثنين ولكن لشدة الأعراض قد تتطلب إدخال للمستشفى. وتحتاج هذه البكتيريا حتى تظهر تلك الأعراض إلى فترة حضانة من نصف ساعة إلى 7 ساعات "عادة 2-4 ساعات " بعد الإصابة بها. ويدل تواجد هذا النوع من البكتيريا في الغذاء على تلوثه بمكونات ميكروبية مصدرها الإنسان، كالأيدي، والأنف، والالتهابات الجلدية، وذلك بسبب سوء العادات الصحية المتبعة في تحضير الوجبات الغنية بالبروتين، ومنتجات لحوم أعيد تسخينها، وسلطات الخضراوات غير المغسولة جيداً والبيض واللحوم والمعجنات المحشوة بالقشدة.
وتعتبر الأيدي، والبلعوم، والتجاويف الأنفية، والالتهابات الجلدية عند الإنسان البيئة الطبيعية "مستودع " لهذه البكتيريا. وتنتشر هذه البكتيريا أيضا في الجو، والتربة، والغبار، وعلى الأرض، وفي المجاري وكما تنقلها الحشرات. وتشكل الحيوانات مصدرا آخر لهذه البكتيريا. وتنتج هذه البكتيريا سموما مختلفة "A، B، C، D، E، F، G، H" أكثر مقاومة للحرارة من البكتيريا نفسها. ويمكن التحكم بهذه البكتيريا عن طريق إتباع ممارسات سليمة وعادات صحية جيدة عند تحضير الأطعمة مثل تجنب لمس الأطعمة بواسطة أيدٍ غير محمية بقفازات بلاستيكية، والتسخين، والتبريد، والتخزين الجيد.
و- باسيلاس سيراس "Bacillus cereus": من السلالات المنتجة للسموم والمسببة لمرض باسيلاس سيريس جاستروإنتيريتيز "Bacillus Cereus Gastroenteritis".
وهى من السلالات الهوائية. وتعتبر الأتربة، والغبار، والماء، وأنواع من الأغذية مثل الحبوب، والأرز، والأغذية الجافة، والبهارات، والحليب ومنتجات الألبان، واللحوم، والخضراوات البيئة الطبيعية لهذه البكتيريا. وهناك تشابه في الأغذية المعرضة للإصابة بهذه البكتيريا مع الأغذية المعرضة للإصابة ببكتيريا الكلوستريديام بيرفرنجنز من حيث ظروف التلوث؛ أي عند إعداد وجبات بكميات كبيرة لا تصل درجات التبريد أثناء حفظها إلى جميع أجزاء المنتج الغذائي لتمنع نمو تلك البكتيريا. كما لا تبلغ حرارة تسخينها قبل الاستهلاك إلى أماكن نمو البكتيريا لتقتلها. وتكمن الصعوبة في أن قتل البكتيريا لا يعني قتل أصنافها ذات الجراثيم "Spores" إذ قد تكون قادرة على النمو مرة أخرى، تحت ظروف ملائمة، وتكوين بكتيريا جديدة. وهناك سلالتان من البكتريا تحددها أعراض الإصابة: السلالة الأولى "بكتيريا غير مقاومة للحرارة " وهي النوع المسبب للإسهال المائي، وآلام في البطن غير مصحوبة بحمى حيث تظهر تلك العوارض بعد 6 إلى 24 ساعة من تناول الغذاء وغالباً تكون نتيجة تناول اللحوم، والخضراوات، وحلوى المهلبية، والحساء. أما السلالة الثانية "بكتيريا مقاومة للحرارة" فهي النوع المسبب للغثيان والتقيؤ، وآلام في البطن مع إسهال في بعض الأحيان. وتظهر تلك الأعراض بعد فترة تمتد بين 30 دقيقة إلى 6 ساعات من تناول الغذاء. ويسببها تناول أرز "مسلوق، مغلي، أو مطهو" ومواد نشوية أخرى مثل المعكرونة. والمرض عادة لا يبقى أكثر من من 24 ساعة ونادرا ما يكون قاتلا. ويمكن التحكم بهذه البكتيريا عن طريق تخزين الغذاء عند درجة حرارة التبريد "أقل من 4م"، والاحتفاظ بالغذاء ساخناً لحين استهلاكه عند درجة حرارة أعلى من 60ْم، مع إعادة تسخين متبقيات الغذاء على درجة حرارة 74ْم قبل الاستهلاك.
ز- فيبرو كوليرا "Vibrio cholera ": من السلالات المنتجة للسموم والمسببة للمرض المعدي الكوليرا "Cholera". وهى بكتيريا هوائية واختيارية لا هوائية تنتج مواداً سامة يمكن أن تنهى حياة المصاب بها.
ففي الحالات الشديدة التي لا تعالج تحدث الوفاة خلال ساعات ويتعدى معدل الوفاة الـ 50 % أما مع العلاج الصحيح في الوقت المناسب فيكون معدل الوفاة أقل من 1 %. ومن أعراض الإصابة بهذا المرض إسهال مائي حاد يحتوي على مخاط "إسهال مائي بلون ماء الأرز"، ترافقه آلام في البطن وانهيار، وبرودة الجلد، وانهاك للوجه، وعطش شديد، وآلام في العضلات، وفي الحالات الشديدة تتعرض العينين إلى هبوط. وتحتاج هذه البكتيريا حتى تظهر تلك الأعراض إلى فترة حضانة من ساعات قليلة إلى 5 أيام عادة من يومين إلى 3 أيام بعد التعرض بها. وتعد المنتجات الغذائية البحرية غير المطهوة مثل سراطين البحر، والروبيان، والمحار، وكذلك المياه البيئة الطبيعية لهذه البكتيريا. وتكثر الإصابة بهذه البكتيريا في المناطق التي لا تحسن معالجة مياه صرفها أو مياه شربها بطريقة صحيحة وصحية. وينتشر وجود هذه البكتيريا أيضا في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والتي تتصف بسوء الشروط الصحية كما هو الوضع في بعض مناطق دول آسيا وأفريقيا. ويمكن التحكم بهذه البكتيريا عن طريق اتباع الممارسات الصحية السليمة في إعداد الأطعمة كغسل اليدين وطهو الطعام بشكل جيد بالذات المأكولات البحرية والتي من أهمها منع حالات التلوث وإعادة التلوث، واستعمال مياه معالجة صحياً وصالحة للشرب.
ح- شيجيلا سيروتايبس "Shigella serotypes": من السلالات المسببة للمرض المعدي شيجيلوسيز "Shigellosis".
وهي من أصناف البكتيريا الهوائية واختيارية لا هوائية. ويدل تواجد هذه البكتيريا في المنتج الغذائي على رداءة العادات الصحية وتدني مستوى النظافة لدى الأفراد. وتكثر الإصابة بهذا النوع من البكتيريا في التجمعات البشرية مثل المخيمات الصيفية الكشفية، والمستشفيات، والتجمعات السكانية التي تتصف بالفقر وتدنى مستوى الدخل لدى الأفراد. وعادة ما تنتقل هذه البكتيريا عن طريق ملامسة شخص حامل لهذا الميكروب أو غذاء ملوث بالبكتيريا أثناء التحضير، والذباب يمكن أن ينقل البكتيريا للطعام المعد المكشوف. أما الأغذية الأكثر إصابة بهذه البكتيريا فهي التي تكثر فيها عمليات الإعداد اليدوي مثل السلطات بأنواعها واللحوم. وقد تكون المكونات الأولية لإعداد السلطة خالية من الميكروب، لكنه ينتقل أثناء الإعداد "تلوث ". ويعتبر الجهاز المعوي للإنسان والمياه الملوثة البيئة الطبيعية لتواجد هذه البكتيريا. من أراض الإصابة بهذه البكتيريا إسهال دموي، وآلام في البطن مصحوبة بحمى. وقد تتطور الحالة إلى جفاف وتشنجات وتسمم دموي. وقد يصل معدل الوفاة إلى 20 % حسب العمر "الأطفال الرضع والشيوخ " والحالة الصحية للمصاب "نقص المناعة".
ويمكن الحد من انتشار هذه البكتيريا عن طريق اتباع العادات الصحية السليمة من قبل محضري الأغذية بالذات غسل اليدين جيدا خاصة تحت الأظافر، وتنظيف أماكن تحضير الطعام، واتباع أساليب الطهو والتخزين الموصى بها.
ط- ليستريا مونوسايتوجينز "Listeria monocytogenes": من السلالات المسببة للمرض المعدي ليستريوسيز "Listereiosis". وهي من البكتيريا الهوائية والمحبة للأكسجين بنسب قليلة "Microaerophilic". من نواتج الإصابة بهذه البكتيريا أعراض معتدلة شبيهة بالحمى في الأشخاص الأصحاء، وتسمم في الدم والتهاب سحائي مخي في الأطفال الصغار، والإجهاض في النساء الحوامل، وفي بعض الحالات الموت. وتحتاج هذه البكتيريا حتى تظهر تلك العوارض إلى فترة حضانة مختلفة من 3 – 70 يوماً وفي المتوسط تحتاج 3 أسابيع بعد التعرض بها. وتتواجد هذه البكتيريا في الدواجن، والجبن المصنوع من حليب غير مبستر، واللحوم، والخضراوات الطازجة. وتعتبر التربة والمواد النباتية المتعفنة، والجهاز المعوي للحيوانات البيئة الطبيعية لتواجد هذه البكتيريا. ويمكن لهذه البكتيريا أن تعيش وتتكاثر في المنتجات الغذائية الملوثة المخزنة تحت التبريد.
ي- يرسينيا إنتيروكوليتيكا وسودوتوبركلوسيز "Yersinia enterocolitica & Y. pseudotuberclosis ": من السلالات المسببة للمرض المعدي يرسينيوسيز "Yersiniosis".
وهي من البكتيريا الهوائية واختيارية لا هوائية. من أعراض العدوى بهذه البكتيريا الحمى، وآلام في البطن، وغثيان، وتقيؤ، وإسهال يمكن أن يكون دموي في ¼ الحالات المصابة وأعراض ثانوية في الحالات الشديدة. وتحتاج هذه البكتيريا حتى تظهر تلك الأعراض إلى فترة حضانة من 24 إلى 36 ساعة بعد التعرض بها. ويمكن لهذه البكتيريا أن تعيش في المنتجات الغذائية المخزنة تحت التبريد. وتنتشر هذه البكتيريا في المنتجات الغذائية ذات الأصل الحيواني، مثل اللحوم ومنتجاتها والحليب الطازج الذي لم يبستر جيدا أو الحليب المبستر الذي انتقلت إليه العدوى من آخر غير مبستر "إعادة تلوث"، منتجات الألبان، والخضراوات الخام. وتعتبر التربة والمياه غير المعالجة والجهاز المعوي للحيوانات البيئة الطبيعية لهذه البكتيريا. ويمكن التحكم بهذه البكتيريا عن طريق ممارسة العادات الصحية السليمة والتي من أهمها منع حالات التلوث أو إعادة التلوث خاصة مصادر المياه من التلوث بمخلفات الحيوانات.
ك- كامبا يلو باكـتر جيجونى "Campylobacter jejuni": من السلالات المسببة للمرض المعدي الكامبايلوباكتريوسيز "Campylobacteriosis".
وهي من البكتيريا المحبة لكميات ضئيلة من الأكسجين. وتعتبر التربة والمجاري والمياه غير المعالجة والجهاز المعوي للدواجن والمواشي والقوارض وبعض أنواع الطيور الجارحة البيئة الطبيعية لهذه البكتيريا. وينتشر هذا النوع من البكتيريا في اللحوم غير المطهوة بشكل جيد والحليب غير المبستر وذبائح الدواجن والمواشي، حيث تنتقل العدوى بين لحومها في المسالخ. من أعراض الإصابة بهذه البكتيريا حمى، وصداع، وغثيان، وتقيؤ، وآلام في العضلات، وإسهال "بعض الأوقات دموي". وتحتاج هذه البكتيريا حتى تظهر تلك العوارض إلى فترة حضانة من1 – 10 أيام عادة 2 إلى 5 أيام بعد التعرض بها.
ل- فيبريو باراهيموليتيكاس "Vibrio parahaemolyticus":
من الأصناف المسببة للمرض المعدي فيبريو باراهيموليتيكاس جاستروإنتيريتيز "Vibrio Parahaemolyticus Gastroenteritis".
وهى بكتيريا هوائية ولا هوائية تظهر بأعراض مختلفة أهمها الإسهال المائي، وآلام في البطن، وغثيان، وتقيؤ، وصداع، وحمى، وشعور بالبرد. وتحتاج هذه البكتيريا حتى تظهر تلك العوارض إلى فترة حضانة من 2 إلى48 ساعة "عادة 12 ساعة " بعد التعرض بها. وتنتشر هذه البكتيريا في المنتجات الغذائية البحرية مثل سراطين البحر، والروبيان، والمحار والسلطات التي تحتوي على هذه المنتجات غير المطهوة عند درجة حرارة آمنة للقضاء على ما فيها من البكتيريا، أوأنها لم تخزن عند درجة برودة صحيحة "أقل من 4م" أو أن البكتيريا انتقلت من منتج بحري نيئ إلى منتج آخر مطبوخ "إعادة تلوث ". وقد تحدث الإصابة بهذه البكتيريا أيضا عند استهلاك أسماك نيئة. وتعتبر مصاب الأنهار والمياه المالحة البيئة الطبيعية لهذه البكتيريا.
ن- بروسيلا ميليتينيس وأبورتوس وسويس "Brucella melitenis, B. abortus, and B. suis": من السلالات المسببة للمرض المعدي بروسيلوسيز "Brucillosis".
وهي بكتيريا هوائية يرتبط وجودها باستهلاك منتجات ألبان مصنعة من حليب غير مبستر. وينشأ عن إصابة الإنسان بهذه الميكروبات بالحمى المالطية أو حمى البحر المتوسط والتي من عوارضها الشعور بالبرودة، وتعرق، وضعف، وأرق، وصداع، وآلام في العضلات والمفاصل، ونقص في الوزن مع فقدان الشهية العصبي، وإذا لم تعالج فتؤدي إلى التهابات مزمنة في المفاصل وقد تكون خراجات في الأعضــاء الداخلية "Intrnal Organ Abcesses". وتحتاج هذه البكتيريا حتى تظهر تلك الأعراض إلى فترة حضانة من 5 إلى 60 يوماً "أو عدة أشهر" بعد التعرض بها. ويعتبر الجهاز المعوي للماشية والأغنام البيئة الطبيعية لهذه البكتيريا.
س- هيباتايتس أيه فايراس "Hipatitis A virus ": الفيروس المسبب لمرض التهاب الكبد المعدي هيباتايتاس "Infectious Hepatitis ".
من عوارض الإصابة بهذا الفيروس حمى، وغثيان، وتقيؤ، وفقدان الشهية، وإجهاد والصفراء "بوصفار Jaundice" وفي الحالات المتقدمة يصاب الكبد بالتليف. ويحتاج هذا الفيروس حتى تظهر تلك الأعراض إلى فترة حضانة من 10 إلى 50 يوماً "عادة 30 يوماً " بعد الإصابة بها.
وتعتبر المياه الملوثة، الصدفيات من المياه الملوثة، والأفراد حاملي المرض البيئة الطبيعية لتواجد الفيروس. ويمكن أن ينتقل الفيروس عن طريق الأغذية غير المطهوة بعد لمسها باليد مثل منتجات المخابز وشرائح لحم اللانشون والسلطات والسندوتشات والفواكه والمحار والصدفيات البحرية والماء.
بينما يمكن مكافحة هذا الفيروس من خلال الممارسات الصحية السليمة في مداولة وإعداد الطعام خاصة عند الملامسة وكذلك يمكن مكافحتها من خلال الطهو الجيد لجميع الأطعمة خاصة ذات المصدر البحري، مع عزل الأفراد المصابين بهذا الفيروس عن الأفراد الأصحاء.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 116