الشجرة الواحدة تنتج طنا في السنة
المطاط .. لبن نباتي من دموع الأشجار
أحمد أشكناني
المطاط من أقدم الأشجارالمعروفة، وموطنها منذ القدم في كل من المكسيك وأمريكا الجنوبية، ونقل عصيرها لأول مرة إلى لندن عام 1745 وصنعت منها الإطارات عام 1844 وكانت في ذلك الوقت صلدة.
و تنمو أشجار المطاط في المناطق الاستوائية الحارة في غابات الأمازون في البرازيل، وسيريلانكا حيث يعد المطاط المحصول الثاني وكذلك في ماليزيا والفلبين وغرب إفريقيا، ويعتبر المطاط ثروة قومية في البرازيل وكانت حكومة البرازيل تضع رقابة مشددة على مزارع أشجار المطاط ولهذا كانت تحذر من خروج بذورهذه الأشجار من البلاد.
وكان من المستحيل أن تزرع أشجار المطاط خارج المناطق الواقعة بين خط العرض 15 درجة شمالاً وخط العرض 10 درجات جنوباً. إلا أن ذلك تم تجاوزه بكثير من الجهود، خاصة عندما نجحت محاولات زراعة أشجار المطاط في عام 1904 في تركستان الشرقية )مقاطعة زينغيانغ(، الواقعة حالياً في شمال غربي الصين.
وتعد أشجار المطاط أكبر مصدر عالمي للمطاط الخام رغم تركيبه صناعيا بعد ذلك. وكان أول من شاهد المطاط الطبيعي الرحالة كريستوفر كولومبس عندما وصل إلى هايتي عام 1493 ورأى بعض الصبية يلعبون بكرة غريبة ترتد من سطح الأرض عند قذفها. وفي عام 1521 م رأى بعض المستكشفين الأسبان جماعات الوطنيين من أهل المكسيك يستخدمون مادة مرنة مستخرجة من إحدى النباتات وكان اسمها الوطني «كاو أوتشو Cao Achu» وهي تعني في لغتهم شجرة الدموع، وذلك لأنهم كانوا يقومون بتشريط لحاء هذه الأشجار فيخرج منها لبن نباتي يجمعونه في أوانٍ خاصة، وقد اشتق الاسم الشائع للمطاط وهو «كاوتشوك Caoutchouc» من هذا الاسم المكسيكي الوطني.
مادة لبنسية
ولم يكن للمطاط أي فائدة معروفة في ذلك الحين وإن كان «جوزيف بريستلي» الذي اكتشف غاز الأكسجين، قد وجد عام 1766م أن المطاط يمحو الكتابة بالرصاص من على الورق. ولم تكن خواص المطاط تجعله صالحا للاستخدام في كل الأغراض، فقد كان يلتصق بكثير من المواد، وسريع التأثر بالحرارة ولا يتحمل الإجهاد عند استخدامه في أشياء تحتاج إلى مرونة يتم فصد الأشجــار لجمع مادة لبنية سائلة تعرف باســم «لاتكس» وتصب في أوعية خاصة عندما يكون الجو صحوا، وتعطي الشجرة الواحدة ما يعادل طنا من هذه المادة في السنة.
يستخرج نفس السائل من أشجار أخرى من بدأ انتاج المطاط الزراعي بعد أن استطاع )هنري ويكهام( تهريب كميات من البذور إلى لندن عام 1876م ومن ثم نقلها إلى سيريلانكا ثم انتشارها في جنوب شرق آسيا بشكل مزارع منظمة، حيث أصبحت بعد ذلك هذه المنطقة مركز الثقل في إنتاج المطاط لتوفر الأيدي العاملة وقرب مزارع المطاط من البحر مما يسهل عمليات التصدير، إضافة إلى سهولة استغلالها وكل ذلك أدى إلى انحسار أهمية حوض الأمازون في إنتاج هذه المادة.
أهمية شجرة المطاط
منذ عام 1882 تقريباً، بدأت الانظار تتجه نحو المطاط الطبيعي، وبالتدريج أخذت أهميته تتوضح، عندما تم استخدامه في تبطين بعض الملابس والستر والمعاطف مما يحول دون نفاذ المياه إليها بسهولة.
بعض الأنواع
* المطاط الطبيعي: هناك عدة نماذج منه ويستعمل غالباً ممزوجاً بالمطاط الاصطناعي في صناعة الزوارق المطاطية.
1- بونا-س «BUNA-S»: يصلح لصناعة الإطارات والقشاطات «الممحاة» والقاطل والبلاط الاصطناعي وسجاد الموكيت.
2- بونا-ن «BUNA-N»: يقاوم الزيوت والمذيبات المختلفة التي تأكل عامة أنواع المطاط الأخرى، ويستعمل لصناعة أنابيب البنزين والقفازات والمواد اللاصقة.
3- المطاط الصناعي: يقاوم التآكل ويستعمل كغلاف واق للأنابيب.
4- بوليزوبرين POlYISOPRENE: هو مطاط مرن جداً واقل سخونة من «البونا- س» عند الجهد، يستعمل في صناعة اطارات الشاحنات.
5- مصنوعات مطاطية بالسيليكون «Silcones» تحتوي كل مصنوعات المطاط من هذه الفئة على ذرات السيليسيوم من هنا اسم (سيليكون) وذرات الأوكسيجين في جزيئاتها، هي صلبة للغاية بفترات حرارية طويلة.
6- المطاط الابوتيلي «Butyle» هو قليل المرونة لكنه عازل كهربائي ممتاز، ولا ينفذه الغاز، يستعمل لتلبيس الاسلاك الكهربائية، للإطارات الداخلية، ونظراً لسهولة تشكيل المطاط وإضافة اللون إليه استطاع الصانع أن ينتج منها الحلي والألعاب الخاصة بالطفل وحتى ربطات العنق. وكي يصمد المطاط في كافة الظروف الجوية من حرارة وبرودة تم مزجه بعنصر الكبريت وتعريضه لدرجة حرارة مرتفعة مما أدى إلى التخلص من لزوجته وعدم تأثره بالعوامل الجوية.
لكن لم يصبح المطاط ذا قيمة صناعية واقتصادية مهمة إلا بعد اختراع السيارة عام 1890 تقريبا، ثم وسائل النقل الأخرى فاستخدم في صناعة إطارات السيارات والطائرات والدراجات وبعض المركبات الأخرى.
إبادة المطاط
يحذر الخبراء من أحد أنواع الفطر المسمى «ميكروسيكلوس أولي» الذي يهدد بإبادة مزارع شجر المطاط العالمية، كما قال الخبراء إن الاضرار التي يتسبب فيها هذا النوع من الفطر بادية للعيان في مزارع أشجار المطاط في ولاية باهيا البرازيلية حيث تبدو الأشجار في حالة خطرة من الهزال وأوراقها متصلبة بعد أن نخرها الفطر مما أدى إلى انخفاض لبن هذه الاشجار الذي يصنع منه المطاط، وانتشار هذا الفطر يمنع أي تطور لزراعة أشجار المطاط في بلدان أمريكا اللاتينية ويهدد بآثار لا يمكن التكهن بها في حال انتقاله إلى مزارع اشجار المطاط الموجودة في بلدان آسيا والتي تنتج حالياً نسبة (92 %) من مادة المطاط الطبيعي في العالم والتي لاتزال في مأمن من هذا الفطر الذي يتلف مزارع بلدان أمريكا الجنوبية والوسطى ويعيش نحو 30 مليون شخص في العالم على زراعة هذه الاشجار. ويرى الخبراء أن انتقال عدوى هذا الفطر إلى تايلند أو أندونيسيا أو فيتنام يهدد بوقف تزويد صناعة المطاط التي تستهلك (70 %) من إنتاج المطاط الطبيعي لصناعة الإطارات المطاطية أو صناعة القفازات الطبية إذ يستحيل حتى الآن الاستغناء عن المطاط الطبيعي الذي يمثل نسبة (40 %) من الاستهلاك العالمي، ولا يمكن تعويضه بالمطاط الاصطناعي المستخرج من البترول، ومما يبرز خطورة الوضع القائم ان الأمم المتحدة صنفت فطر أشجار المطاط ضمن ستة أنواع من الفطر التي يمكن استخدامها كسلاح جرثومي أو ما يسمى بـ«الإرهاب الأحيائي».
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 113