مصدر طبيعي يمكن أن يخفف أعباء الطاقة
طاقة حرارية زهيدة من جوف الأرض
عنود القبندي
تعتبر الطاقة الحرارية الأرضية من مصادر الطاقة المتجددة التي استخدمت منذ فترة طويلة من خلال استغلال مياه النافورات الحارة. حيث يرجع تاريخ استعمالها إلى أكثر من 10000 سنة عندما استخدم الهنود الحمر الينابيع الساخنة لطهي طعامهم.
فهذه الطاقة لا تتوفر بصورة مباشرة في الطبيعة إلا في مصادر الحرارة الجوفية، وهذا ما يجعلها سهلة الاستغلال، حيث يقدر احتياطى الطاقة الحرارية الأرضية في حزام عمقه 2000 متر تحت سطح الأرض ما يعادل ما ينتجه 250 مليار طن من الفحم من الطاقة. نظريا يمكن أن يغطي هذا المقدار من الطاقة حاجة العالم من الطاقة لمدة 100000 سنة قادمة!! فقد بدأ عدد من الدول التي يمكنها الوصول إلى الحرارة الموجودة في باطن الأرض، أو ما يعرف بطاقة حرارة الأرض أو الطاقة الحرارية، بالاستفادة من هذه الإمكانية في الوقت الذي يبذل فيه العالم جهوده لتوليد الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة لا من مخزون الوقود الأحفوري الآخذ في التضاؤل. والطاقة الحرارية طاقة نظيفة تشكل مورداً غير محدود يمكن استخدامه لإنتاج التيار الكهربائي أو استخدامه بشكل مباشر (بدون تحويله إلى كهرباء) أكثر فعالية لتدفئة المنازل من خلال تركيب مضخات على عمق معين تحت سطح الأرض تقوم بامتصاص الحرارة من باطن الأرض وضخها إلى البيوت أعلاه.
مصدر بديل للطاقة
الطاقة الحرارية الأرضية «Geothermal Power» هي مصدر بديل نظيف ومتجدد، وهي طاقة حرارية مرتفعة ذات منشأ طبيعي مختزنة في صخور «الماجما» في باطن الأرض، حيث يقدر أن أكثر من 99 % من كتلة الكرة الأرضية عبارة عن صخور تتجاوز حرارتها 1000 درجة مئوية، ويستفاد من هذه الطاقة الحرارية بشكل أساسي في توليد الكهرباء، وفي بعض الأحيان تستخدم للتدفئة عندما تكون الحرارة قريبة من سطح الأرض أو على صورة ينابيع حارة. هذه الطاقة المتجددة، نظريا، يمكن أن تكفي لتغطية حاجة العالم من الطاقة لمدة 100000 سنة قادمة ولكن تكمن مشكلتها في أن تحويلها إلى طاقة كهربائية يستطيع الإنسان أن يستخدمها هي عملية باهظة الثمن والتكاليف على الرغم من أن الطاقة الأساسية (المادة الأولية) مجانية وهي متوفرة بكثيرة لكن صعب الحصول عليها.
مصادرها
تقسم مصادر الحصول على الطاقة الحرارية الأرضية إلى قسمين: المياه الحارة الجوفية، والصخور الحارة التي توجد في المناطق النشطة بركانيا أو في الأعماق البعيدة تحت سطح الأرض ويمكن الاستفادة من المياه الجوفية الحارة والصخور الحارة في توليد الطاقة الكهربائية وتسخين المياه التي تستخدم في التدفئة بالإضافة إلى استعمالها في الكثير من مجالات الصناعة والزراعة وغيرها. وكما ذكرنا مسبقا كثيرا ما تستخدم الطاقة الحرارية الأرضية في تدفئة المنازل عندما تكون الحرارة قريبة من سطح الأرض أو على صورة ينابيع حارة أو عندما تكون درجة حرارتها منخفضة (حوالي 65 مئوية)، حيث تكون تكلفة إستخراجها واستعمالها معقولة، ففي ايسلنده تنتشر هذه الينابيع الحارة ويتم توظيفها لأغراض التدفئة والتسخين.
وفيما تشهد أسعار النفط ومعه كافة أنواع الوقود الأحفوري قفزات متتالية إلى مستويات غير مسبوقة بدأت دول العالم الثالث في البحث عن مصادر بدلية للطاقة، وكان الحل في الفلبين وإندونيسيا متمثلا في طاقة البراكين. وتتعقد مشكلة ارتفاع أسعار النفط أكثر في البلدان التي يجتمع الفقر مع قلّة الإمكانيات المادية والطلب الشديد للطاقة وذلك وبعد أن بخلت الطبيعة عليها بالرواسب النفطية، وعندما ارتفع سعر برميل النفط فوق 140 دولاراً، أصبحت فاتورة الطاقة ترهق ميزانياتها وتعيق العملية التنموية فيها مما دفعها إلى البحث عن حلّ عملي يكمن في الطاقة الباطنية للأرض.
حلقة النار
وتقع إندونيسيا والفلبين فوق ما يطلق عليه خبراء جيولوجيا البراكين مصطلح «حلقة النار» وهي خط وهمي مقوّس يبدأ من ولاية واشنطن أقصى غربي الولايات المتحدة، وينتهي في إندونيسيا والفلبين واليابان ويميّز مناطق تنتشر عبر المحيط الهادي وتشتهر بنشاطاتها البركانية العنيفة، كما تكمن تحت أراضي هذه الحلقة أضخم مخازن الطاقة الحرارية للأرض. فالتركيبة الجيولوجية الباطنية لإندونيسيا تضم 500 بركان وأن أكثر من 130 منها في حالة نشاط وبوسع إندونيسيا أن تبني اقتصادها المستدام برمته على مبدأ استغلال الطاقة الحرارية الهائلة لبراكينها وبقعها الأرضية الحارة إلا أنها لم تستفق حتى الآن لهذه الثرصوة الضخمة من الطاقة المستدامة. وقد بدأ الآن الإندونيسيون ومعهم الفلبينيون بالشعوربالقيمة الحقيقية لهذا المخزون الذي لا ينضب من الطاقة بعد أن تجاوز سعر النفط الحدود التي تسمح لمثل هذه البلدان باستيراده، خاصة بعد الزيادة الكبيرة في الطلب على الطاقة بسبب الحركة التنموية، وبدأت الدولتان بإجراء سلسلة من البحوث الجادة لاستغلال الطاقة الحرارية الأرضية.
المشروع الإندونيسي
وتشتمل عملية استغلال الطاقة الباطنية على حفر آبار عميقة في الأرض وضخ الماء فيها حتى يتحول إلى بخار يندفع تحت ضغط بالغ الارتفاع ويمكن استخدامه في تدوير توربينات توليد الطاقة الكهربائية، ويركز المشروع الإندونيسي الرئيسي على استغلال براكين جزيرة بالي النشطة ويرمي إلى إنتاج 175 ميجاواط من الطاقة الكهربائية أو ما يساوي تقريباً نصف الطاقة التي تستهلكها هذه الجزيرة السياحية، ويواجه المشروع معارضة شديدة من سكان الجزيرة الذين أبدوا مخاوف من أن يؤدي إلى إتلاف المظاهر الطبيعية الخلابة لمناطق سياحية شاسعة وإلى استنزاف مخزون البحيرات المجاورة من الماء العذب. وتأتي معظم الطاقة الكهربائية التي تستهلكها الجزيرة من جزيرة جافا المجاورة عبر كابلات مثبتة تحت مياه المحيط، ويقول المدافعون عن المشروع إنه يمثل الحل الوحيد لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة.
المشروع الفلبيني
أما في الفلبين والتي تعد ثاني أكبر بلد في العالم في استثمار الطاقة الباطنية للأرض بعد الولايات المتحدة، يواجه الخبراء المعنيون باستغلال هذه الطاقة مشكلة الحموضة العالية للمياه الجوفية التي تؤدي إلى تآكل الأنابيب الناقلة للبخار والمجاورة للبراكين النشطة. وتنفث البراكين أثناء نشاطها كميات كبيرة من غاز ثاني كبريت الهيدروجين ذي التأثير الحامضي القوي والذي يؤدي إلى أكسدة الحديد بسرعة كبيرة، وتعدّ حموضة الآبار المشكلة الكبرى التي تحول دون بلوغ الفلبينيين لهدفهم برفع مجمل الطاقة الكهربائية التي ينتجونها من الآبار الحارة من 1931 ميجاواط إلى 3131 ميجاواط بحلول عام 2013. وإذا تمكنوا من تحقيق هذا الهدف، فسوف يتفوقون على الولايات المتحدة في هذا المجال وسيستأثرون بلقب الدولة الأولى في العالم في استغلال الطاقة الباطنية للأرض. وتولد الفلبين الآن 18 % من مجمل استهلاكها من الكهرباء من الطاقة الحرارية الأرضية. وقالت جمعية الطاقة الحرارية (أو طاقة حرارة الأرض) إنه يحتمل أن يزداد عدد الدول المنتجة للطاقة من حرارة باطن الأرض بنسبة 120 % خلال عقد واحد، بحيث يرتفع من 21 دولة في العام 2000 إلى ما يصل إلى 46 دولة في العام 2010. إلا أنه لا يمكن لجميع الدول تحمل تكاليف تحويل هذا المورد إلى طاقة كهربائية.
الحرارة من الكرة الأرضية
تتوقف قدرة أي بلد على استعمال الطاقة الحرارية الموجودة في باطن الأرض على جغرافية وجيولوجية ذلك البلد. وتقوم تيارات ساخنة من الصخور المنصهرة بفعل الحرارة والموجودة تحت الصفائح بتحريكها ببطء ولكن بشكل دائم لا ينقطع في اتجاهات مختلفة. ومن الممكن أن تصطدم هذه الصفائح ببعضها بعضاً عند أطرافها، أو أن تتلامس أثناء مرورها بمحاذاة بعضها بعضاً أو أن تنزلق تحت أو فوق بعضها بعضا. وتظهر نتيجة كل هذه التحركات على سطح اليابسة على شكل سلاسل جبال شاهقة (سلسلة جبال الهملايا وسلسلة جبال الألب السويسرية وسلسلة جبال الأنديز) وزلازل وانفجارات بركانية وينابيع مياه حارة وحمم فوارة وطاقة حرارية محتملة. ونظام وادي الصدع (الريفت) في شرق إفريقيا من هذه المناطق. وهو يمتد من البحر الأحمر إلى موزمبيق ويدعى وادي الصدع النشط المتباعد، وهو من الأمكنة القليلة الموجودة على كوكب الأرض التي تقوم فيها الصفائح التكتونية بإحداث صدع في قارة. وتقدر كمية ما يمكن للمنطقة من إنتاجه من الطاقة الحرارية من باطن الأرض بسبعة آلاف ميغاواط. ويعادل الميغاواط مليون واط، أي مليون وحدة قدرة كهربائية. وهناك منظمة دولية تدعى آرغيو (ARGeo) تشارك في نشاطاتها كل من كينيا وإثيوبيا وجيبوتي وأوغندا وتنزانيا وإرتيريا، تقوم حالياً بالمرحلة الأولى من تطوير حقل استخراج الطاقة من باطن الأرض في منطقة وادي الريفت. وقد وافق مرفق البيئة العالمي في العام 2006 على تخصيص 17.7 مليون دولار لمنظمة آرغيو كمساعدة فنية وكتمويل لحماية المستثمرين من التعرض لخسائر في المرحلة الأولى من تطوير الحقل.
توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الحرارية الأرضية
الطريقة الأولى والمهمة للاستفادة من الطاقة الحرارية الأرضية هي تحويلها إلى طاقة كهربائية، ويتم ذلك في محطات توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الحرارية الأرضية، وتوجد ثلاثة أنواع من محطات توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الحرارية الأرضية وهي:
* محطات البخار الجاف : هذه الطريقة هي أقدم الطرق وأكثرها انتشاراً، وهي نفس الطريقة التي استخدمت في إيطاليا سنة 1904. تستخدم هذه المحطات الماء الموجود بشكل طبيعي في الطبقات الأرضية العميقة والموجود تحت تأثير ضغط وحرارة عاليين، فيتم استخراجه بواسطة حفر آبار عميقة فيخرج على شكل بخار ماء بسبب حرارته العالية وبسبب فرق الضغط، حيث أنه يسير هذا البخار في أنابيب ثم يعرض لتوربينات تدور المولدات الكهربائية التي تنتج الطاقة الكهربائية. يضخ الماء المكثف إلى الأرض عبر بئر آخر يسمى بئر الحقن.
* محطات التبخير : وتستخدم هذه المحطات السوائل الموجودة بضغط عالي تحت الأرض حيث يتم تركزها في وعاء ذي ثقب صغير يؤدي إلى وعاء آخر ذي ضغط معتدل، فعند حركة السائل من الوعاء الأول إلى الثاني عبر الثقب يتبخر بسبب السرعة وفرق الضغط العالين ويحرك البخار التوربين فيحرك بدوره المولدات الكهربائية التي تنتج الكهرباء. يضخ الماء المتكثف المتبقي إلى الأرض عبر بئر الحقن.
* محطات الدائرة المزدوجة : تستخدم هذه المحطات السوائل الموجودة تحت الأرض ذات درجة غليان مرتفعة (حوالي 200 مئوية) يتم ضخها إلى الأعلى حيث تقوم بتسخين الماء ذي درجة غليان عادية (100 مئوية) في أنبوب آخر يمر بمحاذاة الأنبوب الساخن. يتبخر الماء الذي تم تسخينه بسبب درجة الحرارة المرتفعة للسائل في الأنبوب الآخر. يحرك البخار توربين المولد الكهربائي ويتكثف فيعود مجددا إلى محاذاة الأنبوب الساخن، ويتحرك بهذه الطريقة في دوران مستمر. يضخ الماء المستخرج مجددا إلى الأرض عبر بئر الحقن.
مشاريع مستقبلية
تعتزم مدينة بازل في سويسرا تمويل مركز كبير للطاقة الحرارية المستخرجة من باطن الأرض لاستخدامها في التدفئة والحصول على الكهرباء، ويلاقي المركز الجديد تشجيعا من القطاع الخاص والحكومة الفيدرالية، ومن المرجح أن تنتشر هذه الفكرة في مناطق أخرى من سويسرا، التي يمكن الحفر فيها على عمق 5 كيلومترات تحت الأرض. ويأتي هذا المشروع إلى خطواته التنفيذية بعد 30 عاما من الإعداد والدراسة، حسب تصريحات روبرت هوبكريك المهندس المسئول عنه. ويقول القائمون على هذا المنجم الحراري، إن درجة حرارة باطن الأرض تصل إلى 200 درجة مئوية بعد آلاف الأمتار في عمق الأرض، وانتقالها إلى السطح سيساعد كثيرا في الاستفادة منها في عمليات التدفئة واستخراج الطاقة الكهربائية. وتعتمد هذه الطريقة على ضخ الماء إلى عمق 5 كيلومترات ليكتسب الحرارة العالية بمروره بين طبقات الصخور الغرانيتية، ثم يتم سحبها مرة أخرى إلى السطح لتمريرها في مبادلات حرارية، ومن ثم يتم الحصول على الطاقة، سواء للتدفئة أو لتدوير التوربينات لتوليد الكهرباء. وإلى جانب هذا، فهذه الطريقة، حسب رأي الخبراء، لا تترك وراءها أية آثار تضر بالبيئة، حيث يدور الماء في دائرة مغلقة يذهب إلى باطن الأرض ليعود محملا بالحرارة التي تتلقفها مبادلات الطاقة على السطح، ويعود مجددا في رحلة الـ 5000 متر هبوطا.
رغم كل مميزات الطاقة الحرارية الأرضية، والتي جعلتها في طليعة مصادر الطاقة البديلة المستقبلية إلا أن هناك بعض عوامل التي تصعب انتشارها على الأقل في وقتنا الحالي، ومن أهم هذه الأسباب ارتفاع تكلفة إقامة محطات توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الحرارية الأرضية، ويرجع السبب في ذلك إلى صعوبة حفر آبار بأعماق سحيقة ووسط درجات حرارة مرتفعة جدا.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 109