من سبل التغلب على النقص في موارد المياه
نظم المعالجة الطبيعية لمياه الصرف الصحي
فرح ابراهيم
بات النقص في موارد المياه العذبة مشكلة تشغل بال ذوي الاختصاص لأنها تؤثر ليس فقط على العجز في توفير مياه الشرب «وهو أساس الحياة» ولكنها تؤثر أيضاً وبشكل رئيسي ومباشر في متطلبات أخرى رئيسية والأغراض الزراعية والانتاجية والصناعية وغيرها، لذا استوجب البحث عن حلول ممكنة ومتيسرة فنشط العمل على معالجة مياه الصرف الصحي لاستخدامها في نواحي الحياة المختلفة «الصناعية والزراعية والخدمية» بل وبلغت حداً كبيراً في استخدامها للشرب، ونحن في دولة الكويت كبقية دول مجلس التعاون الخليجي والكثير من البلدان حول العالم لم نكن بعيدين عن تلك المشكلة ولا عن البحث عن الحلول المتوفرة لها، فتم اعتماد نظم المعالجة الطبيعية لمياه الصرف الصحي كواحدة من السبل الناجحة والآمنة صحياً للأغراض الزراعية مساهمة في التغلب على النقص في موارد المياه.
إن إعادة الاستفادة من مياه المعالجة تشكل جزءاً هاماً من الحلول الممكنة للتغلب على مشكلة نقص المياه، لهذا فإن المعالجة المتكاملة لمياه الصرف الصحي عملية ضرورية ومطلوبة ولابد من تحقيقها بنظم أو تقنيات معالجة ملائمة من حيث الجودة والقيمة الاقتصادية، وتعتبر نظم المعالجة الطبيعية بنظام بحيرات الأكسدة الطبيعية من الطرق الفعالة والمنخفضة الكلفة في إزالة الملوثات الضارة بمختلف أنواعها مناسبة في تحقيق مياه معالجة ذات جودة عالية تصلح لإعادة استخدامها للأغراض الزراعية.
معالجة مياه الصرف الصحي
معالجة مياه الصرف الصحي هي مجموعة من العمليات الطبيعية والكيميائية والاحيائية التي يتم فيها إزالة المواد الصلبة والعضوية والكائنات الدقيقة أو تقليلها إلى درجة مقبولة، وقد يشمل ذلك إزالة بعض العناصر الغذائية ذات التركيزات العالية مثل الفوسفور والنيتروجين في تلك المياه، ويمكن تقسيم تلك العمليات حسب درجة المعالجة إلى عمليات تمهيدية وأولية وثانوية ومتقدمة.
الهدف الأساسي لنظم المعالجة الطبيعية
تهدف نظم المعالجة الطبيعية إلى إزالة الملوثات من مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية السائلة إلى الحد الذي يجعلها خالية من الضرر بحيث يسمح بتصريفها إلى المسطحات المائية أو يمكن إعادة استخدامها في أغراض شتى كالزراعة والتشجيرأو في عمل البحيرات الصناعية ولهذا السبب زاد استخدامها في مختلف دول العالم إلى جانب قلة تكلفتها وسهولة بنائها كمحطة لمعالجة مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية السائلة.
العوامل الرئيسية التي تساعد عمليات الأكسدة في النظم الطبيعية
لضمان عمليات إزالة الملوثات من مياه الصرف الصحي بالصورة المطلوبة يتطلب الأمر توفير بشكل عام عناصر رئيسية تساعد على عمليات الأكسدة بأن تقوم بعملها بصورة أفضل في أحواض النظم الطبيعية، وتتضمن العوامل ما يلي:
(1) درجة الحرارة: لدرجة الحرارة تأثير مباشر على نشاط البكتيريا ودرجة تثبيت المواد العضوية في نظم المعالجة الطبيعية فتزيد درجة الحرارة من تفاعلات البكتيريا ويتضاعف التفاعل الكيميائي الناتج عن نشاط البكتيريا خصوصاً عند ارتفاع درجة الحرارة ولكن خلال حدود معينة ودرجات معينة تعيش وتنشط فيها البكتيريا.
(2) الرياح: تلعب الرياح دوراً أساسياً في عمليات الأكسدة في نظم المعالجة الطبيعية حيث تقوم الرياح بعمليات خلط مياه نظم المعالجة الطبيعية بالهواء مما يساعد على إذابة الهواء وزيادة كمياته لذلك يتم تصميم أبعاد أحواض التهوية الطبيعية في الطول أوالعرض يجعلها معرضة طول الوقت لاتجاه الرياح.
(3) الأس الهيدروجيني: يكون الأس الهيدروجيني منخفضاً عند أقل من 7 وحدات في المياه الحمضية وعالياً أكبر من 7 وحدات في المياه القلوية وفي الحالتين تنجم أضرار ومخاطر على عمليات المعالجة لذا ينصح بأن تبقى عمليات الأكسدة في أحواض ما بين 6.5 إلى 8 وحدات للأس الهيدروجيني لضمان إتمام المعالجة البيولوجية بالصورة المطلوبة بدون تأثيرات سلبية على عمليات المعالجة.
(4) العناصر المغذية: الغاية الرئيسية من معالجة مياه المجاري الصحية والمخلفات الصناعية السائلة في أحواض النظم الطبيعية تحويل المواد العضوية الموجودة فيها إلى غازات وماء وخلايا حية أخرى والخلايا الحية تتألف من أنواع من الكائنات العضوية الدقيقة فهي تحتاج إلى عناصر غذائية عديدة.
(5) الأكسجين الذائب: يعتبر الأكسجين المصدر الرئيسي في تفعيل عمليات الأكسدة في النظم الطبيعية وتحويل المواد العضوية الموجودة في مياه المجاري الصحية إلى مركبات مستقرة وكتلة حيوية تتألف منها البكتيريا وبعض الكائنات الدقيقة.
(6) الخلايا الخضراء: هي عبارة عن خلايا الطحالب الخضراء.
(7) الخلط ما بين الطبقات.
نظم المعالجة الطبيعية
تتميز نظم المعالجة الطبيعية والتي هي عبارة عن أحواض أو حفر بأن أعماقها مختلفة وقلة تكلفة إنشائها وعدم الحاجة إلى عمالة ماهرة لتشغيلها بالإضافة إلى أنها تستخدم في المناطق رخيصة الأراضي وذات درجة حرارة عالية في أغلب أوقات السنة كما تصمم لمعالجة مياه الصرف الصحي ولمياه المخلفات الصناعية حيث تترك في هذه الأحواض لفترة زمنية تقوم بعدها العوامل الطبيعية وعناصرها المختلفة في تثبيت حملها العضوي ومعالجتها، وفي النهاية تخرج المياه معالجة وتترسب الرواسب في القاع حيث يتم إزالتها بعد فترة زمنية إما يدوياً أو آلياً للاستفادة منها في تثبيت التربة أو التخلص منها في مناطق الدفان.
استخدامات المياه المعالجة
يمكن استعمال مياه الصرف الصحي المعالجة في عدة أغراض سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويوضح شكل (2) أهم استعمالات تلك المياه. وبصفة عامة فإن نسبة إعادة استعمال المياه المعالجة من قبل القطاعات المختلفة تتمثل في الاتي:
1. أغراض زراعية 60 % .
2. أغراض صناعية 30 % .
3. أغراض أخرى كتغذية المياه الجوفية %10.
محاسن المياه المعالجة
من محاسن استعمال مياه الصرف الصحي المعالجة المحافظة على احتياطي المياه حيث أن استعمالها في الزراعة أو أي استعمالات أخرى بدلا عن المياه الصالحة للشرب يؤدي إلى توفير هذه المياه والتوسع في المساحات الزراعية لا نتاج محاصيل متنوعة وبسعر أقل كما يؤدي أيضا إلى التقليل من التكاليف المتعلقة بإنتاج واستيراد واستعمال الأسمدة بسبب وجود العناصر الضرورية للنبات في تلك المياه والتقليل من تكاليف الحصول على المياه في الزراعة خاصة إذا كانت مصادر تلك المياه جوفية.
مساوئ المياه المعالجة
من مساوئ استعمال مياه الصرف المعالجة أنها تسبب مشاكل صحية إذا لم تتم معالجتها بشكل صحيح بسبب وجود أنواع مختلفة من الفيروسات والبكتيريا وغيرها إضافة إلى تركيزات عالية من المواد الكيميائية التي لا تتم إزالتها في مراحل المعالجة المختلفة قد تسبب أضرارا للنباتات أما في حال استعمالها في تغذية المياه الجوفية وعدم معالجتها بطريقة صحيحة فإنه بالإمكان تلوث تلك المياه كما أنها قد تسبب انسدادا لشبكات الري عند استعمالها.
مجالات استخدام المياه المعالجة
تختلف درجة معالجة مياه الصرف الصحي حسب الاستعمال المطلوب، وقد اقترحت منظمة الصحة العالمية طرق معالجة خاصة بالاستعمالات الشائعة لتلك المياه وتتضمن مجالات استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة ما يلي:
(1) الشرب: من أمثلة استعمالات مياه الصرف الصحي المعالجة في الشرب استخدامها في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1956م عندما تعرضت المناطق الوسطى منها لجفاف مما حدا ببعض المدن الصغيرة باستعمال مياه الصرف الصحي بعد معالجتها في محطات للتنقية، فقد تم في مدينة شانوت بولاية كنساس معالجة ما يقرب من 4000 متر مكعب من المياه يوميا لسد حاجتها من مياه الشرب، وفي مدينة ويندهوك بناميبيا أنشئت في عام 1968م محطة معالجة متقدمة لمياه الصرف الصحي لامداد المدينة بما يقارب من %50 من احتياجاتها من مياه الشرب.
(2) المرافق الترفيهية: في مجال استعمالات مياه الصرف الصحي المعالجة في المرافق الترفيهية هناك بعض الأمثلة للمشاريع التي لاقت نجاحاً كبيراً، ومن هذه الأمثلة المشروعان اللذان تم إنشاؤهما بولاية كاليفورنيا الأمريكية، يسمى المشروع الأول مشروع سانتي وفيه يتم ضخ المياه المعالجة من المحطة سانتي لأحد الوديان وتترك لتنساب مسافة قدرها 1 كم خلال الرمل والحصى قبل استرجاعها، ثم توجه المياه المسترجعة بعد ذلك إلى ثلاث بحيرات متصلة ببعضها ومحاطة بحديقة عامة، وتستخدم بحيرتان من تلك البحيرات لصيد الأسماك ورياضة القوارب بينما يتم تعقيم البحيرة الثالثة بمادة الكلور لتستخدم للسباحة، وتطابق نوعية المياه هذه مواصفات الولاية الخاصة بالمياه المستعملة للسباحة. أما المشروع الثاني فهو مشروع خزان الجدول الهندي وهذا الخزان يستلم المياه المعالجة من محطة تاهو الجنوبية حيث توجد معالجة متقدمة مكونة من عمليات لإزالة النتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، كما توجد بها مرشحات رملية وأجهزة امتصاص كربوني، ويتسع الخزان لما يقارب من 27 مليون متر مكعب من المياه وكلها مياه صرف معالجة تستخدم لنشاطات متعددة منها السباحة وصيد الأسماك.
(3) الزراعة: يعد مشروع مدينه موسكيغون بولاية ميشجان الأمركية لإعادة استعمال مياه الصرف الصحي من أحدث المشاريع التي أنشئت للاستفادة من تلك المياه في الزراعة، وقد صمم هذا المشروع بحيث تمر تلك المياه أولا على الأراضي الزراعية ثم تصب بعد ذلك في البحيرة، وتعد عملية مرور المياه في الأراضي الزراعية إحدى الطرق لإزالة الملوثات إضافة إلى فائدتها في ري بعض المحاصيل، ويقوم هذا المشروع بري أكثر من 2000 هكتار من الأراضي المزروعة بمحصول الذرة.
مصادر مياه الصرف الصحي
يتم تجميع مياه الصرف الصحي من عدة مصادر، وتعتمد الكميات التي يتم جمعها على المصدر ونوعية نظام التجميع المستعمل فيها، ومن مصادر تلك المياه مايلي:
1- مياه استعمالات الاغراض المنزلية والتجارية وغيرها كالمدارس والفنادق والمطاعم.
2- مياه الاستعمالات الصناعية.
3- مياه الأمطار في حالة دمج شبكة المجاري بشبكة تصريف السيول.
4- المياه المتسربة من عدة مصادر وخاصة الجوفية.
ملوثات مياه الصرف الصحي
تحتوي مياه الصرف الصحي على عدة عناصر صلبة وذائبة، يمثل الماء فيها نسبة %99.9 والبقية عبارة عن ملوثات أهمها:
1. مواد عالقة.
2. مواد عضوية قابلة للتحلل.
3. كائنات حية مسببة للأمراض.
4. مواد مغذية للنبات نتروجين، فوسفور بوتاسيوم.
5. مواد عضوية مقاومة للتحلل.
6. معادن ثقيلة.
7. أملاح معدنية ذائبة.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 101