بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

استصلاح الأراضي

استصلاح الأراضي

أبرزها مطار امستردام

الأراضي المستصلحة من البحر

أمل جاسم

عندما نرى الطائرات تحط في مطار أمستردام يصعب التخيل أنه لو ظل المكان على حالته الأصلية لحطت هذه الطائرات على بحيرة شاسعة، فإلى حدود القرن التاسع عشر كان موقع ونواحي مطار شيفول قعرا موحلا لبحر هارليم الذي يغمر مساحة 180كيلو مترا مربعا تقريبا ويصل عمقه إلى ثلاثة أمتار ونصف، لكنه أصبح سهلا فسيحا بعد أن تم تجفيفه بين سنتي 1837م و 1847ميلادية.

إذا كان سم هولندا يستعمل للإشارة إلى البلاد المنخفضة، فقد كان يعنى في الأصل البلد المجوف، وفي الواقع كان جزء كبير من هذه الأراضي في غاية الانخفاض لدرجة أن فيضانات بحر الشمال والعديد من الأنهار كانت تغمره مرارا.

كانت سواحل بلجيكا وهولندا أكثر ارتفاعا مما هي عليه الآن قبل القرن الثالث عشر، فنادرا ما كانت تبرز المناطق المغمورة بالمستنقعات والبحيرات، ثم أخذ مستوى المياه يرتفع تدريجيا إلى أن غمر الأراضي المجاورة. وخلال القرن الثالث عشر اكتسح بحر الشمال الساحل وكون خليجا شاسعا متصلا بالبحيرة.

في أوائل القرن الخامس عشر أصبح مكان ما يسمى ببحر «هارليم» لاحقا عبارة عن عدة برك، وبعد عدة فيضانات بحرية أصبحت هذه البرك بحيرة واحدة كبيرة. مكن تجفيف هذه البحيرة من استصلاح أراضي جديدة وزراعتها وانشاء مطار وعدة قرى وأيضا بناء مدينة تجاوز عدد سكانها 55ألف نسمة. يتكون حوالي خمس مساحة «الأراضي المنخفضة» من الأراضي المستصلحة من البحر. لا يزال برنامج تهيئة الأراضي المستصلحة من البحر متواصلا، فيما تغطي هذه الأراضي 500 كيلو متر تقريبا في بلجيكا.

كانت جزر «فريسون» في بداية التقويم الميلادي كثبانا رملية تحد الشاطيء، وحوالي القرن الثالث ارتفع مستوى البحر فتدفقت المياه وحولت الكثبان إلى جزر، لجأ السكان عندئذ إلى بعض التلال التي أقاموها بطريقة اصطناعية وسط المستنقعات، ثم أخذوا في حمايتها وتوسيعها تدريجيا من فيضانات البحر والأنهار وذلك عن طريق بناء حواجز مرتفعة.

في عام 1287 اكتسحت مياه بحر الشمال الأراضي إلى حدود بحيرة «فليفو» فكونت خليج «Zuiderzee» بعدما غرق ما بين 50 إلى 80 ألف شخص، وتم بعد ذلك بناء سدود أكثر ارتفاعا ولكن في سنة 1421 حدث تلاطم عنيف للأمواج دمر سور الجنوب الغربي وخلف حوالي 10 آلاف قتيل، وخلال القرون الوسطى بدأ استعمال طواحين الهواء لضخ المياه وبذلك أمكن تنمية الأراضي المستصلحة من البحر.

في مملكة البحرين تم إنشاء معظم الصروح الواقعة على البحر على أراضي مستصلحة من البحر، حيث تم توسيع السطح بنسبة الخمس نتيجة لاستصلاح هذه الأراضي من البحر، ولا زال الاستصلاح قائما إلى الآن.

كيف يتم استصلاح الأراضي

يمكن تلخيص عملية استصلاح الأراضي في إحاطة الأراضي الواقعة تحت مستوى البحر بقناة مخصصة للتخلص من الفائض المائي، ثم تحصينها بحاجز داخل القناة، بعد ذلك تباشر عملية الضخ، وحين يصير سطح الأرض المستصلحة جافا تماما بحيث لا يخشى انخفاضة، تحفر شبكة من الخنادق تنقل الماء إلى الطاحونة، ويتم إخصاب التربة بإزالة الملح منها والحفاظ على تصريف عميق للمياه.

تنشأ الأراضي المستصلحة من البحر اما عن طريق إسترداد الإنسان للسواحل المغمورة بالمياه البحرية أو عن طريق تجفيف المستنقعات والبحيرات.

تشير الكلمة الهولندية Polder والتي تعني الأراضي المستصلحة من البحر إلى كل منطقة تقع تحت سطح البحر يكون الإنسان جففها وجعلها صالحة للزراعة، ويتم بناء حواجز لصد المياه حول هذه الأراضي، كما توضع مضخات كانت تشغلها سابقا الطواحين الهوائية وصارت الآن تعمل بالكهرباء أو محركات الديزل أيضا لصد المياه.

تم التفكير منذ القرن السابع عشر في استصلاح الأراضي الضائعة في خليج «زودرسي» غير أن المخطط الخاص بذلك لم يوضع إلا سنة 1890 من قبل مهندس اسمه «كورنليس ليلي» (1854-1929). وفي سنة 1918 تمت الموافقة على هذا المشروع. ولم يتم البدء في التنفيذ إلا في عام 1927 وذلك للحصول على اليد العاملة الكافية.

بدأ العمل بتشييد حاجز طوله 30 كيلومترا بغية إغلاق مدخل الخليج، والذي زاد من صعوبة عملية البناء حدوث المد مرتين في اليوم، ولم تنته عملية البناء إلا سنة 1932. وبفضل هذا الحاجز أمكن اندثار «زودرسي» الذي حلت محلة «إيسلمير» وهي بحيرة مياه عذبة، وبعد أن انفصلت عن جزر «فريسون» بواسطة البحر الداخلي تكون ما يعرف باسم «وادنسي».

وأقيم نظام واسع للهويسات يتحكم في مستوى المياه عند حدوث الفيضانات، مما حول البحيرة إلى خزان مائي يستعمل لسقي المزروعات. وتمثل الطريق التي بنيت على امتداد الحاجز شريانا مهما للمواصلات.

أراضي إيسلمير المستصلحة

مشروع جزر امواج بالبحرين ذو الأراضي المستصلحة من البحرفي الموقع الأصلي لبحيرة «إيسلمير» والذي تبلغ مساحته 1240 كيلومتر، تمت تهيئة خمس أراض مستصلحة، وتصل مساحة أولى هذه الأراضي إلى عشرين ألف هكتار وتقع تحت سطح البحر بستة أمتار وقد صرفت مياه البحر منها بين سنتي 1927 و1930. جففت هذه الأراضي بواسطة محطة الضخ الكبرى « ليلي « التي كانت تمتص المياه بواقع 1250 مترا مكعبا في الدقيقة.

وصف الخبير رونالد واترمان الفوائد العديدة للعمل بتناسق مع العوامل الطبيعية وأحد فوائد تمديد السواحل ليس فقط الحصول على أراض جديدة وإنما المساهمة في حماية السواحل من الارتفاع المتصاعد في مستوى سطح البحر. توفر الأراضي الجديدة فرصا اقتصادية جديدة إضافة إلى توفير مساحة أكبر للبيئة، كما يسهم استصلاح الأراضي الساحلية في تخفيض مشكلة ازدياد الملوحة في المياه الجوفية.

إبان الحرب العالمية الثانية فكر الهولنديون بإغراق الأراضي المستصلحة وذلك لدرء اجتياح ألماني محتمل، لكن الهجوم كان أسرع مما كانوا يتوقعون حيث أن الألمان هم الذين بادروا بإغراق «ويرنجيمير» في 17 أبريل 1945، أما الأراضي المستصلحة في الشمال الشرقي لم يتوقف تجفيفها رغم ظروف الحرب، بالإمكان أن نرى في الأراضي البلجيكية والهولندية المستصلحة من البحر أشجار الصفصاف التي تتسم بخاصية امتصاص الماء من باطن التربة.

وفي بنغلاديش تشكل شبكة الأراضي المجففة من البحر والتي بدأ استصلاحها منذ عام 1960 لحماية القاطنين بجوار البحر من غزو الأمواج والفيضانات، خط الدفاع الأول لملايين السكان الذين يعيشون على الحزام الساحلي لتلك الدولة. وقد أثبتت هذه الشبكة التي يبلغ عددها حاليا 124 قطعة مختلفة الأحجام ممتدة على طول 100 كيلو متر فاعليتها في خفض الخسائر وكمية الدمار خلال الأعاصير.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 108