فيلكا والعدان وملح شواهد تاريخية على أرض الكويت
ريهام محمد
قراءة الماضي بلغة الحاضر متعة خاصة يجيدها ببراعة العاشق للتراث أحمد بن محارب الظفيري حيث يضفي على قراءاته طابع الروعة ونكهة التراث التي تجعل للحديث معه سحر ينقل المستمع إلى أماكن وأزمان في أحضان الذاكرة.
والرحلة التي على وشك أن يصحبنا إليها الظفيري هي إلى جزيرة فيلكا وأماكن أخرى ارتبطت بحضارات وتضاريس الأرض في الكويت.
استهل الظفيري حديثه معنا وقال: أكد علماء التاريخ القديم وعلماء الآثار الدنماركيون الذي نقبوا عن الآثار القديمة على طول الخليج العربي أن السكان القدماء لهذا الخليج يرجعون بأصولهم القديمة إلى جزيرة العرب ن فهي موطن أجدادهم الأقدمين ومنها انطلقت موجات هجراتهم البشرية إلى سواحل الخليج العربي بسبب تأثرهم بدورة الحرارة والجفاف التي دخلت على مناخ الجزيرة العربية بعد دورة البرودة والأمطار ، وهؤلاء المهاجرون سكان الخليج يكونون نسيجا بشريا متشابها في اللغة والعادات والتقاليد والمعتقدات.
ويتابع: وخلال التقنيات والحفريات التي قامت بها بعثات الآثار الدنماركية في دول الخليج العرب العربية اكتشف علماء هذه البعثات وجود حضارة انسانية قديمة بدأت منذ 5000 سنة مضت تسمى بالحضارة الدلمونية شملت كل ساحل الخليج العربي وسميت بالدلمونية نسبة إلى مدينة دلمون «Dilmun» (( البحرين )) التي هي المركز الأساسي لهذه الحضارة، ومنها انتشرت إلى كل المدن والجزر الواقفة على الخليج وهي حضارة من حضارات عصر فجر التاريخ الذي يبدأ حوالي 3000 سنة قبل الميلاد.
واسم دلمون من الأسماء العربية القديمة التي تنطق بعدة صيغ مثل دلمن، دلمان وفي جزيرة فيلكا عثرت بعثة الآثار الدنماركية سنة 1960 على مجموعة من الأختام الدلمونية بلغ عدد 400 ختم دلموني، وفي سنة 2005 عثرت بعثة الآثار السلوفاكية على مجموعة ضخمة من الفخاريات الأثرية وهذا يؤكد أن جزيرة فيلكا كانت خلال عصر فجر التاريخ تعيش فترة الحضارة الدلمونية الممتدة من 3000 ق.م إلى 2000 ق. م وكانت خلال هذه الفترة مركزا مهما للتجارة العابرة وتخزين البضائع على اختلاف أنواعها وأصنافها وكانت شواطئ الجزيرة تنعم بالكثير من الموانئ والمرافئ « البنادر والفرمن» التي تستقبل الكثير من المراكب والقوارب التي تمخر عباب مياه الخليج بجودة أشرعتها وبقوة سواعد ربابنتها وكانت تنقل البضائع من دلمون البحرين إلى عمان واليمن والهند مثل التوابل والطيوب والبهارات واللؤلؤ والذهب والفضة والعقيق والعاج والملابس والأطعمة وسبائك النحاس وقطع الحديد والأواني المعدنية والأصباغ.
ويواصل : ويقوم أهل فيلكا وأهل سواحل كاظمة بنقل هذه البضائع بمراكبهم وبمساعدة أصحاب البضائع بالدلالة وتوصيلهم إلى موانئ بلاد وادي الرافدين ومن هناك يجلبون الحبوب والتمور والملابس ، وكانت المراكب التجارية عندما تنطلق من فيلكا بعضها يسلك نهر دجلة والفرات وتكوين شط العرب على وجه التأكيد فالنصوص التاريخية القديمة وروايات الاخباريين الرومان والعرب تشير إلى أن النهرين كانا يصبان منفصلين في الخريج العربي.
انتقل الظفيري بعد ذلك إلى منطقة العدان, اصلها واشتقاقاتها حيث قال: العدان اسم يطلق على ساحل البحر التابع لدولة الكويت وبعض المؤلفين والكتاب يجعله اسما لكل ساحل بحد ممتد من الكويت إلى البحرين والآن لنرجع معا إلى معاجم التاريخ لنرى ماذا يقولون عن عدان: قال أبوعبدالله شهاب الدين ياقوت الرومي البغدادي في كتابه معجم البلدان عن العدان ما يلي: العدان هو موضع في ديار بني تميم بسيف كاظمة.
ونقول عدن فلان بالمكان يعدن، ويعدن عدناً وعدوناً أقام بالمكان والعدان موقع العدون أي موقع الإقامة والعدان موضع كل ساحل ، وعدان البحر بفتح العين ساحله وعدان النهر ضفته والعدان أرض بعينها وهي موضع على سيف البحر يعرف بعدان السيف وعدنت الإبل بمكان كذا تعدن وتعدن عدناً وعدوناً أي أقامت في المرعى واسم عدنان مشتق من العدن وهو أن تلتزم الابل المكان فتألفه ولا تبرحه.
والمعدن مكان كل شيء فيه أصل ومبدؤه نحو معدن الفضة والذهب والأشياء ومعادن العرب أي أصولها التي ينتسبون إليها ويفخرون بها وفلان معدن للخير والكرم اذا جبل عليهما.
وجنات عدن أي جنات إقامة لمكان الخلد وقول الاخبارييون العرب في مؤلفاتهم إن كل القبائل العربية العدنانية الشمالية ومنها قبيلة قريش تنتشب إلى عدنان وكان ابر زمانه جاء اسمه من كثرة الابل التي تعدن حول بيته أي تمرح « تقيم» وعدنان أنجب معد ومعد أنجب نزاراً ونزاراً أنجب أربعة هم مضر وربيعة واياد وأنمار.
المحط الثالث للأماكن في ذاكرة الظفيري كانت « ملح» في أشعار العرب وتواريخهم وهي أرض متضامنة قريبة من قارة «أكمة» وارة الدائمة الصيت ويوجد بها الكثير من الآبار القليلة العمق وهي التي يمسها البدو « حسيان» جمع حسو ، وكان البدو والكثير من قبائل العوازم قبل النفط يقطنون عليها وكان منظر بيوت الشعر المتراكمة على حسيان ملح وعقل آباره يبهج القلب ويسر الناظرين وكانت بعض الأسر الكويتية القروية تقطن على ملح وتزرع الخيار والبطيخ والطروح والحبوب. وينطق أهل الكويت حاضرة وبادية اسم ملح بفتح الميم.
وجاء في هامش ص 26 من كتاب الدرر للشيخ ابراهيم بن صالح بن عيسى شرح لمحقق الكتاب الاستاذ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ عن « ملح» ما يلي:
ملح بفتح الميم واللام واسكات الحاء موضع معروف قرب الكويت وهو الآن قرية آهلة بالسكان.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 104