تسلقها طوال 10 أيام على ارتفاع 18 ألف قدم
أحمد القناعي.. مغامر كويتي بدراجته النارية في جبال الهملايا!
رجب أبو الدهب
مصرفي شاب في السادسة والعشرين من عمره، يعشق ويهوى اكتشاف الطبيعة، والبحث في أسرارها وكنوزها، مغرم بقيادة الدراجات النارية، ليس فقط بالطرق المعبدة، وإنما يفضلها في الطرق الوعرة، هوايته التخييم وحب المغامرة.. أحمد جاسم القناعي، تردد اسمه في الآونة الأخيرة كمغامر خاض الصعاب وقهرها طوال رحلته المثيرة إلى جبال الهملايا خلال عشرة أيام متواصلة من تجاوز الطرق الوعرة والضيقة، وعبر الأنهار والجداول، وتجاوز القطع الصخرية والثلوج المتساقطة، وتغلب على المنعطفات «العمياء».. وعن جميع ذلك وغيره الكثير حاورناه في مجلة «بيئتنا» فخصنا بتفاصيل شيقة ومثيرة.
* اجتزت رحلة وعرة وخطرة في جبال الهملايا، فلماذا توجهت إلى تلك المغامرة أو بالأحرى رحلة التحدي والصعاب؟
بداية، الرحلة كانت إلى منطقة من أحلى بقاع العالم، وسمعنا عنها كثيرا، بالاضافة إلى أننا رأينا الكثير أيضا من الصور الرائعة لها، ولكن التجربة تختلف، فعندما تكون في نفس المكان بالتأكيد الأمر سيكون مختلفا عما تشاهده في الصور.
وكم كنت أود الخروج في رحلة إلى سلطنة عمان ولكن الظروف لم تكن سانحة، وبعد فترة زمنية تعرفت على شخص هندي الجنسية، وتوطدت علاقتنا حتى صرنا اصدقاء، وذات يوم قال لي الكثير والمثير عن تلك الرحلة، أي إلى جبال الهملايا، وصادف ذلك أنني كنت أفكر في رحلة مشابهة، ففورا وافقت على القيام برحلتي المثيرة إلى الهملايا.
* نود أن تلقي الضوء على تفاصيل تلك الرحلة، بداية من وصف المكان، ومسارات الرحلة، فضلا عن الاستعدادات والزملاء.
بدأت الرحلة من الكويت لنيودلهي عن طريق الطيران، وكنت الوحيد من الكويت، وهناك تعرفت على المجموعة المرافقة، ومن نيودلهي أخذنا القطار لجندقار ومن هناك بدأت الرحلة باتجاه كشمير.
وكنا 9 أفراد، ثلاثة كنديين، وثلاثة هنود، وعماني، وفرنسي، بالإضافة لي، وكما ذكرت جميعا لم نكن نعرف بعضنا إلا هناك، ولكن جمعنا حب الدراجات النارية بالإضافة إلى الطبيعة والمغامرة.
وحول مسارات الرحلة، كانت البداية أو الانطلاقة من جندقار والنهاية في كشمير، والرحلة تقريبا كانت هناك طرق بدايتها معبدة ومناطق بها حضارة ومدن وقرى صغيرة، ولكن يوما بعد يوم يصبح الطريق أسوأ فأسوأ، فهناك طرق غير معبدة ورمال وصخور، فضلا عن طرق معدة لاستعمال الجيش فقط ويفتحونها للناس طوال شهرين أو ثلاثة فقط، على مدار العام خلال فصل الصيف، علما بأن دخول تلك الطرق عن طريق تصاريح كنا نقدم عليها وبعدما نحصل على الإذن نكمل مسيرنا، كما كانت هناك بعض الطرق لا تستحق أن توصف طرقا ولكننا رغم ذلك كنا نستمر ونواصل ونكمل طريقنا باجتياز جداول وأنهار صغيرة.
* وفي عجالة، متى انطلقت الرحلة ومتى انتهت وكم استغرقت ذهابا وعودة والمسافة التي اجتزتها؟
بدأت الرحلة يوم 25/6 ذهابا وانتهت بعد نحو 10 أيام، أي في السابع من شهر يوليو، والرحلة المغامرة كانت ذهابا فقط لأننا عدنا بالطائرة، فقد كانت النهاية في منطقة كشمير كنقطة نهاية، وهي منطقة حضارية وبها مطار، غير المناطق التي عبرناها، ورجعنا من كشمير إلى نيودلهي عن طريق الطيران الداخلي ومن ثم إلى الكويت. والرحلة بلغت نحو 1400 كيلو متر في طرق غير معبدة.
* لكن تلك الرحلة الصعبة غالبا ما يصاحبها مخاطر ومعوقات، فماذا عن ذلك؟
على ذكر المخاطر، لقد تعرضت خلال الرحلة لحادثين، فمع انطلاق المسير بدأت المعوقات، حيث انهمر المطر في أول يوم وكانت الطرق «زلقة»، والجميع هناك يتعودون على طبيعة المرور بالهند، فلا بد لك من السير على اليسار حسب مقود القيادة( مثلما الأمر في بريطانيا، وهناك لا بد أن تتعود على ذلك، عكس القيادة في الكويت والسير على اليمين لوجود عجلة القيادة على اليسار، فتخيل نفسك لو انشغلت (سرحت) لفترة وجيزة عن القيادة، بالتأكيد ستجد نفسك في الطريق الخطأ أي الجهة المقابلة لك، فضلا عن الطرق جدا ضيقة، فعرض الطريق ينحصر ما بين مترين ونصف المتر إلى ثلاثة أمتار تقريبا، ويستعمل للجهتين، فضلا عن أنه مليئا بالمنعطفات العمياء، بمعنى أنك سوف تصل لمنعطف ولكنك لا تدري إذا كانت هناك سيارة قادمة من الجهة الأخرى أم لا لوجود صخور بكثافة.
وفي أول يوم للرحلة صادفتنا قردة تقفز أمامنا ونحن نسير بالدراجات النارية، وفي الأيام التالية لم تكن الطرق معبدة، فقد كانت «زلقة»، وخلال المسير تنجرف أجزاء من الطريق مع السيل أو الماء المنهمر، وكذلك تتساقط الصخور من أعلى، وفي أوقات لاحقة كانت هناك مرتفعات ثلجية على اليسار بارتفاع من 6-7 أمتار مشكلة حائطاً ثلجياً في حالة ذوبان ويتجه للأسفل باتجاه النهر، وهنا علينا المرور خلال ذلك الماء المنجرف شديد البرودة، وهنا تعرضت لحادث بأن سقطت في هذا الماء بعد أن «دست» على صخرة غير ثابتة، وعندما هممت بالوقوف حاولت تشغيل الدراجة فلم تعمل، وبعد فترة شعرت بحالة «خدور» في رجلي ثم ألم ولم أعد أشعر بها نهائيا فخرجت وتركت الدراجة حتى دخل زميل قادم بعدي وحاول العبور فلم ينجح في ذلك وأصيب أيضا بنفس «الخدور» والألم، وأخيرا استطاع ثالث أن يشغل الدراجة وأخرجها من الماء وأكملنا سيرنا.
كما أنني تعرضت لإصابة أخرى في منعطف أعمى، بمعنى أنك لا ترى ولا تعلم ان كانت هناك سيارة أو شاحنة تمر بالجهة الأخرى أم لا، وهنا تطلق أدوات التنبيه على أمل أن من يأتي يسمع وينتبه ومن ثم يخفف السرعة أو يعطي مجالا، وهنا لم ينتبه أحد القادمين من الجهة الثانية، واصطدمت به وجها لوجه وحدثت إصابات، ولم تكن هناك كسور، وتناولت حبوبا مخففة للألم، وأكملت سيري في هذا اليوم ثم ذهبت لمكان صغير به كشك صغير وأجريت أشعة عبر ماكينة أشعة تعود للسبعينيات، بمعنى أن الأشعة تتحمض، ولم يكن هناك كسور في الأشعة، واستعنت بالمضادات المخففة للألم حتى نهاية الرحلة.
* على الجانب الآخر، دعنا نتحدث عن إيجابيات الرحلة، أو بالأحرى المغامرة.
في بعض الأماكن بالرحلة كنت أفكر وأقول لنفسي لماذا أتيت لهنا «مطر وبرد وطين وطريق صعب»، وكنت أريد أن أنتهي بسرعة من الرحلة «أفتك» مما أنا به، ولكن بعد الوصول لمكان لاحق كنت أنسى المكان السابق، وما مررت به من صعاب، نظرا للطبيعة الخلابة الساحرة التي أتواجد بها في هذا المكان من سماء صافية وألوان زاهية منوعة وعديدة ولم أكن أصدق نفسي إلا وأنني داخل لوحة طبيعية أخاذة، وذلك ما كان ينسيني التعب والألم الذي مررت به في اليوم السابق أو الساعة الماضية.
* وبعد انتهائك من تلك المغامرة الممتعة والشيقة والمحفوفة بالمخاطر، هل لديك النية لتكرارها مستقبلا؟ ولماذا؟
بالتأكيد سأكررها، وتلك التجربة لا ولن أستطيع نسيانها، وحاليا إذا عدت وشاهدت الصور، وأقارنها مع ذاكرتي فأجد أنها، أي الصور لا تمثل عشرين بالمائة لشدة صفاء ونقاء المناظر والمشاهد والألوان الخلابة، لذا أفكر في رحلة مماثلة إلى بوليفيا في أمريكا الجنوبية.
وقد أفكر في الهملايا بعد سنة أو سنتين، وأذكر أن أحد المشاركين في الرحلة قام بها 3 مرات، وكان يقول لنا كل مرة أشاهد أشياء لم أشاهدها من قبل، وكل مرة مختلفة عن سابقتها كتضاريس وعوامل تعرية حتى لو كانت الرحلة قبل شهر واحد، لذا أنوي الذهاب مرة أخرى على الأقل لعمل مقارنة بين المرتين أو الرحلتين.
* على ذكر رحلتك لجبال الهملايا، هل قمت برحلات مماثلة في أماكن أخرى؟ وهل تنوي القيام برحلات غيرها في أماكن مثيرة؟
بالسابق كنت أقوم برحلات تخييم ليومين أو ثلاثة داخل الكويت أو السعودية، وهذا شيء بسيط مقارنة برحلة الهملايا، وقد قدمت بالتخييم طوال عشر سنوات بنظام «الكشتات» يومين أو ثلاثة في منطقة معينة ثم ننتقل إلى مكان آخر، وكان هذا يحدث مرة أو مرتين في نهاية كل أسبوع، والتخييم يكون من شهر نوفمبر حتى نهاية شهر مارس بالكويت، وأستطيع أن أقول إنني أخيم نحو 30 مرة في السنة كهواية فضلا عن مخيم العائلة الدائم، وكما قلت لك سابقا أفكر في القيام برحلة إلى بوليفيا ولكن ذلك الأمر يحتاج لمزيد من الترتيب والإعداد.
* وماذا عن أصعب المواقف التي مررت بها خلال مغامرتك؟
كما ذكرت سابقا تعرضت لحادثين، بالإضافة إلى أننا كلما ارتفعنا لأعلى وصلنا إلى 18 ألف قدم، وهو أعلى طريق في العالم، عندها تقل نسبة الاكسجين بصورة كبيرة، فنجد صعوبة في التنفس وتحدث «دوخة»، وبعض زملائنا تعرضوا لمشاكل تنفسية وأحدنا دخل المستشفى إثر ذلك.
كما أن أحد الزملاء، وهو كندي الجنسية، تعرض لموقف صعب ومؤلم عندما وقع له حادث وانكسرت عظمة الترقوة، وكانت أقرب مستشفى على بعد 300 كيلو متر، فأكمل السير مستخدما حبوباً مسكنة للألم حتى وصلنا وجهتنا ونقلته سيارة كانت تمر بالطريق إلى المستشفى.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 141