مدير دائرة السواحل وتلوث الهواء بمعهد الأبحاث
د. مانع السديراوي: ملوثات "أم الهيمان" أقل من المناطق الأخرى.. وتشاركنا 15 جهة حكومية
لقاء رجب أبو الدهب
مديرة دائرة السواحل وتلوث الهواء بمعهد الكويت للأبحاث العلمية.. حصل على دكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة أبردين باسكتلندا عام 1991.. شارك في الكثير من الأبحاث العلمية في مجال تلوث الهواء والتصحر.. لديه العديد من الأوراق والمنشورات في مجلات علمية في مجالات مختلفة.. الدكتور مانع السديراوي.. التقيناه للوقوف على آلية ومنهجية وغايات مركز دعم متخذ القرار لإدارة الأزمات البيئية والتنمية المستدامة.. ورؤيته حول العديد من القضايا البيئية المثارة..
* لدى معهد الكويت للأبحاث العلمية خطط استراتيجية في مجال دعم متخذ القرار لإدارة الكوارث البيئية، نود إلقاء الضوء على تلك الخطط.
من الأهمية التأكيد على أن الكوارث والأزمات البيئية في دولة الكويت تنحصر في الكوارث الطبيعية والكوارث البشرية، وعندما نتحدث عن الكوارث والأزمات البيئية الطبيعية بدولة الكويت نستطيع حصرها في الكوارث الجيولوجية والجيوفيزيائية مثل الهزات الأرضية والانهيارات والفجوات والكهوف، وهناك الكوارث الهيدرولوجية المناخية مثل السيول الفجائية كتلك التي حدثت في منطقة الشعيبة الصناعية في يناير 2007، والعواصف الرملية كما حدث في شهر مارس من العام الماضي، والجفاف، وهناك أيضا نفوق الأسماك الذي حدث عام 2001 على سبيل المثال. وثمة نماذج عن الكوارث والأزمات البيئية البشرية التي وقعت في الكويت، ومنها حرائق آبار النفط وتلوث التربة، وانبعاثات غازية من مرادم النفايات، فضلا عن تدهور إنتاجية التربة ببعض مزارع الوفرة بسبب سوء إدارة مياه الري.
* من المعروف أن إدارة الأزمات بشكل فعال يتطلب عدة محاور رئيسية، وبالتأكيد حددتم تلك المحاور عند رسم استراتيجيتكم لإدارة الأزمات البيئية، فكيف تصف لنا ذلك؟
من الطبيعي والبديهي أن تعتمد إدارة الأزمات البيئية بشكل فعال على محاور إجرائية تؤطر آلية العمل للوصول إلى المخرجات المأمولة، وتلك المحاور حددناها في أربعة وهي:
1. أدوات الاتصال السريعة والمتعددة وتكوين شبكة موسعة مع كل الأطراف والفرق واللجان العاملة.
2. توفير البيانات الدقيقة والصادقة والشاملة.
3. التنسيق السريع مع كل الجهات العاملة والمعنية بالأزمة.
4. القواعد والإجراءات مع مراعاة سرعة اتخاذ خطوات فاعلة تضمن توفير قدر كبير وطيب من السيطرة على الأزمة.
* وصفت خطط المعهد في مجال دعم متخذ القرار لإدارة الكوارث البيئية بالتحول الاستراتيجي، فكيف تفسر لنا ذلك؟
شهد مطلع العام 2008 التوجه نحو إجراء تحول استراتيجي في عمل المعهد من خلال مشروع طموح، وتم تحديد هدف المشروع بأن يصبح معهد الكويت للأبحاث العلمية مركزا للتميز على المستوى الدولي، يعتمد الابتكار والإبداع لدعم التنمية الشاملة والمستدامة بدولة الكويت.
* ما دمنا نتحدث عن الأزمات البيئية، فماذا عن مركز البيئة والعلوم الحياتية؟
عند الحديث عن مركز البيئة والعلوم الحياتية من الأهمية أن نشير إلى أنه يتم تنفيذ أنشطته من خلال عشرة برامج رئيسية تشمل برامج بيئية وإنتاج غذاء وبرامج متداخلة، وهي كالتالي: برنامج جودة الهواء، وبرنامج التنوع البيولوجي للنظم البيئية الصحراوية، وبرنامج إدارة الموارد البحرية، وبرنامج إدارة السواحل، وبرنامج إدارة بيئية، وبرنامج التكنولوجيا الحيوية، وهناك برنامج دعم متخذي القرار لإدارة الكوارث البيئية، وبرنامج الإنتاج الزراعي وبرنامج الزراعة السمكية، ونسعى من خلال برنامج دعم متخذ القرار لإدارة الأزمات البيئية إلى تحديد وفهم الأزمات المرتبطة بالكوارث البيئية والتكنولوجية حتى يمكن تقديم الدعم العلمي لمتخذ القرار لإدارة الأزمات.
* وكيف توجز لنا أهداف وغايات المركز؟
يهدف المركز إلى دعم متخذ القرار في إدارة ومواجهة الطوارئ والأزمات البيئية والبشرية، وذلك من خلال تزويدهم بالبيانات والمعلومات الضرورية لإدارة الأزمات، والاستعداد والتخطيط المشترك باستخدام كافة وسائل التنسيق والاتصال، بهدف الحد من الكوارث والمحافظة على الأرواح والممتلكات.
* لا شك أن مهام المركز ونشاطاته واسعة ومتنوعة، فكيف تستطيع إيجازها في نقاط محددة؟
أولا: مرحلة الاستعداد والتحضير، وفيها يتم توفير التكنولوجيا الحديثة، ووضع السيناريوهات، بالإضافة إلى التنبؤ بالأزمة.
ثانيا: أثناء الأزمة، وفيها يتم توفير المعلومات وتقديم الدعم المالي.
ثالثا: ما بعد الأزمة، حيث يتم تقديم المساعدة العلمية لتحديد حجم الخسائر، فضلا عن تحديد أفضل السبل لإعادة التأهيل. ويتعامل كل من مركز إدارة الأزمات والطوارئ ومركز المعلومات ودعم متخذ القرار مع قضايا التلوث الهوائي والإشعاعي، والبيانات المناخية، والبيئة البحرية والساحلية، والبيئة الصحراوية، ورصد الزلازل، والمياه الجوفية، ونظم المعلومات الجغرافية، ومركز استقبال صور الأقمار الاصطناعية.
* وما هي الجهات المعنية في الدولة التي تتعاونون معها عند إدارة الأزمات البيئية؟
سيكون التعاون مع وزارة الداخلية (إدارة الدفاع المدني)، والإدارة العامة للاطفاء، ووزارة الدفاع، ووزارة الكهرباء والماء، ووزارة الصحة، ووزارة الأشغال العامة، وهيئة الطيران المدني، ولجنة متابعة القرارات الأمنية بمجلس الوزراء، والهيئة العامة للبيئة، والهيئة العامة للصناعة، وجامعة الكويت، والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، وبلدية الكويت، وشركة البترول الوطنية، والهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية.
* د.مانع، نود أن نتحدث عن بعض القضايا البيئية ومنها «أم الهيمان»، فهل هي آمنة بيئياً وفقا للإحصائيات والرصودات؟
لا أستطيع الجزم بذلك، والقرارات التي نتخذها حول أي موضوع بيئي يجب أن يعتمد على دراسات محلية، وتشمل أخذ قراءات لتركيز الملوثات المختلفة بالمنطقة، وكذلك حساب تركيز الملوثات عن طريق استخدام النمذجة الرياضية ومعرفة مصادر التلوث حول المنطقة، والقراءات التي أخذناها في دراساتنا السابقة تبين أن معدل الملوثات بالمنطقة لا يزيد عن مثيلاتها في المناطق الأخرى بالكويت، إن لم يكن أقل، ووجدنا ببعض المناطق تراكيز أعلى من أم الهيمان، والتلوث يشمل في كل مناطق الكويت الملوثات الرئيسية مثل الهيدروكربونات ومصادرها كثيرة ومنها السيارات والمصانع، وأي عملية حرق ينتج عنها، فضلا عن الملوثات الأخرى مثل أكاسيد النيتروجين، وأكسيد الكبريت، وأول أكسيد الكربون.
أكاسيد النيتروجين، وأول أكسيد الكربون مصدره السيارات العاملة بالبنزين، وكذلك المصانع التي تستخدم حرارة عالية مثل محركات الكهرباء، وكان أكسيد الكبريت مصدره الرئيسي محطات القوى الكهربائية، وأي نوع احتراق لوقود أحفوري ينتج عنه مركب الهيدروكربونات.
هذه المقدمة لموضوع أن هذه الملوثات تركيزاتها في أم الهيمان هي نفسها في بعض المناطق إنما هناك مركبات أخرى لم يتم قياسها في المراحل الأولى من الدراسة لأنها ليست رئيسية، وحاليا نبحث في هذا الأمر وندرس إذا كانت هناك ملوثات هوائية تتواجد بأم الهيمان.
* وماذا عن المركبات الهيدروكربونية؟
الهيدروكربونات مركبات عديدة مختلفة منها الخطر جدا ومنها متوسط الخطورة ومنها غير الخطر، ومن مركباتها الخطرة تسمى المركبات الهيدروكربونية العضوية المتطايرة، وهذه المركبات تحتاج لأجهزة ومختبرات خاصة لقياسها، ونحن نعكف من خلال دراساتنا لأم الهيمان على دراسة وبحث جميع الملوثات التي يمكن أن تسبب أضرارا للمواطنين أو ممتلكاتهم.
* هل نستطيع افتراض عدم وجود مشكلة نهائيا بأم الهيمان؟.
المهم اكتشاف هذه المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة لحلها وأسبابها، مثال على ذلك إذا تبين أن هناك تركيزاً عاليا من أحد الملوثات فإنه يمكن من خلال التكنولوجيا تحديد مصدر هذا التلوث ومعالجته.
* وما هي رؤيتك التخصصية حول مشكلة الصرف الصحي بمحطة مشرف؟
بشكل عام المشكلة التي حدثت بمشرف هي محطة ضخ الصرف لمحطات المعالجة، وعندما توقفت محطة الضخ اضطرت وزارة الأشغال لضخ المياه غير المعالجة مباشرة للبحر.
وثمة دول كثيرة لا يوجد عندهم معالجة للصرف الصحي وتلقى المياه غير المعالجة للبحر (في أوروبا وأمريكا) إنما المشكلة في الكويت هو وجود الجون وقلة حركة التيارات المائية قد يسبب تراكيز في هذه الملوثات وقد يسبب بعض المشاكل، وهي كالتالي:
1- المواد العضوية تستنفذ أكسجين المياه مما يؤثر على المياه البحرية، ولكن لم نرصد مشكلة كبيرة في نفوق من قبل رمي المخلفات، واستطاع النظام البيئي الطبيعي الموجود بالبحر احتواء ذلك ولم تحدث مشكلة.
2- الصرف الصحي يحتوي على كثير من الجراثيم والميكروبات، وهذا يؤثر على مستقبل السواحل في السباحة واستخدام المياه، ولكن لحسن الحظ البكتيريا والملوثات التي قد تضر لا تعيش طويلا، فضلا عن دقائق من دخولها في المياه يقضي بحلها طبيعيا. وأطمئن الجميع، والمشكلة لم تؤثر للآن على الإنسان والبحر، والبعض ممنوع من الصيد والسباحة في بعض الأماكن لتلوث المياه، ونتمنى ألا تتكرر المشكلة مرة أخرى، ونحمد الله أنها لم تتفاقم أكثر مما هي عليه.
وكنا متخوفين من القاء الصرف في البحر واكتشفنا أن ذلك ليس بالدرجة الكبيرة من الخوف لأن البيئة احتوت المشكلة، وهذا الأمر هندسي لا يمكن احتواؤه بيئيا من خلال تصليح محطة الضخ، والتأكد من عدم تكرارها، ونحن كخبراء بيئة ليس عندنا حل لها ما عدا توصية الناس ووضع تحذيرات.
* دكتور مانع، نود أن تلقي الضوء على مشكلة التصحر في الكويت؟
قفز في الكويت منذ السبعينات بسبب النشاط البشري وتوسعه والنمو الاقتصادي وكثرة السيارات رباعية الدفع وجشع بعض مربي الماشية مما أدى إلى تدهور البيئة البرية بشكل كبير جدا مثل انحسار الغطاء النباتي، وتدهور التربة من خلال الضغط وقيادة المركبات يؤدي إلى عدم استطاعتها حفظ مياه الأمطار ومن ثم القضاء على الغطاء النباتي، وهذه الأراضي المتدهورة تحتاج لعشرات السنين لتعود لوضعها الطبيعي وبشكل طبيعي، وممكن لأي شخص ملاحظة مدى تدهور البيئة الصحراوية من خلال مقارنة المناطق المحمية مع المناطق غير المحمية، ومثال على ذلك منطقة الإذاعة في كبد وهي منطقة محمية أمنياً، فعندما نقف عند سورها نلاحظ الفرق الكبير داخل السور وخارجه من حيث النباتات، وكذلك يمكن ملاحظة ذلك من خلال صور الأقمار الاصطناعية، فجميع المناطق المحمية مزهرة، بينما الأخرى خالية تماما من أي نباتات، وكذلك يمكن مشاهدة ذلك من خلال الصور الجوية لخطوط الحدود السعودية، فنرى مناطق داخلها الكثافة النباتية أكثر منها داخل الكويت، والسبب الجشع والازدهار الاقتصادي ومحدودية أراضي الكويت، فأين يذهب رعاة الغنم والماشية، والمشكلة أيضا في الاحتلال العراقي والآليات العسكرية آنذاك.
* وماذا عن الحلول التي تقترحها في هذه الخصوص؟
الإدارة السليمة للموارد الطبيعية والتنمية المستدامة، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتوفرة، وحاليا يوجد نمو في الوعي البيئي في الكويت من خلال اللجان والهيئات والجمعيات، ونرى زيادة عدد المحميات الطبيعية في الكويت، والتي تمنع الاستغلال الجائر للموارد الطبيعية وذلك لايكفي، ويجب أن يكون للجهات البيئية والرقابية دور أكبر في المحافظة على البيئة ووضع حلول ناجحة لهذا الأمر من خلال وضع التشريعات والمراقبة وتطبيق القوانين، ولا يمكن لأي حل أن ينجح بدون الوعي البيئي للمواطن من خلال محافظته على بيئته والشعور بأهميتها ويمكن الاستدلال على ذلك بمراقبة مرتادي البر في فصل الربيع واهتمام بعضهم بالبيئة بشكل ممتاز بينما الآخرون يعمدون بشكل مقصود أو غير مقصود لدمار بيئة من خلال القيادة على المناطق التي تزدهر بها النباتات، ومن خلال إلقاء النفايات والمخلفات وعدم إزالتها بعض انتهاء موسم البر.
المصدر : مجلة بيئتنا - لهيئة العامة للبيئة - العدد 145