بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

الغبار في الكويت

الغبار في الكويت

لها مكونات معدنية وإشعاعية

العواصف الرملية والغبارية في الكويت أشكال ومصادر متعددة

د. علي الدوسري وعبدالعزيز أبا

شكل 1. مصادر وإتجاهات العواصف الغبارية في الكويت  وحولها من يناير 2000 حتى ديسمبر 2010 (الدوسري وآخرون، قيد النشر) يعتبر تواجد الغبار نتاجا طبيعيا للظروف المناخية وخواص التربة والمحتوى الرطوبي الضعيف والغطاء النباتي المحدود علاوة على الاستخدام السلبي للأراضي. وقد تطرق الكثير من الباحثين إلى العلاقة بين العواصف الغبارية وكميات الأمطار حيث بينت بيانات الرصد العالمية ارتباطا ضعيفا عدا في سنوات الجفاف المتصلة.

أظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن الرياح السائدة هي المشكلة الرئيسية لطبوغرافية المنطقة. فالعواصف الترابية والغبارية تمثل ظاهرة متكررة في المنطقة التي لها تأثيراتها ليس على المستوى الإقليمي فحسب بل حتى على المستوى العالمي. فالغبار ظاهرة عالمية وإن كان ينتج غالبه من المناطق الجافة، حيث ظهرت رواسب الغبار في أوروبا وشرق الولايات المتحدة، وأن ما يقارب من مليار طن تعبر المحيط الأطلسي من أفريقيا كل سنة. فقد قدر باحثون آخرون كميات الغبار المجروفة من التربة بـ 500 × 106 طن من المواد المتطايرة في الجو. أوجد القمر الاصطناعي TOMS-Total Ozone Monitoring Satellite- صورا دقيقة لانتشار الغبار في الجو فوق اليابسة والمحيطات.

وقام معهد الكويت للأبحاث العلمية وبدعم من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (EC063C, Grant Number:2008-1401-01) من خلال دراسة الغبار المتساقط في الكويت عبر وضع 67 مصيدة للغبار. تم على إثرها رصد العواصف الغبارية لمدة عشر سنوات من يناير 2000 حتى ديسمبر 2010 للتعرف على مصادرها الإقليمية، ووضعت خريطة تفصيلية للعواصف الغبارية وأوقاتها، كما هو موضح بالشكل (1).

العواصف الغبارية في الجزيرة العربية والرافدين

أظهرت صور القمر الاصطناعي TOMS وغيرها من الصور الفضائية مصادرا مختلفة للغبار في الكويت والمناطق شمال الخليج العربي على وجه الخصوص تأخذ البعد الإقليمي والعالمي. هذه المصادر تمثلت بما يلي:

1. المصادر المحلية.

2. أهوار العراق والسهل الفيضي للرافدين.

3. الصحراء الغربية للعراق والبادية الشامية.

4. صحراء الدهناء وتكوين الدبدبة.

5. المنطقة الإيرانية المحصورة بين جبال زاجروس من الشرق وشط العرب ونهر دجلة من الغرب.

6. المصادر العالمية (معظمه من الصحراء الإفريقية الكبرى كما أظهرته بعض صور الفضائية الحديثة).

7. المصادر الكونية أو ما يسمى بالغبار الكوني ويمثل نسبة ضئيلة من مجموع الغبار المتساقط.

والعاصفة الغبارية التي هبت في يوم الجمعة 25 مارس 2011 كان غالبها من الصحراء الغربية للعراق القريبة مما صعب من مهمة لجان الطوارئ في المنطقة نظرا لقرب المسافة وقصر الزمن وسرعة الرياح الشديدة.

في حين أن المصادر المحلية الرئيسة حسب الدراسات التي قام بها معهد الكويت للأبحاث العلمية بالآتي:

1. جزيرتا وربة وبوبيان لما تحويانه من كميات مهولة من رواسب الطمي والغرين.

2. مسطحات المد والجزر في جون الكويت وخور الصبية والأخوار المتفرقة في الكويت.

3. الخباري الصحراوية ورواسب الطمي والغرين في بعض مجاري الأودية وخاصة الشمالية الغربية.

4. السبخات الساحلية والصحراوية.

5. الكثبان الرملية وخاصة المتواجدة في نطاق الهويملية- الأطراف حيث أنها تحوي على نسبة 4% من الرواسب المفككة من الطين والغرين والرمل الناعم.

6. المساحات الخالية والمهملة قليلة أو منعدمة الغطاء النباتي سواء في المناطق السكنية أو المناطق الصحراوية المكشوفة.

العواصف الغبارية خلال النهار التي تتعرض لها الكويت على سبيل المثال تمثل 25% من أيام السنة. إن المعدل الطبيعي للعواصف الغبارية في الكويت هو 26 عاصفة في السنة وهو معدل يفوق بأضعاف المعدل الطبيعي للعواصف الغبارية في الدول المجاورة. إن معدلات الغبار المتساقط على الكويت تحدث خلال هذه الأيام خسائر في الأرواح والممتلكات انعكست بشكل واضح من خلال بيانات الطوارئ في المستشفيات وحوادث الطرق.

الأشكال الوصفية للعواصف الغبارية

صحراء الدهناء في السعودية أحد مصادر الغبار الأحمر في الكويتتهب العواصف الغبارية بشكلين أو نمطين هما:

* الشكل العريض الذي يكون بعرض واسع أكبر من 200 كم، وهذا الشكل يدل على أن العاصفة ناشئة بفعل رياح متوسطة السرعة تنشط أحيانا، وهذا النمط من الأشكال هو السائد في العواصف الغبارية القادمة من الصحراء الغربية في العراق وسهل الرافدين، وقد يكون تكون هذا الشكل من العواصف في هذه الأماكن أيضا إلى الطبيعة الطبوغرافية الواسعة والمفتوحة للمنطقة مما يحد من سرعات الرياح ويفتح مجال أوسع لانتشار العاصفة الغبارية.

* الشكل الطولي المدبب الذي يمتاز بعرض متوسط يقل عن 150 كم، وهذا الشكل يدل على أن العاصفة ناتجة بفعل رياح عالية السرعة، وهذا النمط من الأشكال هو السائد في العواصف الغبارية القادمة من الأهوار وتكوين الدبدبة في امتدادات وادي الباطن في السعودية وإيران في المنطقة المحصورة بين جبال زاجروس وشط العرب، وقد يعزى تكون هذا النمط من العواصف في هذه الأماكن إلى الطبيعة الطبوغرافية الضيقة للمنطقة التي تحكم مسارات الرياح الطبيعية مما ينعكس على سرعاتها.

خواص العاصفة الغبارية ليوم 25 مارس 2011

عاصفة مارس 2011العاصفة الغبارية التي هبت في يوم الجمعة 25 مارس 2011 كانت من النوع العريض بعرض أكثر من 200 كم، وقد امتدت حتى وسط نجد وغطت عدة مدن منها الرياض والمنامة في نفس اليوم ودبي وأبوظبي في اليوم الذي يليه.

وأظهرت التحاليل تشابها لخواص الغبار المتساقط خلال العاصفة الغبارية بتاريخ 25 مارس 2011 مع الغبار المتساقط في مارس 2010 وهو احتواؤه على نسبة عالية من الكوارتز ( 44%) والكربونات (41%)، مما جعله الأعلى عالميا في المساحة السطحية للحبيبات نتيجة وجود التجاويف في حبيبات الكربونات.

كما أن معادن الفلدسبار والطين تتواجدان بكميات معتبرة، في حين أن الغبار في بقية دول العالم يكون الكوارتز هو الأغلب في حين تكون الكربونات بنسب أقل كثيرا. أن التوافق الشديد في التركيب المعدني وفي مساحة حبيبات الغبار المتساقط في مناطق متفرقة في الكويت التي تم قياسها عبر جهاز (BET-Surface Area Coulter SA-3100) يدل على أن المصادر وإن تعددت إلا أن مساهماتها بكميات الغبار متوافقة في جميع المناطق. كما أن دراسة الخواص الفيزيائية والكيميائية للرواسب الغباريــــــة عبــــر المجهر الإلكــــتروني (SEM) والتصنيف الحجمي للرواسب عبر (Laser Granulometer Analyser) أظهرت بما لا يدع مجالا للشك هذا التوافق الشديد في جميع شهور السنة. فرواسب الغبار يغلب عليه الغرين بنسبة 61% والرمل بنسبة 37% في حين أن الطين أو الطمي يمثل النسبة المتبقية (2%) . فعلى الرغم أن حبيبات الطين التي لا يتجاوز قطرها 2 ميكرومتر لا تمثل إلا %2 من الوزن الكلي للغبار المتساقط, فهي أكثر المسببات للمشاكل الصحية لقدرتها على الدخول للشعيبات الهوائية للجهاز التنفسي للكائن الحي ( إنسان - حيوان ).

إن من الجدير بالذكر أن الغبار المتساقط على جزيرتي وربة وبوبيان والصبية على وجه الخصوص يمتاز بميزات فريدة في التكوين النسيجي والمعدني بالمقارنة مع رواسب الغبار في من مناطق الكويت الأخرى.حيث يحوي الغبار أكثر من 25% من الحبيبات الطين الدقيقة ويحوي على كربونات كالسيوم أكثر.

فوائد العواصف الرملية والغبارية

للعواصف الغبارية فوائد كغيرها من الرياح، فهي تلعب دوراً مهماً في نقل حبوب اللقاح والمساهمة في تلقيح كثير من النباتات المختلفة، ومن فوائدها أيضا أنها تحجب أشعة الشمس عن المناطق التي تغطيها تلك العواصف ما يؤدي إلى خفض درجات الحرارة في تلك المناطق، إضافة إلى قدرتها على حمل المغذيات كالحديد إلى عرض البحار والمحيطات وإسقاطها بالبيئة البحرية، لتكون عاملاً مهماً لازدهار الطحالب البحرية المهمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد لاحظMackie) 2010) زيادات مهولة في كميات البلانكتونات النباتية في كوينزلاند-استراليا مباشرة بعد العاصفة الغبارية التي مرت بها المنطقة في أكتوبر 2002.

تركيز النظائر المشعة في غبار العاصفة ليوم 25 مارس 2011

تم تحديد النشاط الإشعاعي النوعي للنظائر (بيريليوم 7, الرصاص 210، البوتاسيوم 40) ذات المنشأ الطبيعي إضافة إلى نظير السيزيوم 137 ذي المنشأ الصناعي في غبار العاصفة، وتبين أن تركيز تلك النظائر تقع ضمن القيم المقاسة لتلك الفترة من السنة في الكويت ولا تتسبب بجرعات إشعاعية تؤدي إلى مخاطر صحية. أكدت قيم تلك المعدلات أن المصدر الرئيسي لتلك النظائر هو من المناطق الجنوبية الغربية للعراق حيث كان اتجاه الرياح وقت العاصفة «شمالي- غربي».

دلت كذلك حسابات معدلات التدفق الشهري لتلك النظائر على أنها منسجمة مع وسطي القيم المحسوبة لعام 2010 باستثناء معدل السقط الجوي من العوالق الكلية (TSP)، حيث تجاوزت القيمة أربعة أضعاف القيم المحسوبة لعام 2010؛ ويذكر أن لهذه القيم المرتفعة تأثيرا على الصحة تتمثل في زيادة تواتر وخطورة أمراض الجهاز التنفسي وإشاعة أمراض الربو Asthma.

بينت النتائج التحليلية للنسبة النظيرية بيريليوم/ رصاص (والتي تشير إلى سرعة وعظم امتزاج أو خلط الكتل الهوائية العالية والمنخفضة للغلاف الجوي) على أنها منخفضة في غبار العاصفة مقارنة بالمعدل الوسطي للعام 2010 في الكويت, حيث تجاوز الفرق الخمسة أضعاف، وهذا طبيعي لمثل هذه الظواهر.

طرق التعامل مع العواصف الرملية والغبارية

زراعة الصحراء لتثبيت التربةالتقليل من هبوب العواصف الغبارية والرملية يتم من خلال مكافحة أسباب هذه العواصف وفي مقدمتها مكافحة التصحر وزيادة الغطاء النباتي الذي يسهم بشكل كبير في تثبيت التربة ومنع انجرافها مع الرياح، ويكون ذلك من خلال السيطرة على المراعي الطبيعية وتنظيمها وإطلاق حملات شعبية ورسمية لغرض إيجاد حزام اخضر حول المصادر الرئيسة للغبار في المنطقة وتوفير الشتلات والمزروعات لغرسها بشكل نظامي وعمودي على اتجاه الرياح السائدة في المنطقة.

هذا الحزام الأخضر المطلوب لا بد إن يرافقه تشجيع لعمليات التخضير داخل المدن وذلك بزراعة المساحات الخالية والمهملة لضمان عدم إثارة الغبار والأتربة فيها حيث تبين أن أكثر من 30% حبيبات المترسبة في المدن يأتي بشكل رئيس من هذه المساحات حسب دراسة (Al-Dousari et al., 2007) التي أثبتت علميا أيضا أن الأحزمة الخضراء قللت كمية رواسب الغبار بنسبة 26% من خلال رصد شهري لمدة سنة عبر مقارنة كميات الغبار المتساقط في مصائد الغبار التي وضعت قبل وبعد الأحزمة الخضراء للمقارنة، بل أن كميات الغبار المتساقط انخفض بمقدار 50% جنوب منطقة تنتشر فيها المزارع كمدينة الجهراء بالمقارنة مع كميات الغبار في شمالها، أي في اتجاه الرياح السائدة (شمال- شمال غرب).

ناهيك أن عمليات التخضير تساعد في تلطيف أجواء المدينة وإيجاد متنزهات يرتادها الناس لقضاء أوقات الراحة والاسترخاء، وهناك تجارب عالمية في مجال زراعة المناطق الصحراوية من أجل تثبيت التربة وتحسين المناخ وقد لجأت بعض الدول المجاورة لفكرة الاستمطار (السعودية والإمارات) بغرض تثبيت التربة من خلال إعادة تأهيل النباتات الصحراوية.

كما أن إيجاد المحميات الطبيعية في اتجاه الرياح السائدة بالنسبة إلى المدن والتجمعات السكانية له كبير الأثر في تقليل كميات الغبار المتصاعد، فعلى سبيل المثال لا الحصر سجلت محمية صباح الأحمد أقل المعدلات في كميات الغبار المتصاعد بالمقارنة بالنتائج المحلية والإقليمية والعالمية.

كما أن منطقة المطلاع شمال الجهراء كمثال آخر منطقة خالية من أي غطاء نباتي وصنفت حسب الباحثين كمنطقة شديدة التدهور مما جعلها مصدر رئيسي للغبار وبالأخص على شمال مدينة الجهراء. إن من التوصيات المهمة تشجيع وتطبيق الزراعة الملحية في مسطحات المد والجزر بالإضافة إلى السبخات لما تمثله كمصادر رئيسة للغبار.

إن مثل هذه الحملات تحتاج إلى دعم مالي وثقافي وإعلامي واجتماعي كبير لنجاحها وكذلك تتطلب حضوراً ميدانياً فاعلاً للمسئولين والقائمين عليها لتعكس انطباعاً جاداً ورغبة صادقة منهم في خدمة الأرض والإنسان معاً.

شكر وتقدير

الشكر والتقدير لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي (EC063C, Grant Number:2008-1401-01) من خلال دعمها لدراسة الغبار المتساقط في الكويت والتي كانت قائمة حتى يناير 2012.

المصدر: مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 149