العالم يلهث وراء الماء!
داود الشراد
للماء أهمية خاصة من بين مكونات الغلاف (المحيط) الحيوي Biosphere، فجميع الكائنات الحية لا تستغني عنه للحفاظ على حياتها، فقد خلق الله سبحانه وتعالى من الماء كل شيء حي. تلعب المياه دوراً حيويا ومهما في جميع المجتمعات والدول حول العالم، فمنذ الأزل كانت المياه العذبة السبب الرئيسي لنمو المجتمعات السكانية وتطور الحضارات وازدهارها اقتصاديا وتجاريا.
وتعتمد مصادر المياه العذبة على طبيعة الدولة من حيث تركيبها الجيولوجي وظروفها المناخية، فمصادر المياه إما أن تكون بحيرات عذبة أو مجاري أنهار وخزانات مياه جوفية. ويغطي الماء في المحيطات والبحار أكثر من 70% من مساحة الكرة الأرضية تقريبا، كما يغطي الجليد بصفة عامة نحو 11% من مساحتها.
وتوجد المياه على كوكبنا في صورتين وهما مياه سطحية، ومياه جوفية Ground water وتسمى المياه فوق سطح التربة، مثل الأنهار والجداول والبحيرات بـ«المياه السطحية»، بينما يسمى الماء الذي يتحرك إلى الأسفل في طبقات الأرض بـ «المياه الجوفية»، وتنتظم حركة المياه على سطح الأرض وفي باطنها وفقاً لدورة منتظمة تسمى الدورة المائية، أو الدورة الهيدرولوجية.
والأرض بطبيعتها محدودة المصادر المائية العذبة التي تشكل %2.5 من مياهها، والبقية مالحة. لكن أكثر من ثلثي (%68.9) هذه النسبة الصغيرة محجوز في جليد القطبين وثلوج قمم الجبال الدائمة، ونحو 30.8% في التربة وباطن الأرض. والمتبقي ( 0.3% فقط) يمثل مياه الأنهار والبحيرات العذبة. ومعدل الأمطار بالكاد يوازن بين هذه النسب والاستخدامات البشرية في الحالات الطبيعية. وخلال القرن الماضي فقط فاق معدل الاستهلاك العالمي للمياه العذبة ضعفي معدل الزيادة في السكان وتشير الدراسات إلى أن 80 دولة في العالم – تضم أكثر من 40% من سكان الأرض – تعاني الشح المائي. وتأتي في طليعتها الدول العربية.
وتعد منطقة الشرق الأوسط أفقر بقاع العالم المأهولة على الإطلاق من حيث مصادر المياه، فرغم إنها تضم 5% من سكان العالم فإن 85% منها صحراء وتحظى بأقل من 1% من مياه العالم العذبة. وتشهد المنطقة أسوأ السياسات المائية، الأمر الذي يتطلب كلفة اقتصادية سنوية قدرها التقرير بنحو 1-3 % من الناتج المحلي الإجمالي. والبيئات البحرية بما تحتويه من مخزون حيوي هائل، تعد الأمل الحقيقي لحل مشكلة الغذاء العالمي. هذا بجانب أن الماء أساسي في إنتاج جميع أنواع المزروعات، مما لا يستغني عنها الإنسان و (أو) الحيوان.
صناعات وتطبيقات
ويدخل الماء في الكثير من الصناعات المختلفة بوصفه عاملا أساسيا مهما، وأيضا في محطات توليد الطاقة بأنواعها المختلفة، هذا بالإضافة إلى أهميته في النظافة البشرية وفي غيرها من التطبيقات البشرية الأخرى.
تبقى إمدادات المياه على كوكبنا ثابتة، لكن الإنسان قادر على تعديل دورة هذه الإمدادات الثابتة، والواقع أن الزيادة السكانية، والتوسع العمراني، وارتفاع مستويات المعيشة والنمو الاقتصادي والصناعي كلها عناصر أسهمت في زيادة الضغوط على بيئتنا الطبيعية، ويمكن لنشاطاتنا أن تؤدي إلى اختلالات في المعادلة المائية وتؤثر بالتالي على كمية ونوعية موارد المياه الطبيعية المتاحة للأجيال الحالية والمستقبلية.
وقد ازدادت كميات المياه المستخدمة في البيوت والصناعة والزراعة، لكن كمية المياه على كوكبنا محدودة، ووجه الخطورة هنا أن عدداً أكبر من السكان لن يستخدم فقط كميات أكبر من المياه، لكنه سيلقي إلى الأرض أيضا بكميات أكبر من مياه الصرف، ويؤدي الصرف المنزلي والزراعي والصناعي، بما في ذلك الاستخدام المكثف للمبيدات والمخصبات، إلى تحميل إمدادات المياه بكميات كبيرة من الكيماويات والبكتيريا الخطرة، بالإضافة إلى ذلك تؤدي أنظمة الري البالية إلى زيادة معدلات التبخر وملوحة الأرض. كما تساهم المياه الحارة المطروحة من محطات الطاقة والتحلية، التسرب النفطي، وطرح مياه حفظ التوازن من السفن التي لها تأثيرات سامة على الكائنات الحية. تؤدي تلك العوامل مجتمعة إلى تشكيل المزيد من الضغوط على الموارد المائية الحالية. وإذا استمرت الاتجاهات الراهنة على حالها، فإن هذا سيلحق عواقب بالغة السلبية بمجاري الأنهار، وأسطح البحيرات، وخزانات المياه الجوفية، والبيئة ككل ومن هنا تنبع أهمية أن نعرف الكثير عن مواردنا المائية وحمايتها.
تلوث المياه العذبة
يحدث التلوث للمياه العذبة في الأنهار والبحيرات والخزانات المائية نتيجة أن يحدث بها تغيير في تركيب عناصرها أو حالتها كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة لنشاط الإنسان، وتصبح هذه المياه أقل صلاحية لكل أو لبعض التطبيقات الطبيعية المخصصة لها، وبخاصة ما يطرأ عليها من تغييرات في الخصائص الطبيعية أو الكيميائيو أو الحيوية، والتي قد تجعل المياه غير صالحة للشرب أو للاستهلاك المنزلي أو الصناعي أو الزراعي أو غيرها من التطبيقات.
مصادر تلوث المياه
تصاب المياه بالتلوث من مصادر متعددة تتوقف على نوعيات ومواقع تلك الخزانات المائية فنجد:
1. في الأنهار والبحيرات والخزانات الطبيعية
تأتي أهم أسباب تلوث المياه في تلك المواقع من مصدرين رئيسيين، أولهما الصرف الصناعي حيث يقوم العديد من المصانع بصرف المخلفات التي تنتج من الصناعات المختلفة (كصناعة الورق والنسيج والكيماويات والأصباغ وغيرها) في الأنهار أو في البحيرات والخزانات المائية، مما يرفع من مستوى التلوث الكيميائي فيها ويضاف إلى ذلك صرف المخلفات البشرية في هذه المسطحات المائية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع نسبة المواد العضوية فيها مع ما يرافق ذلك من ارتفاع معدلات التلوث بها. ومن المعروف أن ارتفاع نسبة التلوث بهذه المستودعات المائية يؤدي إلى هلاك الأحياء البحرية فيها (أسماك ومحاريات وغيرها) بالإضافة إلى حدوث ازدياد مضطرد لنسبة التلوث البكتيري، مما يجعلها بؤرة عدوى للكثير من الأمراض الوبائية، ويحيلها إلى أنهار ميتة.
وهناك نوع آخر من التلوث، وهو معالجة المسطحات المائية في الأنهار والبحيرات والخزانات المائية بمواد كيميائية مختلفة، وخاصة المبيدات، بهدف مكافحة الآفات بها، وذلك مثل ما يحدث عند مكافحة يرقات البعوض أو مكافحة الطحالب أة القواقع أو الحشائش المائية Waterweed أو غيرها. وهذا النوع من التلوث في حد ذاته على درجة عالية من الخطورة للأحياء عموما مما يلزم التعامل معه تحت شروط صارمة من الاحتياطات لتجنب أضراره.
2. في البحار والمحيطات
تعد البحار والمحيطات في بعض الدول التي تطل على سواحلها، هي المكب النهائي لنفاياتها، فتقوم بعض تلك الدول بصرف مخلفاتها الصناعية والبشرية فيما يجاورها من بحار أو محيطات، وتأتي خطورة المخلفات الصناعية في كمياتها الضخمة مما يفوق قدرة النظام التبيؤي المائي على احتوائها، وكونها تضم مواد كيماوية ومعدنية سامة وضارة بالأحياء المائية. ويشكل هذا المصدر واحدا من أهم مصادر تلوث المياه الساحلية أو البحار المغلقة مثل حوض البحر المتوسط. وفي الغالب يرافق هذا، تلوث للكائنات البحرية التي غالبا ما يتراكم داخل أبدانها قدرا من الملوثات يفوق مما هو موجود في المياه المحيطة، مما يؤدي إلى هلاكها أو إلى تراكمه داخل أجسامها تمهيدا لانتقاله منها إلى كائنات أخرى تتغذى عليها، ومن أمثله ذلك تلوث المياه بعناصر الزئبق والكدميوم والرصاص وغيرها.
ولا شك أن مياه المجاري الصحية Sewage Water تعتبر مصدرا مهما من مصادر التلوث المائي حيث تلجأ معظم المستوطنات الحضرية إلى التخلص من مياه مجاريها بطرحها في البحار والمحيطات والأنهار التي تطل عليها. ولا ريب أن إلقاء هذه المياه الملوثة بالكيماويات والجراثيم والفيروسات وما تحتويه من مواد عضوية كثيرا ما تفسد نوعية المياه، حيث يتغير لونها ورائحتها وتصبح مرتعا خصبا لتكاثر البكتيريا الضارة والفيروسات، محثة «تلوثا بكتيريا» يؤثر على صحة الإنسان وإنتاجه الزراعي الذي يعتمد على تلك المياه الملوثة.
ولا يقتصر تأثير المصانع كمصدر للتلوث المائي عند حد طرح هذه النفايات فقط، بل يمتد ليشمل أيضا ما تطرحه هذه المصانع من مياه ساخنة (المياه المستخدمة في تبريد الآلات) ويعرف هذا النوع من التلوث المائي «بالتلوث الحراري».
كما تعمل ناقلات النفط وغيرها من البواخر الضخمة بالتخلص من نفاياتها النفطية في عرض البحار والمحيطات، كما قد تنتشر المواد النفطية على مساحات شاسعة من مياه البحار والمحيطات نتيجة لحوادث الناقلات أو غير ذلك من مصادر التلوث النفطي المتعددة.
ويحدث التلوث النفطي في المياه من خلال عدة وسائل هي :
1- الانتشار الكبير فوق سطح الماء وحجب الضوء : بحكم أن النفط الخام مادة سوداء، وبحكم أنه قادر على الانتشار فوق سطح الماء في طبقة رقيقة جدا، فإن أي تدفق للنفط للمسطحات المائية لا يلبث أن يكون طبقة نفطية سوداء تحجب معظم ضوء الشمس من بلوغ المياه التحتية مما يؤثر على نمو الأحياء المائية النباتية وبصفة خاصة الهوام أو العوالق النباتية Potoplankton وتبعاً لذلك تنخفض الثروة السمكية.
2- زيادة نشاط البكتيريا واستنزاف الأكسجين : وبما أن النفط في الأصل مادة عضوية، فإن وجوده في الماء يؤدي إلى زيادة نشاط البكتيريا «الأكسجينية» التي تعمل على تحليل أو تكسير هذه المواد العضوية إلى عناصرها الأولى. وحتى يمكن اتمام هذه العملية، فإن البكتيريا تستهلك كميات من الأكسجين المذاب في الماء مما يؤثر أيضا على الثروة السمكية التي تعتمد في كثافتها على مقدار الأكسجين.
3- تكوين كرات نفطية : ونتيجة لأن النفط يتسم بكثافة أدنى – عادة – من الماء فإنه يطفو فوق سطح الماء، ومع حركة الأمواج فإنه كثيرا ما يتجمع بعض النفط على هيئة كرات نفطية صغيرة سوداء تتجاذبها حركة الأمواج نحو الشواطئ مما يحدث تدميراً وإفسادا لرمال ومياه تلك الشواطئ مما يخفض من قيمتها السياحية.
ويضاف إلى ذلك أن الكثير من الغازات الملوثة للهواء الملامس للمسطحات المائية تذوب في مياه البحار والمحيطات مسببة تلوثها، أو أن تعمل الأمطار والغيوم على إذابتها أو كنسها معها حينما تنهمر على البحار، حاملة معها الملوثات، والمثل على ذلك أكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين. كما قد تحمل الأمطار أيضا الغبار الذري الذي قد يكون موجودا في الجو، نتيجة لانفجار ذري أو لتسرب من أحد المفاعلات ومن ثم تقوم بتوصيله إلى المياه فتلوثها وتلوث بها الأحياء البحرية، علما بأن الكثير من تلك الأحياء البحرية يمثل حلقات تدخل ضمن السلاسل الغذائية التي يشترك فيها الإنسان. وأخيرا تسقط الأمطار على أسطح التربة الملوثة بالمواد الكيماوية أو بالمبيدات ثم تنساب تلك المياه إلى التجمعات المائية الأكبر منها حتى تبلغ في النهاية البحار حاملة معها كل ما يعترضها من ملوثات.
3. في المياه الجوفية:
المياه الجوفية هي كل المياه الموجودة تحت سطح الأرض، سواء تلك الموجودة في المناطق المشبعة أو غير المشبعة وتوجد هذه المياه داخل خزانات المياه الجوفية في باطن الأرض أو في الفراغات والشقوق بين حبيبات التربة والرمل والحصى والصخور. وتتحرك المياه الجوفية ببطء خلال فراغات التربة أو الصخور، وكمية المياه المتجمعة ومعدل تدفقها يعتمدان على نوعية التربة ومسامية ونفاذية الصخور، وتعى المناطق الرئيسية تحت سطح الأرض المملوءة بالمياه الجوفية بـ«الخزانات الجوفية – Aquifers».
تلوث المياه الجوفية
تؤثر نوعية المياه الجوفية ليس فقط على صحة البشر، وإنما أيضا على المجتمع والاقتصاد الوطني، فهي تستخدم في الزراعة وفي توفير مياه الشرب للإنسان والماشية، وفي الصناعة في عمليات كثيرة مثل التبريد والتخلص من المخلفات أو النفايات الصناعية، كما تستخدم أيضا في عمليات إنتاج الطاقة والتنقيب عن النفط وفي أغراض التدفئة والتبريد بالإضافة إلى تطبيقات أخرى متنوعة.
وكان يعتقد أن المياه الجوفية محمية «طبيعيا» من التلوث بواسطة طبقات الصخور والتربة التي تعمل كمرشحات لكن جنوح البشر في التوسع العمراني وعمليات التصنيع واستهتارهم المفرط في التعامل مع البيئة أفضيا إلى إلحاق الضرر بالمياه الجوفية، كما ألحقا الضرر من قبل بالمياه السطحية، لكن الأمر الخطير في حالة المياه الجوفية أن بمجرد تعرضها للتلوث يصبح تنظيفها عملية شاقة وباهظة التكلفة.
وللتدليل على خطورة استهتار البشر في تعاملهم مع هذه المياه يكفي أن نشير إلى أنه في أكثر دول العالم تقدما، أي في الولايات المتحدة الأميركية حيث المياه الجوفية توفر أكثر من نصف مياه الشرب لمجمل سكانها، لم تنقطع حالات تلوث المياه الجوفية في كل الولايات منذ عقد السبعينات، وفي الفترة من 1971 وحتى 1985، سجل تفشي أكثر من 245 مرضا مرتبطا بالمياه الجوفية.
مصادر تلوث المياه الجوفية
تتعدد المصادر المسببة لتلوث المياه الجوفية، فمنها ما يعود لعوامل طبيعية، ومنها ما يعود لأعمال متنوعة من نشاطات الإنسان، ويمكن تقسيم مصادر التلوث الناتجة عن نشاطات الإنسان إلى مصادر زراعية وصناعية ومنزلية.
مصادر التلوث الزراعية
مبيدات الآفات، المخصبات، مبيدات الحشرات والمخلفات الحيوانية، تلك هي المصادر الزراعية الرئيسية لتلوث المياه الجوفية ومن أمثلة ذلك :
ويمكن لسوء استخدامها أن يؤدي إلى تلويث المياه الجوفية بالعديد من المركبات العضوية، وعناصر النيتروجين، والكادميوم، والكلور، والزئبق والسيلينيوم. أما المخلفات الحيوانية فيمكنها تلويث خزانات المياه الجوفية بالنيترات Nitrate، وبكتيريا الكوليفورم Coliform، والمواد الصلبة الذائبة والكبريتات Sulfate . ويمكن للتعامل غير الرشيد مع الآلات والمحركات الزراعية أن يؤدي إلى تلويث هذه المياه بالأصباغ (تتضمن الرصاص والكادميوم)، والبنزين وزيوت التشحيم التي تتضمن مركبات عضوية طيارة، ووقود الديزل (يتضمن الباريوم)، وسوائل الشطف (تتضمن بقايا المخصبات والمبيدات).
* مصادر التلوث المنزلية
تعتبر مياه الصرف الصحي المتدفقة من المنازل مصدرا رئيسيا لتوث المياه الجوفية، إذ أنها مصدر للعديد من الملوثات بما في ذلك البكتيريا والفيروسات والنترات من المخلفات المنزلية والمركبات العضوية.
ويمكن للمواد الكيميائية المخزنة في المنازل بطريقة غير سليمة أو التي يتم التخلص منها مع مياه الصرف الصحي أن تكون مصدرا خطيرا لتلويث المياه الجوفية، ومن بين هذه المواد الأصباغ، سوائل التنظيف، والزيزت، والأدوية والمطهرات... إلخ.
وتتفاقم المشكلة كثيرا في حالة حدوث تشرب في شبكات الصرف أو في حالة الصرف المباشر في باطن الأرض.
ومع التوسع العمراني الكبير وفي شبكات الطرق، تصبح مياه الأمطار مصدرا إضافيا لتلويث المياه الجوفية بما تأخذه معها من على أسطح البيوت والأماكن المكشوفة فيها، وكذلك من الشوارع إلى باطن الأرض، والمخلفات المنزلية يمكنها أن تصيب تلك المياه بالعديد من الملوثات، ومن بينها المنظفات الاصطناعية المستخدمة في غسيل الأطباق والملابس، والمركبات العضوية في مخلفات المنازل والبكتيريا والنترات والكبريتات في مياه المحاري والزيزت والشحوم، وسوائل التنظيف ومعطرات الجو تتضمن جميعها على رابع كلوريد الكربون، أما المياه الأمطار فيمكنها أن تنقل معها إلى المياه الجوفية الكلور والصوديوم، والمركبات العضوية من الزيزت والبنزين والرصاص وسوائل التنظيف ومبيدات الشحوم التي تحتوي جميعها على مواد سامة مثل رابع كلوريد الكربون.
* مصادر التلوث الصناعية
تتطلب النشاطات الاقتصادية الحديثة نقل وتخزين مواد تستخدم في التصنيع والمعالجة والبناء، ومن بين إنتاجها وتخزينها ونقلها يمكن لهذه المواد أن تجد طريقها إلى المياه الجوفية من خلال التسرب، أو الإنسكاب، أو التعامل غير الصحيح معها... والأكثر من هذا أن تنظيف هذه المواد يمكن أن يشكل هو الآخر تهديدا للمياه الجوفية حينما تنتقل تلك المواد مع مياه التنظيف إلى باطن الأرض.
ولا ترتبط منشآت صناعية وخدمية كثيرة بشبكة الصرف الصحي، وتلقي بمخلفاتها مباشرة إلى باطن الأرض أو إلى جور معدة لذلك، ومن أخطر هذه المنشآت محطات تنظيف وتصليح السيارات، ومحلات تنظيف الملابس، ومعامل تحميض الصور، ومصانع الأدوات الكهربائية ومكوناتها لأن مخلفاتها تتضمن مواد كيميائية سامة.
وحتى في المنشآت الكبيرة المربوطة بشبكات الصرف الصحي، تشكل الكميات القليلة من مخلفاتها المتسربة إلى باطن الأرض تهديدا للمياه الجوفية.
* مصادر التلوث الطبيعية
يمكن أحيانا أن تصاب المياه الجوفية بالتلوث دون أن يكون الإنسان سبباً في ذلك. ويتوقف الأمر على التركيبة الجيولوجية لطبقات الأرض التي تتحرك خلالها المياه الجوفية، وتتحرك المياه الجوفية عبر طبقات صخرية وطينية تحتوي على مجموعة واسعة من العناصر مثل المغنيسيوم والكالسيوم والكلور. وتحتوي الجدران الداخلية لخزانات تلك المياه على تركيزات طبيعية عالية لمكونات قابلة للذوبان مثل الزرنيخ (As)، والبورون (B)، والسلنيوم (Se) ويتوقف تأثير مصادر التلوث الطبيعية هذه على نوع الملوثات وتركيزها.
مشكلة المياه محليا
وللمياه أهمية خاصة بالنسبة لدولة الكويت، وتبرز هذه الأهمية من أن الكويت واقعة في منطقة بحرية وصحراوية لا تتوفر فيها مياه عذبة طبيعية، مما أعاق تطورها قبل ظهور النفط ولكن عندما توفرت الإمكانات المادية اتجهت الكويت نحو مياه البحر لتوفير احتياجاتها من المياه العذبة.
وكان التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته على مدى الخمسين عاماً الماضية مدعوما بالدرجة الأولى بمصدر المياه العذبة الوحيد باستخدام تقنيات تقطير مياه البحر.
استهلاك الفرد للمياه في دولة الكويت يقدر بنحو 150 جالونا يوميا، ومعظم المياه في الكويت تنصب على الأغراض المنزلية التي لا يزيد متوسطها عن 8% من استهلاك الفرد في بقية العالم. وقد أشار تقرير التنمية البشرية العالمي لسنة 2006 إلى أن الكويت تأتي بالمرتبة الأولى من حيث الإسراف في مواردها المادية.
ولقد تطورت القدرة الإنتاجية لمحطات التقطير من مليون غالون إمبراطوري في اليوم عام 1953 إلى 282 مليون غالون إمبراطوري عام 1998. وتزامن هذا التطور مع تزايد معدل استهلاك المياه العذبة من 0.7 مليون غالون إمبراطوري يوميا في عام 1954 إلى 215 مليون غالون يوميا عام 1998، كما وصل أقصى إجمالي الاستهلاك اليومي في نفس هذا العام إلى أكثر من 256 مليون غالون إمبراطوري يوميا، فإذا اخذ بالاعتبار أن أي نسبة لاستغلال القدرات الإنتاجية لمحطات التقطير لا تتجاوز 90 من القدرة الاسمية لهذه الوحدات فإن ما هو متوفر حاليا من قدرات إنتاجية لا يكاد يفي باحتياجات الدولة من المياه العذبة.
تلوث المياه الإقليمية
هناك عدة مصادر للتلوث في المياه الإقليمية الكويتية، فهناك مصادر ثابتة ومصادر غير ثابتة، فالثابتة تتمثل في مخارج المياه من المصانع المرتبطة بالصناعة البتروكيماوية والنقع البحرية والتلوث النفطي والمستشفيات والردم الساحلي والشاليهات ومعسكرات الجيش ومزارع الأسماك وغيرها، وغير الثابتة تتمثل في مياه التوازن والتلوث النفطي والمبيدات الحشرية والإشعاع. ولعل أكثر مصادر التلوث المائي للبيئة الساحلية هي الكهرباء وتحلية المياه ثم المواد البتروكيماوية ومحطات تكرير النفط ومصادر أخرى.
وهناك أيضا التلوث الحراري الناتج عن مياه الصرف من محطات تحلية المياه المرتفعة الحرارة التي تؤثر في نسبة الأكسجين في المياه وانتشار الطحالب والبكتيريا. وكذلك مزارع الأسماك ومخارج الصرف الصحي على طول السواحل الكويتية الشمالية منها على وجه الخصوص، تسبب كثافتها ومالها من تأثيرات سلبية كبيرة على التربة الساحلية وعلى الصحة العامة.
كما قد تعرضت الدولة لكوارث جسيمة ولعل أعظمها وأبرزها الغزو العراقي الغاشم والذي يعتبر أكبر كارثة على مر التاريخ حيث أن أكبر كمية من النفط قد تسربت إلى البحار كانت بالمياه الساحلية لدولة الكويت إذ بلغت أكثر من 11 مليون برميل.
وتسعى الكويت إلى استغلال المياه البديلة التي هي مياه مستهلكة تمت معالجتها بشـــــــــكل فــــعال وتم التخلص من المواد الموثة لها وأصبحت ذات نوعية جيدة ويمكن استخدامــــها كمورد مائي إضافي يسد النقص في الاحتياجات المائية، والكويت – كما أشرنا – من الدول ذات المــــــوادر المائية المحدودة وتعاني من طلب متنامي على المياه في السنوات الأخيرة، وإذا علــــــــمنا أن نحو 25% من تلك المياه تذهب للأنشطة الزراعية والصناعية التي يمكن تلبية احتياجاتها من مياه أقل جودة وهي المعالجة البديلة.
وتبلغ كمية المياه المعالجة معالجة متقدمة ما يقارب 350 ألف متر مكعب في اليوم وهذه المياه يمكن استخدامها في الأنشطة الزراعية والصناعية.
سياسات وتشريعات
ولا شك أن هناك الكثير من السياسات والتشريعات الواجب تطبيقها في دولة الكويت لوقف تدمير واستنزاف المياه، ومنها مواكبة الجديد في تقنيات إنتاج المياه، ومعالجتها عبر البحث والتطوير وكذلك إجراء البحوث والدراسات على الجوانب المختلفة لعمليات معالجة المياه وتخزينها وتوزيعها، وكذلك أنماط استهلاكها. وبناء قواعد المعلومات والبيانات الحديثة عن قطاع المياه الذي يفتقر إلى الكثير منها حاليا، ولا يغيب عن المختصين أهمية مثل هذه القواعد البيانية الدقيقة والحديثة في إدارة قطاع المياه، وترشيد القرارات وتجديد السياسات، وسن التشريعات الضرورية فقطاع المياه محليا حاليا مشغول في مشاكل الإنتاج والتوزيع عن مسئوليات التخطيط وتحسين الأداء، ومراجعة استخدامات قطاع الزراعة والثروة الحيوانية للمياه، سواء العذبة أو الجوفية بغرض الحد منها، فالكويت تواجه مشكلة دائمة في مصادر المياه واستخدامها ومن غير المعقول أن تهدر مواردها المائية من خلال إنتاج المياه وأدوات الدعم السخية على الزراعة وتربية الثروة الحيوانية في وقت تتنافس الدول القريبة على تصدير منتجاتها بأسعار متدنية وجودة عالية، والعمل على تخفيض الفاقد من شبكة توزيع المياه والمقدر حاليا بأكثر من 20%، وذلك من خلال المراقبة الدقيقة عليها وتحديثها، فمن غير المعقول أن تنفق الدولة الأموال الطائلة على إنتاج المياه العذبة من البحر لتؤول إلى الأرض بسبب قصور في شبكات التوزيع أو أخطاء فنية.
ولعل من الأفكار المثيرة دراسة إمكانية تجميع مياه الأمطار ومعالجتها للتطبيقات المختلفة فرغم محدودية الأمطار في البلاد فإن مقدار ملليمتر واحد من الأمطار على كيلو متر مربع واحد فقط يعادل 250 ألف غالون، وبقية الحسبة واضحة، فالمعدل السنوي للأمطار في الكويت 100 ملليمتر ولو قدر تجميع 10% فقط من هذه الكمية السنوية على خزان أرضي مساحته 100 كم³ لعادل ذلك 250 ألف غالون.
وأخيرا فإن العالم مقبل على كارثة محتملة نتيجة لنقص توفر المياه العذبة على هذا الكوكب، مما قد يشعل حروبا ونزاعات مختلفة بحثا عن هذه المادة الحيوية لكل الكائنات الحية. ولذلك لا بد من تضافر كل الجهود الدولية للمحافظة على هذه المادة، ولعل ذلك ما اتجهت إليه الأمم المتحدة حينما كرست يوم 22 مارس للاحتفال «بيوم المياه العالمي».
نباتات أممية
ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على بعض بيانات الأمم المتحدة المتعلقة بالبيئة والتنمية لتتضح لنا قتامة الوضع الذي تواججه الأرض وسكانها ومدى تدهور التواصل. ومن أهم ملامح هذا التدهور أن %40 من سكان الأرض يواجهون (2002) نقصا في المياه، وبحلول عام 2025 سيواجه نصف سكان الأرض نقصا خطيرا في المياه وأن 1.1 بليون إنسان لا تتوافر لهم مياه الشرب نقية، ونحو 2.4 بليون إنسان لا يحصلون على خدمات الصرف الصحي المناسبة، وأنه في العام 2032 سيعيش أكثر من نصف سكان العالم في مناطق تعاني من شح المياه إذا تركت القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لقوى السوق.
كما أشار تقرير التنمية البشرية لعام 2006 إلى أن كل عام يشهد موت 1.8 بليون طفل من مرض الإسهال الذي يمكن تجنبه بتوفير كوب من الماء النظيف والمراحيض، كما يتم التغيب عن 443 مليون يوم دراسي بسبب الأمراض المتعلقة بشح المياه النظيفة، وتجد في جميع الأوقات أن ما يقارب %50 من الناس في البلدان النامية يعانون من مشاكل صحية ناجمة عن شح المياه والنقص في الصرف الصحي مما يفاقم هذه التكاليف البشرية.
إن أزمة المياه والصرف الصحي تكبح النمو الاقتصادي، إذ تخسر منطقة أفريقيا جنوب الصحراء %5 من الناتج المحلي الإجمالي سنويا – وهو مقدار يفوق كثيرا المساعدات التي تتلقاها المنطقة.
المصدر: مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 93