إحياء ذكرى الغوص لصيد اللؤلؤ في الكويت.. يتواصل

إحياء ذكرى الغوص لصيد اللؤلؤ في الكويت.. يتواصل

تحقيق: محمد فؤاد الجارحي

 

ارتبط أهل الخليج العربي بالبحر قديماً حيث كان البحر هو المصدر الأساسي لكسب الرزق. وعرفت الكويت البحر منذ بداية نشأتها؛ فصنع الرواد الأوائل من الأجداد السفن بكافة أنواعها وأشكالها، واشتغل الكويتيون باستخراج اللؤلؤ من البحر منذ القدم، وكان له دور بارز في الحياة الاقتصادية للكويتيين، ومصدر مهم جداً ورئيسي للدخل.

ويبدأ موسم الغوص من شهر مايو الى شهر سبتمبر، أي أربعة شهور، فينتهي في 22 سبتمبر من كل عام، حيث يتساوى الليل والنهار ويكون البحر بارداً ونهاية الغوص تسمى (القفال)، والتي تكون أشبه ما يكون بلوحة فنية رائعة، حيث ترجع السفن جميعها، ويقف الأهل على الشاطئ منتظرين ذويهم العائدين بعد رحلة طويلة، أضناهم فيها التعب، وتحملوا خلالها المشقة، فيستقبلونهم بالفرحة واليبّاب، والدموع.

 

الموقع الجغرافي لدولة الكويت

 

تقع دولة الكويت على ساحل الخليج العربي حيث تتمتع بموقع جغرافي يؤهلها للعمل في البحر، وبالفعل قامت حياة الكويتيين على العمل في الملاحة البحرية حيث توارثها أبناء الكويت على أسلافهم، فكانوا يطوفون بسفنهم على موانئ الخليج العربي والمحيط الهندي لنقل البضائع والتجارة، مما عرف بينهم بالسفر، وينقلون الركاب ويجلبون المياه إلى البلاد إذا شحت الأمطار، ويمارسون صيد الأسماك وينقلون مواد البناء كالصخور البحرية، بالإضافة إلى الغوص على اللؤلؤ الذي كان له دور بارز في تطور الحياة الاقتصادية في منطقة الخليج العربي من تلك الفترة أي قبل اكتشاف النفط.

ويتكون اللؤلؤ نتيجة دخول جسم غريب مثل ذرة رمل أو كائن دقيق داخل المحارة "الصدفة" فيتأذي الحيوان الرخو الذي يسكن داخل الصدفة ويدافع عن نفسه بأن يفرز مادة لؤلؤية تجعل ذلك الجسم الغريب أملس ناعما مستديراً تقريبا حتى لا يؤذيه، حيث يكسوه بطبقات من إفرازه، فتتكون من جراء ذلك اللؤلؤة، وتكون جودتها على قدر قوة إفراز الحيوان، والحيوان نفسه بواسطة إفرازاته يجعل داخل المحارة لامعا أملس وهذا السطح اللماع هو الذي يساعد على تكون اللؤلؤة فيعطيها الضوء اللازم.

ويقوم تقييم اللؤلؤ على عدد من المعايير التي تختلف من وقت لآخر ومن مكان لآخر، وفقا لأذواق الناس واهتمامهم وعامل العرض والطلب ويراعى في تصنيف اللؤلؤ وتثمينه إلى جانب الحجم والوزن مجموعة من الخصائص: كالنوع والشكل واللون والإشراق ودرجة الاستدارة ونعومة الملمس، وقد صنف أبناء الكويت والخليج العربي اللؤلؤ بحسب اللون إلى:

المشير- النباتي- الزجاجي- السماوي- السنقباسي- القلابي- الخضراء- الشقراء.

 

الغوص على اللؤلؤ في الكويت وخارجها

 

كافح أهل الكويت لكسب الرزق، فأخذوا يشتغلون في الكثير من الأعمال إلا أنهم اشتهروا باستخراج اللؤلؤ من البحر، فقد مارسوا الغوص وبرعوا فيه على الرغم من المصــاعب والأخـطـار التي واجهتهم فيه، ففي عــام 1912م ازدهــرت تجــارة اللؤلؤ، وبلغ الغوص الذروة وسميت تلك السنة (سنة الطفحة)، وقد بلغ عدد السفن عام 1913م (812) سفينة، وبلغت حاصلات الغواصين ستة ملايين روبية في موسم الغوص.

يبدأ موسم الغوص على اللؤلؤ منذ شهر مايو إلى سبتمبر، ومدة الغوص الكبير أربعة شهور، وينتهي الموسم في 22 سبتمبر من كل عام حيث يتساوى الليل والنهار، ويكون البحر بارداً، ونهاية موسم الغوص تسمى (القِفال) أي العودة من الغوص، ويكون يوم القفال عيداً في الكويت.

ولم يكتف الكويتيون بالغوص في البحار الإقليمية، بل توجهوا إلى البحار الدولية، ومن أشهرها بحر جزيرة سيلان التي تتوافر فيها مغاصات اللؤلؤ.

ثالثا : موسم الغوص على اللؤلؤ

 

مواسم الغوص

 

ينقسم الغوص على اللؤلؤ إلى أربعة مواسم وهي:

الخانجية: هي بداية الغوص ويكون في آخر فصل الربيع في الشهر الرابع إبريل، وتكون من السفن الصغيرة وقليلة العدد، فيغوصون قرب الساحل.

الغوص: تقوم السفن الكبيرة بالغوص في المياه العميقة والبعيدة عن الساحل والسفن الصغيرة تغوص قريبة من الساحل.

الردة: أي الرجوع والعودة ثانية، وتكون بعد انتهاء موسم الغوص الكبير في آخر شهر سبتمبر، والردة تكون في شهر أكتوبر حيث البحر بارد.

ارديدة: تصغير الردة، وتكون بعد انتهاء الردة أي في شهر نوفمبر ويكون البحر شديد البرودة.

 

أدوات الغوص على اللؤلؤ

 

يستخدم الغواصون في عملهم للغوص في قاع البحر أدوات لجمع المحار، وهي:

أ- الفطام: قطعة صغيرة تصنع من عظام السلاحف طولها نحو إصبع، وللفطام فتحة يضعها الغائص على أنفه لمنع تسرب الهواء ودخول الماء.

ب- الديين: وعاء من الحبال الرفيعة كهيئة الغربال وله من الأعلى قوس من الخشب يضع الغائص المحار بداخله.

ج -الخبط: وعاء صغير من الجلد يوضع على أطراف الأصابع، يضعه الغائص أحياناً لحفظ أصابعه من شر الجروح التي تحدث له من بعض أنواع المحار.

د- الحجر: قطعة من الرصاص تساعد الغائص على النزول إلى قاع البحر بواسطة ثقلها.

هـ - الشمشول: سروال قصير أسود اللون يلبسه الغائص، لمساعدته على حرية الحركة والسباحة.

و - لباس الغوص: من القماش الخفيف أسود اللون يشبه البنطلون، وقميصه له أكمام طويلة يلبسه الغائص.

ز- الايدة: حبل طويل ليسحب السيب الغائض من قاع البحر بواسطته وطوله 72- 81 مترا.

ح - الزيبل: حبل طويل يسحب السيب بواسطته الحجر من قاع البحر بعد وصول الغائص إلى قاع البحر وطوله نحو 36 مترا.

 

بحارة سفينة الغوص

 

يكون لكل شخص من البحارة على سفينة الغوص دور ومسمى، وهم:

النوخذة: وهو الربان المسؤول عن السفينة وله ثلاثة أسهم من محصول السفينة.

الجعدي: الشخص الذي يحل محل النوخذة في السفينة، وله ثلاثة أسهم.

المجدمي: رئيس البحارة وهو المسئول عن العمل في السفينة.

الغائص: (وينطق في اللهجة الغيص) وهو الشخص الذي يغوص في البحر لجمع المحار، وللغيص ثلاثة أسهم.

السيب: وهو الشخص الذي يسحب الغيص من قاع البحر، وللسيب سهمان.

الغزال: يكون في بعض السفن الكبيرة شخص واحد ويغوص على حسابه الخاص وله سيبه الذي يجره من قاع البحر. وما يحصل عليه يكون له سوى أنه يؤخذ منه الخمس للسفينة.

الرضيف: الصبيان الذين يقومون بالأعمال الخفيفة، وللتدرب على العمل، وللرضيف سهم واحد.

 

الطواشون

 

الطواش هو تاجر اللؤلؤ، حيث يملك الطواشون الكبار سفناً خاصة بهم، فيذهبون بها إلى مغاصات اللؤلؤ في مياه الكويت والإحساء وقطر.

وكل طواش يكون مرتبطاً بعدد من الغواصين ويدفع لهم النقود ليسافروا إلى الغوص، حيث إن الطواشين يسافرون إلى مغاصات اللؤلؤ بعد سفر الغواصين بنحو شهر حتى يتمكن الغواصون من جمع اللؤلؤ، ويعرفون أسعار اللؤلؤ خارج الكويت في البحرين وبومباي، أما في العودة إلى الكويت فإن الطواشين يعودون مع الغواصين أثناء القفال.

ويتراوح عدد البحارة في سفينة الغوص ما بين 30 و 100 شخص، حسب حجم السفينة ومقدرة النوخذة على جمع أكبر عدد من البحارة وغالبا ما يكون عدد السيوب أكثر من عدد الغواصة.

 

سفن الغوص

 

هناك أنواع كثيرة لسفن الغوص منها: البتيل، البقارة، السنبوك، الجالبوت، الشوعي، والبوم الذي يعتبر من أشهر سفن النقل التجاري.

 

 

لقاء

 

 

وان لفريق «بيئتنا» هذا اللقاء مع النوخذة حامد السيار- مشرف عام لجنة التراث البحري، بالنادي البحري.

  • حدثنا عن تاريخ صيد اللؤلؤ في الكويت، وأهميته لدى الشعب الكويتي؟

- يعتبر تاريخ الغوص على اللؤلؤ من الأمور المهمة للشعب الكويتي في السابق، فأهل الكويت سابقاً كانوا أهل بحر، فكانوا يسلكون اتجاهين، الاتجاه الأول: الغوص على اللؤلؤ، والجانب الثاني: التجارة، لأن هذين الجانبين كانا مصدر الرزق الأول للشعب الكويتي، وكان الكويتيون بفضل الله سباقين في هذا.

وقد استمر الغوص على اللؤلؤ فترة طويلة، ولكنه توقف بعد ظهور النفط، واللؤلؤ الصناعي.

  • هل أثر ظهور النفط في صيد اللؤلؤ، وبالتالي كان له تأثير في الشعب الكويتي خاصة الغاصة؟

- طبعاً، ظهور النفط كان له تأثير، ولكن تأثير إيجابي، فكان أهل الكويت يخرجون للغوص أربعة أشهر، لا يرون أهلهم، ولا يعرفون عنهم شيئاً، فحياتهم كلها بالبحر، نظراً لبساطة الحياة وقتها، وعدم وجود الوسائل الحديثة المتاحة حالياً.

  • كيف تبدأ رحلة الغوص؟

- سابقاً كانت تبدأ بتوديع الغاصة أهلهم على شاطئ البحر، وكان مع الغاصة أمير الغوص وهو الذي يأذن لهم بـ «الروحة»، وكذلك يأذن لهم بـ «القفّال»، يمكثون أربعة شهور في البحر، وبعد ذلك يرجعون فيما يسمى «القفّال».

أما الآن فنحن نمثّل ما كان يقوم به الآباء والأجداء وذلك في فترة 7 أيام فقط، ونعلم أبناءنا الموجودين الآن معنا طريقة الغوص التي كان يقوم بها الأبناء والأجداد، وكيف كانوا يتعبون ويجدّون، وكيف كانوا يسعون إلى طلب الرزق.

  • ما المغاصات المهمة للغاصة الكويتيين؟

- المغاصات كثيرة، ولكننا نستغل غير الغزير منها، إلا أن هدفنا هو تعليم الشباب، وليس هدفنا الكم من المحار، فنحن عندنا أعمار تتراوح بين 14 و20 عاماً، نذهب بهم إلى الأماكن تتراوح بين مترين إلا ربع، و3 أمتار فقط.

والهيرات لها مسميات متعددة، مثل: القويع، دوحة الزرق، اللنقع، حد حمارة، النويصيب.

  • كيف تتعامل الأسرة الكويتية في هذا الوقت مع ذويها ممن يقومون بالغوص على اللؤلؤ؟

- بالطبع اختلفت الأمور عن ذي قبل، فالآن يعود الابن إلى الوسائل الترفيهية والتكنولوجية، ولكن الهدف هو التعليم، وهو كيف يتعامل الولد مع الناس، وكيف يتعامل مع البحر، والجو. فهذا كلها أمور تعطي الولد حافزاً ليعتمد على نفسه.

فهي وسائل تشجع ولي الأمر لكي يحضر ابنه إلى هنا واكتساب الثقة في النفس.

  • ماذا استفاد الشباب الصغار من المشاركة في الغوص على اللؤلؤ؟ وكيف أثرت عليهم خارج البحر؟

- الحمد لله كثيراً من أولياء الأمور يشكروننا بسبب اكتساب أبنائهم الاعتماد إلى النفس، والثقة في النفس، وتحمل المسؤولية.

ولله الحمد فالأبناء المشاركون معنا يتعلمون الأمور الإيجابية.

  • هل معنى ذلك أن النوخذة يقوم بدور قيادي أخلاقي وربما نقول عسكري؟

- بالطبع، فنحن إن لم نقم بدور الأب في "المَحْمل" أي السفينة فليس هناك فائدة، فنحن لا نعلم فقط طريقة الغوص على اللؤلؤ، بل نعلم الأخلاق، والصلاة في أوقاتها، حتى "قصات" الشعر التي تتنافى مع العادات والتقاليد لا نرضى بها، فالكل "أقرع"، وكذلك اللباس، فالكل يلبس لباسا موحداً، مثل "الشمشول" وهو الشورت، والفانيلة البيضاء.

  • ما المراسم التي تحدث عند "القفال"؟

- يستقبل الآباء والأمهات أولادهم عند الرجوع، مثلما كان يفعل الآباء والأجداء قديماً، فيقفون على "السِّيف" منتظرين أي إشارة لرجوع السفن ووصول الأغصان، ويستقبلونهم بالأحضان و"اليباب".

  • ما الذي يتم فعله بعد استخراج اللؤلؤ؟

- بعدما نصطاد المحار، تتم عملية ما تسمى "الفَلْق" لنرى ما فيه، وذلك مساء كل يوم صيد.

  • وأين تذهب حصيلة اللؤلؤ المستخرجة؟

- تذهب إلى النادي البحري الكويتي للاحتفاظ بها. وكذلك هناك من يحب دراسة اللؤلؤ الطبيعي، وهناك من يقوم بعمل الأبحاث عليها.

  • ما دوركم في الحفاظ على البيئة البحرية الكويتية؟ وهل تساهمون في إزالة المخلفات؟

- نحن حريصون جداً ونعطي أوامر بعدم إلقاء المخلفات في البحر. وكذلك مساهمة في الحفاظ على البيئة من الصيد الجائر لا نأخذ المحار الصغير بل نتركه ليعيش حياته ويكبر، فنأخذ المحار الكبير فقط.

  • كلمة أخيرة تود قولها؟

أتمنى من جميع الناس، سواء المهتمين بالبحر أو غير المهتمين به الحفاظ على البيئة البحرية، وعدم إلقاء المخلفات في البحر، وأتمنى من إخواني الصيادين عدم الصيد الجائر، فكما يقال "النعمة زوالة"، ولذا نتمنى الحفاظ على البحر والشعاب المرجانية والأسماك بعد الصيد الجائر، وتعليم أولادنا هذه الأخلاق، والحفاظ عليها.