من جديد .. الاسبستوس يفزع الجميع
هالة صلاح الدين - القاهرة
آثار ارتفاع عدد المصابين بتورم الغشاء البللوري المحاط بالرئة أو مرض الميثوسلوميا مخاوف الكثير من الأطباء، بعدما هدأت الساحة العلمية سنوات طوال بعد غياب استعمال مادة الأسبستوس التي تسبب هذا المرض اللعين، لكن بعد ظهور التقرير النهائي لهيئة الإحصاء بالمعهد القومي للأورام في مصر الذي كشف عن عشرات المصابين بالمثير أهاج مجموعة كبيرة من الأطباء ضد ملوثات البيئة التي تقهر صحة الإنسان وتهدد حياة المجتمع.
فالأسبستوس أو الحرير الصخري يعدد من أكثر المواد المستخدمة في أعمال العزل الحريري لأنها تصمد أمام تأثير اللهب، ويوجد الأسبستوس في الطبيعة على شكل معدن يختفي بين حنايا الصخور، ويتم الحصول عليه بعمليات التعدين والتصنيع إلى ألياف دقيقة لا ترى بالعين، وإنما تختلط بمواد أخرى مثل الأسمنت أو الأسفلت في عملية عزل المباني، وهناك نوعان للأسبستوس الأسبستوس الأبيض (الكويستوتيل) الموجود في كندا، وفي جبال الأورال بالاتحاد السوفيتي سابقاً، وهو النوع الأكثر استعمالاً. أما النوع الثاني فهو مجموعة من الأنواع المعروفة بالأسبتستوس الأمفيبولي، ومن أهم مكوناته الأساسية "الكروسيدوليت" و" الأموزيت" والأول لونه أزرق والثاني لونه رمادي بركاني أو بلون ولد الظبي، ويستخرج من جنوب أفريقيا.
الأسبستوس في صدر التاريخ
وقد شاع اسم الاسبستوس في صدر التاريخ منذ القرن التاسع الميلادي عندما استخدمه الملك شارلمان في إحدى الحروب ليرهب أعداءه بعدما ألقى بقطعة من القماش داخل النار- على مشهد من أعدائه- ثم ألتقطها دون أن تحترق، فأدهشهم جميعاً ثم استخدمت الكثير من الشعوب الأسبستوس في العصور المتقدمة كفتيل للمصابيح، وفي الفترة الممتدة من الأربعينيات وحتى سبعينيات القرن العشرين استخدموه على نطاق واسع في بناء المدارس والمباني العامة وبعض المنازل وفي فرامل السيارات والأسقف والمواسير والملابس وغير ذات إلى أن أثبتت التجارب خطورة الأسبستوس على صحة الإنسان.
العالم يحارب الأسبستوس
أدركت الدول المتقدمة خطورة هذه المادة على الصحة بعد ارتفاع نسبة الوفيات نتيجة الإصابة بسرطان الرئة أو سرطان الأغشية المبطنة للرئة (ميثوسلوميا)، وقد اكتشفت الأطباء أن المدخنين الذين يتعرضون للأسبستوس أكثر إصابة بهذا المرض، وكذلك الذين يتواجدون بالقرب من مصانع الأسبستوس، والعمال في هذه المصانع فمنعته الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أثبت العلماء الأمريكيون أن الأسبستوس، الموجود في الأسمنت ومواد التسقيف لا يمثل خطورة لأنه يختلط ويتفاعل مع المادة، إنما الخوف من نثره أو تكسيره أو عند الصقرة أو القطع وخصوصاً الأسبستوس الهش الذي يسحق أو يطحن بضغط اليد، وهو الأسبستوس المرشوش الذي امتنع استخدامه في السبعينيات، لكن الثمانينيات قامت الحكومة الأمريكية بتشكيل فريق من المفتشين، قاموا بمعاينة 107000 مدرسة بحثاً عن الأسبستوس الهش، فوجدوا ما يقرب من 44900 مدرسة تحتوي على كميات منه، الأمر الذي أدى إلى تحرك المسئولين في الجهات التعليمية لاتخاذ قرار بإزالة الأسبستوس.
ولكن حدثت كارثة.. فقد أدى إزالة وهدم هذه المباني إلى تعلق ذرات الأسبستوس في الهواء المحيط بالمدرسة؛ لأن المقاولين الذين قاموا بالإزالة كانو غير مؤهلين بدرجة كافية على إزالة هذه السموم من المباني التي ظلت عالقة بالجو فترة طويلة، وأدت إلى مقتل عدد من أهالي تلك المناطق.
كيف يزحف الأسبستوس
ورغم أن مصر أدركت هي الأخرى خطورة الأسبستوس ومنعت استخدامه في مواسير المياه، وفي صناعة الأسقف المعرجة والمنشآت الفنية ومساكن الإيواء لكن مع بداية عام 1996 بدأ الأطباء يشعرون بالارتياب مرة أخرى بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الرئة بعدما سجل المعهد القومي للأورام حوالي 43 حالة تورم غير حميدي للغشاء البلوري للحالات التي دخلت المعهد في الفترة ما بين أول عام 1996 إلى نهاية عام 1997، وبحصر عدد المصانع التي تستخدم الأسبستوس في صناعة المواسير والعوازل تم حصر فقط 20 مصنعاً، وتبين أن هذه الحالات- من خلال التوزيع الجغرافي للمصابين- كانت تسكن بجانب هذه المصانع. مما آثار استياء الأطباء في المعهد الذين فسروا ظاهرة زحف ذرات الأسبستوس من المصانع إلى صدر المواطن مؤكدين أنها تخترق الجسم عن طريق الاستنشاق إلى الرئة، ولأن الرئة ليس بها أعصاب للحس فإن الذرات تستقر فيها، وتتمركز في الغشاء البللوري، فتهتك الغشاء، وتسبب الأورام التي تؤدي إلى الوفاة بصورة مفاجئة، ومازال الأطباء يصرخون وينددون بخطورة هذه المادة على صحة المواطن المصري.. فهل من مجيب؟؟ !!
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 41