البيوت البلاستيكية .. مكافحة التصحر ونماء اقتصادي بالمغرب
عنود القبنـدي
حين كان مستوى المياه الجوفية في وادي سوس بالمغرب يصل إلى نحو 10م، كان يسهل على المزارعين الحصول على مياه الري، أما الآن فمستوى المياه ينقص بمعدل 3 أمتار سنويا، الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا بالنسبة للقطاع الزراعي.
في وادي «سوس» بمنطقة جبال الأطلس اعتمد السكان منذ قديم الزمان على الزراعة، وهم يزرعون بشكل أساسي الحبوب وأيضا الأعلاف لحيواناتهم. إلا أن الكثير من الآبار التقليدية التي كان المزارعون يحصلون منها على مياه الري لحقولهم جفت الآن. أما السبب وراء ذلك فهو يعود إلى قيام المزارعين بزراعة مساحات شاسعة من الأراضي باتباع نظام البيوت البلاستيكية وباستخدام نظم المضخات. وبهذا يمكن القول بأن المزارعين في تلك المنطقة هدموا بأنفسهم الأسس الرئيسية لحياتهم.
هناك الكثير من المزارعين تسببوا بأنفسهم في تدمير مصدر عيشهم الأساسي وذلك عبر استخدامهم مضخات المياه لاستخراج المياه الجوفية. لقد أدى ذلك إلى انخفاض مستوى المياه الجوفية بشكل كبير بحيث تعذر عليهم الوصول إليها عن طريق حفر الآبار العادية. إن الوضع فيما يتعلق بمستوى المياه الجوفية لن يشهد تحسنا، بل على العكس تماما، فمنسوب المياه يتراجع سنويا بمقدار 3م تقريبا.
في الماضي لم يكن المزارعون بحاجة للحفر عميقا للحصول على المياه، فقد كان مستوى المياه الجوفية يصل إلى 10 أمتار. أما اليوم فقد أصبح الحصول على الماء الكافي لري الحقول أمرا صعبا، فالمياه تأتي من عمق يبلغ أكثر من 200 متر، ويكاد الحصول عليها من هذا العمق ينحصر على الشركات الزراعية الكبرى التي تملك المعدات وبالتالي المقدرة على ذلك. وفي هذه المنطقة الجافة، تجف بحيرات السدود قبل نهاية موسم الزراعة، فالمياه لا تكفي للزراعة المكثفة.
الشركات الزراعية
إن إتباع نظام الزراعة الموسعة واستخدم البيوت البلاستيكية هو تطور حدث خلال العقود الثلاثة الماضية، عندما بدأ المغرب بتغيير سياسته الزراعية بما يجعلها متوائمة مع الاقتصاد العالمي. فقد ألغيت القيود على الواردات وكذلك الدعم المخصص لبعض المنتجات. إن «الزراعة الموسعة في البيوت البلاستيكية هي أهم العوامل في مجال التصدير بالنسبة للمغرب برمته، وهي العامل الاقتصادي الأهم في المنطقة بأسرها»، ويتم سنويا إنتاج حوالي 700 ألف طن من الخضراوات في وادي «سوس»، ويصدر قسم كبير منها إلى الأسواق الأوروبية.
كل هذا لم يأت لمصلحة صغار المزارعين، وقد نظم هؤلاء احتجاجات متزايدة خلال السنوات الأخيرة، ضد ذلك التطور الذي تسبب في تردي أحوالهم المعيشية. وإذا أدى نقص المياه إلى فقدانهم لأراضيهم، فذلك يعني أنهم سيضطرون بعد ذلك للعمل كأجراء بشروط سيئة.
وبالنسبة للمزارعين، فلا توجد أية علامات تدلل على تحسن الوضع مستقبلا، فالحكومة تخطط خلال السنوات القادمة لزراعة المزيد من الأراضي في وادي سوس وتحويل المنطقة لتصبح واحدة من أكثر المراكز الزراعية إنتاجا، لتنافس بذلك المراكز الإنتاجية الأخرى.
التقنية الحديثة
إن إصلاح الأوضاع في منطقة وادي سوس لن يتم بمعزل عن حلول لمشكلة المياه. وفي سبيل هذا تنصب الجهود على إعادة زرع 52 ألف هكتار من جديد. وسيتم زرع أشجار الزيتون في الأراضي التي كانت في الماضي مزروعة بالحبوب، وذلك للاقتصاد في استهلاك المياه. أما الهدف فيتمثل في إنتاج المزيد من المياه، سيتم مستقبلا بناء محطتين لتحلية مياه البحر، هذا بالإضافة إلى بناء المزيد من خزانات المياه المتوسطة والصغيرة. ومن المفترض إذن أن تصبح التقنية الحديثة مفتاح الحل للمشكلة.
وبالرغم من تواجد الشركات العملاقة في المنطقة يسعى صغار المزارعين لتحقيق الأرباح عبر إتباع طريقة الري بالتقطير، وهي عبارة عن رش النباتات آليا بكميات صغيرة من المياه. وهذه الطريقة تعد طريقة حديثة للإبقاء على النشاط الزراعي وحمايته. إلا أن الخبراء يرون بوضوح أنه بإمكان المزارعين حل المشكلة دون اللجوء إلى التقنيات الحديثة، وهم أي الخبراء، يدعون إلى عدم إهمال الوسائل التقليدية، التي يتسنى عبرها زراعة الأراضي في منطقة جافة كهذه والاستفادة منها على المدى الطويل.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 133