خصوبة فوق ينابيع ساخنة أو مالحة
الواحات .. الملاذ اللغز لحيوانات فريدة
أمل جاسم عبدالله
الواحة.. منطقة في الصحراء خصبة ببعض النباتات الخضراء، حيث تقترب المياه الجوفية من السطح بدرجة تكفي لتكوين الآبار والينابيع.. ومصدر الماء الذي يظهر في الواحة هو المطر أو الثلج الذي يسقط على الجبال أو التلال البعيدة.. وبعد أن يتسرب في الأرض يرشح خلال الصخور الجوفية ببطء نحو الأماكن المنخفضة في الصحراء.. ويعاود الظهور بعد ذلك على السطح مكونا الينابيع أو يكون تحت عمق ضحل بما يكفي ليوجد في الآبار.
التربة في المناطق الصحراوية خصبة بوجه عام ولكنها تفتقر إلى الرطوبة المساعدة على نمو النبات. وتعتبر الواحات مناطق صالحة للزراعة والاستيطان لوفرة المياه فيها.
نادرا ما يتجاوز التساقط المطري في المناطق الصحراوية 250ملم في السنة..بل أن بعض الصحاري لم تظفر بقطرة مطر واحدة منذ 400 سنة كصحراء أطاكاما بشيلي.. وفي جهات أخرى يكون البخر فوريا بحيث يبدو مصدر الماء في الواحة لغزا.
مناهل طبيعية واصطناعية
عندما تنحرف إحدى الطبقات الكلسية تحت حجارة النضيد أو الصوان يمكن للماء أن يرتفع دون ضخ من المستوى الأعلى للكتلة المائية بفضل ثقب البئر الارتوازية، ولا تكون الأرض مجانبة بالضرورة لحافة هذا البئر، حيث إن تضاريس الأرض الداخلية يمكن أن تختلف عن تضاريسها السطحية، لذلك عندما يحدث الصدع عند حدود المواد النفيذه والكتمية، يمكن للماء المحمل بالعناصر الكيماوية أن ينبجس بقوة الضغط. في هذه الحالة ممكن أن يحتوي على 30 % من المواد الصلبة المنحلة. غير انه يحتوي في حالته الصافية على 1000 جزء من المليون من الكالسيوم والصوديوم والمغنيسيوم والسلفات والكلورات والسيليس (رمل الصوان).
تنتشر الواحات على امتداد الصحراء الكبرى، وتمتاز هذه الواحات بخصوبة التربة وتستمد مياهها من الآبار والينابيع. ويقدر عدد الواحات الكبرى في الصحراء الكبرى بحوالي 90 واحة، وتنتشر القرى حول هذه الواحات، ويعمل سكانها في فلاحة بعض المحاصيل الزراعية، هذا بالإضافة إلى بعض الواحات الصغيرة بحيث لا تستوعب أكثر من أسرة واحدة أو أسرتين.
غالبا ما يكون الماء المتدفق بقوة الضغط ساخنا، إلا إنه يبدو باردا في الصحاري مقارنة بدرجات الحرارة الخارجية. والينابيع الساخنة الحقيقية ذات أصل بركاني حتى بعد خمود البراكين.
تعمل الحرارة الصادرة عن الصخور البركانية العميقة جدا والتي بردت خلال مليون أو مليوني سنة على إنتاج ما يكفي من البخار والغاز لتسخين الطبقات المائية القريبة من سطح الأرض.
لقد تحتم على الرواد المتوقفين بدوابهم في واحة الصخرة السوداء بالطريق الغربي لصحراء نيفادا، أن يقوموا بتبريد ماء هذه الواحة الفائر قبل أن يتمكنوا من شربه.
سرعان ما تصير الواحة أرضا خصبة حتى لو كان بها ينبوع ماء شديد الحرارة أو شديد الملوحة. إن وادي النيل الذي يعتبر واحة ممتدة على مساحة 2700 كم، ينتهي بدلتا تبلغ مساحتها 36000كم²، وتبدأ بـ250 كم بعيدا عن البحر. يصل عرض بعض واحات الصحراء إلى 80كم، كما يمتد شارع النخيل على مسافة 800، كم. فيما يتمدد غرب النيل في الصحراء الليبية شريط من أشجار النخيل على 650 كم، وقد اكتسبت هذه الواحات الخضراء أهمية حيوية سواء بالنسبة للمسافرين عبر هذه الصحاري أو لسكانها.
واحة الإحساء التي تقع في الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية، اشتهرت منذ القدم بوفرة تمورها وغزارة مياه ينابيعها الكثيرة، وقد أقيم بها أكبر مشروع للري والصرف في المنطقة.
يقوم الناس في شمال أفريقيا وإيران بحفر الآبار واستقاء الماء وتجميعه في أحواض تحت الأرض يصل عمقها أحيانا إلى 20 مترا. كما يغرسون النخيل للاستفادة من تمره ولحائه وسعفه وخشبه. ويوجد في الواحات أيضا بساتين صغيرة تسقيها القنوات والنواعير مزروعة بكثافة، تنتج الحبوب والقطن والزيتون والتين والحوامض والطماطم والنعناع والعديد من الفواكه والخضراوات الأخرى.
النبات والحيوان
عدد كبير من الواحات تشكل ملاذا لبعض الحيوانات الفريدة، أو لبعض الحيوانات التي كانت منتشرة في السابق ثم عزلها شح المياه حولها.
أسماك الفيرون الصغيرة والتي لا يتعدى طولها 2.5 سم تعيش فقط في مسايل الماء بالمروج المحروقة في نيفادا. ويقتصر وجود أسماك أخرى على بحيرة سالتون أو سراتوغا سبرينغ في وادي الموت بكاليفورنيا. أما سمكة كوي-وي فهي لا تعيش سوى في بحيرة الهرم بنيفادا، ويوجد نوع من سمك الجري في بركة بصحراء كالاهاري في جنوب أفريقيا.
بفضل الواحات تتمكن العلاجيم والضفادع من التكاثر، كما تستطيع الوطاويط وحمر الوحش وبعض الثدييات الأخرى من التجمع فيها للشرب.
تعتبر واحات نفزاوة والجريد أهم الواحات المنتجة للتمور التونسية الجيدة، حيث تنتج نحو 60 % من الإنتاج التونسي للتمور.
أما النباتات فمدت جذورها عميقا لتصل إلى الطبقة المائية الجوفية، بينما طورت نباتات أخرى أغشية في غاية الصلابة وذلك للحفاظ على الماء بداخلها.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 113