لتوفير الطاقة اللازمة ولتغطي على أثر الضوضاء
الطيور تعدل حجم المعدة قبل وأثناء رحلة الهجرة وتستخدم ترددات صوتية عالية في الغناء
د. فادية سليمان
عندما تهاجر الطيور لمسافات طويلة من أماكن تكاثرها، فإنها تحتاج إلى أكثر من عضلات قوية للطيران ومعرفة إلى أين تتجه يقول بحث حديث أجراه باحثون بجامعة رود ايلاند إن الطيران بالنسبة لهذه الطيور يحتاج أيضاً إلى "معدة جيدة"، فقد أثبتت دراسات سكوت مكويليامز اختصاصي الأحياء والطيور بالجامعة أن الطيور لديها نظام هضم تستطيع تعديله للوفاء باحتياجاتها من الطاقة خلال فترة الهجرة.
ويقول مكويليامز إن معدة الطائر المهاجر عضو ديناميكي مرن، فعندما يستعد الطائر للهجرة يزداد حجم المعدة بشكل كبير على مدى بضعة أيام، ويزداد حجم خلايا المعدة وتنمو خلايا جديدة لتوسعتها حتى يستطيع الطائر تخزين قدر أكبر من الطعام وبالتالي توفير الطاقة اللازمة للطيران لفترة طويلة.
الجهاز الهضمي من أنشط أجهزة الجسم ويستهلك قدراً كبيراً من الطاقة أيضاً لذلك، وينغلق خلال الهجرة من أجل توفير الطاقة للطيران، وتؤثر هذه الخاصية في الطيور عندما تتوقف أثناء الهجرة لتناول الطعام على طول طريق الهجرة ويقول مكويليامز إن الطيور رغم زيادة حجم المعدة، لابد أن تأكل قليلاً خلال رحلة الهجرة حتى تستطيع المعدة العمل بكفاءة مرة أخرى، لأن الجهاز الهضمي في ذلك الوقت يكون مغلقاً.
البنية الجسدية
ويقول مكويليامز إنهم عرفوا من سنوات أن الطيور بعد رحلة الهجرة لا تستعيد بنيتها الجسدية فوراً أو بسرعة، لكننا لم نكن نعرف سبب ذلك، الآن من الواضح أن وقف الجهاز الهضمي عن العمل خلال رحلة الهجرة هو سبب عدم استفادة البنية الجسدية للطيور عقب رحلة الهجرة بسرعة ويحتمل أن يؤثر أيضاً في سرعة الطيران خلال الرحلة.
ومن النتائج المهمة في بحث مكويليامز هو الفهم الجديد لحاجة الطيور المهاجرة إلى البروتين، ويعتقد علماء الطيور من فترة طويلة أن تخزين الطاقة هو ما تحتاجه الطيور من أجل رحلة الهجرة، لكن مكويليامز يقول إن الطيور تحتاج أيضاً إلى البروتينات من أجل بنية الجهاز الهضمي وقد تكون الحاجة إلى البروتين لها تأثير كبير في إدارة أماكن حياة الطيور في مواقع توقفها أثناء الهجرة.
ويقول مكويليامز إن الطيور في حاجة إلى توافر الطعام والبروتين بكمية كافية في محطات طريق الهجرة من أجل بنية الجهاز الهضمي، فإذا تغذت الطيور على الفواكه فقط، الغنية بالدهون الفقيرة بالبروتينات، قد تضطر إلى تأجيل هجرتها ويقترح مكويليامز مثلاً وضع أغذية غنية بالبروتينات على طرق هجرة الطيور لمساعدتها على إتمام رحلة الهجرة.
المواد الغذائية
وليس هناك معلومات كافية عن المواد الغذائية المتاحة للطيور خلال الهجرة، لذلك يهدف البحث أيضاً إلى تحديد أنواع الأشجار التي تحمل فواكه غنية بالبروتين ومحتواها من الطاقة.
وشملت دراسة مكويليامز الطيور التي تهاجر في البرية والطيور في الأسر أيضاً، وتركزت الدراسة على منطقة بلوك ايلاند حيث قام الباحثون بقياس كتلة جسم الطيور وتركيبها وحجم المعدة قبل الهجرة وخلالها. ودرس مكويليامز أثر الصيام لفترات قصيرة على الطيور في الأسر، وهو ما تقوم به غالبية الطيور المهاجرة ولاحظ عادات تأخير الغذاء وعدم تناوله حتى لو عرض عليها بقدر ما تحتاج.
ويقول مكويليامز إن الهجرة تكلف الطيور الكثير، لكنها تستطيع تعديل بنية أجسادها حتى تقوم بالمهام المطلوبة خلال رحلة الهجرة، كما يفعل البشر بأجسادهم من خلال ممارسة أساليب معينة لتعديل بنية الجسم لأغراض معينة.
ترددات صوتية عالية
الطيور التي تعيش في المدن تغني بأصوات أعلى كثيراً من نظيراتها في البرية، وفي أي وقت، ما تفعله الطيور في المدينة يهدف إلى نداء الأزواج المحتملين بصوت مسموع يفوق أصوات ضوضاء المدينة كما يقول الباحثون. قام هانز سلابكورن ومارجريت بيت الباحثان بجامعة ليدن في هولندا بتسجيل غناء طيور حول الجامعة مع قياس الضوضاء المحيطة في خلفية هذا الغناء ويقول الباحثان إن بعض الطيور كانت قريبة من الطرق المزدحمة والبعض الآخر في المناطقة السكنية.
ويقول الباحثان إن طيور المدن تستخدم طبقة مرتفعة في الغناء، فيما طيور الريف تستخدم طبقات أقل ارتفاعاً، وقد يكون لدى طيور المدن فرصة أكبر ليستمع إليها الأزواج المحتملون برغم أصوات السيارات الهادرة إذا استخدموا الطبقات المرتفعة.
ويقول سلابكورن إن طيور المدينة لا تنتظر فترات الهدوء قبل الغناء، بل تستمر في الغناء بغض النظر عن وجود ضوضاء أو أصوات محركات سيارات.
أصوات الإناث
ويضيف إن أنواع الطيور التي لا تستطيع تعديل أو رفع أصوات غنائها على الضوضاء البشرية أو الصادرة عن نشاط البشر، تعاني مشكلات، وهناك طيور توسع من نغمات غنائها طوال حياتها
ويقول " بيتر مكجريجر " باحث البيئة بجامعة كوبنهاغن إنها فكرة مقبولة وذكية، لكنها تحتاج إلى دليل على أن النغمات الأعلى أسهل على إناث طيور المدينة.
ومن طرق إثبات ذلك، أداء أغنيات مختلفة لإناث الطيور في المدن وملاحظة مدى استجابتها هل هي أكثر للنغمات المرتفعة أم المنخفضة ويقول نحتاج أن نعرف كيف يؤدي ذكور الطيور الأغاني للإناث في المدن.
وتقوم دراسة سلابكورن وزميله على اكتشاف سابق له بأن بعض أنواع الطيور في الغابات المطيرة في وسط أفريقيا تستخدم طبقات منخفضة في الغناء مقارنة بغيرها، ويوضح أن الطيور تفعل ذلك لأن الحشرات هناك تستخدم ذبذبات عالية.
ويأمل سلابكورن في إثبات أن اختلاف البيئة يؤثر في نغمات وأصوات غناء الطيور وقد سجل غناء الطيور في العواصم الأوروبية وقارن الأصوات بنظيراتها المسجلة في المناطق الريفية، ويعتقد سلابكورن أن غناء طيور أسفل برج إيفل في باريس يتشابه أكثر مع نظيره في المدن الأخرى ويختلف عن غناء الطيور في ريف فرنسا القريب.
ويقول سلابكورن إنه يريد أن يكتشف إذا كان هناك نمط شامل لغناء الطيور في المدن وفي الريف.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 62