حيوان لطيف وعنيف
البشر يتفاعلون مع فرس البحر
دلال جمال
فرس النهر حيوان نصف مائي يستوطن البحيرات والأنهار في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وقد امتد موطنه في السابق عبر وادي النيل وصولاً إلى فلسطين والأردن شمالاً. تعيش أفراس النهر في مجموعات يبلغ عدد أفرادها حوالي 40 رأسا، وهي تبقى معظم النهار في الماء أو الوحل حتى تتبرد. يحصل التزاوج والولادة في الماء حيث تقوم الذكور الإقليمية بالتقاتل مع بعضها للسيطرة على مجال صغير من النهر.
يعرف فرس النهر بواسطة جسده الأسطواني الشكل والعديم الشعر، القوائم القصيرة، والحجم الضخم. يقارب فرس النهر وحيد القرن الأبيض في حجمه ولا يفوقه في القد سوى الفيلة، وعلى الرغم من قصر قوائمه فإن هذا الحيوان قادر على أن يسبق إنسانا بسهولة في الجري فقد تم قياس سرعته بحدود 30 ميلا في الساعة وبالتالي فيمكن اعتبار أنه قادر على أن يسبق عدّاء أولمبيا في سباق للمسافات القصيرة. يعتبر فرس النهر من أشد الحيوانات خطورة على الإنسان على الرغم من شيوعه في حدائق الحيوانات وإظهاره بمظهر العملاق اللطيف.
حيوان لطيف
يشتهر بكونه حيوانا لطيفا وعنيفا في آن واحد.. محباً للحياة العائلية والأسرية ويعيشها ولو بالقوة.. فإذا لم يستطع أن يقيم أسرة يسطو على أسرة الجيران، وعندما يستقر في عائلة يكون لطيفاً مع أفرادها، يعول الإناث والصغار، ويفرض سيطرته وحكمه على الذكور، والطريف أن الجميع يحترم قانون العائلة بشكل ربما يكون أفضل من البشر أحياناً هكذا يعيش ( فرس النهر)أو (حصان النهر ).
ظهرت الدلائل الأولى حول تفاعل البشر مع أفراس النهر من الرسومات الصخرية والمنحوتات في جبال أواسط الصحراء الكبرى، وإحدى هذه الرسومات تلك الموجودة في جبال طاسيلي ناجر في الجزائر والتي تظهر عملية صيد لأفراس النهر. كان فرس النهر معروفا بشكل جيد عند الفراعنة أيضا حيث كان يعتبر بأنه قاطن النيل الشرس، وكانت الآلهة المصرية ايبة، آلهة الحمل والولادة، ذات رأس فرس نهر، ولعل المصريين القدماء لاحظوا الطبيعة الدفاعيّة لأنثى فرس النهر التي تقوم بحماية صغارها مما جعلهم يمثلونها بهذه الطريقة.
فرس مدغشقري
كانت ثلاثة أنواع من أفراس النهر تعيش في مدغشقر وقد انقرضت جميعها خلال العصر الحالي (الهولوسين) وكان أخرها قد استمر بالوجود حتى 1000 سنة خلت. وكانت أفراس النهر المدغشقرية أصغر حجما من تلك المعاصرة وقد يعود السبب في ذلك إلى الانعزال على جزيرة لوحدها بعيدا عن الأنواع الأخرى من البرنيقيات، وتظهر الأدلة من المستحثات أن أفراس النهر المدغشقرية كانت تصاد من قبل البشر وربما ساعد ذلك على انقراضها. يعتقد أنه من الممكن أن تكون بعض أفراس النهر هذه قد استمرت بالتواجد في بعض الجيوب النائية والمعزولة، ففي عام 1976 أفاد بعض القرويين بأنهم شاهدوا حيوانا يدعونه «كيلوبيلوبيتسفي» والذي يحتمل بأن يكون فرس نهر مدغشقري.
أضخم الثدييات
فرس النهر هو أحد أضخم الثدييات الموجودة في العالم حاليا ويعتبر من الحيوانات الكبرى المتبقية على قيد الحياة، إلا أنه تأقلم، على عكس بقية الحيوانات الكبرى الإفريقية، يعيش حياة برمائية في البحيرات والأنهار العذبة. يصعب قياس وزن أفراس النهر في البرية بسبب حجمها الضخم وتأتي معظم التقديرات من عمليات التنقية التي حصلت في الستينات من القرن العشرين ، حيث يفترض أن الوزن الطبيعي للذكور الناضجة يتراوح بين 1500 و1800 كجم. تكون الإناث أصغر حجما وأقل وزنا من الذكور حيث يبلغ وزنها بين 1300 و1500 كجم بينما تبلغ الذكور الأكبر سنا أحجاما أكبر بكثير إذ يصل وزنها إلى 3200 كجم على الأقل، ويظهر بأن ذكور فرس النهر يستمر حجمها بالنمو طيلة حياتها بينما تبلغ الإناث الحد الأقصى في حجمها عند بلوغها حوالي 25 سنة.
سرعة الأفراس
ويبلغ معدل طول فرس النهر 3.5 مترا، وارتفاعه 1.5 مترا عند الكتفين، ويماثل وحيد القرن الأبيض فرس النهر في الحجم تقريبا حيث أن استخدام مقاييس مختلفة لقياسهما يجعل من الصعب الجزم أيهما ثاني أكبر الثدييات البريّة بعد الفيل. تستطيع أفراس النهر العدو بسرعة أكبر من سرعة الإنسان على الرغم من ضخامتها وتقدر سرعتها من 30 كم/ الساعة إلى 40 أو حتى 50 كم/ الساعة، إلا أن هذا الحيوان يستطيع الحفاظ على هذه السرعة الكبيرة لبضعة مئات من الأمتار فقط.
من المعروف عن هذا الحيوان أنه عشبي ويمكن أن يلتهم في الوجبة الواحدة كل ليلة كمية هائلة من الأعشاب القصيرة والطرية، فضلاً عن الثمار المتساقطة من الأشجار الواقعة على ضفاف المياه، كما أنه يتناول الأعشاب المائية وقد يسبح لمسافة كم في نهار اليوم بحثاً عن الطعام، أما إذا اشتد جوعه ليلاً فهو يخرج من الماء ويمكن أن يبتعد عن حافة الماء لمسافة 10 كم في جولة ليلية واسعة من أجل الحصول على وجبة شهية من العشب الطري. وفرس النهر يتناول بالمتوسط من 35 إلى 45 كجم من العشب ويمضي من 5 إلى 6 ساعات خلال الأمسيات الباردة وهو يتناول هذه الأعشاب القصيرة قبل أن يعود للماء حيث يقضي بقية يومه.
الشكل الخارجي
تقع الفتحات الأنفية وعيون وآذان فرس النهر على رأس جمجمته مما يسمح له بإبقاء معظم جسده مغمورا بالماء والوحل في الأنهار الاستوائية التي يقطنها وتفادي الإصابة بحروق شمسية. يعتبر الشكل الخارجي لهذه الحيوانات مصمما كليّا لجعلها قادرة على التأقلم مع حياتها على الضفاف، فهيكلها العظمي مصمم ليتحمّل ثقلها الكبير وقوائمها قصيرة مقارنة بغيرها من الحيوانات الكبرى بسبب أن المياه تساعد على التقليل من الضغط عليها عندما تكون مغمورة، وكغيرها من الحيوانات المائيّة فإن لأفراس النهر القليل من الشعر.
ولا تزال أفراس النهر مهددة حالياً من القنص غير الشرعي للحصول على لحمها وأنيابها العاجية ومن فقدان المسكن.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 121