بشباك خاصة تتصل بأحواض لتجميع المياه
البيرويون يصطادون الضباب!
عنود القبندي
توجد مجتمعات صغيرة لا تستطيع الحصول على حاجتها من المياه من الآبار والأمطار أو الأنهار، ولكن هناك أسلوب وضع لكي يكون المنقذ لحياة بعض المجتمعات الصغيرة الفقيرة لحمايتها من أسعار المياه الباهظة الثمن، وهذا بالضبط ما يحدث في «بيرو».
لقد حاول السكان تطبيق تجربة «اصطياد الضباب» لمواجهة نقص المياه، خاصة عند توقف هطول الأمطار. وتعتمد هذه الطريقة على شباك يصطاد فيه الضباب والرذاذ بشكل يومي ويتصل بأحواض لتجميع المياه، أو تعتمد على الأشجار التي يمكنها تجميع الرذاذ وتحويله إلى مياه قابلة للاستخدام في الفصول الأخرى.
شارك في وضع تقنية وتصميم المشروع جمعيات حفظ الطبيعة الألمانية وباحثون من تشيلي وبدعم من الجمعية الوطنية الجغرافية التي تمتلكها ناشيونال جيوغرافيك نيوز وشركة باير أيه جي للبحث والتنقيب، وقد أصبحت بيرو هي المكان الطبيعي لإقامة هذه التجربة في منطقة ليما فهي تعاني نقصا شديدا في المياه، حيث أن في كل صيف تكون الصحف مليئة بتحذيرات عن الحياة في هذه المنطقة التي ستكون يوما ما من دون ماء!
تقنية قديمة
اعتمد تقنية عصر الضباب على نموذج الأشجار الجامعة لماء الضباب،وهي تقنية تاريخية قديمة ايتخدمت منذ وقت طويل في الجزء الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية؛ حيث كان يبني الناس الحوائط الطينية حول الأشجار لكي يجمعوا ماء الضباب الذي ععلق بالأشجار، وكان يتم تجميع الماء من أسفل الأشجار. ويوضح «روبرت شيمينوير» مستشار مجموعة لأبحاث الضباب في كندا أن الناس في أي جزء قاحل من العالم كانوا وما زالوا يعتمدون على الأشجار التي تجمع ماء الضباب وتقطره أسفلها، فيجمعها الناس باستخدام أغشية مصنوعة من الجلود أو القماش للحصول على الماء.
اصطياد الضباب
وجد العلماء أن منطقة ليما متميزة بمناخها الرطب وبوجود الضباب الكثيف وخاصة على المنحدرات الشديدة حولها. وفي قرية صغيرة في ليما وهي «بيافيستا» يصل عدد سكانها إلى200 شخص ويسكنون في أكواخ خشبية يزرعون بعض الأشجار وقلة عدد السكان في هذه المنطقة ترجع إلى أن الزلازل شائعة في جميع أنحاء ليما بالإضافة إلى الانهيارات الأرضية جميع هذه المعضلات ليست المشكلة الرئيسية لدى السكان وإنما هي مشكلة الري فالتربة المتواجدة فيها تربة خصبة ولكن بسبب نقص المياه أصبحت أرض بور.
وفي هذه القرية لا يستطيع السكان امتلاك الاراضي الخاصة بأكواخهم إلى عن طريق زرع الأشجار أي أن تتحول إلى منطقة زراعية وهن تأتي المشكلة فعدم توفر المياه تحول إلى عدم امتلاك الأرضي.
الحصول على المياه باتت معضلة كبيرة في هذه المنطقة حيث يصل سعر المياه إلى ما يعادل من 7 إلى 10 دولارات في الأسبوع لعائلة تتكون من أربعة أشخاص، وهو مبلغ ضخم في قرية حيث يبلغ متوسط دخل الأسرة 40 دولارا في الأسبوع، والمطر نادرا ما يقع على هذه التلال الجافة حيث يصل معدل الهطول السنوي للأمطار في ليما إلى 1.5سم
بداية المشروع
بدأ المشروع في عام 2006 وشارك سكان هذه القرية الصغيرة في العمل بالمشروع وكان الحمل كبيرا جدا، فقد تمت عمليات الحفر على المنحدرات حيث كان عليهم سحب 94 باوند ( 43 كجم ) من أكياس الرمل عن 800 قدم )250 م( لزيادة حدة منحدر الجبل وذلك لبناء شبكات لجمع المياه والبرك التي جمعتها ماسكات الضباب.
اعتقد السكان في بادئ الأمر أن اصطياد الضباب فكرة مجنونة ووافقوا على العمل بها مع قليل من الأمل أن تتحقق وعندما بدأت تظهر المياه ظنوا أن هناك مشقة في حمل المياه لملأ الخزانات ليلا، ولكن تقنية جمع المياه تأتي هنا على أساس أن هذه المصائد تعمل على جمع المياه وليس تكثيفها، فعندما يصل بخار الماء على سطح بارد ويتحول إلى سائل تتحول إلى قطرات مياه.
شباك عملاقة
انتشرت الشباك العملاقة الشبيهة بشباك الكرة الطائرة فقد وصل عرض الشبك إلى 4 أمتار والطول 8 أمتار، توضع الشباك بشكل عمودي على الرياح السائدة وتمتد بين أزواج من أعمدة خشبية يصل ارتفاعها إلى 5.5 م فوق سطح الأرض.
تضرب الرياح في الشباك في وقت الضباب الكثيف وتظهر قطرات صغيرة على نسيج الشبكة الخشنة وهي من نوع البلاستيك المعاوض الذي يهدف إلى تظليل أشجار الفاكهة. ويظهر المزيد والمزيد من القطرات الصغيرة الصافية إلى جانب حزمة من القطرات تسحب في النهاية هذه القطرات إلى مزراب ومن ثم تتدفق المياه من خلال أنابيب تصب بعدها في بركة بناها القرويون والتي يصل نسبة المياه فيها إلى أكثر من 25 غالونا أي ما يعادل 94.635 لتر من الماء، أما في الأيام الجيدة في بيافيستا تستطيع الناس جمع قدر هائل من المياه تصل إلى أكثر من 150 غالونا أي 568 لترا.
الضباب والمطر
جمع الماء من الضباب أو ما يطلق عليه «مصائد الضباب» ربما يمكن تشبيهه بمحاولة الإمساك بقبضة من الهواء، ولكن لحسن الحظ المهمة أسهل من ذلك بكثير؛ فالضباب يشترك مع المطر في بعض الصفات، وبالطــبع يختلفان في بعض الصفات كحجم قطرات الماء والسرعة التي تتساقط بها هذه القطرات.وتتراوح أقطار قطرات ماء المطر ما بين"0.5 – 5 " ملم، وتسقط قطرات المطر نحو الأرض بسرعة تتراوح ما بين 2 إلى 9 أمتار بالثّانية الواحدة. أما قطرات ماء الضباب، فتتراوح ما بين واحد إلى 40 ميكرونًا في القــطر )المليمتر الواحد يساوي ألف ميكرون(؛ ويتساقط الماء منها بسرعات تتراوح ما بين واحد إلى خمسة سم بالثّانية الواحدة، ولذلك تتميز قطرات الماء المتواجدة في الضباب بصغر الحجم وبطء سرعة الترسيب، كما أنها تتحرك أفقيا على العكس من قطرات المطر، ولذلك يصعب تجميعها في إناء مثلا أسوة بمياه الأمطار.ولذلك فكر العلماء في تصميم طريقة حديثة لتجميع الماء من الضباب، وتميز التصميم النموذجي المقترح بأنه نظام تجميع عمودي، يتعامد تقريبا مع المسار السطحي الأفقي لقطرات ماء الضباب.
مصدر غني
وتأكد العديد من العلماء أن الضباب مصدر غني متجدد للحصول على ما يكفي من الماء النظيف الصالح للشرب في العديد من المجتمعات في العالم النامي. وتقوم الآن مجموعة صغيرة من العلماء والباحثين بتطوير العديد من التقنيات لتجميع الماء من الضباب. وتؤكد تجاربهم أن تقنيات تجميع الماء من الضباب يحتمل أن تكون من أرخص وأسهل الحلول الملائمة والمحافظة على البيئة التي تساهم في حل مشاكل إمدادات المناطق النائية بالمياه.
تطور المشروع
الضباب مصدر غني متجدد للحصول على ما يكفي من الماء النظيف الصالح للشرب في العديد من المجتمعات في العالم النامي، ومع الوقت تم تطوير هذه المصائد الجامعة للضباب حيث وضعت على شكل طبقات لالتقاط أفضل عندما تغير الرياح اتجاهها وهذا التصميم الجديد ساعد على السكان على جمع أكثر من 600 غالون أي 2271 لتر في يوم واحد دون اتخاذ أي مساحة أكبر من الشبك الأصلي.
وبهذا فإن شعب بيافيستا يستخدمون المياه لزراعة الأشجار على أعلى التل والذي يأملون بالنهاية إلى الحصول على ملكية الأرض التي يعيشون عليها.
ونمت الكثير من الأشجار والتي تحمل العديد من الفواكه التي تستخدم للعلاج بالإضافة إلى صناعة الأخشاب والجلود الأمر الذي ساهم في توفر المال من خلال بيع هذه المنتجات والتي تساعد على دفع تكاليف صيانة المنشآت مصائد الضباب.
في نهاية المطاف ينبغي أن تكون الأشجار قادرة على جمع المياه الخاصة بهم، عن طريق التنقيط إلى الأسفل وتغذية المياه الجوفية وحتى بعد رعاية الأشجار فهناك الآن ما يكفي من المياه الزائدة لتغذية الحدائق تحت مصائد الضباب.
وكان الحلم هو التوصل إلى دورة المياه الطبيعية إلى التلاق المحاطة في ليما، وبالفعل غطت الأشجار تلالها التي اتخذت الرطوبة من الجو والتي قد تضيفه إلى المياه الجوفية.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 118