بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

الفقمة

 


الفقمة تقاوم الانقراض


 


 


 


سليمان داود الشراد


 


استطاع حيوان الفقمة Seal العملاق الغامض الذي يزن 2000 كجم، التغلب على خطر الانقراض الوشيك، وفي الوقت ذاته قلب علم الأحياء المائية رأساً على عقب.


وقد تؤدي دراسة هذا الحيوان الذي يتمتع بكثير من الصفات التي تشذ عن النظريات العلمية إلى العثور على مفاتيح الغاز لكل شيء ابتداء من حالات الموت المفاجئ للرضيع إلى أمراض جهاز المناعة، وحتى حالات الاختناق أثناء النوم.


الفقمة حوت بحري يكثر في البحار الشمالية، وهي من الحيوانات اللبونة الضخمة ومن صفاتها انها شرسة في طباعها وطرق توالدها وهي تميل إلى العنف للسيطرة على منطقتها واحتكار أكبر عدد من اناثها  وتمتاز بنظامها الايضي المميز، وقد مكنها هذا الجهاز المثالي من تنظيم اساليب عيشها والإفلات من فرضية الانقراض التي آلت إليها فصائل كثيرة أمثالها منذ آلاف السنين.


وأطلق على هذا الحيوان اسم الفقمة الفيلية، نسبة إلى ضخامة حجم الفيل ونبرة صوته الجائرة ويبلغ وزن الذكر منه 2500 كجم فيما يبلغ وزن المولود الجديد 37 كجم.  


واظهرت معلومات قدمتها أجهزة حديثة معقدة أن بامكان الفقمة الفيلية الغوص مسافة 1.6 كم تحت سطح الماء كاسراً بذلك الرقم القياسي لثدييات البحر للغوص في الأعماق، الذي سجله نوع واحد من أنواع الحيتان المسمى حوت العنبر.


والمدهش أكثر أن هذا الحيوان يقضي ساعتين على سطع  الماء فقط من مجموع 24 ساعة والبقية تحت الماء بحثاً عن الطعام، مخالفاً بذلك كل النظريات المعروفة عن استخدام الاوكسجين.  


ويشير العالم بيرنيه لوبوف من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، وهو واحد من كبار علماء الاحياء المائية في العالم، إلى أن هناك الكثير من أمثال هذه التناقضات، وأن هذا الحيوان قد حطم بالفعل كل ما تعلمناه في هذا المجال في علم الأحياء.


وتكثر هذه الثدييات الزعنفية الأرجل Pinnioeds في المحيطات الباردة في العالم وخاصة في شمال المحيط الهادي والمحيط الاطلسي ومع ذلك فهناك أنواع قليلة من عجول البحر التي توجد في المياه الاستوائية وحتى في البحيرات العذبة.


وتحتاج هذه الحيوانات اللبونة التي تعيش في الماء إلى تكيفات خاصة، وهي تستخدم أطرافها الخلفية كدفة، ويكسو أصابع أذرعها وأرجلها جلد يساعدها على العوم  ويكمن تحت جلدها طبقة سميكة من الدهن ( دهن الحيتان ) تساعدها على حماية جسمها عند اشتداد البرد، ولها شعر خشن قصير  ومعظم هذه الحيوانات ضخم ويصل طول فيل البحر نحو 6 م.  


ويعلل العلماء جنوح ذكور الفقمة إلى العنف بأنه صراع من أجل البقاء  وقد أجهز الصيادون خلال القرن التاسع عشر، على معظم هذه الفقمات لاستخلاص زيوتها، بينما تعرضت الأنواع المماثلة الوحيدة في جنوب أميركا إلى خسارة أدني على أيدي الصيادين، لكن الفقمة التي تعيش في الجزر الممتدة بمحاذاة الشاطئ الأميركي تتجمع في فصل الشتاء للتوالد بأعداد كبيرة.


ويتضاعف عدد عجول البحر الفقمة كل 5 أعوام وقد أخذت عجول البحر تظهر على شواطئ كاليفورنيا وبشكل خاص حول سانتا كروز ويرجع الفضل في تكاثر هذه الفقمات وتوالدها إلى اتفاقية حماية الحيتان البحرية لعام 1972 م، والتي حظرت قتلها في الولايات المتحدة الأميركية.


وكاد هذا الحيوان الضخم أن ينقرض تماماً، بالفعل تم الإعلان عن انقراضه مرات عديدة خلال مطلع القرن الحالي، وفي وقت كان فيه عدده يصل إلى مئات الألوف في بداية القرن التاسع عشر، حسب قول صيادي الحيتان الذين شاهدوه على سواحل المكسيك الغربية وسواحل كاليفورنيا وبدأوا باصطياده بعد أن استنفدوا الحيتان.  


واختفى حيوان الفقمة من كل مواطنه المعروفة منذ بداية عام 1900 ومن سخرية الأقدار أنه كلما تم العثور على قطيع جديد منه يقوم علماء متحف سميثونيان بذبح معظمه للاحتفاظ بنماذج منه للأجيال المقبلة.  


وانخفض العدد إلى ما بين 20 و 100 فقمة، إلا أنه في عام 1992 عندما وفرت الحكومة المكسيكية الحماية كما وفرتها الحكومة الأميركية لاحقاً، بدأ عدد هذا الحيوان بالازدياد، وانتشرت أماكن تكاثره شمالاً حتى ولاية اريغون، فيما تمكن أحدها من الوصول إلى اليابان، ويقدر عددها حالياً بنحو 120 ألف حيوان، وتنمو بمعدل سنوي مقداره 8 في المئة.  


ويعتبر هذا انجازاً ناجحا في مجال الحفاظ على حياة هذه الحيوانات، إلا أن هذا النجاح يقلق المشرف على مجمع تكاثر حيوان الفقمة الفيلية، ويقع جنوبي سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة.


ويقول العلماء أن حيوان الفقمة الفيلية يمتلك جهاز مناعة قوياً جداً، ولو تم اكتشاف الكيفية التي يعمل بها هذا الجهاز فإن ذلك سيساعد الإنسان على التغلب على أمراض نقص المناعة، ومنها مرض الإيدز.  


وقد وجد علماء الأحياء أن نسبة الطاقة المؤيضة لدى الفقمة من البروتين تتراوح ما بين 2، 3 وهي لدى الإنسان تتراوح بين 8، 10 في المئة مما يجعل الفقمة تعتمد على كمية الدهنيات المختزنة لديها والتي تحولها بأكملها تقريباً إلى المغذيات الضرورية وتبلغ كمية الدم لدى ذكر الفقمة البالغ 60 جالونا، من الدم الغني بالكرات الحمراء مما يجعله قادراً على استيعاب كميات كبيرة من الاكسجين مع كل عملية شهيق ولا يحتاج بذلك إلى تكرار التنفس وقد لاحظ علماء الاحياء ان الفقمة تكتم نفسها لمدة طويلة  وللحد من كمية الماء الذي تفقده خلال عملية التنفس فإن لديها ممرات أنفية معقدة تزيد من رطوبة زفيرها.


ولعل السر الغريب الآخر يكمن في كيفية استخدام الفقمة الفيلية لعملية توقف التنفس اثناء النوم ويبدو أنها من أجل الحفاظ على طاقتها تتوقف عن التنفس لمدة تقارب 20 دقيقة كل فترة خلال النوم في الوقت الذي يتعرض فيه الإنسان إلى اصابات في المخ نتيجة الاختناق اثناء النوم، ولسبب غير معروف لا تصاب بأي مرض.  


ويأمل العلماء أنه في حالة اكتشافهم سر توقف التنفس عند الفقمة إلى القاء الضوء على حالات الموت المفاجئ بين الأطفال الرضع.


وعلى الرغم من أن الفقمة تقضي معظم أوقات حياتها في البحر، فإنها تستطيع العيش على البر  ويستطيع أيضاً ذكر الفقمة الضخم أن يمشي لمسافة قصيرة بسرعة تماثل سرعة شخص يعدو  وتتبع هذا الحيوان مجموعة من الإناث يتراوح عددها ما بين 15، 20 انثى، وتعيش غالباً في جماعات ومع أن جولاتها الشتوية قد تبلغ أحياناً المئات بل الآلاف من الكيلومترات، إلا أن معظم أفراد هذه الفئة لابد أن يعود عاماً بعد عام للتزاوج في البقعة ذاتها من الشاطئ نفسه، وفي اليوم ذاته من أوائل الصيف، وقد يكون تجمعها على الشواطئ هدفاً لصيادي الفراء.  


وفيما يواصل فريق من علماء الأحياء البحرية مراقبة سلوك هذه الحيوانات اللبونة الضخمة، يقوم فريق آخر من الباحثين بدراسة الخصائص لهذه الحيوانات  وقد كشفت إحدى الدراسات عن أن الفقمة تكون خلال معظم فترات حياتها مفعمة بالنشاط  كما وجد العلماء أن جهاز الأيض لديها في غاية الدقة بحيث أن كل ما تحتاج إليه هذه الحيوانات اللبونة، بما في ذلك الماء، ينتج من الدهنيات الكامنة في اجسامها.  


إن قدرة الفقمة البالغة على تحمل غريزة الجوع تعزى إلى قضائها معظم فترة ما بعد التناسل في عرض البحر تتغذي على الاسماك الأخرى  وعندما تخرج إلى الشاطئ ترتمي فوق الرمال ويبدأ جهاز الأيض الدقيق لديها بالعمل.  


ويبدأ الموسم الحاسم لمراقبة عجول البحر في شهر ديسمبر من كل عام، وذلك عندما تتجمع الذكور مستعرضة قوتها، فالذكر الذي يفوز بعدد أكبر من المعارك، يكون عادة حسب رأي علماء الأحياء، ما بين التاسعة والحادية عشرة من العمر، ويبلغ معدل عمر الفقمة نحو 15 عاماً ويتميز الذكر منها بضخامة جسمه وبشدة نبرة صوته.


وتمثل حراسة الإناث من الفقمات من المهام التي تتولاها الذكور وقد وجد أن ذكر الفقمة بإمكانه بكل سهولة احتكار نحو 75 أنثى.  


وتعتبر هذه نهاية المطاف بالنسبة للحياة الطبيعية للفقمة، فالحياة بالنسبة لصغارها متعبة وقاسية، إذ يبلغ معدل الوفيات بينهما نحو 40 في المئة وقد اكتشف العلماء أن مواليد الإناث من الفقمات البالغة من العمر 5 سنوات فأكثر، ولديها قدرة أكبر على البقاء، لأنها تكون أكبر حجماً عند الولادة وتحرص الأمهات على حماية صغارها واختيار المنطقة الأكثر أمناً لإيوائها وبفضل لبن الامهات الدسم يزداد وزن الفقمة من 37 كجم عند الولادة إلى 140 كجم  خلال 28 يوماً بعد الولادة وذلك على حساب صحة الأم التي تفقد نحو 295 كجم من وزنها خلال فترة الإرضاع وبعد شهر من الولادة تعود الأنثى مرة أخرى لتبحث عن ذكر للتزاوج معه، وتظل الأم ترعى صغارها لفترة عام، ومن ثم تأخذ هذه الصغار في الاعتماد على نفسها من أجل البقاء.


لقد أدى هجوم الإنسان الكبير على هذا الحيوان لاقتناصه وقتله بلا هوادة، إلى انخفاض اعداده بشكل مخيف  إلا أن تنبه الحكومات المختلفة لحظر ذلك، ساهم بسن ووضع التشريعات المختلفة التي يمكن أن تنقذ هذا الحيوان وغيره، وتحفظه بعيداً عن المتاحف العالمية.


 


 


 


المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 66