تواجه خطر ندرة المياه العذبة
دول الخليج .. وسنواتها العجاف
عنود محمد القبندي
تعتبر مشكلة ندرة المياه العذبة من أكبر التحديات التي تواجهها دول المجلس، إذ تقع هذه الدول في منطقة ذات ظروف مناخية تعتبر من أقسى الظروف المناخية في العالم، وتؤدي إلى محدودية الموارد المائية فيها وانعدام المياه السطحية فيها. وبأخذ المعادلة السكانية في الاعتبار فإن دول المجلس تعتبر من أكثر المناطق التي تعاني من الفقر والإجهاد المائي في العالم، إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية العذبة المتجددة فيها نحو 150 متراً مكعباً، ما يجعل هذه البلدان أقل بلدان العالم تمتعا بهذه الموارد، ولا تقع هذه الدول تحت خط الفقر المائي فحسب (أقل من 1000 متر مكعب للفرد في العام)، بل كذلك تحت خط الفقر المائي المدقع أو الحاد (أقل من 500 متر مكعب للفرد في العام). وبحسب توقعات النمو السكاني في هذه الدول يمكن أن يهبط متوسط نصيب الفرد من المياه في بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى ما يقرب من 50 متراً مكعباً بحلول عام 2050.
وتأتي أربع من دول مجلس التعاون الخليجي الست – ومنها قطر – بين أكثر عشر دول في العالم تعرضاً لندرة المياه. وتأتي الكويت (10 أمتار مكعبة للفرد في العام) على رأس ترتيب الدول التي تعاني من ندرة المياه في العالم، والإمارات العربية المتحدة (58 متراً مكعباً للفرد في العام) بالمركز الثالث، وقطر (94 متراً مكعباً للفرد في العام) بالمركز الخامس، والسعودية (118 متراً مكعباً للفرد في العام) بالمركز الثامن. في دولتي الخليج الباقيتين – البحرين وعُمان. إذ جاء فيه أن هاتين الدولتين تستهلكان نسبة 2.8 و1.5 – على التوالي – أكثر مما لديهما من موارد مائية.
وتشغل دول المجلس الست إجمالي مساحة 2.7 مليون كم مربع. وإجمالي سكانها يربو على الثلاثين مليون نسمة، ويُتوقع أن يتعدى حاجز الأربعين مليون عام 2010. وعلى امتداد ربع القرن الماضي تزايد عدد السكان من ثلاثة إلى أربعة أضعاف، وكذلك الطلب على المياه. ومع بداية الألفية الثالثة فكل دول مجلس التعاون الخليجي – باستثناء عُمان (583 متراً مكعباً للفرد في العام) – تقع تحت خط ندرة الموارد المائية العذبة المتجددة، وهو 500 متر مكعب من المياه للفرد في العام.
عشر سنوات
ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي الطلب على المياه خلال العشرة أعوام القادمة، بحيث يزيد بنسبة 36 %. واليوم فإن 91 % من إجمالي الطلب على المياه مأخوذ من المياه الجوفية، و7.2 % منه مصدره التقطير للمياه الجوفية المالحة ومياه البحر، والباقي مصدره مياه الدفق المعالجة ومياه السطح. وفي المتوسط فإن الزراعة تستهلك 78 % من كل المياه المستخدمة، والنقص الجاري في الموارد المائية يُقدر بخمسة عشر مليار متر مكعب وفي المتوسط فإن الزراعة تستهلك 78 % من كل المياه المستخدمة، والنقص الجاري في الموارد المائية يقدر بخمسة عشر مليار متر مكعب، ولاستخراج وإنتاج والانتفاع من المياه – وبصفة خاصة في القطاع الصناعي والقطاع الزراعي – أثر بالغ على النظم البيئية. ومن أمثلة الآثار الإيجابية زيادة الإنتاجية الزراعية بتحويل الأراضي الصحراوية بواسطة نظم ري زراعي وتوفير مياه عذبة للاستخدام في الحضر ولكن أيضا هناك ضرر من الممكن أن يحدث وهو، ومنها أن تضرب التربة والمياه إلى الملوحة، والتلوث الحراري والكيميائي، وفقدان الحيوانات لمواطنها الطبيعية وتآكل التنوع الحيوي للأجناس الحية، وتراجع الإنتاجية، وتآكل النظم البيئية، مثل تدمير المزروعات الطبيعية في المناطق شبه القاحلة نتيجة لاستنفاد المياه الجوفية. للتخفيف من وطأة الآثار الضارة ذات الصلة بالمياه على النظم البيئية، وضمان الاستدامة بعيدة المدى لموارد المياه العذبة. إذ يجب توافر معرفة علمية سليمة بحالة واتجاهات الموارد المائية والنظم البيئية– الطبيعية والاصطناعية – وتفاعلاتها مع أحدها الأخرى والمجتمع.
العوامل الطبيعية
ساهمت عوامل الموقع والمناخ في أن تكون شبه الجزيرة العربية قاحلة، باستثناء السلاسل الجبلية الساحلية، وبصفة عامة لا يوجد في الجزيرة كلها نهر جارٍ، وإنما يقتصر الأمر على السيول التي تسببها الأمطار الساقطة على السلاسل الجبلية، والتي تتسرب بدورها إلى الأرض لتشكل المياه السطحية والجوفية. وعلى هذا الأساس تنقسم مصادر المياه التقليدية في دول الخليج إلى ثلاثة مصادر أساسية وهي المياه السطحية ومياه الأمطار والمياه الجوفية.
وتعتمد دول المجلس في تلبية متطلباتها المائية على المياه الجوفية، المتجددة منها وغير المتجددة، ومحطات التحلية وبدرجات أقل على مياه الصرف الصحي المعالجة، إلا أن نسبة المصدر الأخير آخذة في الزيادة. ولقد أدى الاعتماد الكبير على خزانات المياه الجوفية إلى زيادة السحب منها لدرجات تفوق طاقاتها الطبيعية، وهي تمر بحالة من التدهور الخطير الذي يهدد استدامتها، وتمثل ذلك في هبوط مستوياتها المائية وتدني نوعيتها بسبب تملحها بواسطة غزو مياه البحر والمياه العميقة المالحة لها، وبسبب معدل النمو السكاني العالي والتنمية الحضرية المتسارعة في دول المجلس فلقد زادت المتطلبات المائية البلدية بشكل كبير. من الواضح أن دول مجلس التعاون تواجه مسئولية ضخمة تتمثل في ضرورة إدارة مواردها المائية بأقصى درجة ممكنة من الكفاءة. وأخيراً قامت معظم دول المجلس بإجراء إصلاحات مؤسسية وبتحسين التدابير التشريعية، وقام بعضها بإصلاحات في السياسات المائية، والتوجه نحو جانب إدارة الطلب والمحافظة، ورفع الكفاءة الاقتصادية لاستخدام المياه، وزيادة مشاركة المستخدمين، والخصخصة، ومن المتوقع أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تحسين الوضع المائي في هذه الدول.
إلا أن هذه الدول ستظل تعاني من مشكلة ندرة المياه وتدني نوعيتها ما لم يتم تحسين السياسات السكانية والزراعية، وهما أمران لازمان للإدارة المستدامة للمياه في هذه الدول.
الاستهلاك
يتراوح معدل استهلاك الفرد في هذه الدول من 300 إلى 750 لتراً في اليوم، ويعتبر سكان دول المجلس من أعلى المستخدمين للمياه على مستوى العالم. ويرجع ذلك إلى غياب إجراءات إدارة الطلب في هذه الدول، إذ ركزت الحكومات إلى وقت قريب على جانب زيادة الإمدادات المائية من خلال بناء محطات التحلية وزيادة السحب من المياه الجوفية، بالإضافة إلى انخفاض الوعي العام بقيمة المياه في هذه الدول. وحالياً تمتلك دول المجلس مجتمعة أعلى طاقة تحلية في العالم، إذ تتجاوز الطاقة الإنتاجية لمحطات التحلية في هذه الدول أكثر من 50 % من طاقة التحلية العالمية. ولكن مازالت دول المجلس لا تمتلك هذه التقنية ومازالت تكاليفها عالية وتأثيراتها كبيرة على البيئة.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 111