المستعمرات الاصطناعية للشعاب المرجانية والأسماك
ألطاف العوضي
أولت الهيئة العامة للبيئة الأبحاث والدراسات البيئية الاهتمام الذي تستحقه، حيث تضمن الهيكل التنظيمي لها على مكتب الأبحاث والدراسات البيئية، وعهد إليه اقتراح ومتابعة وتقييم تنفيذ الدراسات البيئة، واعداد النماذج الخاصة بها وإيجاد آليات للتعاون البحثي مع الجهات المعنية، وتوفير قاعدة معلومات بيئية لمواجهة احتياجات ومشاكل المجتمع.
ونظراً لأهمية البحث العلمي في عصر العولمة، والذي قفز إلى مقدمة اهتمامات الدول خاصة المتقدمة منها، والتي تخصــــص حـــوالي 2- 3% من دخلها القومي لدعم برامجه، نخصص في هذا العدد باب لـ«الدراسات» لإلقاء الضوء من خلاله على إحدى الدراسات البيئية التي تمولها الهيئة.
لقد وهب الله كويتنا الغالية بحراً جميلاً يحتوي على نعم كثيرة لاتعد ولا تحصى وكانت هذه المياه هي بوابتنا عبر التاريخ للعالم من تجارة ورزق لذا يتحتم علينا المحافظة على البيئة البحرية ومكوناتها والعمل الدؤوب على كل ما من شأنه دفع الضرر عنها وإنجاز المشاريع الجادة لتأهيل وخدمة بيئتنا بشكل عام حتى نوقف الدمار الحالي الذي تتعرض له.
فكرة المشروع
يتكون مشروع بناء وتنصيب محميات خرسانية للشعاب المرجانية والأسماك من عناصر عديدة تمثلت في إنجاح هذا المشروع الوطني البيئي المتميز وتبدأ عناصر المشروع من اختيار مادة الخرسانة وأشكالها المناسبة للبيئة البحرية ومن ثم تجميعها وتجهيزها كبناء متكامل ونقلها إلى قاع البحر لاستقرارها، وتتوافق مع هذه الفكرة عناصر أخرى مثل عمق موقع التنصيب ونسبة دخول الضوء والتيارات المائية المعتدلة حتى تصبح هذه المحميات الخرسانية عنصراً فعالاً في هذا المكان لتحل مشكلة التصحر البحري وهو المصطلح الذي أطلقه فريق الغوص الكويتي التابع للجمعية الكويتية لحماية البيئة على أماكن الشعاب المرجانية المدمرة والميتة مما يستدعي هذا العمل البيئي الجاد.
وجاءت هذه الفكرة للأهمية الكبرى للشعاب المرجانية الطبيعية وأثرها الإيجابي على البيئة البحرية الكويتية، فهذه الشعاب تعتبر الخزائن الغذائية للبحار؛ بل هي إحدى أهم الحلقات والأكثر أهمية ضمن مجموع حلقات السلسلة الحياتية للبيئة البحرية، فالشعاب المرجانية كائن بحري ذو نظام بيولوجي متكامل يضم النوع الصلب منه الطحالب التي تعتمد على الضوء كمصدر للقيام بعملية البناء الضوئي؛ كما يضم نوعاً رخوياً من الهيكل العظمي هذا وتتمثل أهمية الشعاب المرجانية بالتالي :
1- إن الشعاب المرجانية تزيد من فرص ظهور الجزر في البحر لأنها تنمو على شكل طبقات الواحدة ثم تليها الأخرى وهكذا، ويصل معدل نموها أحياناً أعلى من مستوى سطح الماء مكونة جزراً متفرقة في البحار.
2- أيضاً تمنع زوال وانجراف الجزر بفعل عوامل الطبيعة «المد والجزر» لأنها تحيط بالجزيرة من جميع الجهات موفرة بذلك الحماية اللازمة لها.
3- أيضاً تعتبر مستودعات ومخازن غذائية ومسكن للكائنات البحرية المختلفة فتعمل على توفير الملجأ الآمن ضمن حلقات السلسلة الحياتية للبيئة البحرية، وزوال أو تفكك أو انهيار تلك الشعاب سوف يؤدي إلى اختلال البنية التحتية للبيئة البحرية.
مراحل تنفيذ المشروع
أولاً : تجميع المعلومات والدراسات والاستشارات
حرص فريق الغوص الكويتي التابع للجمعية الكويتية لحماية البيئة الاعتماد على رأي العلماء والباحثين والتقارير والأبحاث التي كتبت وموجودة حالياً على صفحات الإنترنت مع عقد الكثير من الاتصالات واللقاءات بهذا الشأن للتأكد من أهمية وضرورة هذا المشروع على البيئة البحرية، إضافة إلى خبرة الفريق في عمل مثل هذه المشاريع.
ثانياً : توفير القطع الخرسانية
كانت مسألة توفير القطع الخرسانية اللازمة هاجساً لدى فريق الغوص الكويتي بسبب التكلفة المادية الباهظة إضافة إلى الحصول على الأشكال الملائمة لإقامة محمية متكاملة لجميع الكائنات المستوطنة إلا أن التعاون المثمر للأخوة في الشركة الكويتية للمباني والتعمير كان حجر الزاوية لنجاح هذا المشروع إضافة إلى مؤسسة الموانئ الكويتية ميناء الشويخ وتكفلها بمساعدة الفريق لتجميع هذه القطع وتجهيزها لتنصيبها في قاع البحر بالطريقة والأسلوب والشكل المقترح.
ثالثاً : اختيار الموقع المناسب لتنصيب المحمية
من خلال الخبرة العلمية والعملية التي اكتسبها الفريق خلال مراحل عمله في هذه المشاريع البيئية الجادة وضع الفريق عدة شروط أساسية لعمليات اختيار المواقع المناسبة لتنصيب المحمية الخرسانية وهي كالتالي :
1. صلابة القاع.
2. تخلل الضوء للقاع.
3. تيارات مائية معتدلة.
4. وجود حياة بحرية في الموقع.
5. عدم تأثر الممر الملاحي.
رابعاً : نقل القطع الخرسانية
الخطوة الرابعة في هذا المشروع هي نقل القطع بعد تجميعها بالطريقة المقترحة إلى ميناء الأحمدي التابع لشركة نفط الكويت ووضعها في المقطورات الخاصة بنقل هذه المجسمات إلى البحر.
خامساً : تنصيب المحمية الخرسانية
وتكون هذه المرحلة الأخيرة للتنصيب بعد إنجاز المراحل الأربع الأولى السابقة وهي عادة ما تكون على ارتباط وثيق بالأحوال الجوية المناسبة بسبب خطورة استخدام الرافعة أثناء ارتفاع الأمواج وكذلك خطورة عمل الغواصين في هذه الظروف السيئة وعند توافر الظروف الجوية المناسبة ورسو القاطرة والمقطورة محملة بالمجسمات الخرسانية في موقع التنصيب يبدأ الغواصون في العمل للتأكد من نجاح العملية في قاع البحر.
المواد المستخدمة بالمشروع وأشكالها
سعى فريق الغوص الكويتي التابع للجمعية الكويتية لحماية البيئة إلى وضع مادة الخرسانة المعالجة في هذا المشروع والتي مضى عليها سنوات عديدة تعرضت خلالها لأشعة الشمس والأمطار مما أهلها للقيام بالدور البحري في هذا المشروع، وتعتبر هذه المواد آمنة للبيئة البحرية بسبب عدم وجود آثار سلبية قد تنتج عن وجودها في البحر لأن مكوناتها تتشابه مع مكونات الصخور المرجانية، كما أن ثقل وزنها يوفر عنصر الثبات والاستقرار لحمايتها من الصيادين إضافة إلى أنها تمكن حيوان المرجان وكذلك الأسماك من الاستقرار فيها واستيطانها وهناك أسباب أخرى تميز أشكال هذه المجسمات الخرسانية وهي كما يلي :
- وجود فتحات خاصة للأسماك والكائنات البحرية الصغيرة والدقيقة.
- إمكانية ربط المجسمات فيما بينها.
- استخدام عوامل الربط بأدوات غير ضارة للبيئة البحرية.
- السماح للتيارات المائية لتخلل جسم المحمية ومصدر الضوء لإعطاء فرصة أكبر للتكوين البيولوجي للمحمية مع حرية حركة الأسماك بين جنباتها.
- التقليل من استخدام المسطحات والقواعد التي تأخد مساحة كبيرة في القاع.
حاجة البيئة الكويتية لمثل هذه المشاريع
هناك حاجة ماسة وعاجلة لبيئتنا البحرية لمثل هذه المشاريع الجادة بسبب ضرورة تعويض ما فقدته هذه البيئة من مقومات أولية على رأسها الشعاب المرجانية وإيجاد البديل الناجح، وأيضاً معالجة تناقص مخزون الكويت من الثروة السمكية وكذلك إعادة إحياء بعض المناطق التي تحولت قيعانها إلى صحراء بحرية قاحلة خالية من مظاهر الحياة.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 71