رمال جزيرة العرب احتوت مروجا وأنهارا وغابات تحولت إلأى طبقات نفط
أحمد بن محارب الظفيري : مساحة رمال الربع الخالي ضعف مساحة فرنسا
ريهام محمد
مجرد ذكر اسم أو بالأحرى لفظ الجزيرة العربية يثير لدى الباحث في التراث أحمد بن محارب الظفيري العديد والعديد من الأفكار التي يصل بعضها إلى حد نظريات علمية مؤكدة أو جاري تأكيدها ولعل تشريح أرض جزيرة العرب وجيولوجيتها وتاريخ مناطقها يعد من أهم بل من أمتع المعلومات المتعلقة بها على الإطلاق ولذلك ستكون مدخلنا نحو تراث بيئي سخي وغني سرده لنا بحب عاشق التراث والبيئة أحمد بن محارب الظفيري.
يقول الظفيري في مستهل حديثه معنا:
((جزيرة العرب أرض مباركة هي مهبط الوحي ومنطلق الرسالة الإسلامية الكريمة، ومهد الحضارة الإنسانية ومستودع القيم والشيم العربية السامية هذه الأرض التي أنجبت للإنسانية نماذج فاضلة من البشر على مر عصور التاريخ فكانوا بحق بناة حضارة ودعاة توحيد، نشروا عدل الإسلام وخيره في كل بقاع الأرض، وبسبب معاملتهم الطيبة للبشر سارع الكثيرون إلى اعتناق الإسلام العظيم)).
دورات جليدية
ثم استطرد الظفيري وانتقل إلى شرح تفاصيل جيولوجيا أرض الجزيرة ومناخها وارتباطه بالتغيرات المناخية العالمية حيث قال: توصل العلماء الجيولوجيون إلى أن سطح الأرض قد تعرض في الماضي البعيد لعدة تغيرات مناخية وجيولوجية في مختلف العصور فقد مر بأربع دورات جليدية تفصل بينها دورات أو فترات دفيئة ذات مناخ جاف لا يختلف عما هو سائد اليوم، كما أن آخر دورة جليدية مرت على الكرة الأرضية وانتهت هي الدورة الجليدية الرابعة ويسميها العلماء دورة جليد وورم Warm وقد بدأت منذ 40000 قبل الميلاد وانتهت سنة 18000 قبل الميلاد.
جزيرة العرب
ويؤكد علماء التاريخ القديم والحديث وعلماء طبقات الأرض والحفريات، أن الحضارة الإنسانية عاشت ونمت خلال هذه الفترة الجليدية الرابعة ضمن حدود شبه الجزيرة العربية بينما كانت أوروبا وكل الأجزاء الشمالية من الكرة الأرضية مغطاة بالثلوج الهائلة. في حين كانت الحياة والحضارة مزدهرة وزاهية ضمن حدود جزيرة العرب التي كانت تتعرض خلال تلك الفترة لأمطار غزيرة وأجواء طيبة معتدلة في كل المواسم شتاء وصيفا وكانت الأنهار الجارية يتدفق ماؤها وتخترق أراضيها من كل صوب لتصب في البحار المحيطة بها، كل هذه العوامل ساعدت على نمو الغابات الكثيفة والأعشاب الكثيرة، فعاش البشر في بحبوحة من العيش الرغيد يقتطفون ثمار الحياة بكل يسر وسهولة فسبحان رب العزة والجلال القائل في محكم كتابه العزيز ((وجعلنا من الماء كل شيء حيا)).
الدورة الثالثة
وأشار الظفيري إلى أن العالم بناء على ما سبق ذكره يعيش في الدورة الدفيئة الثالثة الدورتان الجليديتان الأولى والثانية متلاحقتان لا يفصل بينهما دورة دفيئة، وهذه دورة الدفيئة الثالثة بدأت في أعقاب دورة جليد وورم المنتهية في سنة 18000 قبل الميلاد كما ذكرنا سابقا. وخلال هذه الدورة الدفيئة التي نعيشها أصبحت أوروبا ممطرة خصبة وتحولت أرض الجزيرة العربية تدريجيا إلى صحاري نتيجة لتغير المناخ من بارد معتدل ممطر إلى حار جاف قليل المطر. فتدفقت موجات البشر (الكنعانيين والعموريين والآكديين والبابليين والآشوريين والآراميين والكلدانيين) من جزيرة العرب إلى الأقطار المجاورة التي أطلق عليها الغربيون مصطلح «الهلال الخصيب» The Fertile Crescent فصنعوا حضارات فجر التاريخ القديمة التي وصلنا الكثير من أخبارها ومعلوماتها.
واستدل الظفيري على ما سبق ذكره بإشارة القرآن الكريم إلى ((جنان عدن)) في الكثير من آياته البينات، كما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في كتابه المسند ورواه كذلك أبو عبدالله الحاكم النيسابوري في كتابة «المستدرك على الصحيحين» أن رسول الله قال (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهاراً) ومعنى كلمة «تعود» أنها كانت فيما مضى مروجا وأنهارا.
ويرى بعض الرواد الأجانب من مستشرقين وعلماء مثل برترام توماس و«سنت جوفلبي» المعروف عند العرب باسم الحاج عبدالله فلبي، أن جزيرة العرب تضم تحت أراضيها ورمالها شواهد مؤكدة وأثارا حقيقية لحضارة إنسانية راقية وبعد مشاهداتهم وأبحاثهم عن الجزيرة يؤكدون أنها ما زالت أرضا بكرا لم يكشف النقاب عن طبقاتها إلى الآن.
بوادر الجفاف
ويقول عالم الآثار الإيطالي «مارينا كيناتي» الذي قام في سنة 1929 بدراسة ميدانية في الجزيرة العربية أن بوادر الجفاف طرأت على الجزيرة العربية حوالي الألف العاشرة قبل الميلاد، ولكنه لم يتمكن من التأثير فيها تأثيرا محسوما إلا في الألف الخامسة قبل الميلاد، ففي هذا التاريخ وما بعده أحس الأهالي بمضايقته وحينئذ بدأت سلسلة هجرات الأهالي المتتابعة إلى الأقطار المجاورة ذات الأنهار الدائمة والظروف المناخية الأحسن.
ويعود الظفيري ويقول: ويؤكد العلماء أن الغابات الكثيفة في جزيرة العرب تحولت فيما بعد عصر الجفاف نتيجة الضغط الواقع عليها عبر تقادم العصور إلى طبقات نفطية ويؤكد العلماء الاختصاصيون أن هذه الرمال الكثيفة الموجودة في جزيرة العرب مثل رمال النفود والدهناء والربع الخالي لم تتجمع في أمكنتها الحالية بفعل حركة الرياح بل تجمعت بفعل حركة التيارات المائية النشطة المتدفقة عبر الأنهار العظيمة والروافد الكثيرة، حيث جرفتها المياه ورسبتها في هذه الأمكنة المنخفضة في العصور الجليدية المطيرة والدليل على ذلك أن بعض هذه التجمعات الرملية الهائلة يقع عكس الرياح.
الربع الخالي
وهذا الأمر يبدو للوهلة الأولى غير معقول فكيف تتحرك الرمال عكس حركة الرياح السائدة؟ علماً بأن معظم هذه الرمال موجودة بأسمائها المعروفة منذ العصر الجاهلي وإلى اليوم، تغنى بها شعراؤهم وحفلت بذكرها كتب التاريخ والأدب والبلدان وعبر هذه السنين الطويلة لم تحرك الرياح إلا النزر اليسير مقارنة بضخامتها وكبر مساحة أرضها التي تشغلها.
فرمال الربع الخالي التي تبلغ مساحتها نحو ضعفي مساحة فرنسا كلها، هي بالأصل في عصور الدورة الجليدية الرابعة كانت عبارة عن منخفض كبير تغمره المياه (بحيرة) تتصل بالبحر ويصب فيها أنهار عظيمة مثل نهر وادي الدواسر «يسمى الوادي الحديث» وغيره من الآثار وهذه الرمال الهائلة المتراكمة في الربع الخالي لم تنقلها الرياح، بل نقلتها وجمعتها حركة التيارات المائية المتدفقة في هذه البحيرة في العصور الممطرة، عصور الدورة الجليدية الرابعة آنفة الذكر، وفي أعماق وأرض الربع الخالي فوق طبقات تجمع البترول يوجد خزان جوفي هائل للمياه.
معالم وشواهد
وقد اكتشف عالم الآثار الإيطالي كيناتي في الربع الخالي معالم وشواهد حضارية كثيرة، حيث عثر على بقايا أسواق ومنازل ومعابد وبحيرات مياه وأحواض وأسماك اصطناعية وبقايا عظام وقواقع متحجرة وأدوات زراعية، وكل هذه الآثار تؤكد بما لا يقبل الشك وجود الإنسان والحيوان والماء والحياة في هذه المنطقة في العصور السحيقة، ويقول هذا العالم الآثاري الشهير (أن هذه الجنان هي التي كانت سببا في رسم تلك الصورة الجميلة في مخيلة كتاب التوراة عن جنة عدن المذكورة في التوراة والقرآن الكريم.
وأضاف الظفيري على ما قاله العالم كيتاني أن الموروث الشعبي لعرب الجزيرة يردد قصصا, أساطير جميلة عن أهل الحضارات التي سادت ثم بادت مثل عاد وثمود، ومازالت أذكر وأنا فتى يافع تلك القصة التراثية الشعبية التي يرددها شيبان القبيلة والتي تقول: أن نبي الله سليمان بن داود عليه السلام نادى نسرا هرما وقال له أيها النسر أن عمرك طويل جدا وأظن أنك عاصرت الكثير من الملوك الأقدمين، فقال النسر نعم لقد عاصرت الكثير منهم الملك شداد بن عاد ورأيت حنته، فقال له سليمان أيها النسر دلني على مكان جنة شداد بن عاد فأخذه النسر إليها ولما وصلا إلى مكانها وجداها مطمورة بالرمال، فأمر نبي الله سليمان رياح النكباء بإزالة الرمال عنها ولما ظهرت قصور شداد بن عاد وظهرت جنته تعجب سليمان منها واندهش وأمر النكباء بأن تعيد الرمال عليها وتدفنها كما كانت أولا حتى لا يطغى وينسى ربه.
ويقول بدو اليوم في استشهادهم على قدم الشيء «من دور شداد بن عاد أو يقولون من ثمدا ثمود وبنية العمود، وهو يقصدون بكلمة «بنية العمود» البدو وبناة بيوت الشعر.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 106