بيئة كواكب المجموعة الشمسية
داود سليمان الشراد
عمليات استكشاف الكواكب لا تزال مستمرة منذ نحو نصف قرن، فيما اتاحت الصور الملتقطة بأدق وأضخم التلسكوبات والجولات التي قامت بها بعض العربات على الكواكب ولاسيما عربتا ناسا على سطح المريخ العام الماضي مواصلة الكشف عن اكتشافات ستجعل من الممكن القيام بتحريات جديدة عن الكواكب وطبيعة تربتها وهوائها وغلافها الجوي وبيئتها في المستقبل.
في هذا الملف سنتعرف الى البيئة على كواكب المجموعة الشمسية من خلال العديد من الدلائل والمعلومات الجيولوجية وغيرها التي تمكننا من التعرف الى بيئة الكواكب.
ومن ذلك ما يقول العلماء من ان هناك تباينا واضحا في الطبقات المترسبة للمريخ مما يدلنا على أن الأحوال البيئية لم تكن ثابتة كما اكتشفت مركبة أوبورتيونيتي الامريكية في بداية قيامها بمهتها دلائل جيولوجية على أن كوكب المريخ كان كوكبا مطيرا في فترة معينة من فترات تاريخه.
ومن خلال هذا الملف عن بيئة كواكب المجموعة الشمسية سنصحب القارئ العزيز للتعرف على جميع كواكب المجموعة والتعرف على بيئاتها المختلفة وغيرها من المعلومات.
عطارد.. الكوكب المنسي
يتميز عطارد، الذي هو أقرب الكواكب إلى الشمس في النظام الشمسي، بأقصى مظاهر التطرف الطبيعية التي تميز الكواكب الأرضية Terrestrial في ذلك النظام. إذ تبلغ درجة الحرارة على الكوكب في النهار °427س (°801ف) وهي درجة ينصهر عندها الخارصين. ومع ذلك، ففي الليل تنخفض درجة الحرارة نتيجة وجود غلاف جوي، إلى -O183 س، هي برودة تكفي لتجميد غاز الكريبتون.
ومع أن سطوع عطارد شديد - فان قدماء الفلكيين لم يتمكنوا من إدراك أي تفصيلات عن تضاريسه، وكل ما أمكنتهم معرفته هو تحديد حركته في السماء، وبسبب قربه من الشمس، فان عطارد (كما يرى من الأرض) لا يبتعد عن الشمس اكثر من 27 درجة، وهذه الزاوية أصغر من تلك الزاوية المحصورة بين عقربي ساعة تشير الى الساعة الواحدة، ومن ثم فانه لا يمكن أن يشاهد إلا خلال النهار، لكن ضوء الشمس المبعثر يجعل من الصعب رصده إلا قبيل شروق الشمس أو بعد غيابها بقليل، وذلك حينما تكون الشمس قريبة جدا من الأفق. لكن عطارد في الفجر أو الغسق يكون منحدرا جدا في السماء، ولابد للضوء المنعكس منه أن يجتاز من الهواء المضطرب 10 أمثال ما يجتازه حين يكون فوق رؤوسنا مباشرة. وهذا وليس بإمكان افضل المناظير المقامة على الأرض من أن ترصد على سطح عطارد إلا تلك المعالم التي يبلغ قطرها بضع مئات من الكيلومترات أو يزيد - وهذا الميز Resolution أسوأ بكثير من ذلك المتوفر لنا حين مشاهدة القمر بالعين المجردة.
وعلى الرغم من تلك الصعوبات فقد حقق الرصد الأرضي عددا من النتائج المهمة. ففي عام 1995 تمكن الفلكيون من استقبال موجات رادارية منعكسة من سطح عطارد، ولدى حسابهم حيود دوبلر Doppler Shift في ترددات الموجات المنعكسة، توصلوا الى الزمن الضروري لإتمامه دورة كاملة حول محوره الذاتي (اليوم) ويعادل 58.6 يوما. وحتى ذلك الحين كان يفترض أن تلك المدة تعادل 88 يوما، أي إنها معادلة لسنته، وذلك يدل على أن جانبا واحدا من الكوكب من دون غيره كان يتجه دائما نحو الشمس. ويفترض أن يكون عطارد، الذي كان في بدايته يدور دورانا أسرع بكثير حول محوره، فقد من طاقته خلال أحداث المد والجزر مما سبب تباطؤه، ثم أصبح محكوما بهذه السرعة نتيجة عمليات مجهولة.
وتعمل الريح الشمسية العاتية على قصف عطارد باستمرار وذلك في جانبه المظلم، وللمجال المغنطيسي من القوة ما يكفي لمنع وصول تلك الريح إلى سطح الكوكب باستثناء الحالات التي تكون فيها الشمس نشيطة جدا، أو التي يكون فيها الكوكب في أقرب نقطة من مداره إلى الشمس (الحضيض). وفي تلك الحالة تقطع الريح الشمسية كل مسارها الموصل الى السطح، وتعمل بروتوناتها العالية الطاقة على إزاحة مادة القشرة.
ولاشك أن الأجرام التي تماثل سخونتها حرارة عطارد لا تحتفظ حولها بجو محسوس؛ لأن جزيئات الغاز تتحرك بسرعة تفوق سرعة الانفلات من الكوكب. فأي قدر ملحوظ من المادة الطيارة على سطح الكوكب سرعان ما تفلت منه. ولهذا السبب فقد ساد خلال فترة طويلة من الزمن اعتقاد بان ليس لعطارد جو خاص به. إلا أن مطياف الأشعة فوق البنفسجية المثبت على المركبة مارينر 10 رصد مقادير ضئيلة من الهيدروجين والهيليوم والأكسجين، كما أن الأرصاد التالية التي تمت من الأرض عثرت على آثارا للصوديوم والبوتاسيوم.
ومن الواضح أن جو عطارد يتبخر ثم يعود الى التواجد باستمرار. هذا ويفترض أن يكون جزء كبير من الجو مولدا من الريح الشمسية بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد يكون مصدر بعض مركبات الجو الرقيق الكرة المغنطيسية أو مادة المذنبات الساقطة مباشرة على الكوكب. وما أن تقذف ذرة من السطح بتأثير الريح الشمسية حتى تنخرط في الجو الرقيق. بل ومن الممكن أن يكون الكوكب مستمرا في نفث البقايا الأخيرة من مخزونه البدائي من المواد الطيارة.
وقد دلت النتائج على وجود جليد مائي. وان وجود قبعتين جليديتين - أو أي قدر من الماء - في كوكب حار كعطارد حدث مثير للحيرة والفضول. وقد يكون الجليد كامنا في مناطق ظليلة بشكل دائم قريبة من قطبي عطارد، أو أن يكون أيضاً من بقايا الماء البدائي تكثف على الكوكب في بدايات خلقه.
ومن جهة أخرى، فقد ذهب فلكيون إلى أنه من المحتمل أن تتضمن المناطق القطبية الظليلة مواد طيارة أخرى كالكبريت الذي يماثل انعكاس الشعاع الراداري عنه انعكاسه عن الجليد، إلا أن له درجة انصهار أعلى.
وأخيرا فانه لابد من الإشارة الى أن هذا الكوكب ورغم قربه النسبي منا، إلا أنه يظل بعيدا عن خطط الاستكشاف، ولأسباب عدة ولعل أحدها يكمن في وجود معضلة فنية خاصة تعترض إرسال بعثة للدوران حوله المركبة الفضائية يجب أن تكون محمية من الطاقة الشديدة المنبعثة من الشمس، وحتى من الطاقة الشمسية المنعكسة عن عطارد. وبما أن المركبة الفضائية ستكون قريبة من ذلك الكوكب، فان «ضوء عطارد» قد يصبح، من حين إلى آخر، أخطر كثيرا من ضوء الشمس ذاته.
ولاشك أنه ورغم أن معرفتنا قديمة بهذا الكوكب إلا أن هناك الكثير والكثير مما يمكن إماطة اللثام عنه، ولن يتحقق ذلك إلا بالتغلب على مختلف المعوقات التقنية وغيرها.
الزهــــرة .. توأم الأرض
على الرغم من أن الزهرة أخذت اسم إلهة الحب فينوس Venus، فإنها أقرب إلى أن تكون الشقيقة القبيحة للأرض. فالكوكبان خلقا من المنطقة ذاتها من السديم الشمسي، ويدل ذلك على أن تركيبهما واحد بشكل عام. وللكوكبين الحجم والكتلة والكثافة نفسها تقريبا. كما أن متوسط بعد الزهرة عن الشمس في مدارها حولها هو 70% من متوسط بعد الأرض عن الشمس.
ولكن، في حين أن درجة حرارة الأرض وظروفها القائمة تسمح بالحياة، ولها بيئات متنوعة ومجال مغنطيسي شديد، فإن الزهرة جافة وحرارتها لا تطاق، ومجالها المغنطيسي ضعيف لدرجة أنه ليس باستطاعته كبح الريح الشمسية من أن تشتت الغلاف الجوي العلوي للكوكب. ولأن سطح الزهرة يتواجد تحت سحابات دائمة من حمض الكبريتيك H2SO4 وغلاف جوي كثيف من ثاني أكسيد الكربون CO2 فإن درجة حرارة هذا السطح تبلغ نحو °450س (O842ف)، أي أنها تفوق درجة انصهار الرصاص.
ولاشك أن درجة حرارة الزهرة حاليا أعلى من درجات الحرارة التي يمكن أن توجد في ظروفها حياة، فدرجة حرارتها السطحية اللاهبة تعادل نحو °923س (k°750) ويعزز تلك الحرارة الاحتباس الحراري بفعل غازي CO2 وثاني أكسيد الكبريت SO2. ومن المحتم أن يكون أي قدر من الماء السائل قد اندثر منذ زمن بعيد في الفضاء واختفى فيه.
ويفوق الضغط الجوي على سطح هذا الكوكب بنحو 93 مرة الضغط الجوي عند سطح البحر على كوكب الأرض.
وحتى لو وضعنا الحرارة والضغط جانبا، فإن هواء الزهرة غير صالح أبدا لتنفس البشر. فجو الأرض مكون من نحو %78 من النتروجين و%21 من الأكسجين. وبالمقابل فإن جو الزهرة الأسمك كثيرا مكون بكامله تقريبا من غاز CO2. أما النتروجين، وهو ثاني أغزر الغازات وجودا، فلا يمثل سوى %3.5 من الجزيئات الغازية. وكلا الكوكبين يحوي الكمية الكلية ذاتها تقريبا من النتروجين الغازي، إلا أن جو الزهرة يحوي من CO2 أكثر مما يحويه جو الأرض بنحو 30000 مرة. وفي الحقيقة، فإ ما تحويه الأرض من CO2 قريب مما هو موجود في جو الزهرة، إلا أنه في الأرض محجوز في الصخور الكربونية وليس على شكل غاز. ولعل ذلك الفرق الجوهري هو المسؤول عن كثير من الاختلافات البيئية الشديدة الأثر الكائنة بين الكوكبين.
ولعل أحد الأمور الغامضة الهامة حول الزهرة هو الندرة النسبية للفوهات عليها. ويعود ذلك إلى أن عمر سطح الكوكب ربما لم يتجاوز 600 مليون سنة. ولم يتوصل العلماء بعد إلى تعليل مقبول لذلك، ولكن معظمهم يتفق على أن ذلك التعليل لابد أن يتضمن البركنة وعمليات التشويه التكتونية.
ويسخن سطح الكوكب تحت جو كثيف من غاز CO2، كما أن السحب المعلقة فوقه تتركب من حمض الكبريت ذي الرائحة الكريهة. وعدم وجود مجال مغنطيسي يعرض جوه العلوي إلى وابل متواصل من جسيمات مشحونة قادمة من الشمس.
إن دوران الزهرة حول محورها تراجعيا يتم ببطء شديد، فالأرض تنجز دورة يومية في حين تنجز الزهرة دورة واحدة بالنسبة إلى النجوم. كذلك، فإنه ينتج من الجو الكثيف الذي يغلف الزهرة أن درجة حرارتها السطحية ثابتة تقريبا من خط الاستواء الى القطب. ومن ثم، فقد نتسرع بافتراض أن الرياح على الزهرة بطيئة جدا.
ومما يميز كوكب الزهرة عدم وجود مجال مغنطيسي شامل فاعل، وذلك يعود لأسباب مازالت مجهولة بعد. وأخيراً إن إدراكا أفضل للبيئة الشاملة على كوكب الزهرة يمكن أن يكون في حد ذاته هدفا وغاية جديرة بالاهتمام. فهو يوفر أيضا فكرة عن طبيعة بيئة الأرض وعن التوازن الدقيق للعمليات الفيزيائية والكيميائية التي تُبقي عالمنا صالحا للحياة.
زحـــل.. الكوكب الساحر
إن حلقات زحل تجعل منه واحداً من أكثر المناظر الفلكية المثيرة والمميزة، وذلك إضافة إلى كثرة طرحه في قصص وأفلام الخيال العلمي. وحينما وجه جاليليو (1564-1642) منظارا بدائيا نحو الكوكب أول مرة عام 1610، جعلته الصورة ذات الميز Resolution الضعيف في معين المنظر View-Fider يفترض خطأ بأن زحل هو كوكب ثلاثي النظام، يتكون من جرم مركزي كبير وجرم أصغر على كل من الجانبين. وقد تكون الحلقات أحدث بكثير من الكوكب ذاته. لذا اتجه بعض العلماء لدراسة تلك الحلقات. وتبعا للحسابات التي جمعت، فان حلقات زحل لابد أن تتركب من أجسام عديدة أدنى. وعلى الرغم من أن الكوكب يقارب المشتري في الحجم، فان كتلته تعادل ثلث كتلة المشتري فقط وهذا يجعل زحل عملاقا غازيا، فان الزمن الذي يستغرقه في الدوران حول محوره ليس ثابتا، وإنما يتوقف على خط العرض. تتحرك سحب الغلاف الجوي العلوي حول خط الاستواءفي 10.10ساعات، وهو زمن قليل. أما السحب في خطوط العرض العليا فقد تستغرق زمنا يفوق بنصف ساعة على ذلك في مرورها عبر الكوكب.
إن زحل، مكون أساسا من الهيدروجين والهيليوم ومقادير ضئيلة من الميثان والأمونيا. يبث زحل كميات كبيرة غير متوقعة من الحرارة هذا ربما يكون ناتجا عن الاحتكاك الناجم عن غوص قطرات الهليوم السائل في الهيدروجين السائل، الذي هو أخف وزنا، باتجاه مركز الكوكب. ولو صحت هذه الفرضية، لوجب أن يكون الهيليوم قد استنفد نسبيا من الغلاف الجوي لزحل.
ومع أن هذا الكوكب أصغر من المشتري، وان سطحه اقل إثارة من حيث مظهره، فقد يحوي حلولا للخفايا والألغاز الحيوية المرتبطة بنشوء وتطور جميع الكواكب الغازية العملاقة. وتحوي حافة زحل من الأقمار 30 قمرا جليديا، وجرما له حجم كوكبي، هو تيتان Titan، الذي يحيط به غلاف جوي كثيف طالما أثار فضول العلماء، لأنه قد يكشف عن كيفية نشوء الحياة على الأرض. ويسعى الباحثون أيضاً لاكتشاف طريقة تشكل حلقات الكوكب، وكيف يؤثر المجال المغنطيسي الشديد للكوكب في حلقات الكوكب، وكيف يؤثر المجال المغنطيسي الشديد للكوكب في الأقمار الجليدية وفي الغلاف الجوي العلوي لتابعه تيتان.
واستنادا إلى بيانات مجال الجاذبية، فانه يبدو أن لزحل مركزا كتلته تفوق كتلة الأرض 20 مرة. ولما كان زحل أكثر الكواكب تسطحا عند القطبين فان قوة الجاذبية عند خط استوائه أدنى من ثلاثة أرباع قيمتها عند القطبين.
على الكرة الأرضية، يعمل الماء على تغيير شكل السطح ومبادلة الطاقة والكتلة بين السطح والغلاف الجوي؛ أما على تيتان، فالميثان يؤدي ذلك الدور. لكن الفقد المتواصل للميثان في الغلاف الجوي لتيتان، نتيجة التفاعلات الكيميائية الضوئية التي يحدثها إشعاع الشمس فوق البنفسجي، يجعل من الضروري إعادة إمداد الغلاف الجوي لتيتان بهذا المركب بطريقة ما من سطح القمر أو من داخله، أو ربما من ارتطامات المذنبات.
وأخيرا إن علماء الكواكب تواقون لمعرفة المكان الذي انبعث منه نتروجين وميثان تيتان؛ ومعرفة سبب كون تيتان القمر الوحيد في المنظومة الشمسية الذي يغطيه غلاف جوي كثيف. كما أن هناك أسئلة عديدة تدور حول كوكب زحل، مثل، حقيقة انفصال الهليوم والهيدروجين في أعماق الكواكب السحيقة؟ وغيرها من أسئلة عديدة.
المريــــــــخ.. الكوكــب الأحــمر
نتيجة لقرب المريخ النسبي من الأرض، ولما يرتبط به من أساطير وحتى لونه، صار هذا الكوكب أحب إلى العامة في القصص والروايات، كما وتداولت أعداد لا تحصى من المؤلفات العلمية وروايات الخيال العلمي احتمال وجود حياة عليه.
ويبدو أن الاهتمام بالحياة على كوكب المريخ يعاود البروز بين حين وآخر، وبخاصة عند اكتشافات مثيرة جديدة ترتبط بهذاالعالم الأحمر الذي تكتنفه الأسرار. ومن الناحية التاريخية، كانت تلك الاكتشافات تحدث عادة بعد كل من الاقترابات الدورية الكبيرة بين المريخ والأرض، إذ يقترب المريخ من الأرض كل 15 سنة، وتصبح المسافة حينئذ بين الكوكبين نحو 56 مليون كم (آخر اقتراب كان في صيف عام 2003). وقد صار من المتعارف عليه أن يفترض وجود حياة ذكية ومعقدة على المريخ، كتلك التي يحظى بها البشر على الأرض، ما لم تكن أكثر ذكاء منها وتعقيدا. (يصف العامة كائنات المريخ بأنها خضراءاللون وضئيلة الحجم، ولا يوجد ما يؤيد ذلك).
ولعل ذلك يرجع إلى أن الفلكي شيباريلي (1835-1910) أعلن، بعد أحد الاقترابات الكبيرة بين الكوكبين في أواخر القرن التاسع عشر، أنه شاهد خطوطا طويلة تمتد عبر سطح الكوكب أطلق عليها اسم أقنية Canali. كماوذهب الفلكي لوويل (1855-1916) بعيدا حينما قال أن تلك المعالم هي أقنية شيدتها حضارة متطورة. بيد أن النظريات حول الخطوط والحضارات المتطورة توقفت في الستينات والسبعينات من القرن العشرين بعد إرسال الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق عددا من المجسات الى ذلك الكوكب. وقد ثبت فعليا عدم وجود أقنية، مع أنه قد شوهدت وديان ضيقة وضخمة، وعالما قاحلا مقفرا، مغطى بفوهات البراكين والنيازك. وفيما بعد، لم تعثر المركبات الفضائية التي هبطت على الكوكب على أي دليل لوجود حياة، وبالتالي عدم وجود حياة ذكية وحضارة عليه. رغما أنها اكتشفت وجود جبال عملاقة وأخاديد عميقة ونظام جوي معقد.
على الرغم من أن تاريخ الغلاف الجوي للمريخ مبهم، فمن المفترض انه كان أكثف في بداياته منذ ما بين 3.5 و4 بلايين عام. وبالتالي، فربما يكون الجو الكثيف قد كون احتباسا حراريا شديدا نتج عنه تسخين الكوكب الى حد يكفي للسماح للماء السائل بأن يظل مستقرا.
كان للمريخ أيضاً مصادر غنية للطاقة طوال تاريخه. كما كان تشكل البراكين Volcanism يوفر الحرارة منذ أقدم العصور حتى الماضي القريب، شأنه في ذلك شأن حوادث الارتطام.
وفي جو المريخ - الذي يماثل جو الأرض على ارتفاع يعادل نحو 35 كم - تتفاوت درجة الحرارة والضغط بشكل كبير وسريع. لكن نماذج الطقس متماثلة عموما في كل المواقع. ومع أن الرياح قد تهب بسرعة 100كم/س، فان القوة التي تولدها ضعيفة. وقد نرى ضبابا وجليدا وغيوما زرقاء رقيقة في بدايات اليوم. وتغير السماء لونها وفقا للموقع والزمان اللذين ينظر فيهما إليها. هذا وان انتشار الغبار يجعل السماء تظهر في الأفق حمراء اللون. ثم إن شروق الشمس وغروبها يظهران بلون أزرق؛ أما في المواقع الأخرى فتبدو السماء بلون بني فاتح. أما الإضاءة فتكون خادعة للعين. فبسبب النسبة المتفاوتة لضوء الشمس المباشر ووهج السماء غير المباشر، تبدو ألوان الصخور مختلفة بين زمن وآخر من النهار.
تضاريس حادة
ولقد ساهمت الصور التي أرسلتها المجسات والمركبات الفضائية في بلورة أفكارنا عن سطح الكوكب، إذ أمكن ملاحظة أن معظم حفر المريخ متعرية. كما وجد أن معالم تشبه المظاهر التي تخلفها تدفقات الطين، توجد حول كل حفرة كبيرة حديثة على سطح الكوكب. ولعل مثل تلك «المقذوفات» الطينية تماثل البقايا المتجمدة لمرحلة نشطة من الماضي، حينما ارتطم كويكب أو مذنب بسطح المريخ، مما أذاب جزءا من جليد الجمد السرمدي (حيث تجمدت اليابسة المشبعة بالماء) وحفر حفرة ضخمة أنتجت منطقة تحتوي على مياه سائلة في أعماق اليابسة. وقد بلغ العلماء، في أواخر السبعينات من هذا القرن، نتيجة تدل على أن كمية كبيرة من الجليد والمياه ظلت متواجدة تحت سطح الكوكب طوال معظم تاريخه.
وبجانب معالم الأنهار الجليدية والمقذوفات الطينية حول الحفر ودور المياه في تشكيل سطح الكوكب. ففي بعض البقاع تتشكل وديان متعرجة عرضها 1 كم وطولها عدة مئات من الكيلومترات من شبكات روافد مائية. وقد افترض بعض العلماء بأن مثل تلك الوديان أحدثتها مياه جارية.
بجانب أن هناك وديان أخرى في المريخ لها نقاط بداية جلية وروافد قصيرة، وهي خصائص مثالية للنحت الحادث نتيجة خروج المياه الجوفية إلى السطح. وهذه العملية، تحدث نتيجة تسرب المياه من ينابيع في جوف اليابسة، مما يتسبب في نحت الصخور أو التربة التي تعلوها.
وتكشف صور المريخ أيضاً عن عدد كبير من قنوات التدفق المائي محفورة على سطحه. ويبلغ عرض بعض تلك القنوات اكثر من 200 كم، ويمكن ان تمتد مسافة 2000كم أو اكثر ومنبع هذه القنوات مناطق مضطربة Chaotic terrain، وهي مناطق متصدعة ومتكسرة، فيها صخور مختلطة من غير انتظام يبدو أنها انهارت حينما اندفعت مياه جوفية فجأة الى السطح. وقد عملت الفيضانات المتشكلة، على حفر تلك القنوات الواسعة مخلفة جزرا انسيابية يزيد طولها عن 100كم، ومشكلة أخاديداً وحفراً يبلغ عمقها عدة مئات من الأمتار.
تغطي بعض مناطق الأراضي المرتفعة شبكة واسعة من الوديان التي كانت تصرف مياهها تدريجيا نحو منخفضات تعلو قيعانها طبقة من الرسابة. وكانت تلك المنخفضات فيما مضى مليئة بالماء.
ومع أن الصور الملتقطة لمظاهر اليابسة التي خلفتها الأنهار الجليدية القديمة ووديان الأنهار والبحيرات والبحار في الكوكب، هي شواهد دامغة على أن المريخ كان ذات مرة زاخرا بالمياه، إلا أن أدلة على ذلك جمعت من مصادر أخرى؛ إذ أظهرت قياسات للكوكب جرت بوساطة التحليل الطيفي وجود صلصال مشبع بالمواد المعدنية. كما وقد عثرت عربتان بعد هبوطهما على سطح المريخ وبعد تحليلهما التربة على نحو ما بين 10و20% ملحا. كما اكتشفتا أن صخور المريخ هي كصخور الأرض، تتفاعل مع الماء بتشكيل ملح وصلصال مشبع بالمواد المعدنية. ولكن من غير المحتمل أن تحدث مثل هذه التجوية Weathering الكيميائية في ظل ظروف المناخ البارد والجاف السائدة حاليا في المريخ.
وأخيرا يتبين مما سبق، أن بيئة كوكب المريخ قاسية جدا عند مقارنتها بكوكبنا الأرض. وحتى التفكير في إرسال بعثات علمية إلى هناك، يتطلب الكثير من الاستعدادات والتجهيزات الخاصة بهذا الكوكب، وخاصة فيما يتعلق بتفاوت درجات الحرارة الحاد، ورياح الغبار الشديدة، وغيرها من ظروف بيئية غير مناسبة تماما.
المشتري .. أضخم الكواكب
يمثل كوكب المشتري أكبر وأكثر الكواكب كتلة، ودوره في الترتيب الخامس في بعد الكواكب عن الشمس. وهو أكثر الكواكب الشمسية بريقا بعد كوكب الزهرة. ويبلغ اليوم عليه نحو 9.8ساعة، فيما أن سنته تعادل 11.86 سنة..والمشتري الذي يحوي %70 من كتلة جميع الكواكب مجتمعة في نظامنا الشمسي، والمكون بشكل أساسي من الهيدروجين والهيليوم، يشبه نجما من نواح عدة. والطاقة التجاذبية التي حررت حين خلق الكوكب منذ 4.5 بليون سنة مازالت كامنة في مركز الكوكب وتتسرب خارجا ببطء، لذا فان الكوكب يشع نحو ضعف (%1.7) من كمية الطاقة التي يستقبلها من الشمس. فضلا عن ذلك، من المحتمل جدا أن يكون جو المشتري ممثلا لأفضل عينة من السحابة السديمية البدائية التي خلق منها النظام الشمسي. وكانت هذه السحابة تحتوي بشكل أساسي على عناصر خفيفة، وبخاصة الهيدروجين والهيليوم، ولقد ظل كل شيء على الكوكب العملاق محفوظا نتيجة جاذبيته الهائلة.
ليس للمشتري سطح بالمعنى العادي. وتتنامى كثافة الهيدروجين مع العمق، ويتكثف إلى سائل ساخن على أعماق ضحلة. ويتساقط في هذا المحيط الهيدروجيني مطر متواصل من الهيليوم، ويحول هذا الضغط الهائل معظم تلك المواد الطيارة إلى سوائل على الرغم من الحرارة التي تبلغ آلاف الدرجات الكلفنية. وفي المناطق الأكثر عمقا، يصبح الهيدروجين فلزا، ومن المحتمل أن تتشكل الموصلية الكهربائية العالية الضرورية لتوليد المجال المغنطيسي الشديد لكوكب المشتري. وقرب المركز، تتوزع العناصر الأثقل، مثل السليكون والأكسجين والكربون والحديد، على شكل ذرات في خليط ساخن جدا ذي ضغط عال من الهيدروجين والهيليوم.
إن المشتري هو أيضاً مختبر طبيعي ضخم ويمدنا بجاذبيته الهائلة ودورانه السريع حول محوره وخواصه الكيميائية غير العادية، بموضوع دراسة مختلف جدا عن الأرض.
ويحيط بالمشتري حلقة، أو دائرة، هائلة تدور بسرعة، وتتكون من أيونات الأكسجين والكبريت، وتشكل الجزء الداخلي من الغلاف المغنطيسي. ومادة هذه الحلقة منتزعة من القمر آيو الذي عليه أن يمدها نحو 1000كجم في الثانية.
ولعل أشهر علامة على كوكب المشتري هي البقعة الحمراء الكبيرة التي يبلغ طولها 40 مليون م وعرضها 13 مليون م، ويمكن أن تكون مماثلة للشكل الذي سجل وجوده روبرت هوك (1635-1703) في سنة 1664 لكنها اشتهرت في سنة 1878 حينما وصفت بأنها بارزة وذات لون قرميدي - أحمر.
وخلافا لما هو عليه الوضع على الأرض التي تمد براكينها بالطاقة من حرارة النظائر المشعة، فان براكين آيو على المشتري تسخن بفعل التشوهات الناتجة عن المد والجزر التي يولدها المشتري وتوابعه الأخرى. وتخلق الغيوم البركانية جوا غير متجانس من ثاني أكسيد الكبريت يغادر جزء منه الكوكب، أما الباقي فيتجمد على السطح.
وليوروبا، الذي هو أيضاً بحجم الأرض، سطح غريب ذو صدوع ومغطى بالجليد الذي يزيد من سطوعه 10 مرات في الضوء المنعكس، وهناك دلائل على ملوثات في الجليد، وسهول ممتدة متجمدة. إن وجود الماء السائل تحت الغلاف المتجمد، ووجود جزيئات عضوية أيضاً، دفع إلى الافتراض بأن محيط يوروبا Europa قد يحوي بعض المكونات الكيميائية الحيوية الضرورية للحياة. أما جانيميد وكاليستو فهما قمران كاهلان مغطيان - بكثافة - بالفوهات البركانية، وكلاهما بحجم عطارد تقريباً ويحويان كميات كبيرة من الجليد.
نبتون.. الكوكب الأزرق العظيم
بحث الفلكيون عن كوكب ثامن حينما أدركوا أن هناك تفاوتا في مدار أورانوس عن المدار الذي يستنتج حسابيا، مما طرح احتمالا بوجود جرم ضخم. وفي عام 6481 تأكد الفلكيون من وجود نبتون، وهو كوكب يبعد كثيرا عن الشمس لدرجة انه يتطلب نحو 5 أعوام أخرى قبل أن يكمل أول مدار تام له منذ اكتشافه. ولاشك أن الاكتشاف قد حدث بعد أن افترض الفلكيون أن هناك شدا تجاذبيا لكوكب ثامن يولد شذوذا في مدار كوكب أورانوس. ونبتون هو الثامن بين الكواكب من ناحية متوسط بعده عن الشمس، لكن مرحلة كونه أبعد الكواكب عن الشمس، الذي استمرت 02 عاما، قد انتهت عام 9991 حينما تحرك الكوكب بلوتو مرة أخرى إلى الخارج ليصبح أبعد من نبتون عن الشمس.
إن نبتون الذي يدور على بعد 4.5 بليون كم من الشمس، حيث تبلغ شدة الضوء جزءا من ألف جزء من شدته على الأرض، لا يرى إلا بصعوبة ويبدو كبقعة خضراء شاحبة حتى في أعظم المناظير الأرضية.
إن الغلاف الجوي لنبتون ذي اللون الأزرق الداكن يتقلب بوساطة الرياح التي تتحرك بسرعة تبلغ 700 م/ث، وهي أعلى سرعة توجد على سطح أي من الكواكب. وكثافة نبتون أكبر من كثافة أي من العمالقة الغازية. ومن المحتمل أن يحوي في مركزه جليد وصخر منصهر، وذلك على الرغم من أن البيانات عن دورانه تدل على أن هذه المواد الثقيلة منتشرة على كامل الكوكب عوضا عن تكدسها في مركزه.
ونبتون، مثل أورانوس، كرة كبيرة من الماء والصخور الذائبة يعلوها جو من الهيدروجين (47%) والهيليوم (52%) المخلوط بالميثان (%2). ويمتص الميثان الضوء الأحمر، وهو السبب في المظهر المائي للكوكب.
وجو نبتون، بعكس أورانوس، فيه خطوط مميزة وبقاع عاصفة داكنة ضخمة، تحوي إعصارا وحيدا عرضه يعادل عرض الأرض، أطلق عليه العلماء (البقعة الداكنة الكبرى) Great Dark Spot. يقع على نحو خط عرض 22 درجة جنوبا، ويبدو انه يدور باضطراب بعكس اتجاه دوران عقارب الساعة.
القمر تريتون
وللكوكب قمران هما تريتون Triton ونيريد Nereid ، وهما معروفان من الأرصاد الأرضية. ولكن فويجر 2 عثرت على 6 أقمار جديدة أخرى. ولتلك الأجرام المعتمة المعوجة الشكل أقطار تتراوح بين 05كم و002كم وجميع أفلاك الأقمار المكتشفة حديثا قريبة من مستوى نبتون الاستوائي، وهي تتحرك على مداراتها بالاتجاه ذاته الذي يدور فيه الكوكب ذاتيا. أما مستويا مداري تريتون ونيريد فهما، على العكس، مائلان 02 و03 درجة تباعا، كما أن تريتون يدور في فلكه في الاتجاه المعاكس لاتجاه دوران الكوكب حول محوره، وهو القمر الكبير الوحيد في النظام الشمسي الذي يفعل ذلك.
وقد ثبت أن قطر قمر تريتون 0272كم - أي أنه أصغر بقليل من قمر الأرض، ويفترض أن تركيبه الداخلي صخري، كما ويغطى جليد الميثان والنتروجين قبعته القطبية التي تعكس كثيرا من ضوء الشمس، بحيث تبلغ درجة الحرارة هناك 013 ْس (73 ْ K ) فقط، وهذا يجعل منه «أبرد جرم على الإطلاق في النظام الشمسي».
أورانوس.. الكوكب الغريب
أورانوس كوكب غريب حتى بمقاييس المناطق النائية في النظام الشمسي، فهو عديم المعالم تقريبا، يجمع في اللون بين الأزرق والأخضر، ويتميز بأنه قد تعرض لارتطام في جانبه. ومحور دورانه يميل بزاوية تعدل 89 درجة على محور مساره. ويكاد يكون من المتفق عليه أن السبب في هذا الميل الفريد هو ارتطام هائل وقع حينما كان الكوكب في طور الخلق. ويضاف الى شذوذه أيضا أن مجاله المغنطيسي يميل هو الآخر على محور دورانه بزاوية تعادل 95 درجة. وأخيرا، فان الكوكب يدور في عكس اتجاه دوران الأرض. وعلى الرغم من أن الصورة المعدلة تماما التي التقطتها مركبة فويجر 2 في يناير عام 6891، كشفت عن حلقات تماثل تلك الموجودة حول زحل والمشتري، فان هذا الكوكب يبدو أكثر سكونا من بقية العمالة الغازية النشطة. ومع ذلك، فان أورانوس يحافظ على صفة مشتركة معها وهي تواجد الحلقات والعدد الكبير من التوابع له (71 تابعا).
في عام 6891 تم اكتشاف 01 أقمار صغيرة بواسطة المجس فويجر. وقبل ذلك، في عام 7791، وجدت 9 حلقات أثناء الاحتجاجات النجمية كما اكتشفت 2 آخرين بعد ذلك.
خلافا لبقية الكواكب في النظام الشمسي، فان كوكب أورانوس يدور على جنبه، أي أن محور دورانه ممتد تقريبا في مستوى مداره، بينما تكون محور الدوران لكل الكواكب الأخرى عموديا تقريبا على المستوى المداري لها.
إن أشد ما يثير عند مشاهدة أورانوس، سواء رصد من الأرض أو من الفضاء، هو أنه كوكب ليس فيه ما يدعو للانبهار: وحينما درست نماذج غيوم الكوكب، وجد أن لتلك النماذج أقطارا أدنى بكثير من قطر الكوكب، وان سطوعها أشد فقط بنحو 5% من سطوع ما يحيطها. ويعادل القطر الزاوي لأورانوس محسوبا من الأرض نحو 4 ثوان قوسية. ونتيجة لأن جو الأرض يطمس المعالم التي بعدها الزاوي أصغر من ثانية قوسية واحدة تقريبا، بغض النظر عن حجم المنظار، فان محطات الأرصاد الأرضية لا يمكنها أن تميز أي شيء على كوكب أورانوس أبدا، حتى أنه لا يمكن الشعور بدورانه.
لقد كان استنتاج سرعة الدوران الداخلية لأورانوس اعتمادا على مجاله المغنطيسي مفاجأة للكثيرين، وذلك لأن زمنه الدوري حول محوره البالغ 17.9 ساعة أطول من الأزمان الدورية لمعالم السحب التي شوهدت في صور فويجر. أي أن، الجو في المستويات العليا للغيوم يدور بشكل أسرع من دوران الجزء الداخلي لأورانوس، وذلك صحيح على الأقل في منطقة تقع بين خطي العرض 25 و70درجة حيث أمكن رصد تلك المعالم. ويكون الاختلاف بين السرعتين أعظم ما يكون عند خطوط العرض العالية حيث تكمل المعالم دورة كاملة حول القطبين في مدة 14 ساعة، ويتدنى ذلك الاختلاف باطراد عند الاتجاه نحو خط الاستواء. وقرب خط الاستواء يبدو أن العلاقة تعكس، إذ أن الجو يدور بسرعة أبطأ من الجزء الداخلي للكوكب.
إن توزع شدة الرياح أمر مستغرب للسبب ذاته الذي يجعل من سيطرة الرياح الشرقية - الغربية على أورانوس وضع يثير الدهشة، ذلك أنه يماثل كثيرا توزع الرياح على كوكب الأرض. إذ مادام أورانوس يتكئ على جنبه، فانه يفترض أن يكون قطباه أسخن من خطه الاستوائي وليس أبرد منهما. ومع ذلك فان الدوران السريع لمعالم السحب عند خطوط العرض العالية تدل على أن الكوكب له رياح تماثل التيارات المتحركة في الأرض.
وعلى كل حال، فإن الجو الكثيف لأورانوس قد يتضمن نصفه ماء. وإذا تكثف جزء ملحوظ من الماء لسبب أو لآخر قرب خط استواء الكوكب، فإن اختلاف الكثافة الناتج قد يدفع بتيار نحو القطب، كما هو الوضع حال تغير درجة الحرارة على الأرض.
ولقد وجد أن درجة الحرارة واحدة، وتعادل 377° س (460° K)، في كل من القطبين وخط الاستواء. أما في خطوط العرض الوسطى لكل من نصفي الكرة، فقد وجد أن درجة الحرارة كانت أدنى بنحو ما بين 1 أو 2 درجة. وفي الواقع فإن النماذج النظرية تنبأت أن للقطبين درجة الحرارة ذاتها تقريبا. وضوء الشمس على أورانوس هو من الضعف بحيث أن درجة الحرارة الموسمية لا يتفاوت تباينها إلا بنحو 2 درجة كلفن.
إن الرياح قد تكبح ذلك التفاوت الموسمي نتيجة حملها للحرارة من أحد نصفي الكرة إلى الآخر، كما أن تبريد القطب المظلم قد يعادل أيضاً بواسطة امتداد حمل الحرارة الداخلية. إلا أنه لم يتمكن أي من النماذج بعد من تعليل سبب كون خط الاستواء بسخونة القطبين نفسها. ويبدو أن الحرارة تنتقل في جو أورانوس بطريقة أكثر تعقيدا مما تتنبأ به النماذج.
إن جو أورانوس لا يتوقف عند سطح الكوكب المرئي. فهناك فوق السحب جو علوي رقيق مشكل أساسا من جزيئات الهيدروجين. وتبلغ درجة الحرارة هناك نحو 3290° س (057o K)، مما يؤدي الى انتفاخه لنحو 0006كم فوق أعالي السحب، ولاشك أن ضوء الشمس بذاته لا يمكن أن يعلل مصدر درجة الحرارة العالية تلك، فلابد من وجود مصدر آخر للطاقة.
ومهما يكن مصدر الطاقة، فانه من المفترض أن يكون السبب هو في الانبعاثات المرصودة. وقد دُرست تلك الانبعاثات على جانب أورانوس النهاري فقط، وتبين أن ضوء الشمس مطلوب كمحفز.
توابع متماثلة
وعلى الرغم من أعداد أقمار الكوكب العديدة، إلا أن 5 منها فقط هي الرئيسة، وهي خليط من الصخر والجليد.
تبين كثافات أرييل Ariel وأمبرييل Umbriel وتيتانيا Titania وأوبيرون Oberon أن هذه الأقمار تتركب من نحو 3 أجزاء من الجليد مقابل جزأين من الصخر. أما القمر الأصغر ميراندا. وأيضاً العشرة أقمار الصغيرة الأخرى فمن المحتمل أن تشتمل على نسبة أكبر من الجليد. وتغطي الفوهات سطحي أوبيرون وأمبرييل بغزارة. ويتماثل تيتانيا وأرييل مع أوبيرون وأمبرييل في كثافة الفوهات الصغيرة على سطوحها، ولكن الفوهات الأكبر التي تقع أقطارها في المدى ما بين 50 و 100 كم قليلة للغاية. وهذه الفوهات الأكبر هي في الغالب أقدم، وهذا جعل الفلكيين يعتقدون بأن تيتانيا وأرييل لهما سطحان أحدث من سطحي أوبيرون وأميرييل، ولكن لا تزال أسباب ذلك غير واضحة. ولجميع الأقمار وديان عميقة ويبدو أنها تكشف عن امتدادات وتشققات قديمة لسطوحها سببها تمددات بنسبة تتراوح ما بين 1و2%، فيما عدا ميراندا الذي يحتمل أن يكون قد تمدد أكثر من 6%. وقد تكون التمددات بسبب تجمد ما كان أصلا ماء سائلا، غير أن حقيقة وجود الماء السائل في أي وقت على هذه الأقمار لا تزال بحاجة إلى تفسير. وأدى تمدد ميراندا الى تشويه سطحه بشبكات ممتدة من الثلم والأغوار، ومن الوديان العميقة الضيقة يصل عرضها إلى 08كم وعمقها الى 02كم.
وتشير الخنادق الكبيرة الموجودة على تيتانيا الى أن القمر مر بفترة واحدة على الأقل من النشاط التكتوني العنيف.
وأخيرا لاشك أن هناك الكثير من الأسئلة التي لا تزال تكتنف ماهية وتركيب هذا الكوكب الغريب، ولايزال الإنسان يسعى ويحاول جاهداً لكشف تلك الخفايا والألغاز المحيطة بتلك البيئة المحيرة.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 86