تصنيفها .. أنواعها .. وطرق التخلص منها
النفايات الطبية
عبدالوهاب عبدالله السيد
على الرغم من القفزات الرائعة في عالم الطب والتي من دون شك كان لها الأثر الإيجابي في المحافظة على صحة الإنسان ومحاربة الأمراض المختلفة، مما يعطي الإنسان إحساساً بالأمان يساهم بشكل كبير في تفرغه للإبداع وتقديم كل ما هو مفيد لمجتمعه وبلده، إلا أن هناك جانب سلبي للتقدم في الطب وإجراءاته وهو تلوث البيئة بمختلف الملوثات الطبية التي قد تؤدي بدورها إلى إصابة الإنسان بأضرار خطيرة ومميتة في أغلب الأحيان، وتتنوع المخلفات الطبية بشكل كبير لتشمل الإبر والحقن والقطن والشاش وبقايا العيّنات الملوثة بسوائل ودماء المرضى ومخلفات صيدلانية وكيميائية وأحياناً مخلفات مشعة ومخلفات العمليات من أعضاء بشرية وغيرها.. إلخ، ولا يخفى على أحد أيضاً أن تلك المخلفات مصدرها المريض، لذا فهي تحتوي على مسببات المرض من بكتيريا وفيروسات وفطريات وغيرها، الأمر الذي دعا العديد من الدول والمنظمات العالمية خلال العقدين الأخيرين إلى الاهتمام بهذه المشكلة بعدما أثبتت بعض الدراسات والبحوث مسؤولية هذا النوع من المخلفات في إحداث أمراض وأوبئة فتاكة وسريعة الانتشار، والمعروف عن هذا النوع من المخلفات أنه أكثر خطورة من أي نوع آخر من المخلفات لما قد تسببه من أضرار للأفراد والبيئة بصفة عامة.
يمكننا تعريف النفايات الطبية بأنها كل المواد المستخدمة للتشخيص أو للعناية بالمرضىِ داخل المرفق الصحي أو خارجه، وغالباً ما يتم استثناء الأطعمة والأوراق التي يستهلكها المرضى خلال فترات العناية بهم.
تصنف النفايات الطبية كالتالي:
1 - نفايات عادية: وهي النفايات التي لا تشكل أي خطورة على صحة الإنسان، مثل الأوراق والزجاجات الفارغة المحتوية على مواد غير خطرة، وبعض المواد البلاستيكية والعلب الفارغة وبعض بقايا الأدوية العادية غير الخطرة وبقايا المطهرات مثلاً، وكلها نفايات عادية وغير سامة أو ضارة وهذه لا خوف منها على البيئة.
2 - نفايات خطرة: وهي بدورها تنقسم إلى:
- نفايات باثولوجية : وهي غاية في الخطورة حيث تتضمن بقايا غرف العمليات الجراحية، وتشمل أعضاء بشرية مستأصلة تحوي المرض طبعاً وسوائل الجسم من أثر العمليات، والدم الناتج عن العمليات أيضاً والذي قد يحتوي على الكثير من الأمراض، ويشمل ذلك أيضاً بقايا المختبرات من سوائل التحليلات وبقايا العيّنات التي تستخدم في التحاليل بالإضافة إلى نتائج التفاعلات الكيميائية التي تلقى بعد معرفة نتائج التحاليل وكلها مخلفات غاية في الخطورة، ولا يجب أن تعامل مثل هذه النفايات معاملة النفايات العادية بل يجب أن توضع في علب خاصة محكمة الغلق وتعامل معاملة خاصة للتخلص منها ولا يكون ذلك بإلقائها مع النفايات العادية حيث يشكّل ذلك وسطاً جيداً لنمو الجراثيم أو يكون بمقام مزرعة خاصة لتكاثرها ومن ثم نشر الأمراض المختلفة إلى العالم الخارجي.
- نفايات ملوثة : وهي تلك النفايات الناتجة عن مستلزمات الجراحة مثل الضمادات الملوثة التي استهلكت ويجب التخلص منها، والملابس التابعة للمرضى والتي يتم ارتداؤها في غرف العمليات مثلاً وقفازات الأطباء التي يستخدمونها في الجراحة ثم تلقى بعد ذلك والقطن الملوث والإبر البلاستيكية والحقن الشرجية وغيرها من النفايات الملوثة في حد ذاتها والتي قد تشكل مصدراً للعدوى في حالة تعرض الإنسان العادي إليها بشكل أو بآخر، وبهذا فهي مصدر خطورة شديدة إذا لم يتم التعامل معها بحرص شديد.
- نفايات مشعة : وهي تشمل بقايا غرف الأشعة، والمختبرات المتخصصة، والمحاليل المشعة المستخدمة في التحاليل الطبية في الأشعة السينية خاصة اليود المشع وخلافه، وهذه البقايا قد تكون مواد مشعة ذات نصف عمر قصير وقد تكون ذات نصف عمر طويل، وهي تكون ذات خطورة بالغة على صحة الإنسان وعلى البيئة المحيطة به.
وكما ذكرنا فإن التعرض للمخلفات الطبية قد ينتج منه أمراض وجروح خطيرة وذلك لوجود عدة عوامل منها:
* ميكروبات شديدة العدوى وفتاكة.
* وجود مواد شديدة السمية للخلايا البشرية.
* وجود أدوية وكيماويات خطرة.
* احتمالية وجود مواد مشعة مهلكة.
* المواد الحادة والقاطعة للأنسجة البشرية.
مما سبق ذكره يتضح لنا حجم المشكلة، ومدى خطورتها على حياة الإنسان، وهنا يطرح سؤال بالغ الأهمية: كيف نتعامل مع تلك النوعية من النفايات؟
في الواقع إن الأسلوب الأمثل في الغالب للتعامل مع النفايات الطبية هو التخلص منها، حيث لا تستطيع الدول الاستفادة منها وإعادة تصنيعها كما هو الحال في النفايات العادية، لذا فإن النفايات الطبية مشكلة حقيقية خاصة في الدول المتقدمة، وعادة ما تكون طرق التخلص منها كالتالي:
1 - الردم : يعتبر من الطرق المؤقتة والتي تستخدمها غالباً دول العالم الثالث، ويتم الردم عادة باختيار مكان بعيد عن العمران، حيث يتم نقل تلك النفايات إليه بحرص شديد لمراعاة السلامة وعدم تسرب أي منها إلى الخارج بطريق الخطأ، وهي طريقة سيئة لاشك، ولها العديد من الآثار السلبية مثل إفساد التربة وتلوث المياه الجوفية.
2 - الحرق: وهذه هي الطريقة الثانية المستخدمة في التخلص من النفايات وهي الأكثر صعوبة ولكنها أكثر نجاحاً، ولهذه الطريقة أيضاً سلبيات عديدة مثل تصاعد الأدخنة الملوثة للهواء وصعوبة صيانة المحارق بالإضافة إلى عدم وضع رقابة صارمة على المحارق، والحرق إما أن يكون مركزياً بمعنى أن الجهات المسؤولة هي التي تقوم باختيار موقع للتخلص من النفايات مما يكون له فائدة في التحكم فيها ومراقبتها جيداً، ولكن في الوقت نفسه له أضراره في التأخر في عملية الحرق وطول المسافة حتى تصل المخلفات إلى المحرقة المركزية وكذلك تلويث المناطق المجاورة.
وقد يكون الحرق غير مركزي أيضاً وهذا يكون أفضل في الكثير من الأحيان، حيث تقوم كل جهة صحية بحرق مخلفاتها بنفسها وميزة هذه الطريقة اللامركزية في الحرق ارتفاع كفاءة التخلص من النفايات وسرعة حرقها والحد من المخاطر الناتجة عن نقلها إلى أماكن أخرى للحرق، وكذلك تكون نتائج الحرق أقل في كميتها وبالتالي أقل في ضررها.
3 - التخلص الحراري: وهو من أكثر الطرق تقدماً في التخلص من النفايات، وهو يعتمد على تركيز الأشعة على النفايات للتخلص منها، وهي مفيدة جداً ومن أمثلتها طرق الميكروويف الحرارية، ومن النفايات ما يكون خطراً جداً كما سبق أن ذكرنا وهذا النوع من النفايات يتم حفظه أولاً في قوالب أو مصبات محكمة الإغلاق حتى لا تسبب تلوث البيئة المحيطة بها مثل النفايات المعدية أو المشعة أو غيرها، ومن ثم يتم التخلص منها بأخذها مباشرة من المصدر إلى مكان التخلص دون التفريغ في حاويات كبيرة مجمعة حتى يضمن التخلص النهائي والسليم لتلك النفايات.
وجدير بالذكر أنه قبل عملية التخلص من النفايات الطبية فإن هناك خطوات مهمة يجب اتباعها للتعامل مع تلك النفايات قبل مرحلة التخلص وأثناء عملية التجميع، وذلك لإبعاد الخطر عن الأفراد العاملين بالمرافق الصحية من ممرضين وفنيين وأطباء.. إلخ، حتى يصبح المرفق الصحي مصدراً للشفاء وليس مصدراً للعدوى وخطراً للبيئة، وهذه الخطوات هي كالتالي:
* الخطوة الأولى : تطبيق نظام التصنيف للمخلفات الطبية وغير الطبية، حيث تقسم النفايات كالآتي:
- النفايات العامة مثل بقايا الطعام، الأوراق، علب البلاستيك، علب المشروبات الغازية، مناديل ورقية أو أي شيء مماثل غير ملوث بمخلفات المرضى، تجمع وتوضع في أكياس خاصة بها.
- النفايات الطبية أو مخلفات المرضى الناتجة عن العناية بهم من الأقسام المختلفة كحجرات الإيواء، صالات العمليات وحجرات الإنعاش وأقسام المستشفى التخصصية ومعامل التحاليل بكافة أنواعها، توضع في أكياس خاصة بها ويتم تجميعها والتعامل معها بحذر شديد.
- المواد والمخلفات الحادة كالإبر والحقن والمشارط والزجاج المكسور في الحالتين ملوث وغير ملوث.
* الخطوة الثانية : استخدام الأكياس المخصصة لكل نوع من النفايات كالآتي:
- أكياس باللون الأحمر الفاقع (توجد عليها العلامة الدولية للمخلفات البيولوجية الخطرة) توضع بها المخلفات الطبية للمرضى.
- أكياس باللون الأسود للمخلفات العامة مثل مخلفات المكاتب وحجرات الأطباء وطاقم التمريض من أوراق وعلب ومخلفات المطعم من بقايا الأطعمة وغيرها.
- إلزام العاملين بوضع أكياس بالوزن المناسب في سلال القمامة داخل الأقسام مع الأخذ في الاعتبار حجم السلة مع حجم النفايات، ويراعى عدم تعبئة السلال أكثر من اللازم وأن تكون بغطاء وبعيدة عن سرير المريض.
- يجب أن تكون هناك سلتان في كل حجرة للمرضى إحداهما بكيس أحمر وهي لنفايات المريض المعدية والأخرى بكيس أسود لبقايا الغداء أو الورق أو علب البلاستيك.
- يجب عدم نقل أكياس المخلفات باليد عبر الممرات حتى لا تتمزق، تنقل عادة بعربات صغيرة إلى مكان التجميع المؤقت.
* الخطوة الثالثة : ضرورة استعمال حاويات أو حافظات صغيرة من البلاستيك المقوى عليها إشارة المخلفات البيولوجية الخطرة لجميع بقايا الإبر والحقن بعد استخدامها مباشرة وعدم رميها نهائياً بأكياس القمامة ويتم التخلص منها بعد تعقيمها بواسطة المحارق، ويجب ألا تعبئ تلك الحافظات أكثر من ثلاثة أرباعها.
* الخطوة الرابعة : استخدام طرق بديلة للتخلص من بعض النفايات الطبية بدل الحرق مثل التعقيم البخاري والمعالجة الكيماوية قبل وضعها مع النفايات الأخرى.
* الخطوة الخامسة : استخدام عربات تجميع القمامة المؤقتة (لحين قدوم سيارة نقل القمامة) لكل نوع على حدة، ويراعى الآتي:
- عدم تجميع النفايات من قبل العاملات ووضعها في الممرات والردهات أمام المارة أو الزوار لحين نقلها خارج المرفق الصحي.
- عدم تخزين النفايات في مساحات مفتوحة معرضة للأمطار والحيوانات والطيور والحشرات والقوارض الناقلة للأمراض ويفضل مكان مغلق مع وجود تهوية ممتازة.
- سهولة وصول عاملات وعمال النظافة بالمرفق الصحي وعربات نقل النفايات إلى الخارج.
- صعوبة وصول المارة وزوار المرفق الصحي لمكان التجميع المؤقت للنفايات.
- استخدام عربات بلونين )الأصفر للنفايات الطبية والرمادي للمخلفات الأخرى ( في مخزن التجميع المؤقت وتوضع في أماكن بعيدة عن بعضها البعض حتى لا يحدث خلط، وأن تكون غير منفذة
للسوائل حتى لا تلوث الأرضية بالميكروبات المعدية وتنقلها الأقدام بدورها إلى داخل المرفق الصحي.
- إبعاد مراكز تجميع النفايات المؤقتة عن مخازن الأغذية والمطعم والمطبخ.
- الحث على ارتداء القفازات والمعاطف الواقية للعاملين بنقل النفايات الطبية تحسباً لأي وخز بالإبر أو تسرب لبعض السوائل الملوثة.
- ضرورة وجود وقت ثابت لنقل القمامة من المرفق الصحي، على الأقل مرة واحدة يومياً ويفضل جمع القمامة في كل وردية عمل.
- يفضل جمع الأكياس السوداء للقمامة العادية في وقت يختلف عن وقت جمع الأكياس الحمراء للمخلفات الطبية حتى لا يحدث خلط بينهم.
- يراعى عدم امتلاء أكياس القمامة أكثر من ثلاثة أرباع الكيس حتى يسهل إغلاقها والتعامل معها وحتى لا تتمزق بسبب الامتلاء الكامل.
- يفضل بعد امتلاء الأكياس الحمراء بالمخلفات الطبية أن توضع علامات مختصرة عليها تخص القسم الذي جمعها والمسؤول عن تلك المناوبة وتاريخ تجميعها. هذه المعلومات تفيد في التعرف
على تلك المخلفات وكمياتها ويوم تجميعها لتحديد كمية المخلفات لكل قسم ومعرفة كيفية التعرف عليه في حالة تم العبث بتلك المخلفات.
نصائح عامة
- ضرورة استحداث وظيفة مراقب المخلفات الطبية (Waste Management Officer) بالمستشفيات والمراكز الصحية الكبرى ويكون مسؤولاً ومتابعاً لطرق جمع ونقل والتخلص من النفايات، حيث يتبع مدير المستشفى مباشرة وله اتصال مباشر مع رؤساء الأقسام ورئيسة التمريض ومدير الموظفين والمطبخ والقسم المالي وقسم الخدمات والحركة ويمكن له الاستعانة باستشارات فنية طبية من أخصائي الميكروبات، الكيماويات والأدوية والأشعة، ويشرف مباشرة على عاملات وعمال النظافة وجمع القمامة.
- وضع لوائح صارمة واتخاذ إجراءات تأديبية ضد كل من يخطئ أو يتسبب في تعريض حياة شخص آخر لخطر العدوى بسبب الإهمال وعدم المبالاة في التعامل مع النفايات الطبية (مثل ترك إبر بين ملاءات المرضى فتصيب عاملات المغسلة وغيرهن).
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 86