بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

تربية الأسماك

تربية الأسماك

ثورة في تربية الأسماك

طفرة سمكية لبروتين الفقراء!

ترجمة عن Unep - our planet - Fish boom

هناك نهضة يشهدها محصول السمك العالمي بسبب تربية الأحياء المائية أو مزارع الأسماك، حيث نصف ما هي مدى مساهمتها بتطوير الغذاء وخلق القيم، كما أن هناك تحذيرا من أن مخزون السمك الطبيعي في حالة حرجة من حيث إمداد العالم مستقبلا بالأسماك.

الهيئات الصحية

«سمك» كلمة تستحضر إلى الذهن صور لا تعد ولا تحصى وآراء متضاربة جمة، إلا أن غالبية الخبراء اتفقوا على أن ما لدينا من أسماك لن يلبي الطلب في المستقبل إلا في حال تحركنا فورا إزاء ذلك، وفي حين توصي الهيئات الصحية بالسمك كمصدر جيد للبروتين والدهون الصحية، تشير كافة الدلائل إلى أن مخزون العالم الطبيعي منه يستغل بشكل جائر، ولم يتبق منه سوى القليل. فقد خلص التقرير الصادر عن المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية العالمية سجيار (CGIAR) إلى أن ما ينتجه العالم من أسماك يعتمد بشكل كبير على مدى سرعة تطور تربية الأحياء المائية، كما ويعتمد بلا شك على تماسك مخزون السمك أو انهياره.

وتعد الأسماك أحد أهم مصادر البروتين الحيواني في آسيا وأفريقيا والكاريبيان ودول جزر المحيط الهادئ، التي تأوي أكثر الشعوب فقرا، كما وفي أوروبا وأميركا الشمالية، ودرجت العادة على تسميتها «بروتين الفقراء»، وإن الإبقاء على السمك في متناول الفقراء يعني الحرص على أن يبقى من ضمن إمكاناتهم، تحد يمكن التغلب عليه من خلال تربية الصنف المناسب من السمك. ولحسن الحظ أن السمك ذا التكلفة المنخفضة لا يعني البتة نوعية غذاء رخيصة: إذ تقوم ثورة تربية الأسماك الحديثة في آسيا على أسعار رخيصة مقابل جودة عالية من أسماك الشبوط والتيلابيا النهرية، ويأتي حوالي نصف إجمالي إنتاج تربية الأحياء المائية للإقليم من هذه الأصناف، ويذهب معظمه للاستهلاك المحلي، وأدت الطفرة في إنتاج سمك الشبوط والتيلابيا إلى إبقاء سعر السمك في متناول الفقراء في أبرز الدول المنتجة كالصين والهند وبنغلادش والفيليبين وأندونيسيا وفييتنام وتايلاند.

ومن جهة أخرى، ساهم باحثو الأسماك في هذه الطفرة بطرق عديدة، وهنا نتحدث بوجه الخصوص عن أحد البرامج لأنه يظهر المقاربة العلمية الصوتية ويبدي اهتماما بدروس استفاد منها زملاء زراعيون، ويشرك كذلك تحسين نسل بعض الصفات الموروثة لجعل تربية الشبوط والتيلابيا أكثر فعالية وللمحافظة على تدني أسعار السمك، وبجهوده المتواصلة العائدة إلى أواسط الثمانينيات، دعم CGIAR مركز الأسماك العالمي وطبق شركاء الأبحاث في أفريقيا وآسيا والنروج قواعد نسل إنتقائية وصارمة لابتكار الغيفت GIFT أي سمك التيلابيا المحسن جينيا (Genetically Improved Farmed Tilapia).

في متناول الأيدي

مزارع الأسماك الصغيرة في أفريقياوتبين من إعادة النظر في العمل المنجز على البحث الذي قام به بنك التنمية الآسيوي أن هذا النوع ومشتقاته يشكل 68 % من بذرة (بيض) التيلابيا في الفيليبين و46 % في تايلاند، ولا تنفك معدلاته ترتفع في هذه الدول وغيرها من الدول المنتجة للتيلابيا. وقد أصبح الحصول على هذا النوع من الأسماك أسهل من الحصول على الدجاج وبعض أنواع أخرى من اللحومات، كما أن أسعاره انخفضت إلى ما دون مستوى الأسماك البحرية التقليدية التي يتناولها الفقراء كالصورل الأسقمري Galunggong أو الصورل الدائري. هذا وحث عمل «سجيار» على الاستثمار في تربية الأحياء المائية للتيلابيا وغيرها من الأبحاث، مما أدى إلى نمو صادرات هذا النوع من الأسماك في دول كفييتنام الأمر الذي أعطى الغذاء للشعب والقيمة لمزارعي الأسماك الآسيوية.

وبعد النجاحات الآسيوية التي حققتها، بدأت مزارع التيلابيا كذلك في أفريقيا بإحراز التحسن والفضل بذلك يعود إلى أبحاث سجيار CGIAR وبناء القدرات والالتزام الطويل الأمد لاستخدام العلوم لمساعدة المزيد من الأشخاص على أن يصبحوا مربي أو مستزرعي أسمكاك. وقد ركز هذا الدعم على المزارع الصغيرة المنتشرة في الصحراء الأفريقية والمزارع الكبيرة التي تؤمن مؤونة الشعب المنتشر على طول دلتا النيل. والمذهل في الأمر أن مزارع التيلابيا تحرز نجاحا في الهضاب النائية لبابوا في غينيا الجديدة، حيث يساعد مشروع مشترك في المركز الأسترالي للأبحاث الزراعية الدولية يعنى بالتفقيس وتكنولوجيا الاستزراع، بتسوية الارتباكات التقنية في نموها وتحسين الخيارات الغذائية لسكان الهضاب.

وفي عام 1995، عرض تقرير آخر صادر عن سجيار CGIAR بعنوان «من صيد الأسماك إلى تربيتها» أنه خلال 15 عاما 40 % من الأسماك التي نستهلكها سيكون مصدرها تربية الأحياء المائية، وفي ذلك الوقت وصلت نسبتها إلى 22 % فاعتبر العرض متفاءلا بطريقة ما، ولكن في سبتمبر 2006 أعلنت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن 43 % من الأسماك المستهلكة هي من المزارع، هل يعنى هذا الأمر أننا لم نعد بحاجة للقلق بشأن مخزون الأسماك الطبيعية؟ الإجابة هي طبعا لا، فقد أظهر عرض «الأسماك حتى عام 2020» أن انهيارها يقلل من شأن حتى أفضل المزارع المائية أداء ويؤدي إلى رفع الأسعار وفي حين لم تتم المحافظة على انتاج الأسماك، لن يتمكن مئات الملايين من الناس من شرائها.

دروس قيمة

لطالما سارع علماء صيد الأسماك حول العالم إلى تحذير بلادهم من الحالة الكارثية التي وصل إليها المخزون وأسباب هذا التدهور، إلا أن معظم الاجراءات المتخذة لوقف هذا التدهور الناتج عن الصيد الجائر غير ناجعة. ويبذل علماء الأسماك ما بوسعهم لتحسين إدارة صيد الأسماك مستخدمين مقاربات شاملة تستعين بآراء عدد من علماء الاقتصاد والاجتماع والأحياء وغيرهم من الخبراء وتعمل مع المساهمين في حالات حصلت فعلا بهدف فهمها واختبارها. ويعمل العلماء الآتون من الشمال وأولئك القادمون من الجنوب مع عائلات محلية تعتمد على صيد الأسماك مع مسؤولين حكوميين وعمال غير حكوميين، حول مستنقعات صغيرة من المياه في بنغلادش، أو الصخور البحرية المرجانية في الفلبين، أو خزانات سيريلانكا، أو مسرى الأنهار في الكاميرون.

وأطلقت الأبحاث الحديثة عددا من الدروس القيمة والاكتشافات، فقد وجد العلماء على سبيل المثال أن أسماك العالم النامي التي حظيت ببعض الدعاية تستنزف بسبب الصيد الجائر بقدر الشهرة المتزايدة التي تحصدها أراضي سمك القد الجديدة الاكتشاف حالها كحال أسماك البحر كذلك، وبمخاطبة هذه المشكلة انبثق مفهوم إدارة صيد الأسماك المرتكز إلى الأنظمة البيئية على أنه وسيلة لفحص كل مكونات مصادر صيد الأسماك وبيئاتها المائية الداعمة.

الرؤية صعبةالعاملون في مزارع الأسماك

وتبدي الدروس الأخرى قلقها إزاء تعقيد وقيمة حقوق الناس من حيث استخدام وامتلاك موارد سمكية وتبين كيف أن التوافق مع القواعد يتأثر بشرعيتها وبثمن عدم التوافق معها، وأظهرت الأبحاث كذلك كيف أن العلاقات النافذة تحكم سلوك الأعمال، فيستطيع مالكو شركات إنتاج الأسماك النافذون من جني الأرباح الوافرة حتى ولو على حساب تدهور حالة المخزون، مع العلم أن عمالهم يقبعون في الفقر بسبب تدني الأجور وارتفاع فوائد الدين، وما يدعو للقلق أيضا أن الصيادين وعائلاتهم يعانون من خطورة ارتفاع نسبة إصابتهم بأمراض صحية (كالإيدز مثلا) وهي أمراض لا تغطيها الخدمات الصحية، كما سلط العلماء الضوء على أهمية النظر إلى تطوير صيد الأسماك من خلال أعين النساء والأطفال الذين يتوارون عن الرؤية خلال عملية إلتقاط الأسماك، الأمر الذي قد يلعب دورا جوهريا في الخدمات وقطاعات ما بعد الحصاد.

ومن خلال ما يواجهونه من تحديات ميدانيا، يعمل العلماء في منتدى عالمي لتنظيم هذه الدروس الموثقة والمحللة بعناية ضمن خطة مبادئ سلوك الصيد المسؤول التابعة لمنظمة الفاو وما يتصل بها من خطط عمل أخرى. وتم التصديق على هذه الخطة خلال خطة 2002 لتطبيق القمة العالمية للتنمية المستدامة، وبهدف تطوير هذا النوع من الاستراتيجيات استخدمت كذلك كورقة مقاربة قطاع صيد الأسماك التي أعدها البنك الدولي عام 2004 تحت عنوان «إنقاذ السمك والصيد».

أمراض السمك

وعلى غرار كافة النشاطات الانسانية، بما فيها الزراعة، يلقي صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية بأعبائهما على البيئة التي يرتكزون إليها، وقد ساهم العلم في تحديد هذه الأعباء نذكر منها تلوث مياه الشواطئ والأمراض التي يعاني منها السمك بسبب التخزين المكثف والعلف، وساعد العلم كذلك في إيجاد الحلول كتأمين العلف الأفضل والتقديرات الــمرتكزة إلى البراهين والتي يمــــكن الاعتماد عليها في ما يتعلق باستدامة كثافة التخزين.

وقد خلق المحافظون والعلماء ومستزرعو الأسماك شراكة خلاقة لمعالجة هذه المسائل، وأطلق عدد من المنظمات الدولية كالبنك الدولي والفاو وبرنامج الأمم المتحدة البيئي وغيرها كتيب إرشادات يعنى بمزارع القريدس ذات الاستدامة البيئية.

وعلى مدى العقد الماضي، لاحظت كاتبة هذا المقال واختبرت تغيرا في الأبحاث السمكية، فقد ركزت تلك الأبحاث في ما مضى على السمك من حيث «صيده وتربيته»، ولكن الآن وبفضل فهم أفضل للحالة العالمية نجد أنفسنا في إطار من يساعد الفقراء على تأمين غذائهم وخلق القيم في حياتهم انطلاقا من السمك.

المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 108