سحابة سوداء ضخمة غطت سماء منطقة الجهراء نتيجة الحريق الهائل الذي اندلع خلال صباح يوم 17 من ابريل الجاري في منطقة تجميع الإطارات المستعملة في منطقة «رحية» التي تقع على بعد حوالي 5 كيلومترات جنوب مدينة الجهراء منذرة بكارثة بيئية جديدة. وبفعل اتجاه الرياح خلال فترة الليل وساعات الصباح الباكر فقد اتجهت سحابة السخام وغازات الاحتراق الناجمة عن الحريق ممتدة لمسافة تزيد عن عشرة كيلومترات فوق مدينة الجهراء مغطية معظم مناطقها. ومع تغير اتجاه الرياح خلال النهار امتدت سحابة الدخان فوق مناطق أخرى من الكويت.
دور الهيئة
ومنذ الساعات الأولى كانت الهيئة العامة للبيئة في طليعة الجهات المتواجدة بالموقع للتعامل الفني مع الحرائق وما تسببه سحابة الدخان من تبعات تلوث الهواء. حيث تواجد بموقع الحريق فريق من مدراء وموظفين الهيئة العامة للبيئة وشكلوا ما يشبه بغرفة عمليات بيئية لرصد كافة قراءات الهواء عبر الأجهزة المخصصة في مواقع منطقة سعد العبدالله والجهراء والمطلاع. فهو أول إجراء اتخذته الهيئة العامة للبيئة للإطمئنان على جودة الهواء على مدار 24 ساعة حيث لوحظ ارتفاع ملحوظ لنسب الملوثات، لكنها لم تتجاوز الحدود الاسترشادية لدولة الكويت.
وتواجد بموقع الحريق كل من ممثلي الجهات المعنية سواء من رجال الإطفاء أو الحرس الوطني أو الجيش الكويتي غيرها من الجهات ذات العلاقة، وقد فتحت الهيئة العامة للبيئة قنوات اتصال مع وزير الإعلام الشيخ محمد عبدالله المبارك الصباح لنقل الصورة البيئية بشفافية لوسائل الإعلام، فضلا عن التواصل مع وزير التربية الدكتور نايف الحجرف للتشاور في شأن تعطيل الدراسة من عدمه وفقا لتطورات الأحداث البيئية. كما تم التنسيق مع معهد الكويت للأبحاث العلمية لتسهيل عملية رصد جودة الهواء من خلال السماح لأحد محطات الرصد المتنقلة بدخول محمية كبد التابعة للمعهد والصليبية لتعطي قراءات كل خمس دقائق.
غرفة عمليات
استمرت غرفة العمليات المصغرة للهيئة العامة للبيئة في تواجدها بموقع حريق الإطارات بمنطقة رحية، حيث انتشرت سيارات رصد ومتابعة حالة الهواء لقياس مدى تزايد ملوثاته الناتجة عن ألسنة اللهب وسحابة الدخان. بالإضافة إلى إعلان الهيئة العامة للبيئة بشفافية قراءات تلوث الهواء والتي جاءت جميعها وفق الاشتراطات المعمول بها بهذا الخصوص.
ولطالما أعلنت الهيئة عن خطورة الوضع الكارثي في موقع الإطارات بمنطقة رحية، وأكدت في وقت سابق على حدوث الحريق أن الأمر خطير وينذر بحدوث كارثة بيئية وصحية، وكثيرا ما أهابت بالمسئولية عن الموقع بضرورة وسرعة التعامل العلمي والعملي بأساليب حديثة وسريعة ضمانه لتجنب ما حدث.
فرق عمل
وفي إطار جهودها المتواصلة للتعامل مع كارثة حريق إطارات منطقة رحية شكلت الهيئة العامة للبيئة فرقا عديدة من مختلف التخصصات البيئية بالهيئة لدراسة الوضع البيئي في أعقاب السيطرة والانتهاء من إطفاء الحريق خاصة فيما يتعلق بدراسات التربة ومدى ما لحق بها من ملوثات كربونية وغيرها جراء عمليات الحريق والإطفاء، بالإضافة إلى دراسات تلوث الهواء بالعديد من الغازات المتصاعدة من سحابة الدخان على مدار أكثر من 24 ساعة. وكما تقوم كل الفرقة التي انتقلت للموقع بإعداد التقارير العلمية لرصد كافة تطورات الوضع البيئي بالمنطقة ومقارنتها مع الحالة السابقة للحريق. وقد تابعت الهيئة الموقف مع كافة الجهات المعنية طوال اليوم وزودت الهيئة المنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية بصور الأقمار الصناعية للتعرف على مدى انتشار الملوثات لعمل مقارنات للوضع والمواقع التي يمكن أن تتضرر بسبب الحادث. ولكن العناية الالهية انقذت البلاد من كارثة كاد أن يتسبب فيها حريق الاطارات لولا نشاط الرياح والغبار وتغيير مسارها إلى مناطق بعيدة عن المناطق السكنية.
نسب الملوثات
وبدوره أكد مدير ادارة البيئة الصناعية في الهيئة العامة للبيئة المهندس محمد العنزي أن جميع القراءات الصادرة عن محطات رصد تلوث الهواء الثابتة والمتنقلة حول موقع حريق الاطارات تشير الى تراجع نسب الملوثات التي ارتفعت في اليوم الأول من الحريق جراء الحريق وعودة القراءات الى نسب قريبة جدا من نظيرتها قبل اندلاع الحريق. وأنه على الرغم من الانخفاض الملحوظ لنسب الملوثات بعد اخماد الحريق إلا أن الهيئة العامة للبيئة شكلت فرقاً لمعاينة موقع الحريق والمناطق المحيطة ومنها المواقع السكنية والمدارس والمستشفيات والمستوصفات للكشف عن وجود أية ترسبات بسبب الحريق لتقييم الحالة البيئية.
وأضاف العنزي: أصدرت الهيئة توصية لوزارة التربية منها الغاء طابور الصباح في مدارس سعد العبدالله والجهراء وعدم خروج الطلاب الى الساحات المكشوفة قدر الامكان وزيادة العمال للقيام بأعمال النظافة المستمرة لتنظيف أية ترسبات ناتجة عن الحريق كما أوصت باستخدام الكمامات للعمال أثناء التعامل فضلا عن التوصية بعدم الاقتراب من الموقع إلا للجهات المعنية والمطالبة بتسوير الموقع ووضع حراسة عليه والدعوة إلى سرعة ضبط الجناة مرتكبي الحادث لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم.
وأشار محمد العنزي إلى أن الهيئة العامة للبيئة قامت بتحليل بيانات قياس ملوثات الهواء الأساسية التي يجري قياسها عادة في محطات رصد تلوث الهـــواء الثلاث في سعد العبد الله والجهراء والمطلاع وتبين أن هناك زيــــــادة طفيفة في تراكيز بعض الملوثات مثل الهيدروكربونات الكلية (THC) وأكاسيد النتروجين (NOx) وأول أوكسيد الكربون (CO).
والجدير بالذكر أن هذه الزيادات الطفيفة مازالت أدنى بكثير من المعايير القياسية المسموح بها في المعايير الوطنية الكويتية لجودة الهواء. ويعود السبب، في عدم تسجيل ارتفاع ملحوظ في تركيز الملوثات في محطات رصد تلوث الهواء لكون السخام وغازات الاحتراق الحارة الناتجة عن احتراق الإطارات كانت ترتفع في السماء وتتمدد أثناء انتقالها مرتفعة عن سطح الأرض.
كما تم ربط التراكيز المقاسة في محطة رصد تلوث الهواء في الجهراء (الموجودة على سطح المركز التخصصي لطب الأسنان) مع اتجاهات الرياح السائدة ليوم الثلاثاء 17 أبريل 2012 وتبين من الأشكال المبينة أدناه أن معظم الزيادات الملحوظة في التراكيز المقاسة كانت تأتي مع هبات الرياح من اتجاه الجنوب (أي من منطقة الحريق).
خطة إخماد النيران
بذل رجال الإطفاء جهودا جبارة في عمليات إخماد نيران الإطارات، ووضعت الادارة العامة للاطفاء خطة لاخماد النيران التي اشتعلت في اطارات منطقة «رحية» القريبة من الجهراء، حيث استمرت العملية نحو 72 ساعة متواصلة تم خلالها قطع الطريق على النيران ومحاصرتها لمنع انتقالها إلى الاطارات الأخرى غير المشتعلة مع نقلها بعيدا عن موقع الحريق إلى مسافة نحو 10 أمتار عن الإطارات المشتعلة، ثم القيام بردم المنطقة المشتعلة بالرمال لقطع الهواء عنها مع استخدام وسائل أخرى لاخمادها وحالت عمليات الردم دون امتداد النيران إلى مناطق تجميع الإطارات، ومن ثم القيام بعمليات التبريد والبحث عن أي شرارة أو لهب بسيط لاطفائه قبل أن يمتد إلى إطارات أخرى.
لقد قاموا بتقسيم المساحة المحترقة والتي قدرت بنحو 9 آلاف متر مربع إلى عدة أقسام تتكلف كل جهة مشاركة بردم مساحة معينة ومن ثم إلتقاء الفرق المشاركة في الردم عند نقطة واحدة وذلك للقضاء على الأدخنة المتسربة من موقع الحريق، والتي كانت تتصاعد جراء احتراق الإطارات المستعملة. وشاركت منذ بداية الحريق 18 مركزا للإطفاء حيث كان يجري تبديل مراكز الإطفاء كل 4 ساعات، وقد قفزت نسبة استهلاك المياه اليوم الأول للحريق حيث أدلى مؤشر إنتاج وزارة الكهرباء والماء إلى أن نسبة الإنتاج كانت تبلغ 351.953 مليون غالون امبراطوري، بينما كانت نسبة الاستهلاك مرتفعة إلى 367.202 مليون غالون امبراطوري، في حين كانت نسبة المخزون الاستراتيجي 2228.548 مليون غالون امبراطوري.
الإصابات
أعلنت وزارة الصحة أن هناك 11 حالة أصيبت منها 9 بين رجال الاطفاء وواحدة لأحد رجال وزارة الداخلية قد أصيبوا جراء عملية الإطفاء، وأخرى لوافد من الجنسية الآسيوية تعرضوا للاختناق والاجهاد الحراري. فقد قام قسم العمليات في ادارة الطوارئ الطبية بعمل خطة «الحادث الكبير» وابلاغ مستشفى الجهراء والمستشفيات المساندة لها بالاستعداد للحدث بالإضافة إلى وضع غرفة الطوارئ المركزية في ادارة الطوارئ الطبية للاستعداد للحدث وتم فرز ضباط مواقع وضباط اتصال وفتح شبكة لاسلكية خاصة للحدث.
طوارئ البلدية
شكل مدير عام بلدية الكويت م.أحمد الصبيح لجنة من إدارتي شؤون البيئة والخدمات العامة لتنسيق جهود التعامل مع حريق رحية بحيث تجهز غرفة طوارئ على مدار 24 ساعة متواصلة مع توفير وتسهيل كافة الأمور الضرورية لمساعدة الجهات المشاركة في عملية الاطفاء كوزارة الدفاع والاطفاء والحرس الوطني والداخلية وشركة نفط الكويت ولخدمة المتطوعين من الأهالي. وتواجدوا موظفين البلدية بموقع الحريق منذ بدايته وأشرفوا على تنظيم دخول وخروج آليات الإطفاء، وكذلك الكشف على كافة مساحات الموقع والتي قسمت إلى مربعات كخطوة احتياطية واحترازية لعدم تكرار الحريق مع توفير الحراسة اللازمة على الموقع.
وشكر الصبيح كافة الجهات التي شاركت في اخماد الحريق منها الجمعيات التعاونية حيث قامت بتزويد المشاركين بالمياه والوجبات والعصائر ولا نغفل ما قدمته البلدية أيضا ممثلة بإدارة الخدمات من توفير الوجبات لجميع العاملين.
الدخان والسخام
لكن بالرغم من ذلك يجب التنويه إلـى خطـــورة الدخان والسخـام (Soot) والأبخرة العضوية الطــــيارة (VOCs) الناتجة عن الاحتراق غير الكامل للإطارات وذلك لمــا تحمــله مــــن مركبـــات ســَّامة مثــــل الهيدروكربونات الحلقيـة العطـرية (Polycyclic Aromatic Hydrocarbons, PAHs) والــــديــــوكسين والفيوران (Dioxins & Furans) وبعض المعادن الثقيلة الموجودة في الإطارات.
وقد حصل نظام معلومات الرقابة البيئية في الكويت (eMISK) على صور للقمر الصناعي (MODIS) من وكالة ناسا ليوم 16 أبريل 2012 قبل اندلاع الحريق ويوم 17 ابريل أثناء اندلاع الحريق تبين امتداد سحابة الدخان فوق منطقة ميناء الدوحة وجون الكويت.
الأضرارالصحية
من المعروف أن نفايات الاطارات التي غالبا ما يكون مصدرها اطارات السيارت المستهلكة القديمة يدخل في تركيبها الكيماوي مواد أولية بتروكيميائية وكربون ومواد كيماوية عضوية مثل الستايرين وهو أحد مشتقات البنزين كذلك البويتادين الذي يصّنف علي انه واحد من اشد المواد المسرطنة حيث يؤدي احتراق تلك المواد الي انبعاث الغازات السامة الي عنان السماء وهذا الإنبعاث ينتج عنه زيادة فى المركبات العضوية المتطايرة ومركبات الديوكسين والفيوران، بالإضافة إلى أكاسيد الكربون وهى كلها تسبب الاختناق والتسمم وتزيد من ظاهرة الإحتباس الحراري وأكاسيد الرصاص ومركبات الزنك والكادميوم ومواد عطرية هيدروكربونية والزرنيخ، كما يؤدي تصاعد أكاسيد الكبريت الي السماء في تحويل الأمطار الي امطار حامضية وأيضا تلوث الأرض بالرماد والمواد الزيتية السائلة الناتجة عن المركبات في الإطارات بسبب الحرارة العالية الأمر الذي يهدد المياه السطحية والجوفية. اما من الناحية الطبية فإن المواد البترولية التي تدخل في تركيب المطاط فإنها تكون سبباً كافياً في تهديد البشر بالأمراض الصدرية والحساسية، كذلك فإنها ايضاً تؤدي الي الإصابة بالسرطان.
قانون البيئة
في ضوء هذه الأحداث، طالب أعضاء مجلس الأمة بالاسراع في اقرار قانون البيئة الجديد المقترح منذ فترة طويلة ولا يزال حبيس الادراج في المجلس مؤكدين ان هذا القانون يشتمل على عقوبات تصل الى حد الاعدام لمن يسبب اضرارات بالبيئة بشكل متعمد.
ولقد كان للهيئة العامة للبيئة جهود لحل مشكلة الإطارات حيث أنها تابعت هذه المشكلة من خلال لجنة تأهيل مرادم النفايات وأصدرت توصيات من قبل اللجنة باتجاه هيئة الصناعة وبلدية الكويت للتخلص من هذه المشكلة المتمثلة في تجميع الإطارات إلا أن الجهتين تأخرتا في ايجاد الحلول، بعهد قامت الهيئة بالبحث عن حلول للمشكلة بعد أن تأخر المجلس البلدي أيضا في طرح المزايدات لبيع الإطارات أكثر من مرة، فقامت الهيئة بفتج باب التصدير للإطارات وبالفعل استطاعت خلال عام 2011 تصدير مئات من الأطنان ولكن المشكلة لا تزال موجودة لأن أكثر من 5 ملايين إطار لم يتم التصرف فيها حتى وقت الحريق.
كما أن المجلس البلدي رفض مقترح تخصيص خمسة مواقع لردم الاطارات، حيث أن هذا المقترح سيزيد المشكلة ويجب التعامل بشكل فني للتخلص من الاطارات من خلال ثلاثة حلول، أولها انشاء مصانع لإعادة تدوير الاطارات وثانيها تصدير الاطارات وثالثها السماح باستخدامها كوقود في مصانع الاسمنت، حيث تقدمت للهيئة العامة للبيئة احدى شركات الاسمنت طالبة استخدام الإطارات كوقود وهو حل مطبق في أغلب دول العالم مع الالتزام بالاشتراطات البيئية وذلك بعد تركيب وحدات لمعالجة الملوثات خاصة وأن الحل المتمثل في انشاء مصانع يتطلب سنوات.
المصدر: مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 148