" جاوا " بركان طوله 2600م
يحتوي على بحيرة من الأحماض
عنود القبندي
البراكين من الظواهر الطبيعية التي لفتت انتباه البشر منذ عهد بعيد، وتلعب دورا خطيرا في العمليات الجيولوجية التي تؤثر على تاريخ تطورات القشرة الأرضية وتشكلها، وهي فرع من فروع الجيولوجيا والذي أصبح قائما بذاته ويعرف باسم عالم البراكين Volcanology، وتنتشر البراكين فوق نطاقات طويلة على سطح الأرض، ومن الغريب أن الإنسان لم يعزف السكن بجوار البراكين، على العكس نجده يقطن بالقرب منها وعلى منحدراتها، وتختلف البراكين من حيث طولها وقوتها.
تشتهر اندونيسيا باستضافتها أقوى البراكين في العالم، وذلك بسبب موقعها بين أستراليا والصفائح التكتونية الآسيوية، ومن البراكين المشهورة النشطة فيها هو (كراكاتوا) أحد أكبر البراكين في أندونيسيا ويقع على جزيرة في مضيق سوندا بين جزيرتي جاوا وسومطرة، ويعرف هذا البركان بثورانه سنة 1883 حيث اشتهر بصوته العالي جدا عند ثورانه حتى أنه كان يسمع بوضوح حتى مدينة بيرث الأسترالية والتي تقع على بعد 3100كم منه، كما أن في جزيرة (رودريغيز) بالقرب من موريشيوس والتي تبعد عن البركان لقى 4800 نسمة مصرعهم بسبب موجات المد التي تلت الانفجار. وثوران 1883 في كراكاتوا يعادل انفجار 200 ميغا طن من مادة تي إن تي TNT ولا يزال البركان هو الأكثر عنفا على الأرض، وتعتبر تامبورا والتي تقع على بعد 2865م من جزيرة سومباوا الاندونيسية هو الجبل الذي انفجر وطرد ذروته إلى الغلاف الجوي على ارتفاع 1250م وكانت الكارثة قد أدت قتل 12000 شخص، وفي وقت لاحق 80000 شخص ماتوا من الجوع وحوالي 150-180 مترا مكعبا من الحطام كان من المتوقع في طبقة الستراتوسفير من الجو، حيث عتمت السماء وحرموا نصف الكرة الأرضية الشمالية في فصل الصيف.
بركان جاوا
هو البركان المدهش في أندونيسيا طوله 2600م والذي يحتوي على بحيرة مصنوعة من 36 مليون متر مكعب وهو ما يمثل حوض من حامض الكبريتيك وكلوريد الهيدروجين وأكثر الأحماض القلوية، وتعتبر فوهة بركانه واحدة من أكبر الحفر في العالم، ويعد التعدين وتجميع الكبريت الصناعة الرئيسية في هذه المنطقة على الرغم من أن هذا العمل لا يخلو من المخاطر.
وعلى ضفاف هذه البحيرة يتم استخراج 4 أطنان من الكبريت يوميا، وتوجد هناك الكثير من البحيرات الحمضية حيث تم العثور على براكين عدة في اليابان مثل Shirane وKusatsu وأيضا في كوستاريكا Poas ولكن البحيرة الأندونيسية هي حتى الآن أكبر بحيرة حامض على الأرض حيث وصل أقصى عمق لها 212م، ويأتي هذا نتيجة خليط مياه الأمطار مع الغازات القادمة من أعماق البركان.
وتتكون جدران بحيرة جاوا من أكاسيد الرصاص وتبدو المياه فيها فيروزية اللون ومع تفاعل الزمرد وتأثير درجة حرارة المياه تظهر فقاعات الكبريت التي تطفو على السطح، كما يتناثر حول البحيرة مسحوق الكبريت والتي له رائحة نفاذة ومزعجة مليئة بثاني أكسيد الكبريت، وبين مكان وآخر يصب الكبريت في درجة حرارة 120 درجة سيليزية مشكلا مسارات حمراء زاهية اللون والتي تتدرج باللون إلى أن تتحول إلى اللون الأصفر، هذه المسارات الحمراء هو الكبريت في حالته المنصهرة، ولكن عندما يبرد ويتجمد ويصبح صلبا يكون لونه أصفر، وتحتوي هذه البحيرة على 600000 طن من كلوريد الهيدروجين، 550000 طن من حامض الكبريتيك، 200000 طن من كبريتات الألمنيوم و170000 طن من كبريتات الحديد، ويقوم أشخاص من منطقة مجاورة باستخراج الكبريت من فوهة البركان وذلك عن طريق الحفر يدويا حيث يعد هذا العمل في غاية الصعوبة.
ولزيادة الكفاءة والفاعلية يقوم العمال ببناء الأنفاق من الأحجار والألواح المتموجة وذلك لتوجيه الكبريت الغني بالدخان والغاز، وبعدها يتسرب الكبريت ويبرد ويتصلب داخل القنوات المرتجلة، والتي تستخدم في وقت لاحق مقطوعة بسبب تراكم الكبريت فيها كما تستخدم أيضا عند تقطيع الكبريت لحمله ونقله في سلال خارج الحفرة، وتخرج من فوهة البركان الكثير من الأدخنة التي تغطي الغلاف الجوي المحيط لها، حيث لا يمكن أحيانا رؤية الأشخاص الذين يعملون وذلك بسبب كثافة الدخان المتناثر، ولا تكون هناك حماية للأشخاص الذين يعملون في المنجم سوى قطعة قماش تستخدم لتغطية أفواههم وأنوفهم.
وكل عامل يقوم بنقل حوالي ما يعادل من 40 إلى 155كجم في آن واحد على منحدرات بركان مفاجئ وذلك عن طريق سلالم خيزران حيث المنحدر الحاد جدا، فالعملية صعبة وخطرة للغاية.
ويستطيع العامل حمل ما يصل إلى 360 كجم من الكبريت، أي أنه يقوم بهذه العملية أي حمل الكبريت مرتين في اليوم الواحد، فالإنتاج اليومي من الاستغلال غير العادل 4 أطنان وهي كمية ضئيلة إذا أخذنا في الاعتبار حقيقة أن الحفرة يوجد فيها ما يعادل 30000 طن من الكبريت.
إن الاستثمار الصناعي للبحيرة لم يخطط له على المدى البعيد حتى الآن فهو بركان يثور من وقت لآخر حيث متوقع للحمض أن يصل ارتفاعه إلى 600م ويتناثر في المناطق المجاورة التي من الممكن أن تتآكل بسبب المطر الحمضي، وفي عام 1976 فوجئ 50 عاملا كانوا يعملون داخل الحفرة بفقاعة هائلة من ثاني أكسيد الكبريت وبعد أن رفع سطح البحيرة قتل منهم 11 خنقا، فقد كانت تضحية كبيرة لسكان هذه المنطقة.
الكبريت
عنصر كيميائي لا فلزي أصفر اللون ويرمز له S، وكانت له العديد من الاستخدامات قديما، حيث استخدمه قدماء الإغريق والرومان منظفا ومبيضا ودواء، كما انه يعد الآن أحد المكونات الرئيسية للبارود، بالإضافة إلى أنه يدخل في العديد من العمليات الصناعية اليوم، ويتواجد الكبريت بمفرده في الطبيعة وفي الفحم الحجري والزيت الخام والغاز الطبيعي وصخر الزيت، وأيضا في العديد من المواد المعدنية.
استخداماته
والكبريت الذي يتم استخراجه من أي مكان في العالم يستخدم في تجهيز وتحضير حمض الكبريتيك H2SO4، وهو حمض معدني قوي يذوب في الماء يسميه البعض بزيت «الزاج»، وهذا الاسم أطلقه عليه من قبل العالم الكيميائي جابر بن حيان حيث أنه من اكتشفه، فهو مركب كبريتي وأهم مادة كيميائية تجارية في العالم، ويستخدم في إنتاج الأصباغ والدهانات والورق والمنسوجات وعدد من الكيميائيات الصناعية، بالإضافة إلى استخدامه في إنتاج الفلزات وتكرير النفط، أما المنتجات الأخرى المحتوية على الكبريت فتشمل بعض أنواع الأسمدة ومعالجة المياه والمتفجرات ومبيدات الفطر والحشرات والمطاط والشامبو والبطاريات (المراكم)، وكذلك المواد الكيميائية المستخدمة في أفلام التصوير، كما يدخل الكبريت في صناعة الأدوية كواحد من المكونات، ويمكن استخدامه في إنشاء الطرق بدلاً من الإسفلت.
ويعتبر من مكونات الأمطار الحمضية حيث أنه يتكون من أكسدة الأكسجين الجوي لثاني أكسيد الكبريت في وجود الماء وينتج عنه ثاني أكسيد الكبريت، وبالفعل فهو الناتج الأساسي لعمليات حرق الكبريت أو أحد أنواع الوقود الذي يحتوي على الكبريت مثل الفحم والزيت، ويستخدم هذا الحمض في إنتاج حمض الفسفوريك الذي يستخدم في صناعة الأسمدة الفوسفاتية وفوسفات ثلاثي الصوديوم الذي يستخدم لصناعة المنظفات.
مصادر الكبريت
يوجد الكبريت في التربة الزراعية في الصورة المعدنية والصورة العضوية، حيث يصل الكبريت إلى التربة إما في صورة مخلفات زراعية أو أسمدة معدنية مع مياه الأمطار أو مع المكونات المعدنية للتربة والناتجة من عمليات التجوية للصخور الغنية بالكبريت والناتجة من النشاط البركاني.
- الكبريت المعدني في التربة: يوجد في تركيب بعض المعادن الأرضية مثل البيريت FeS2، الكالكوبيريت Cu FeS2 وخاصة في الأراضي الغدقة ويزداد تراكمه مع بعض مركبات الكبريتات لعناصر الماغنيسيوم والصوديوم.
- الكبريت العضوي: وهي الصورة الأكثر وجوداً في الطبقة السطحية من الأراضي الزراعية، حيث تعتبر المادة العضوية مصدرا رئيسيا للكبريت في الأرض الزراعية وخاصة في المناطق الرطبة، ويوجد الكبريت في تركيب الأحماض الأمينية مثل السيستين والميتونين وهذه المكونات تتحلل بفعل الكائنات الأرضية وينطلق منها الكبريت المعدني في عملية المعدنة Mineralization للكبريت.
- الكبريت المضاف للتربة مع مياه الأمطار والأنهار نتيجة لاحتراق المركبات الكبريتية كالفحم والمواد البترولية، وأيضا الأبخرة الناتجة من النشاط البركاني. تنطلق بعض الأكاسيد الكبريتية مثل أكسيد الكبريت SO2 إلى الهواء الجوي وهذه الغازات تصل إلى الأرض مرة أخرى عن طريق مياه الأمطار أو مياه الأنهار، كذلك يمكن للنبات امتصاص الكبريت على هذه الصورة SO2، علماً بأنه إذا زاد تركيز هذه الغازات في الهواء الجوى عن حد معين قد يؤدى إلى أضرار كبيرة بالنباتات النامية بهذه المناطق خاصةً إذا كانت هذه المناطق ممطرة، حيث تكون الأمطار حمضية التأثير مما يُضر بالنباتات، وخير مثال على ذلك تلف مساحات واسعة من الغابات المتاخمة للمناطق الصناعية في أوروبا نتيجة لهذه الأمطار الحمضية.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 124