بلوتو يفقد لقب كوكب
التعريف الجديد للكواكب يطرد بلوتو من التصنيف
داود الشراد
قام بالتصويب حوالي 2500 من علماء الفلك من كافة أنحاء العالم لتجريد "بلوتو" من تصنيفه ككوكب، بعد أن أثبتوا أن مداره حول الشمس يختلف عن مدار بقية كواكب المجموعة الشمسية واعتبروه كوكباً صغيراً، وسوف يشار إلى بلوتو الذي اكتشفه الفلكي الأميركي "كلايد تومبو" لأول مرة عام 1930م الكوكب القزم، ولقد اتفق العلماء أن الأجرام السماوية التي يمكن تصنيفها ككواكب يجب أن تتخذ مداراً حول الشمس، وأن تكون كبيرة بما يكفي وأن تتخذ شكلاً كروياً وألا يتقاطع مدارها حول الشمس مع أي أجرام أخرى، وبهذا خرج بلوتو الذي يتقاطع مداره مع مدار كوكب نبتون أقرب الكواكب إليه من تصنيف كوكب (BBC).
أبعـد الكواكـب
على الرغم من اكتشاف تومبو (C. Tombaugh 1906- 1987م) لبلوتو في العام 1930 خلال قيامه بمسح مصور معتاد كان قد اقترحه لوويل. P. Lowell 1855- 1916، إلا أن هذا الكوكب التاسع في النظام الشمسي واصل حفظ أسراره بإتقان، وتلك البيئة قارصة البرودة هي من الصغر والبعد، بحيث أن الكوكب يبدو لطخة غير واضحة المعالم، حتى لو رصدناه بأكبر المناظير الأرضية، كذلك فإنه الكوكب الوحيد الذي لم يحظ بعد بزيارة من قبل مركبة فضائية علمية. من الواضح الآن أن بلوتو ليس كوكباً شاذاً، فهو يقع ضمن حشد من الأجسام الصغيرة التي تدور على بعد من الشمس يعادل بين 5 بلايين وما يزيد على 8 بلايين كم.
فقد رصد الفلكيون في أوائل عام 1990، منطقة لأجسام تدور في مدارات وراء كوكب نبتون مباشرة، وهذه المنطقة التي سميت حزام كوبير Kuiper Belt، معظم مكوناتها أجسام صغيرة- أصغر من أن يطلق عليها كواكب، وذلك يعني أنها تقترب من الشمس مرة واحدة على الأقل كل قرنين.
لا يزال أغلب الفلكييون يعتبرون بلوتو كوكباً، وعلى الرغم من أن كتلته هي جزء من 400 فقط من كتلة الأرض، فهو أكبر أجسام حزام كوبير وأيضاً يبدو أن بلوتو له انعكاسية أكبر من الأجسام الأخرى في حزام كوبير، وقد تكون الحالات السابقة وامتداد الدراسات مسئولة جزئياً عن اعتباره كوكبًا.
ولبعد الحزام فإن المسافة الشاسعة بين هذه المنطقة من النظام الشمسي وكوكب الأرض تخفض من جودة الأرصاد، حتى مع مقراب هبل الفضائي شديد الحساسية. لم يتم تصوير بلوتو بميز عال إطلاقاً، ولعل أفضل الصور المتوفرة تم التقاطها من مقراب هبل الفضائي، وعند فحص صور أقل وضوحاً عام 1978، تبين وجود نتوء في قرص الكوكب، وقد تأكد أن النتوء هو تابع أطلق عليه شارون Charon.
ولاشك أنه على الرغم من معرفتنا الضئيلة ببلوتو وشارون، فإن ما نعرفه عنهما يدل على أنهما يمثلان عالماً غريباً في حد ذاته، وذلك لأن شارون كبير جداً، فقطره يعادل 1200 كم، أو نحو نصف قطر بلوتو، ونتيجة لتقارب الجرمان جداً في الحجم، فإن نظام بلوتو- شارون يمكن اعتباره كوكباً ثنائياً، هذا ولا يوجد في نظامنا الشمسي أي كوكب آخر من هذا النوع.
ولاشك أن حجم بلوتو وكثافته يماثلان إلى حد كبر حجم وكثافة تريتون Treton وهو القمر الكبير لكوكب نبتون، ويدل ذلك على أنهما ربما كانا كوكبين من بقايا خلق النظام الشمسي، دون أن تتمكن الكواكب الخارجية العملاقة من جرفهما، وتبعاً لذلك أسر نبتون تريتون ليجعله تابعاً له في حين تمكن بلوتو من البقاء كوكباً يدور في فلك مستقل حول الشمس.
لقد تبين منذ البداية أن بلوتو كان محيراً من عدة نواح، ففي حين تدور الكواكب الخارجية الأخرى حول الشمس وفق مدارات دائرية تقريباً، فإن مدار بلوتو الإهليجي شديد التفلطح يبعده عن الشمس مسافة تقع ما بين 30 و 50 مثلاً من بعد الأرض عن الشمس، كما أن هذا الفلك بقربه أحياناً من الشمس أكثر من قرب نبتون إليها، وقد كان ذلك هو الوضع الذي ساد منذ عام 1979، لكن بلوتو استعاد وضعه كأبعد كوكب عام 1999. كذلك فإن فلكه يميل 17 درجة على المستوى الذي تجري فيه الأرض حول الشمس، ولعل هذا الميل يفوق كثيراً ميل مستوى فلك أي كوكب آخر.
وفضلاً عن ذلك، فإن حضيض Perihelion بلوتو- أي أقرب نقطة من مداره إلى الشمس- يقع دوماً فوق مستوى مدار نبتون، وهذا يحافظ على الاستقرار المداري طويل الأمد لبلوتو.
لعل أكثر المحاولات شمولاً لحساب قطري بلوتو وشارون بالاستناد إلى مواعيد الكسوف، وقد استنتجت 2300كم لبلوتو و 1186 كم لشارون، وبذلك فإن بلوتو هو أصغر كواكب النظام الشمسي.
إن معرفة قطري بلوتو وشارون وكتلتيهما الإجمالية تسهل حساب كثافتهما المتوسطة، هذا وإن اكتشاف الميثان على السطح في طيف بلوتو خلال السبعينات (1976) قاد الفلكيين إلى الافتراض بأن بلوتو مكون من ميثان متجمد وماء ومركبات خفيفة أخرى يفترض أنها كانت موجودة في البقاع الخارجية في السحابة السديمية التي خلق منها النظام الشمسي. وقد دل ذلك على أن كثافة الكوكب لابد أن تكون منخفضة، وربما لا تتجاوز كثافة الماء (1جم/ سم3).
وتدل الحسابات الحديثة على أن الكثافة الحقيقية تتجاوز قليلاً 2جم/ سم3، وذلك يعني أن في الكوكب مواد صخرية بكميات ضخمة إضافة إلى جلائده، والكثافة المحسوبة هنا تمثل متوسط كثافتي بلوتو وشارون.
جو غريب
ولا تزال هناك خصائص مثيرة أخرى لبلوتو، ومنها جوه الغريب، فمع أن جوه أدنى كثافة بنحو 30000 مرة من كثافة جو الأرض، فإنه يمثل نموذجاً للأحداث في الأجواء الكوكبية، فجو بلوتو يتضمن 3 غازات: النتروجين وأول أكسيد الكربون والميثان. إضافة إلى ذلك تتفاوت درجة الحرارة الحالية على بلوتو بنسبة نحو 50% عبر سطحه- من نحو 313 درجة/ س (K0 40) إلى 343/ س (K0 60)، وقد بلغ بلوتو حضيضه عام 1989، ومع تنامي ابتعاد الكوكب عن الشمس، فإنه يفترض أن متوسط درجة حرارة سطحه سينخفض، وأن معظم ميثان الجو سيتكثف ويتساقط ثلجاً، وذلك في نحو ما بين 20 و 40 سنة، وستبقى هذه الطبقة على السطح إلى حين اقتراب الكوكب ثانية من الشمس، ويبدو أن بلوتو يمتلك بالفعل أكثر الأنماط الفصلية إثارة بين كواكب النظام الشمسي.
إلى جانب أن جو بلوتو يستفيد مادته في الفضاء بمعدل يعادل ما يفقده مذنب، ومعظم الجزئيات في الجو العلوي للكوكب لها ما يكفي من الطاقة الحرارية لتفلت من جاذبية الكوكب، ومع أن هذه الظاهرة لا ترى على أي كوكب آخر حالياً، فقد يكون بلوتو هو الوحيد في النظام الشمسي الذي يمكن أن تدرس فيه هذه الظاهرة. وعلى الرغم من أن الحوادث الكسوفية قد أمدتنا بمعلومات جديدة عن طبيعة سطحي بلوتو وشارون ومناطقهما الداخلية، إلا أنها لم تكشف لنا بشيء عن الوجود المفترض لجو رقيق حول بلوتو، وكان العثور على الميثان قد علل في بداية الأمر أنه نتيجة لجليد الميثان على السطح، لكن تبين في 1980 عبر قياسات طيفية أدق، أن الميثان يوجد فعلياً بحالة غازية. إن عدم توفر أطياف مختبرية ملائمة للميثان في درجات الحرارة والضغوط السائدة على بلوتو أعاق الفلكيين من التمييز بشكل مؤكد بين وجود جليد أو غاز اعتماداً على الأرصاد المقرابية، وقد أمكن استنتاج أن الجليد والغاز متواجدان هناك.
سطح متجمد
يتطلب سطح بلوتو شديد العاكسية آلية محددة لإبقاء الجليد السطحي متماسكاً بشكل متواصل، فالمسافة التي تفصل بلوتو عن الشمس تتفاوت بشدة- من 4,5 إلى 7,4 بليون كم- نتيجة للاختلاف المركزي الكبير لفلكه، مما يحدث تغيرات كبيرة في درجات الحرارة.
واعتماداً على تركيبه الإجمالي، فغن جو بلوتو قد لا يكون سوى ظاهرة مؤقتة تحدث حينما يكون الكوكب في حضيضه من الشمس.
يبدو شارون رقيقاً ذا لون رمادي فاتح، في حين يبدو بلوتو ضارباً إلى الحمرة، وتدل قياسات طيف شارون في الأطوال الموجية تحت الحمراء الأطول على هذا التابع مغطي بجليد الماء، ومن المحتمل أن يعلل ذلك التركيب المختلف سبب كون بلوتو أشد عاكسية من شارون.
ويوجد لبلوتو قبعتان قطبيتان ساطعتان ومنطقة استوائية مبقعة ضعيفة السطوع.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 85