التخلص من بقاياه حماية للبيئة
ريش الطيور .. أعجوبة الخالق
سليمان الشراد
يمثل الريش في الطيور أعجوبة من العجائب الهندسية للخالق، وهو خفيف جداً ومتين التركيب، وأكثر قدرة وتحملاً من جلد الخفاش المنبسط، أو عن جناح الطائرة بتكوينه القاسي، بل وأكثر من ذلك كله، فإنه أكثر قابلية للإصلاح والاستبدال، في حالة الإصابة بتلف ما.
وعند فحص الريش تجد أنه متين برغم من أنه عديم الوزن تقريباً. كما أن له نسيجاً مصقولاً شديداً رغم نعومته.
ويعطي الريش المحيط للطائر هيئته الخارجية وتتكون كل ريشه من ساق يحفها من كل جانب نصل (أو نسيج)، ويتكون الزغب حول قواعد الريش المحيط، وهو يتمثل في سيقان ضعيفة تشبه الشعر، وتنتهي بحزم من الشوارب القصيرة، ولريش الذيل أو الجناح قلم Quill من جزع قرني مجوف من ريش كبير وقوي.
ومن الواضح، أن الريش يفيد الطيور في أغراض كثيرة، من مجرد منحة لهبة التحليق، فهو يحمي جلد الطير الحساس الرقيق، إذ أنه هش، وخفيف، وذو قدرة على التحمل، كما أنه يعمل بمثابة جهاز تكييف على درجة عالية من الكفاءة، وذلك بالعمل على احتباس حرارة الجسم في المساحات التي توجد بين الريش المزغب عند انخفاض درجة الحرارة، وكذلك انتقالها إلى الخارج، عندما يصبح الجو حاراً، ويجب ألا يخفي علينا أو ننسي الوظائف الأخرى التي قد تكون غير واضحة، كتكوين الأعراف، واللحى، والأقلام، والأشياء البسيطة الأخرى التي تتعلق بالطير، ولا شك أنه كلما كبر الطير، كلما كثر ريشه، مع ملاحظة ثبات عدد الريش من النوع الواحد، مع حدوث تباين موسمي عادة في ذلك، ولا يخلو تركيب متين معقد كتكوين الريشة، من عدم المناعة ضد التلف والاستهلاك، فالريش قد يتمزق، ولذا يتحتم على كل ير بالغ أن يجدد ساتره كلية مرة على الأقل خلال العام، وغالباً ما يتم ذلك في نهاية الصيف عقب موسم التعشيش، ولكن هناك طيور عديدة تقوم بعملية انسلاخ ثانية، حيث يكون نسل الريش إما كاملاً وإما جزئياً قبل التعشيش، لكي يكتمل المظهر التام الذي يلعب دوراً أساسياً في عملية الغزل والتزاوج.
مشاكل ريش الدجاج
لا يوجد بين طيور العالم أجمع، ما هو أكثر ألفة ومشاركة تعاونية مع الإنسان لرفاهيته مثل دجاج الغابة الأحمر، جالاس جالات Gallus gallus ولقد نشات جميع الأنواع العديد للدجاج المنزلي من هذا النوع الوحيد الشبيه بالدراج، ويبلغ عدد أفراده اليوم آلاف الملايين، وبذلك أصبح هذا النوع من أكثر الطيور عدداً على الأرض، يفوق عدده بالطبع عدد أفراد الجنس البشري، وعلى الرغم من نشأته في الغابات وأجمات الخيزران الموجودة جنوب شرق آسيا، إلا أنه انتشر في كل أنحاء الأرض، حيث يوجد الإنسان، ما عدا في الأجواء المتجمدة.
وتبعاً لوجود تلك الأعداد الهائلة والمتنامية من الدجاج على سطح الكرة الأرضية، برزت مشكلة التخلص من كميات الريش الضخمة التي تتخلف عنها، وكان الاتجاه في علاج ذلك يتطلب وسيلة تقنية ناجعة وغير ضارة بالبيئة لحل ذلك.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة تفاقم تلك المشكلة، فقد توجه أصحاب معامل تصنيع الدجاج (ذبحة وتجهيزه) في سائر الولايات المتحدة منذ نحو عقد من الزمن، إلى الباحثين في وزارة الزراعة عليهم يجدون لديهم حلاً لمعضلة بيئية كبيرة، من خلال إيجاد وسيلة ناجعة وفعالة للتخلص من نحو بليوني كجم من ريش الدجاج تنتج سنوياً هناك، وكان جل ما يأملون في الحصول عليه هو طريقة تجعل الريش أكثر قابلية للتقوض الحيوي Biodegradable عند دفنه في الأرض، وقد أحد الكيميائيين العاملين في مصلحة البحوث الزراعية في ميريلاند من تطوير تقانة إعادة تدوير Recycling Technology يمكنها إعادة الريش إلى حياتنا اليومية على شكل منتجات لدائنية وورقية.
ويعمد مربو الدجاج حالياً إلى مزج الريش والماء في آنية ضغط كبير لطبخه، فيحصلون على مادة ذات قيمة غذائية متدنية تستخدم علفاً للدجاج والماشية، وهي عملية غير مربحة بشكل عام. أما تحويل الريش إلى منتجات ذات قيمة مضافة فيتطلب أكثر من مجرد تيار من البخار الساخن، وقد أمكن من خلال التقدم السابق طرح طريقة آلية فعالة لفصل ألياف شعيرات الريش الأعلى قيمة، عن أقلامها quills الأدنى قيمة، وعلى الرغم من أن الألياف الكيراتينية في الشعيرات أكثر ليونة، فهي أشد متانة وأدنى قصافة من الألياف الكيراتينية المكونة للأعرقة، ومن ثم لها مجالات من التطبيقات أوسع.
وتعود سهولة الفصل التي كون الأعراقة أكثف وأثقل من الشعيرات، لذلك يجفف الريش ويعقم، ثم يقطع ويعبأ في آلات أسطوانية مكونة من أنبوب داخلي وآخر خارجي، ثم يشفط الريش عبر القناة المركزية وتسحب الأعراقة من القعر، وتؤدي دوامات الهواء إلى جعل الشعيرات الطافية تتجمع بين جوانب الأنبوبين حيث تفصل.
ويتم استخدام ألياف الشعيرات بعد فصلها في مجالات متعددة، وقد أمكن صنع حشوات لحافظات الأطفال ومناشف ورقية ومرشحات مياه، أما الألياف المطحونة فتستخدم في صناعة اللدائن وعجينة الورق، وكذلك تضاف إلى الألياف الطبيعية والصنعية في صناعة النسيج وتصلح هذه الألياف للاستخدام في تطبيقات كيميائية أكثر تعقيداً، ففي مصلحة البحوث الزراعية في كاليفورنيا تم صناعة رقائق لدائنية من خلال مزج مسحوق الألياف بعامل مختزل ووضع عجينة الرزغ Slurry في مكبس مائي، حيث يفعل العامل المختزل فعل محلول تجعيد الشعر الذي يستخدمه المزيتون، فيساعد على إرخاء الروابط البروتينية في الكيراتين، مما يسمح بقبوله الليف وتشكيله في صفائح رقيقة من اللدائن وقد يظهر هذا اليوليمير على شكل أغلفة للسكاكر قابلة للتدارك الحيوي "شبيهة بالسيلوفان" أو في صنع حوامل للعب.
ويمكن أيضاً أن يحل المسحوق محل مضافات مثل الألياف الزجاجية (التي لا يمكن إعادة تدويرها) والمستخدمة لتقوية اللدائن، وعند إضافة الشعيرات إلى متعدد الإيثلين يمكن الحصول على لدائن أشد قساوة ومتانة، ملائم لصنع أوعية طعام الكلاب وبعض القطع الداخلية للسيارات، مثل الواجهات التي توضع عليها أجهزة القياس (العددات).
ولا يجري التخلص من جزء الأعرقة على شكل نفاية، فقد طورت شركة ألياف الريش في ميسوري طريقة لصنع بروتين أعرقي عالي النوعية قابل للهضم بنسبة 90% في حين أن البروتين الأعرقي العادي قابل للهضم بنسبة 50%.
وقد أجازت الشركة براءات ذلك الاختراع وأقامت وحدة إرشادية لإنتاج ألياف الريش.
وقد لا تكون حيوانات المزارع الوحيدة التي تستفيد من الواجبات الأعرقية، إذ يعتقد أن جزء الأعرقة يمثل إضافة غذائية ممتازة للإنسان، لأن البروتين الكيراتيتني شديد الامتصاص، ولذلك يستطيع الاحتفاظ بالمواد المغذية مدة أطول.
ووفقاً لما سبق فإن ريش الدجاج يحقق الكثير بجانب تطبيقات أخرى، من دون إرهاق المزرعة. إن مزرعة نموذجية تنتج نحو 5000 كجم من الريش في الساعة تعتبر كمية تكفي لتلبية متطلبات منشأة واحدة لإنتاج اللدائن، وإذا ما جرى تصنيع كل ريش الدجاج المنتج في الولايات المتحدة الأمريكية أمكن الحصول على ما يزيد عن 2.5كجم من المنتجات اللدائنية.
تعتبر اللدائن المشتقة من الريش واحداً من أنواع "اللدائن الخضراء" ذات الأساس اللانفطي الذي شاع في السنوات القليلة المنصرمة، وقد أعلنت حديثاً أحد شركات البوليميرات في ولاية مينيسوتا عن إنتاج نوع جديد من اللدائن الطبيعية مصنوعة من متعدد حمض اللاكتيك، وهو مركب مشتق من نبات الذرة، وقد أفادت الشركة المتخصصة في إنتاج النباتات المحورة وراثياً في أكتوبر 1999 أنها أنتجت نباتاً يمكن أن يصنع منه لدائن قابلة للتفويض الحيوي من نوع يعرف باسم متعدد هدروكسي الألكانوات.
يوبدو أن العواقب المترتبة على إنتاج أنواع اللدائن "الأكثر خضرة" كثيراً ما يجري تجاهلها، فالناس يتقبلون فوراً مقولة إن عبارة "قابلة للتجديد" تكافئ عبارة "جيدة بيئياً"، ولكن ليس من الضروري أن تتكافأ العبارتان، فإذا كان عليك استهلاك كميات كبيرة من الفحم لصنع اللدائن المطلوبة، فأنت بذلك تسيء إلى البيئة على الرغم من كل شيء، إضافة إلى أن اللدائن المصنوعة من الريش لا تتقوض حيوياً إلا جزئياً فقط.
وأخيراً لاشك أن التوجه نحو مصادر لا تنضب هو بحد ذاته مطلب يسعى وراءه الجميع، ولكن ذلك لا يعني تدمير البيئة من حولنا، وقد يكون الريش أحد المصادر المميزة ويحقق ضالتنا في ذلك وهو ما نرجوه، ولكن بعد المزيد من الأبحاث والدراسات التي تثبت سلامته التامة للبيئة.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 44