عمل هندسي فريد تعبره 37 سفينة يوميا
بنما .. ملتقى طرق العالم
عنود محمد القبندي
هكذا لقبت لكونها تجمع بين أكبر المسطحات المائية في العالم فهي البوابة الوحيدة في العالم الذي يبعد فيها المحيط الأطلسي عن المحيط الهندي بمسافة 50 ميل فقط، دولة لديها غابات جميلة مطلة على الهادي والأطلسي وتوجد فيها كذلك أفضل مياه للشرب في العالم.
تقع بنما بين أمريكا الوسطى والجنوبية، 1160 كم من مساحة أراضيها يوجد على الساحل الكاريبي و 1690 كم على الساحل الهادي ومن أشهر معالم دولة بنما هي " قناة بنما " التي قسمت الدولة إلى جزئين شرقي وغربي وتحتوي قناة بنما على مئات الجزر التي تقع بالقرب من سواحلها وتقوم الغابات المطيرة بالسيطرة على منطقة القناة داخل الأراضي البنمية وهي أكبر دول الأمريكتين باحتوائها على محميات نباتية وحيوانية ونظرا لثراء الحياة النباتية والحيوانية فيها وقلة عدد البشر المهتمين بصيد الحيوانات وتدمير الحياة البرية الأمر الذي ساهم في ازدهار هذه البيئة بدرجة تفوق جيرانها وايضا في ازدياد وتنوع فصائل الطيور والنباتات والحيوانات.
قناة بنما
عبارة عن ممر مائي يعبر برزخ بنما ويصل المحيط الأطلسي والهادي، فهذه القناة عمل هندسي فريد من نوعه ويعتبر من أعظم الإنجازات الهندسية في العالم وكذلك هي من أهم المسطحات المائية الموجودة على سطح الأرض وتمتد لمسافة تصل إلى 63,8 كم من خليج ليمون على المحيط الأطلسي إلى خليج بنما على المحيط الهاديء، وتستخدمها نحو 120 ألف سفينة سنويا. لقد عمل آلاف العمال في هذه القناة لمدة عشر سنوات مستخدمين مجارف البحار وآلات رفع التربة لكي يقوموا بشق طريقهم عبر الغابات والتلال والمستنقعات.
يتطلب تعويم باخرة واحدة عبر محابس قناة بنما أكثر من 190 مليون لتر من المياه العذبة. وفي ضوء أن العدد الكبير للسفن الذي يعبر سنويا هذه القناة فإن هذا يؤدي إلى استهلاك ما يعادل 2660 بليون لتر ماء سنويا. والماء هو مادة حيوية لاقتصاد بنما. فالقناة تجني عائدات مالية تزيد على بليون دولار سنويا، أو ما يعادل نسبة 6 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما أنها تدعم صناعات متصلة بحركة مرور البواخر مثل التجارة والمصارف والتأمين والخدمات البحرية.
أهميتها
قناة بنما تعد ممرا مائيا حيويا من الناحية التجارية والعسكرية حيث يمر خلالها من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهاديء أعداد كبيرة من السفن يصل معدلها اليومي إلى 37 سفينة في اليوم بالإضافة إلى أنها تكون محملة بحمولات كبيرة تصل نحو 235 مليون طن متري في السنة.
أيضا السفن التي تبحر عبر قناة بنما تقوم أكثرها بشكل عام في نقل البضائع بين موانيء الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك اليابان وكندا تستخدمان القناة بشكل مستمر. قناة بنما عبر من خلالها كميات ضخمة من المعدات العسكرية والحربية بلإضافة إلى الجنود خلال الحرب العالمية الثانية والحربين الكورية والفيتنامية.
أجزاؤها
توجد في قناة بنما ثلاثة أطقم من حجرات تمتليء بالماء تعرف باسم "الأهوسة " وهذه الأهوسة تعمل على رفع السفن وحفضها من مستوى إلى آخر.
إن هذه الأهوسة لقد بنيت على شكل أزواج لكي تمكن السفن من المرور في كلا الإتجاهين في نفس الوقت، الأهوسة مفردها " الهويس " ويصل طول الهويس الواحد 300م وعرضه 34م وعمقه 20م أما أبعاد الهويس تحدد عن طريق حجم السفن التي بوسعها استخدام القناة لذا استوجب استخدان أنظمة ومراكز تحكم خاصة يرتفع قاعها أكثر من 26 م عن مستوى سطح البحر ويجتازها سفن ذات أبعاد محددة فناقلات النفط التجارية العملاقة أو حاملات الطائرات العملاقة التابعة للاسطول الأمريكي لا تستطيع المرور بهذه القناة.
رحلة في القناة
تقوم السفينة المبحرة بدخول قناة بنما من المحيط الأطلسي عن طريق خليج ليمون ميناء مدينة كريستوبال في الوقت الذي تكون فيه السفينة لا تزال في المياه العميقة، ثم يقوم أحد مرشدي القناة ويصعد على ظهر السفينة قادما من قارب صغير ولدى صعوده يصبح مسؤولا مسؤولية كاملة عن السفينة أثناء رحلتها في القناة وبعد المرور خلال الحاجز المنصوب في مدخل الخليج تتجه السفينة جنوبا في القناة لمسافة 11 كم في طريقها إلى "هويس جوتن ".
* أهوسة جوتن : هذه الأهوسة تبدو وكأنها سلالم عملاقة وتتكون من ثلاثة أزواج من غرف اسمنتية تعمل على رفع السفن لمسافة 26م فوق مستوى البحر تقريبا لتقوم بنقلها إلى بحيرة جاتن وتوجد قاطرات صغيرة تعمل بالتيار الكهربائي تعرف "بالبغال " تسير على سكك حديدية على جانبي الأهوسة، هذه القاطرات تساعد على وضع السفن في الأهوسة وتثبيتها كما أنها أيضا تسحب السفن الصغيرة وترشدها أثناء عبورها الأهوسة أما السفن الكبيرة تعبر خلال الأهوسة بقوتها الذاتية ولكن القاطرات تقوم بسحبها وارشادها.
إن السفن الصغيرة عندما تقترب من الغرفة الأولى تتوقف محركاتها بينما السفن الكبيرة تبقى محركاتها في حالة تشغيل ويقوم العمال بتثبيت حبال القاطرات بالسفينة فتقوم القاطرات بسحب السفن الصغيرة أو أنها تعمل على المساعدة في سحب السفن الكبيرة إلى الغرفة الأولى ثم تغلق البوابات الفولاذية الضخمة خلف السفينة بعدها يقوم العمال بفتح صمامات تسمح للماء بالتدفق من بحيرة جاتن إلى الغرفة من خلال فتحات توجد في الجزء السفلي من الهويس، وخلال تقريبا ما بين 8-15 دقيقة يرفع الماء المتدفق السفينة ببطء.
وعند وصول مستوى الماء المتدفق إلى مستوى الماء في الغرفة الثانية تنفتح البوابة الموصدة أمام السفينة للخارج فتسحب القاطرات السفينة أو تساعدها على الانتقال للغرفة الثانية ومن ثم يرتفع مستوى الماء ثانية، وهذه العملية تتكرر إلى أن تعمل الغرفة الثالثة على رفع السفينة إلى مستوى بحيرة جاتن.
* بحيرة جاتن : تبلغ مساحتها 422 كم² ويوجد فيها سد هو من أكبر السدود في العالم حيث تبلغ سعته 18 مليون متر مكعب من الماء فهو يقوم بحجز مياه نهر " شاجريز " الذي يصب في المحيط الأطلسي بالقرب من نهاية القناة.
عمال القناة يقومون بإرخاء الأمراس فتبحر السفينة خارج الهويس بفعل قوتها الذاتية ثم تشق طريقها جنوبا عبر المياه الهادئة لبحيرة جاتن بعدها تمر عبر سد بحيرة جاتن التي تم انشاؤها تلك الحفريات التي تنزلق نتيجة الحفر لبناء القناة باتجاه الجهة العربية من الأهوسة بعدها تتباع السفينة سيرها عبر البحيرة من أهوسة جاتن إلى جامبوا سالكة طريق في القناة يبلغ 35 كم وفي الماضي كان هذا الطريق وادي لنهر شاجريز.
في هذا الوادي تبرز قمم الأشجار والتلال فوق الماء فالمياه كادت تغمرها عندما قاموا المهندسون بإغراق الوادي لإنشاء بحيرة جاتن فلقد كانت أزهار البنفسج والأوراق الخضراء لنبات الزنبق تطفو على سطح هذه البحيرة ولكن هذه النباتات بسيقانها الخشنة الطويلة قد تتشابك مع مراوح السفن ومن ثم تشكل خطر على الملاحة فلهذا تم القضاء على ملايين النباتات للمحافظة على تأمين سير السفن في القناة.
عندما تصل السفينة إلى الطرف الجنوبي الشرقي لبحيرة جاتن فإنها بذلك تدخل معبر جيلارد وترفع الآلات الوحل والأتربة باستمرار من أجل المحافظة على القناة خالية من الانزلاقات الأرضية.
* معبر جيلارد : قناة أو ممر تم إنشاؤه اصطناعيا، يصل طول هذا المعبر إلى 13 كم وعرضه 150 م وعمقه 13 م في أقل المناطق عمقا، يمتد هذا المعبر بين "جولد هل " شرقا و " كونتراكتر هل " غربا وفي الأصل هذا المعبر كان يسمى معبر " كوليبرا " إلا أنه في عام 1913 م أعيدت تسميته تكريما للمهندس "ديفيد دوبوس جيلارد " المسؤول عن الحفر بين التلال. وكانت التلال الت تم شق المعبر فيها تتكون من مواد بركانية لينة لدرجة أن الحفر بها كان كالحفر في كومة من الحبوب.
بعد أن تخرج السفينة من معبر جيلارد تقوم القاطرات بسحب السفينة أو تساعد على سحبها إلى أهوسة " بيدرو ميغويل " هذه الأهوسة تخفض منسوب ارتفاع المياه لمسافة تسعة أمتار في مرحلة واحدة لكي تدخل السفينة بحيرة "ميرافلوريس " ثم تبحر السفينة مسافة 2.4 كم عبر البحيرة لكي تصل إلى أهوسة "ميرافلوريس " هنا تقوم غرفتان بإنزالها لتصبح في مستوى المحيط الهاديء والمسافات تعتمد على مدى ارتفاع المد والجزر في المحيط، ويصل الفرق بين أعلى ارتفاع للمد وأدنى انخفاض للجزر إلى نحو أربعة أمتار عند طرف القناة المتصل بالمحيط الهاديء أما تقلبات المد والجزر في المحيط الأطلسي فتتغير صعودا أو هبوطا بمعدل 60 سم يوميا تقريبا.
بعد خروج السفينة من الأخوسة تتجه عبر قناة طولها 13 كم بين أهوسة "ميرافلوريس " ونهاية القناة وفي هذه الرحلة تمر بمدن "بالبوا " و "لابوكا " ومرتفعات بالبوا أيضا تمر السفينة تحت جسر تاتشر فيري الذي يعتبر حلقة وصل مهمة في الطريق العابر للأمريكتين وبعدها تدخل السفينة خليج بنما ويغادر مرشد السفينة ثم تبحر باتجاه البحر المفتوح وبهذا تكون قد قطعت مسافة تزيد قليلا عن 80 كم فيما بين المحيطين الأطلسي والهادي ثماني ساعات تقريبا.
علاج المشكلة
قامت العديد من الجمعيات الزراعية والبيئية البنمية بعمل مشتلا مركزيا لغرس النباتات وأشجار وذلك لغرض استخدامها في المزارع وتحويل روث الأبقار إلى سماد عضوي، بالإضافة إلى انتاج أغذية غنية بالبروتينات للماشية كي تستهلكها خلال موسم الجفاف. ومع الحفاظ على غرس الأشجار سيكون هناك حفاظ على المياه في التربة التي تحافظ على المخزون المائي والمستجمعات المائية في نهر ريو شاغريس وقناة بنما وحماية التربة من القحط، كما أن هذه الأشجار هي بيئة طبيعية للطيور والحياة الفطرية.
مشاكل قناة بنما
مع تزايد عدد السكان على ضفتي القناة، فإن مخزون البلاد المائي بات معرضا للخطر. فإن نسبة 40 % تقريبا من الماء الذي يتدفق في القناة ينبع من نهر ريو شاغريس وروافده، لكن تنامي تربية المواشي في حوض النهر المذكور عمل على تقليص الكثير من الغابات الاستوائية التي تمتص مياه الأمطار عادة خلال موسم الأمطار وتصرفها بصورة منتظمة إلى نهر ريو شاغريس، ولاحقا، في القناة خلال موسم الجفاف. ومع اقتلاع المزارعين ومربي المواشي للأشجار، لغرض رعي الأبقار في الأراضي المزروعة، فإن المياه تصرّف بصورة أسرع وتتعرض التربة للقحط كما أن الترسبات الرملية تقذف إلى النهر والقناة مما يخفص من طاقة الأخيرة على خزن المياه. وفي الوقت نفسه فإن الأسمدة الصناعية والروث الحيواني، تلوث الجداول وتهدد مصائد الأسماك القيمّة ومصادر مياه الشفة.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 116