تلوث البيئة البحرية بالمواد الإشعاعية الناشئة عن تصنيع الفوسفات
د. رضا عبدالحكيم رضوان
طبقاً لأحدث الدراسات، جرى تقدير أثر عمليات تحميل الفوسفات الخام إلى السفن على البيئة البحرية القريبة من الشاطئ السوري، أظهرت النتائج زيادة معنوية من البولونيوم 210 والرصاص 210 والنكليدات المشعة الطبيعية الأخرى في رسوبيات ومياه داخل منطقة المرفأ . فبلغت أعلى قيمة لتركيز البولونيوم 210 والرصاص 210 في المياه السطحية بين ٥ و 20 ميلي بكريل / ل و 0. 93 و 3. 23 مي بكريل / ل، بالإضافة إلى ذلك أوضحت نتائج البولونيوم 210 والرصاص 210 القابلة للمقارنة في الأحياء البحرية جميعها ( طحالب، سرطان، أسماك ) ، بأن استخدامها كمشعرات للتلوث بالفوسفات غير منصوح به، على أية حال، لوحظ بأن أثر عمليات التحميل على البيئة البحرية القريبة لمرفأ طرطوس يعتمد بشكل رئيسي على اتجاه الرياح حيث تنتشر عوالق الهواء المشعة إما إلى اليابسة أو إلى البحر .
تعد الصناعة الفسفاتية إحدى المصادر الهامة للتلوث بالمواد المشعة الطبيعية سلسلتا تفكك 238Th, 232U، يمكن أن تتركز هذه النكليدات المشعة الطبيعية في النفايات الصلبة كالفوسفوجبسوم، والتصريفات السائلة والإصدارات الجوية كغاز الرادون والغبار الحامل للنشاط الإشعاعي . أجريت دراسات كثيرة حول العالم تناولت التأثير البيئي لمثل هذه التصريفات " الإطلاقات " وبالإضافة إلى ذلك تستورد بعض الدول " مثل المملكة المتحدة " أو تصدر " مثل سورية والمغرب " خامات الفوسفات عبر البحر، يمكن أن يلوث الغبار الصادر خلال عمليات التحميل الهواء الجوي أو مياه البحر السطحية .
ففي سوريا، يصدر معظم الفوسفات الخام بكميات كبيرة ( 1. 36 ميغا طن في 1996م ) عبر أحد المرافئ السورية الأساسية " طرطوس " الذي يقع على الجزء الشرقي للبحر المتوسط ( 52 350 ) E، ( 54 340 ) N حيث بدأت عمليات تحميل الفوسفات إلى السفن منذ أكثر من عشرين عاماً . تتصاعد العوالق الملوثة بالنشاط الإشعاعي وتنتشر في المناطق المجاورة مؤثرة بذلك على معظم منطقة المرفأ.
أجريت قياسات للنشاط الإشعاعي في العوالق الهوائية وعينات تربة جمعت من مرفأ طرطوس ومدينة طرطوس، حيث لوحظت مستويات مرتفعة نسبياً من البولونيوم 210 والرصاص 210 ونكليدات مشعة طبيعية أخرى في منطقة المرفأ، وأظهرت دراسات أخرى تراكيز مرتفعة من البولونيوم 210 في رسوبيات جمعت من شاطئ طرطوس ( 250 - 450 بكريل / كغ ) ، وبالإضافة إلى ذلك، درس حديثاً تلوث مرفأ طرطوس بعناصر الأثر، فلوحظت مستويات مرتفعة نسبياً من الكادميوم في رسوبيات جمعت من منطقة المرفأ . على أية حال، لم يدرس بشكل جيد النشاط الإشعاعي للبيئة البحرية القريبة من مرفأ " طرطوس " ، ولهذا كان الهدف الرئيسي للدراسة الحالية تقييم أثر عمليات الفوسفات على البيئة البحرية القريبة بتعيين كل من الرصاص 210 والبولونيوم 210 في مياه البحر والرسوبيات والأحياء البحرية.
المواد والطرائق
جمع العينات : نفذت ثلاث رحلات بحرية لجمع العينات، وجمعت رسوبيات (١ كغ لكل عينة ) ومياه بحر ( 50 لتر لكل عينة ) ، أسماك وطحالب وعينات بيولوجية أخرى من أربعة عشر موقعاً . أخذت عينات الرسوبيات من الطبقة السطحية من أسفل كل موقع بواسطة جامع العينات من نوع Grab أو من قبل غطاس .
الطرائق التحليلية
حمضت عينات الماء بإضافة حمض كلور الماء، أما عينات الرسوبيات والأسماك والطحالب والسرطانات، فلقد جففت بالفرن في الدرجة 90 مئوية لمدة تراوحت بين 24 - 48 ساعة، قيست تراكيز البولونيوم 210 والرصاص 210 باستخدام التقانة القياسية ( تقانة صحن الفضة ). مزج ١ غرام من كل عينة رسوبيات ( أو 10 غرام من الوزن الجاف لعينات الأحياء البحرية والأسماك والطحالب والسرطانات ) ، مع كمية محددة » 0. 2 بكريل « من البولونيوم 208 كمقفى أثر، هضمت كل عينة باستخدام مزيج من الحموض المعدنية " حمض كلور الماء وحمض الآزوت " لفترة زمنية وصلت إلى 24 ساعة على الأقل، بخرت العينة بهدوء بعد أن أصبح المحلول صافياً، إلى قرب الجفاف ومن ثم حل الراسب في 100 مل من 0. 5 مول / ل حمض كلور الماء . سخن المحلول إلى الدرجة 80 مئوية ورسب البولونيوم 210 تلقائياً على قرص من الفضة مع التحريك بعد إرجاع الحديد بحمض الأسكوربيك . جرى تعداد جسيمات ألفا الصادرة عن البولونيوم 208 ( 5. 15 ميغا إلكترون فولت ) والبولونيوم 210 ( 5. 32 ميغا إلكرون فولت ) باستخدام مطيافية ألفا ( Oasis, Oxford ) زود بكاشف سليكون فعال ( مساحة المنطقة الفعالة 300 ملم ٢ ، تعداد الخلفية الطبيعية قرابة 6. 3 في اليوم وتبلغ الثخانة الصغرى المستنضبة حوالي 100 ميكروم متر ).
صححت فعالية البولونيوم 210 من أجل المردود بمقارنة الفعالية المقاسة للبولونيوم 208 المستخدم كمقفى أثر والتفكك الإشعاعي من زمن جمع العينة . أعيد طلي وتعداد قرص جديد بعد ٦ أشهر من حفظ المحلول لقياس نمو البولونيوم 210 الجديد من الرصاص 210 ولحساب تركيز الرصاص 210 في العينة الأساسية . بلغ الحد الأدنى لكشف الطريقة المستخدمة حوالي 0. 4 بكريل / كغ وزن جاف . أما لتعيين الرصاص 210 والبولونيوم 210 في عينات ماء البحر، فلقد رسب الرصاص 210 والبولونيوم 210 من 40 ل بواسطة MnO2، حل الراسب في 1. 5 مول / ل حمض كلور الماء وعولج المحلول كما شرح آنفاً للعينات الصلبة، قيست عينات الرسوبيات أيضاً بمطيافية غاما باستخدام كواشف الجرمانيوم مرتفعة مقدرة الفصل ( 1. 85 كيلو إلكترون فولت عند الطاقة 1. 33 ميغا إلكترون فولت ) ومرتفعة كفاءة التعداد النسبية ( 26٪ و 80٪ ) ومنخفضة الخلفية الطبيعية وذلك لتعيين مصدرات غاما الطبيعية والصنعية مثل 40K، 137Cs ، 224 Ra، 228 Ra، 229Th .
ضبط الجودة
طبقت إجراءات ضبط الجودة باستخدام عينات مراقبة داخلية وتحاليل مكررة، كما حللت أيضاً عينات عيارية من الوكالة الدولية ( MA-B3/Rn, IAEA-386 ) للتأكد من صحة النتائج التحليلية التي تم الحصول عليها في هذه الدراسة.
النتائج والمناقشة
- البولونيوم 210 والرصاص 210 والنكليدات المشعة الأخرى في الرسوبيات.
تعد الرسوبيات الجزء الراسب الأخير، من أي ملوث يدخل البيئة البحرية . ولهذا فإن أي ارتفاع في تراكيز النكليدات المشعة في الرسوبيات بقدر أعلى من المستويات الطبيعية يدل على وجود مصدر خارجي .
عرضت نتائج تحليل البولونيوم 210 والرصاص 210 وقد لوحظت أعلى التراكيز والبالغة 170 و 64 بكريل / كغ لكل من البولونيوم 210 والرصاص 210 على الترتيب في العينات التي جمعت من داخل منطقة المرفأ وهي ناجمة طبعاً عن فعاليات تحميل الفوسفات . على أية حال، تعد هذه القيم أقل بكثير من القيم المذكورة في مناطق أخرى من العالم حيث توجد إطلاقات مماثلة، وإضافة إلى ذلك، كانت تراكيز الرصاص 210 في معظم عينات الرسوبيات أقل من تركيز البولونيوم 210 بمعامل وقدره 2، حيث تكون عادة نسبة النشاط 210 Pb / 210 Po أعلى من ذلك بكثير في المستويات الطبيعية وربما يعود هذا إلى حقيقة أن كلا من هذين النكليدين يدخلان البيئة البحرية بطريقين مختلفين وليس عبر طريق تفكك غاز الرادون، ويمكن اعتبار غبار الفوسفات الحامل لهذين النكليدين هو ذلك المصدر، وبالتالي يعد هذا دليلاً على أثر فعالية تحميل الفوسفات على بيئةالبحر داخل منطقة المرفأ .
حددت أيضاً النكليدات المشعة الطبيعية الأخرى في عينات الرسوبيات التي جمعت في هذه الدراسة، فكانت تراكيز الراديوم 226 مرتفعة نسباً ( 33. 2 بكريل / كغ ) والثوريوم 234 ( 88 بكريل / كغ ) في كل العينات التي جمعت من منطقة المرفأ، هذا واحتوت أيضاً هذه العينات مستويات مرتفعة من البولونيوم 210 والرصاص 210، بالإضافة إلى ذلك لوحظت مستويات مرتفعة نسبياً من السيزوم 137، الذي هو نكليد مشع صناعي ناجم عن السقط الجوي في العينات نفسها . ويفترض أن يكون سبب ذلك معدلات الترسيب المرتفعة في تلك المواقع.
- تركيز الرصاص 210 والبولونيوم 210 في مياه البحر
تتراوح المستويات الطبيعية للبولونيوم 210 في مياه البحر الشاطئية ( عمق المياه أقل من 100 م ) بين ١ و ٤ ميلي بكريل / ل، وتكون نسبة الفعالية 210 Pb / 210 Po المنحلة بشكل وسطي حوالي 0. 9 بينما تكون نسبة الفعالية 210Pb / 210Po في العوالق أكبر من الواحد .
جرى تعيين كل من الرصاص 210 والبولونيوم 210 في عينات ماء البحر التي جمعت من داخل وخارج منطقة المرفأ، وحدد كلا النظيرين بشكل آني في عينات مياه البحر التي جمعت على طول الشاطئ السوري وبعيداً عن مرفأ » طرطوس « ، وقد لوحظ تراكيز مرتفعة نسبياً في تلك العينات التي جمعت من القسم الشمالي لرصيف التحميل ( الموقع 20 و 17 ) ، ويمكن تفسير ذلك أن العوالق الهوائية المشعة تدفع بواسطة الرياح بالاتجاه الشمالي الشرقي أي باتجاه المرفأ، ومن البحر نحو اليابسة على طول الشاطئ، وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن تؤثر التيارات المائية على تلك المنطقة، والتي تتجه من الجنوب إلى الشمال على طول الشاطئ السوري، على توزيع هذه النكليدات المشعة . على أية حال، يلاحظ أن نسبة الفعالية 210 Pb / 210 Po في عينات المياه السطحية أكثر من الواحد ( 5. 38 - 8. 23 ) والتي تدل على أن معظم فعالية البولونيوم 210 ناجمة عن التراكيز المرتفعة الموجودة في العوالق فيها عما هي في الجزء المنحل، وبالتالي فإن أثر فعاليات تحميل الفوسفات واضحة في المواقع الموضوعة في شمال وشرق رصيف التحميل، ويبدو أنه يوجد تأثير قليل على المناطق الأخرى الموجودة في جنوب المرفأ ( الموقع 6، 3، 1 ).
- الرصاص 210 والبولونيوم 210 في الأحياء البحرية
أظهرت الطحالب التي جمعت وحللت من أجل تعيين البولونيوم 210 على طول الشاطئ السوري تراكيز تراوحت بين 0. 52 و 8. 5 بكريل / كغ على الوزن الرطب، وكانت أعلى التراكيز في الطحالب من نوع Spiridia ( 8. 5 بكريل / كغ وزن رطب ) على أية حال لا يدل تحليل هذا النوع من الطحالب على أي زيادة في البولونيوم 210 والرصاص 210، حيث لوحظت أعلى القيم في تلك العينات التي جمعت خارج منطقة المرفأ » الموقع ١« على الرغم من انخفاض عدد عينات السمك التي جمعت وحللت من داخل المرفأ، كانت تراكيز البولونيوم 210 مرتفعة نسبياً وتراوحت بين 5. 5 و 23 بكريل / كغ من الوزن الرطب، ولقد لوحظت قيم متشابهة ( 27 بكريل / كغ من الوزن الرطب ) في دراسة سابقة، أما نسبة فعالية 210 Pb / 210 Po فكانت مرتفعة جداً ( 307 ) في نوع واحد جمع من داخل المرفأ والتي يمكن أن تعود إلى ارتفاع محتوى البولونيوم 210 في المياه السطحية، وأظهرت أيضاً عينات السرطانات من داخل منطقة المرفأ تراكيز مرتفعة من البولونيوم 210 ( عينات جمعت من ٦١ ، ٧١) ، وأعلى بكثير من تلك القيم المذكورة لأنواع أخرى جمعت على طول الساحل السوري .
على أي حال، دلت دراسات أخرى أجريت في بحر البلقان أن تحاليل عينات أسماك جمعت بالقرب من إطلاقات الصناعة الفوسفاتية غير مختلفة إحصائياً عن المناطق الأخرى، بينما أظهر آخرون اختلافات معنوية تعكس أثر الصناعة الفوسفاتية على البيئة البحرية للبحر الإيرلندي، ولهذا ينصح بعدم استخدام الأحياء البحرية كمشعرات لتأثير الصناعة الفوسفاتية على البيئة البحرية حيث تركز معظم الأحياء في أجسامها كل من البولونيوم 210 والرصاص 12. ويستنتج من ذلك أن مياه البحر والرسوبيات هي العينات الرئيسية التي يجب مراقبتها من أجل تلوث البيئة البحرية الناجم عن إطلاقات الصناعة الفوسفاتية بما فيها عمليات تحميل الفوسفات الخام . ويفترض أن يكون الأثر الصحي الإشعاعي الناجم عن عمليات التحميل هو استنشاق غبار الفوسفات وغاز الرادون ولابد من تقدير التعرض الداخلي.
الاستنتاج
بينت نتائج تراكيز البولونيوم 210 والرصاص 210 في عينات البيئة البحرية القريبة من مرفأ طرطوس زيادة معنوية في النكليدات الطبيعية داخل منطقة المرفأ وبالاتجاه الشمالي، وتستخدم فقط تحاليل المياه السطحية والرسوبيات لتقدير أثر فعاليات تحميل الفوسفات. هذا وأظهرت تحاليل الأحياء البحرية التي جمعت من المنطقة المتأثرة نتائج قابلة للمقارنة مع مناطق أخرى وأنه غير مجدي استخدامها كمشعرات بيولوجية.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 68